جان دارك ௮
Well-Known Member
من العوامية.. أول نحالة مرخصة في القطيف سكينة الزاهر.. تخلت عن وظيفتها واختارت بيع العسل
بواسطة : سناء آل حسين -في الوقت الذي كانت تقرأ فيه قريناتها قصص السندريلا، كانت سكينة عبد الكريم أحمد الزاهر تقرأ كتبًا عن مملكة النحل، وحين كان الأطفال في مثل سنها يقضون أوقاتهم أمام أفلام الكارتون، كانت تقتطع من وقتها لتشاهد أفلامًا وثائقية عن تلك المملكة وتنظيمها وحياة النحل فيها، وكبر معها شغفها بتلك المخلوقات الصغيرة جدًا كلما كبرت، حتى بعد أن أصبحت زوجةً وأمًا.
شغف سكينة بالنحل تحول إلى ما هو أبعد من أغلفة الكتب وشاشات التلفاز، بعد أن تعرفت عليها عن قرب، وبدأت في الاهتمام بها وتربيتها، لتجد نفسها “نحّالة”، بكل ما تحمل الكلمة من تفاصيل، بل إنها استطاعت أن تسجل اسمها كأول سيدة في محافظة القطيف تحمل ترخيصًا من مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة في القطيف.
بأبيها معجبة
صحبة سكينة الزاهر للنحل كانت تأكيدًا للقول السائد “كل فتاة بأبيها معجبة”، فالطفلة التي كانت شغوفة بعالم الحيوانات والطيور، جذبها اهتمام والدها بتلك الحشرة الصغيرة النافعة، فحاولت تقليده، وبدا عليها كطفلة اهتمامها حقًا بأن تتقرب من ذلك العالم وتكتشف خباياه.
تقول لـ«القطيف اليوم»: “طبيعة عمل والدي في شركة أرامكو أتاحت له أن يتعرف على أصدقاء من الجنوب، ومع تردده عليهم خلال زياراته لهم، اكتسب منهم الخبرة في مجال تربية النحل، حتى أنه قام بتربيتها بعد تقاعده من العمل، قبل نحو 10 سنوات تقريبًا”.
طفلة مختلفة
“الزاهر” عاشت طفولةً مختلفةً قليلًا عن أغلب الفتيات، فقد كانت منجذبةً للعالم الذي تخافه غالبية بنات جنسها، فالطفلة التي كانت تلهو بالدمى وتشاغب علب المكياج الشبيهة بالحقيقية، كانت هي نفسها المهتمة بالحيوانات والطيور، حتى أنها تركت علامات الاستغراب تعلو رؤوس صديقاتها لعدم خوفها من أي حيوان، ومن ضمنها بكل تأكيد الحشرات، وهو ما زاد تعلقها أكثر بمملكة النحل وتنظيمها الدقيق.
جولات الابنة الثانية
سكينة الابنة الثانية بين إخوتها، وهي الابنة التي نالت النصيب الأوفر في القرب من والدها، وهو ما جعلها ترافقه في جولاته، وتستكشف معه ما يدور في تلك الخلايا من حياة، ومع ذلك فقد كان لإخوتها نصيب من التعرف على ذلك العالم ولو كان يسيرًا.
تسترجع ذكرياتها قائلة: “بحكم قربي من والدي في طفولتي فقد كنت أرافقه في رحلات (الحداق) للبحر، وزيارته لبعض نخيل القطيف ومناحل (أبو معن) في ذلك الوقت، إلا أنني لم أكن الوحيدة التي استطاعت أن تخترق العالم الصغير الذي جذب أبي وجذبني”.
وتضيف: “كان جميعهم على علم ودراية بعالم النحل ومملكته ومراحل تربيته وأيضاً صعوبة الاهتمام به، وتلك المعلومات اكتسبوها عن طريق والدي، إلا أنه في الحقيقة لم يخض أحد منهم تجربة النحال بشكل كامل، فبحكم انشغالهم بوظائفهم واغترابهم لم يتفرغ أحد منهم لممارسة هذهِ المهنة”.
انطلاقة النحالة
بعد أن وجد فيها والدها الاهتمام الزائد بالتعرف على حياة النحل، أخذ يزودها بمعلومات كثيرة عن مملكة النحل وتنظيمها، واشترى لها الكتب والأفلام الوثائقية على أشرطة الفيديو، إضافةً إلى اصطحابها إلى المناحل في بعض المزارع لتتعرف على ذلك العالم عن قرب.
وازداد شغف سكينة بتلك الحشرات الصغيرة، إلى أن بدأت قبل خمس سنوات بالتحديد في توفير عدد لا بأس به من خلايا النحل، وقامت حينها بتوزيعها على بعض المزارع والمناحل لتحسين الإنتاج.
النحالة الأولى
في 19 أكتوبر 2020م، استخرجت الزاهر تصريحًا رسميًا لتكون بذلك أول نحالة مصرحة في محافظة القطيف، وعن فكرة استخراجها للتصريح تذكر: “كانت بداية الفكرة استخراج تصريح مزاولة مهنة النحال في شهر أكتوبر الماضي، وتحديدًا خلال مشاركتي في اليوم العالمي للمرأة الريفية الذي أشرف على تنظيمه مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بمحافظة القطيف، يومها تواصلت مع القائمين على دعم المزارعين الريفيين ومن ضمنهم مربو النحل ومنتجو العسل، وحصلت عليه”.
من المستشفى إلى المنحل
سكينة قبل أن تكون نحالة، فهي أم لثلاثة أطفال، كما أنها خريجة جامعية بتخصص إدارة الأعمال، وعملت لفترة موظفة في قسم التأمينات بأحد المستشفيات الخاصة، إلا أنها بسبب مسؤوليات البيت والأطفال، شعرت بصعوبة التوفيق بين عملها وبيتها، وخصوصًا أن عمل زوجها في القطاع العسكري يتطلب منه التغيب لفترة عن المنزل، فكان التزامها بوظيفة وترك المنزل لا يناسبها، مما اضطرها لترك العمل.
لم تقف “الزاهر” مكتوفة اليدين أمام تركها لعملها، فقد قررت أن تمارس ما تحب، ففتحت متجرها الخاص بالعسل، وأطلقت عليه اسم “عسل الزاهر”، وبدأت تستورد عسلًا من الجنوب، وبعدها أحبت أن تخوض تجربة إنتاج العسل المحلي وتتوسع فيها.
ولأن العزيمة والإصرار تفتح الأبواب المغلقة؛ فإن إصرارها على خوض التجربة جعلها تحمل منحلها الخاص وتنتقل به إلى مزارع المحافظة حسب الموسم الزراعي بالمنطقة، لأنها لا تمتلك مزرعةً خاصة.
مختلف ألوانه
يختلف إنتاجها لأنواع العسل باختلاف الموسم، وقد جربت إنتاج عسل السدر لتوفره بالمنطقة، وعسل القرعيات، وعسل الزهور (البرسيم)، وعلقت على ذلك بقولها: “حالياً يوجد منحل مرخص من قبل الوزارة لإنتاج عسل المانجروف، ولأن ظروفي الخاصة حرمتني من المشاركة مع زملائي النحالين هذا العام، فإنني آمل أن أكون معهم في العام القادم بإذن الله”.
كميات متفاوتة
ابنة العوامية التي لم تمتلك مكانًا خاصًا حتى اليوم ليستقر فيه منحلها الخاص، تختلف كمية إنتاجها للعسل باختلاف المكان، توضح ذلك قائلة: “ليس هناك كمية محددة أقوم بإنتاجها سنويًا، فقوة المرعى وقوة كل خلية، تتحكمان في اختلاف الإنتاج، وخلال العامين الماضيين لم يكن الإنتاج بالشكل الجيد بسبب قلة الأمطار، وجائحة كورونا وتوقف الحياة الطبيعية لفترة طويلة”، متذكرة أكبر كمية تمكنت من إنتاجها وقد كانت تتراوح بين 25 و33 كيلو، وذلك قبل 4 أعوام.
إنتاج
توضح “الزاهر” أنها تخصص ساعتين إلى ثلاث ساعات للقيام بالعمليات النحلية، مضيفةً: “لا يتطلب العمل الكثير من الوقت بالنسبة لي، لأنني أمتلك الخبرة التي تساعدني على إنجاز العمل بوتيرة أسرع، بالإضافة إلى أن طبيعتي الدقيقة والمنظمة كما هو الحال في مملكة النحل عنصر مساعد كذلك، أما بالنسبة للنحل فهناك أوقات معينة للكشف على الخلايا النحلية، وحينها لا بد أن أكون مستعدة لهذه الأوقات”.
وتبين أن تذوق إنتاجها من العسل كان من نصيب أهلها وبعض الأصدقاء، وقد أبدوا إعجابهم بطعمه، وكانوا فخورين بإنتاجها.
وأشارت إلى أنه يمكنها كأي نحال؛ تمييز أنواع العسل عن طريق اللون والطعم والرائحة والقوام، مؤكدةً أن الفيصل بالحكم هو التحليل المخبري لمعرفة الأصلي أو المغشوش.
مهام النحالة
في المنحل تتحول الأم إلى نحالة متمكنة تستطيع الكشف على النحل ومتابعته لتجنب الأمراض التي قد تصيبه، وتتابع إنتاج الملكات، وفي حال تعب الملكة الأصلية تقوم بنقل النحل من مرعى إلى مرعى آخر حسب المواسم، كما أنها تقوم بتنظيف الصناديق والاهتمام بسلامتها.
حكايات مع النحل
صادفت سكينة الكثير من القصص والمواقف مع صديقاتها النحلات شأنها في ذلك شأن اللسعات الكثيرة التي تعرضت لها، تتحدث عن تلك المواقف: “هناك قصص كثيرة خصوصًا في بدايتي أذكر منها؛ لقلة خبرتي في البداية فقدت إحدى الملكات عن طريق الخطأ في تدخين الخلية، وقد شعرت بالحزن حينها، وكأنني أفسدت بناءً مشيدًا منذ فترة طويلة”، مستدركةً: “لكن الخطأ وارد، فأحيانًا تُفقد الملكة أو تمرض، ولا بد أن يكون هناك بديل لها طبعًا”.
وتتابع: “من القصص الطريفة التي أتذكرها أيضًا، في أول تجربة لي مع الخلية، كان صوت طنين النحل وحركته يسكنان أذني طوال اليوم، وكان ذلك يشعرني بالتوتر، إلا أنني اعتدت ذلك مع الممارسة”.
وتضيف: “من بين القصص كذلك؛ مرة من المرات استطاعت نحلة التسلل من القبعة لبدلة النحال، وتعلقت على رأسي حتى بعد نزعي للقبعة، وللأسف تعرضت للسعتها، وهذا كان غريبًا بالنسبة لي، كيف أنني تعرضت للسعة نحلة في فروة رأسي!”.
بين غياب وحضور
تؤكد “الزاهر” أنها رغم عدم مشاركتها في المنحل المرخص من الوزارة لإنتاج عسل المانجروف، إلا أن ذلك لا يعني توقفها عن ممارسة مهنتها كنحالة بشكل دائم، فهي تحن وتشتاق لها، مبينةً أنها قللت من ممارستها مؤخرًا لظروفها كأم، إلا أنها – إن شاء الله – ستعود لممارستها قريبًا، فهي إن كانت تنظر لها سابقًا كمجرد هواية، إلا أنها اليوم تسعى لأن تكون مصدرًا لرزقها، فلابد أن تتوسع فيها أكثر.
[HR][/HR][HR][/HR]