قرأت لأحد المفكرين الإسلاميين بحثاً حول الإنسان وكيف يمكن أن يربي ذاته وفقاً للقيم الأخلاقية الإلهية، وكانت للمفكر رؤيا حول مفهوم الجمال يقول فيها ((أن الإنسان عبارة عن حفنة من التراب ونفحة من روح الله ومن حماقة الإنسان أن يغفل عن الجمال الباطن المكون من جمال الله وجلاله ويلتفت فقط إلى هذه القشرة الظاهرية المكونة من الطين القابلة للتآكل والانقراض)).
هذه هي ثقافتنا الإسلامية التي تبني الإنسان من الداخل وتؤسس قيم روحانية جميلة تطغي على الشكل الخارجي مهما كانت هيئته فإن كان جميلاً زاده جمال الروح جمالاً، وإن كان دميماً يلقي جمال الروح عليه هالة نورانية تشتت الناظر عن عيوبه الظاهرية فتجد له موقعاً محبباً في النفس واستحساناً عاطفياً يطغى أثره على من حوله ويبعث على استكشاف الحقيقة في داخله بفضول متأجج بالمشاعر الإيجابية.
وعلى العكس.. جاءت ثقافة هذا العصر المادي تسطح هذه القيمة وتستهلك طاقة البشر الروحية وتبددها على الجسد الفاني فحولت الإنسان إلى تمثال من طيبن تنحته أصابع آدمية وتتحكم في حجمه ومقاساته لتشكل قالباً عالمياً موحداً للجسد الإنساني يتكرر في كل بلد، في حين الروعة الإلهية والإبداع الرباني تقتضي التنويع، والتشكيل والتعددية وتلك هي الحكمة في آية الخصوصية التي يتمتع بها كل إنسان له بصمة يتميز بها.
فما هو الجمال الداخلي الذي ينبغي على الإنسان ملاحظته والمداومة على تنميته وتهذيبه؟
إنه المحتوى النفسي والقيم الأخلاقية التي تعتنقها الروح وهي حشوة هذا الجسد. إن كانت هذه الحشوة جيدة، طيبة، فيها كل المحاسن كان هذا الإنسان عنصراً مشعاً بالجمال والجاذبية والحب، وإن فسدت الحشوة كان الإنسان مصدراً للطاقة السلبية منفراً لمن حوله.
تخيّل امرأة جميلة في باطن خبيث أو رجل وسيم جداً في باطن رديء كأن يكون قالبه جميلاً جذاباً لكنه جبان، بخيل، مخادع.. لا أظن صاحب الفطرة السليمة يهضم هذه النوعية من البشر لأنها كيانات معدية تزرع المرض أينما حلّت.
ولهذا السبب جعلت الحضارة المادية تصرف أنظارنا عن الجمال الباطني وتشغل العالم بالجمال الحسي الزائل عبر صيحات الأزياء والريجيم، وكمال الأجسام، النحافة، كهم يومي لدرجة أنك إذا أردت أن تمتدح امرأة قل لها (بدوتِ نحيفة).. ناهيك عن الهوس بعمليات التجميل والقلق من الشيخوخة والتصابي المقرف أحياناً.
هذه الصيحات أفسدت الذوق الإنساني وشوّهت مفهوم الأنوثة بكل تجلياتها العبقة من نعومة ورقة وحنان وعاطفة وذلك التكوين الناعم الطري القريب من نعومة الأطفال وضخت بشكل يومي مقاييس أقرب لمقاييس الذكورة، إضافة إلى الرجولة ومكوناتها شكلاً ومضموناً الخشونة الظاهرية الموحية بالصلابة والحزم والشدة مظهر جاذب للأنثى يتحول الآن إلى مسخ إذ ينقرض الشارب وينعم الجسد وتلين الحركة وتميل المشية فإذا به مخلوق أقرب إلى الأنثى.
والنتيجة تكوين خليط مسخ لو استمر العالم بهذا النمط من الثقافة فإن الجنس الإنساني سينقرض فلم تعد المرأة تجد ما يجذبها للرجل ولا يجد الرجل في المرأة تلك الجاذبية الفطرية والميل الطبيعي.. ولهذا ظهرت حالات شاذة من الجنسين وأعتقد أن ما نعيشه ليس سوى فكر منحرف وذوق مريض ولهذا كان والأجمل هو ما صنعه الله عز وجل لأن فيه كل آيات الروعة والخلود.