ابو مناف البصري
المالكي
مقال عن الابراهامية الجديدة (الدين البديل)
عباس شمس الدين
▪منذ مطلع التسعينات تصاغ فكرة سياسية دينية تدعمها مراكز بحوث ممولة بسخاء، من بعض الدبلوماسيات الغربية، هدفها ببساطة استبدال الاديان الثلاثة بدين موحد نابذ للاختلافات جامع للمشتركات فيما بينها - بافتراض ان الخلاف الديني هو الاصل في الاحتراب - وبالتالي التخفيف - وازالة - الحدود المميزة للاديان تمهيدا لدمجها في دين واحد، لتصعد في مرحلة لاحقة - او بالتزامن - لدمجها بالانسانوية والحركات النسوية، شاملة منح الفئات الشا-ذة حقوق مساوية للاسوياء، ومنع عزل الآخر بوصمه بالردة او الكفر او التحريم او الفسق او المنع الكنسي او الحرمة، وازالة الانفرادات بين الاديان ؛ فايمان المسلمين باليوم الاخر - على سبيل المثال- يختلف كليا عما هو في الديانة المسيحية التي تبشر بحلول الملكوت ، فيما تنكر اليهودية الآخرة أصلا ، وعلى ذلك قس.
▪والدين الابراهامي يمنع العنف الديني بكل اشكاله سواء كان دفاعا عن النفس ام ابتداءا، لذا فان مفهوم الجهاد هو من اوائل ما سيرغب الابراهاميون الجدد بازالته من خارطة الاديان.
▪ومن الطموحات الاساسية للدين الابراهامي هي ازالة النصوص التي تدين اعتقادات الآخر أو افعاله، ثم العمل على دمج المشتركات الباقية من الكتب الثلاثة وخلق كتاب جديد سيتمتع بقداسة اعلى من بقية الكتب ويتلى في معبد جديد لا يشبه ايّاً من المعابد القديمة.
▪وتبدو جذور الابراهامية ظاهرة منذ القرن الماضي عندما برّأ بابا الفاتيكان يوحنا بولس سنة 1986 اليهود من دم المسيح رغم النصوص الانجيلية الصريحة بتحملهم لذلك.
▪وقبله صدرت وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح التي وقعها البابا يوحنا الثالث والعشرين 1965، ومن جراء ذلك انطلقت ما عرف بالمصالحة اليهودية - المسيحية Christian–Jewish reconciliation والتي انتجت امتناع الكنيسة عن التبشير في اوساط اليهود بشكل تام، لكن ذلك لم يكن اول الخطوات، بل سبقتها بمدة اعتذار الكنيسة عن عدم مناصرتها لليهود في مواجهة النارية في المانيا !
▪وقد يتعمق الباحث ليرى ان اصل هذه الديانة ومحرّكها هو التيار المعروف بالصهيونية المسيحية Christian Zionism التي نشأت من تحالف يهودي مسيحي حرص على حماية اسرائيل من اي اعتداء لان قيامها كان باعتقادهم ضرورة حتمية تتميما لنبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ولتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر.
▪ان المزيج البروتستاني اليهودي الذي اجبر الكنيسة الكاثوليكية لاحقا على الانخذال لليهود قد اثمر سلاما بهوديا مسيحيا شاملا بل صار الى تعاون مثمر في جهات عديدة منها سياسية، فقد اسهمت البابوية وحليفها الجديد باسقاط حكومات اشتراكية عدة معادية للغرب كما حصل في بولندا وحرمت قادة ثوريين من الغفران ككاسترو وناصرت السياسة الامبريالية الغربية باعلى نبرة.
▪ونتيجة لنجاحاتها البينية فقد تبلورت في التسعينيات - كما قلنا - وربما تزامنا مع التمهيد لاتفاقات اوسلو فكرة ادخال المسلمين في هذا النظام الذي يذيب المفاهيم الاسلامية المناقضة لذينك الدينين وصهره معهما في هلامة ضخمة من مفاهيم غير محددة تنتهي بحذف الاجزاء التشريعية والسياسية من الدين الاسلامي وقبوله باسرائيل كما قبلته البروتستانية والكاثوليكية جزءاً لا يتجزأ من العالم المنتظر لنزول المسيح الثاني ، مؤكدة على تشجيع التصوف وأدب التصوف في العالم الاسلامي الذي يمكن استخدامه كمدخل لحشر جماعي في الايمان.
▪لقد نضجت فكرة الدبلوماسية الدينية في عهد اوباما فقد ادارت هيلاري كلينتون عام 2013 العملية تحت عنوان (السياسة والخارجية) وحولتها الى نظام عمل بجمعها لخمسين من ممثلي الطوائف والاديان الثلاثة مع خمسين من الدبلوماسيين لانضاج التجربة وتطبيقها على ارض الواقع.
▪لقد كان اختيار ازهر مصر وهو الزعامة الدينية الاشهر في العالم الاسلامي متوقعا للبدء بمشروع الدين الابراهامي اما الامارات ومن ورائها السعودية - التي تتردد بالظهور العلني في المشروع لاسبابها المتعددة - فهما جهات التمويل لمد ما يعرف "مراكز الدبلوماسية الروحية" المدير الفعلي لادارة مراكز الديانة الابراهامية.
▪ان الاصرار من قبل الابراهاميين الجدد على ايجاد مسمار جحا في العراق هو تذكير بالوعد القديم المزعوم بمنح ابراهيم الارض ما بين النيل والفرات بعد ان تمكنوا من تهدئة حدود شرق النيل باتفاقيات السلام مع مصر والاردن ليصار الى السعي الى سحب غرب الفرات (كما هو حال مناطق الشرق السوري وجنوب غرب العراق) تحت سيطرتهم.
▪في النهاية لا بد من الفات نظر القراء الى ان امريكا ربما التفتت الى هذا المشروع وجيشت له الجيوش بفعل افكار السلفي (السيد نصير) المحكوم عليه بالسجن لقتله حاخاما يهوديا، فقد راسل نصير عددا من المسؤولين من داخل سجنه ليقدم لهم حلا للصراع العربي الاسرائيلي باتخاذ ابراهيم كمرجعية، وبحديثه عن دولة ابراهيم ، ظنا منه ان ذلك قد يساعد في افلاته مما فعل - ويبدو ان الفكرة اعجبت الصهيونية المسيحية في امريكا - كان ديك تشيني هو اول من ابدى تفهما للفكرة بشكل معلن - واستفادوا من جهود الباباوات في احتضان البهودية للبدء بعملية صناعة دين جديد وكتاب جديد ومعبد جديد
إخبارية ثقافية - قسم الرصد - مركز الإسلام الأصيل
عباس شمس الدين
▪منذ مطلع التسعينات تصاغ فكرة سياسية دينية تدعمها مراكز بحوث ممولة بسخاء، من بعض الدبلوماسيات الغربية، هدفها ببساطة استبدال الاديان الثلاثة بدين موحد نابذ للاختلافات جامع للمشتركات فيما بينها - بافتراض ان الخلاف الديني هو الاصل في الاحتراب - وبالتالي التخفيف - وازالة - الحدود المميزة للاديان تمهيدا لدمجها في دين واحد، لتصعد في مرحلة لاحقة - او بالتزامن - لدمجها بالانسانوية والحركات النسوية، شاملة منح الفئات الشا-ذة حقوق مساوية للاسوياء، ومنع عزل الآخر بوصمه بالردة او الكفر او التحريم او الفسق او المنع الكنسي او الحرمة، وازالة الانفرادات بين الاديان ؛ فايمان المسلمين باليوم الاخر - على سبيل المثال- يختلف كليا عما هو في الديانة المسيحية التي تبشر بحلول الملكوت ، فيما تنكر اليهودية الآخرة أصلا ، وعلى ذلك قس.
▪والدين الابراهامي يمنع العنف الديني بكل اشكاله سواء كان دفاعا عن النفس ام ابتداءا، لذا فان مفهوم الجهاد هو من اوائل ما سيرغب الابراهاميون الجدد بازالته من خارطة الاديان.
▪ومن الطموحات الاساسية للدين الابراهامي هي ازالة النصوص التي تدين اعتقادات الآخر أو افعاله، ثم العمل على دمج المشتركات الباقية من الكتب الثلاثة وخلق كتاب جديد سيتمتع بقداسة اعلى من بقية الكتب ويتلى في معبد جديد لا يشبه ايّاً من المعابد القديمة.
▪وتبدو جذور الابراهامية ظاهرة منذ القرن الماضي عندما برّأ بابا الفاتيكان يوحنا بولس سنة 1986 اليهود من دم المسيح رغم النصوص الانجيلية الصريحة بتحملهم لذلك.
▪وقبله صدرت وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح التي وقعها البابا يوحنا الثالث والعشرين 1965، ومن جراء ذلك انطلقت ما عرف بالمصالحة اليهودية - المسيحية Christian–Jewish reconciliation والتي انتجت امتناع الكنيسة عن التبشير في اوساط اليهود بشكل تام، لكن ذلك لم يكن اول الخطوات، بل سبقتها بمدة اعتذار الكنيسة عن عدم مناصرتها لليهود في مواجهة النارية في المانيا !
▪وقد يتعمق الباحث ليرى ان اصل هذه الديانة ومحرّكها هو التيار المعروف بالصهيونية المسيحية Christian Zionism التي نشأت من تحالف يهودي مسيحي حرص على حماية اسرائيل من اي اعتداء لان قيامها كان باعتقادهم ضرورة حتمية تتميما لنبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ولتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر.
▪ان المزيج البروتستاني اليهودي الذي اجبر الكنيسة الكاثوليكية لاحقا على الانخذال لليهود قد اثمر سلاما بهوديا مسيحيا شاملا بل صار الى تعاون مثمر في جهات عديدة منها سياسية، فقد اسهمت البابوية وحليفها الجديد باسقاط حكومات اشتراكية عدة معادية للغرب كما حصل في بولندا وحرمت قادة ثوريين من الغفران ككاسترو وناصرت السياسة الامبريالية الغربية باعلى نبرة.
▪ونتيجة لنجاحاتها البينية فقد تبلورت في التسعينيات - كما قلنا - وربما تزامنا مع التمهيد لاتفاقات اوسلو فكرة ادخال المسلمين في هذا النظام الذي يذيب المفاهيم الاسلامية المناقضة لذينك الدينين وصهره معهما في هلامة ضخمة من مفاهيم غير محددة تنتهي بحذف الاجزاء التشريعية والسياسية من الدين الاسلامي وقبوله باسرائيل كما قبلته البروتستانية والكاثوليكية جزءاً لا يتجزأ من العالم المنتظر لنزول المسيح الثاني ، مؤكدة على تشجيع التصوف وأدب التصوف في العالم الاسلامي الذي يمكن استخدامه كمدخل لحشر جماعي في الايمان.
▪لقد نضجت فكرة الدبلوماسية الدينية في عهد اوباما فقد ادارت هيلاري كلينتون عام 2013 العملية تحت عنوان (السياسة والخارجية) وحولتها الى نظام عمل بجمعها لخمسين من ممثلي الطوائف والاديان الثلاثة مع خمسين من الدبلوماسيين لانضاج التجربة وتطبيقها على ارض الواقع.
▪لقد كان اختيار ازهر مصر وهو الزعامة الدينية الاشهر في العالم الاسلامي متوقعا للبدء بمشروع الدين الابراهامي اما الامارات ومن ورائها السعودية - التي تتردد بالظهور العلني في المشروع لاسبابها المتعددة - فهما جهات التمويل لمد ما يعرف "مراكز الدبلوماسية الروحية" المدير الفعلي لادارة مراكز الديانة الابراهامية.
▪ان الاصرار من قبل الابراهاميين الجدد على ايجاد مسمار جحا في العراق هو تذكير بالوعد القديم المزعوم بمنح ابراهيم الارض ما بين النيل والفرات بعد ان تمكنوا من تهدئة حدود شرق النيل باتفاقيات السلام مع مصر والاردن ليصار الى السعي الى سحب غرب الفرات (كما هو حال مناطق الشرق السوري وجنوب غرب العراق) تحت سيطرتهم.
▪في النهاية لا بد من الفات نظر القراء الى ان امريكا ربما التفتت الى هذا المشروع وجيشت له الجيوش بفعل افكار السلفي (السيد نصير) المحكوم عليه بالسجن لقتله حاخاما يهوديا، فقد راسل نصير عددا من المسؤولين من داخل سجنه ليقدم لهم حلا للصراع العربي الاسرائيلي باتخاذ ابراهيم كمرجعية، وبحديثه عن دولة ابراهيم ، ظنا منه ان ذلك قد يساعد في افلاته مما فعل - ويبدو ان الفكرة اعجبت الصهيونية المسيحية في امريكا - كان ديك تشيني هو اول من ابدى تفهما للفكرة بشكل معلن - واستفادوا من جهود الباباوات في احتضان البهودية للبدء بعملية صناعة دين جديد وكتاب جديد ومعبد جديد
إخبارية ثقافية - قسم الرصد - مركز الإسلام الأصيل