Banned *
Banned
- إنضم
- 30 يونيو 2012
- المشاركات
- 296
- مستوى التفاعل
- 7
- النقاط
- 18
- للبغداديينَ كسائرِ الناسِ هواياتهم التي يعتزون بها ويبالغون في سبيل الحفاظ عليها، وقد انقرض كثير من تلك الهوايات مع الزمن. ولم يبق منها الا ذكرياتها التي يتناقلها الشيوخ، فتصوّر لنا ، نحن البعيدين عنها، شيئا من جمال الماضي وسحره المتمثل بشرقيته الاصلية.
وقبل ان اخوض بالكتابة أحدثك عزيزي القارئ عن شيء من انواعها واوصافها:
المسكي والبدرنك: واشهر ما عرف من الطيور لدى جمهور (المطيرجية) ((الزرق))، و((الحمر))، فأما ((الزرق)) فتشكيلتها تتألف من((المسكي)) وهو الرمادي الفاتح، واجمله مايكون ((أبو الدكات)) لوجود نقط بيض او سود على بعض اعضاء جسمه، ويليه ((الرمادي)) بنوعيه: الغامق، والفاتح. ثم ((العنبري)) المعروف بشدة زرقته المرقشة ببقع سود سائر اعضاء جسمه، فـ((الشمسي))، أما اعلاها اصلا فهو الحمام الزاجل، ولا اظنك بحاجة الى تعريفه لشهرته بنقل البريد في العهود الغابرة، واذا تطير هذه الطيور فإنها(تسرح) أي تحلق الى امد بعيد، ومن اصحابها من يطلقها رهانه عليها من الكاظمية أو التاجي أو سلمان باك أو بعقوبة وغيرها من المواقع البعيدة، فترجع الى ابراجها بعد طيران نهار كامل، وقليل منها من تجد في طريقها من الحقول المترامية الاطراف ما يغريها بعدم العودة الى اصحابها فتكون الخسارة أفدح. ناهيك بالغمزات واللمزات التي تثيرها تعليقات الخصوم والمراهنين على السواء، فيكون إيلامها على (المطيرجي) اشد من خسارته فيها. واذا انتهينا من (الزرق) وذهبت معي الى ابراج (الحمر)، واياك ان تدلف مع غيري لنجد ان تشكيلتها تتألف من الاحمر العادي، وهو ما يسمى (ابو الدلعة) لما يخضب صدره من طرر بيض على صدره وصدغيه، ثم يليه (الاغر) للغرة البيضاء التي تزين جبينه، و يأتي بعده (الاصفر) و(الكمرلي) واعني به الاسود (البدرنك) الذي هو ما بين الاصفر والابيض والشكري لنصاعة بياضه (الاورفلي) وهو الطير الابيض ذو الجناح الاسود أو الاحمر.. واذا طارت هذه الطيور فإنها تعود الى ابراجها بعد ساعة أو ساعتين من دون ان ينال منها التعب!.
أما إذا اراد (المطيرجي) ان يصطاد طيورا لأحد خصومه فإنه يطيّر نوعا مشابها لها بحيث تتآلف معها فيصبح عندها المثل القائل (ان الطيور على اشكالها تقع)، هذا ما تحدث به الحاج محمد في سوق الغزل حيث يقول:اذا وقع الصيد يحجز (المطيرجي) أسرى خصومه في ابراج خاصة حتى يحين موعد المفاوضة، فيجتمع الغريمان في احد مقاهي سوق (المطيرجية)، وهي كانت تكثر في الشورجة، والفضل، وباب الشيخ، وقهوة حوري، والفحامة، والفلاحات في ذلك الوقت، وتوضع قضيتهما على (برج) البحث حتى ينتهي بهما الأمر الى ان يفتدي المأسوره طيوره بعدد منها أو بالمال الذي يجعلونه على كل منهما. وعلى هذا الاساس فإنهم على (حرب) وفي مصالحة على الدوام، وقد تقع من جراء مخاصمتهما حوادث مؤسفة، ومنها ما تنتهي بسفك الدماء!. أما إذا اصطاد (المطيرجي) طيورا يجهل أصحابها، فإنه يعمد الى قص اجنحتها أو شدّ وثاقها، وقد يتكرر ذلك مرات عديدة، حتى تنسى ابراجها القديمة وتأتلف مع الطيور الباقية.
بعدها سألت احد (المطيرجية) ويدعى ابو حسين، حيث قال: كان اشهر المطيرجية في بغداد هو المرحوم (عمر كله)، في محلة خان اللاوند، والشيخ جبار في محلة عبطان وغيرهما من الاحياء التي ما زالت مقاهها عامرة بالطيور وبـ(المطيرجية) على السواء (الطوراني) و(ابو خشيم).
ومن البغداديين من يقتني هذه الطيور للزينة فقط، فلا يعتمد إلا تطيرها لوجاهته ولدقة مركزه في بيئته، ومن اشهر هذه الطيور (ابو خشيم) الذي هو اجملها و(الزناكي) و(الحقيات) و(ابو العلمين) و(لالاج) على الاطلاق.
اما (الطوراني) فهو الغريب الشارد الذي لا يسكن محله، ولا يعرف برجه، فله عشه الخاص به وبأنثاه، والحر الطليق الذي يجد من المآذن والقباب العالية المنتجع الذي يهفو اليه في طيرانه، وانك لتجد منه اسراباً كبيرة في صحن الامام الكاظم (عليه السلام).
ومن طريف ما يعرف به(المطيرجية) تعلق ابصارهم دائماً بالفضاء، وقد تطبعوا ذلك لطول ممارستهم لهذه الهواية، وهذا ما جعل نساء المحلة لا يخرجن الى السطوح مع وجود احدهم على سطح داره، برغم أنه مشغول بالنظر الى السماء، وليس له وقت ينفقه في النظر الى النساء.
ودائما ما تشاهد (المطيرجية) قد لقوا حتفهم من اعلى السطوح لكثرة النظر الى السماء.ومن مصطلحاتهم في تطيير طيورهم انهم يصيحون (عاع،عاع) حين يريدونها ان ترتفع أو يصفرون لها.
وقيل ان محاكم العهد العثماني ما كانت تجيز لـ(المطيرجية) شهادة. اما اليوم فان البغادة من هواة الطيور قد تطوروا مع تطور الزمن.
ومن طريف ما يروي بصدد الصقور ان شاهينا كبيرا كان قد استمر في أكل الطيور في محلة الفضل ببغداد حتى تقدم احد (المطيرجية) فقتل الشاهين، ثم رفعوه على قصبة طويلة واخذوا يهوسون في فضوتهم (الياخذ ثارك يتجدم). ولم يأخذ أحد بثأره.
واخيراً.. فان الحديث مع (المطيرجية) حديث ذو شجون، وقد ادركنا التعب من كثرة الحديث مع هؤلاء في سوق الغزل الجميل.
تحقيق - عبد الكريم الوائلي