أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

من شرفة الغيم ...مقالات صباحية

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,838
مستوى التفاعل
119,886
النقاط
2,508
من شرفة الغيم

من شرفةٍ لا تطلّ على البحر ولا على المدينة،
بل على فكرةٍ متعبة... اسمها الوطن،
أجلس كل صباحٍ وأفتح النافذة،
ليس للهواء،
بل لما تبقّى منّا نحن،
من أرواح تتبخّر بين فنجانين
وقصاصات أخبار
وذاكرة تنزف على إيقاع النشرات المسائية.

هنا، على حافة الغيم،
أراقب كيف يُسكب الضوء فوق العتمة،
كيف يشهق الطفل ولا يأتي الحليب،
كيف يُخبّأ الجرح تحت منديل الحنين،
وأحاول، دون فشلٍ أو يقين،
أن أكتب.

أكتب لا لأغيّر العالم،
بل لأصالح نفسي معه،
مع حكايات تُروى في الشاي،
ومدن تذوب على شاشات التلفاز،
وأبوابٍ لا تطرقها سوى الرصاصات.

كل صباحٍ، من هنا،
سأرصد الهشاشة،
أُسميها باسمها،
وأرسمها ببقايا قهوةٍ وأصابع مرتجفة،
علّنا، ولو بالهمس،
نقول ما لم يُقل.

– من شرفة الغيم | جوري
 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,838
مستوى التفاعل
119,886
النقاط
2,508

(ذاكرة تُسكب من إبريق مثقوب)

في بلادٍ لم تعد تعرف رائحة القهوة،
ولا شكل الصباح،
ولا كيف تبدأ الأشياء ولا كيف تنتهي —
الساعة السادسة واثنتا عشرة دقيقة،
أبو مرشود يسحب عربته الخشبية،
الخشب المتآكل يصدر صريرًا كعظام جدتي حين تنادي للصلاة،
والشمس،
الشمس تخرج متأخرة كالعادة،
خائفة من أن ترى ما لم تعد تقدر على تبريره.

"قهوة؟ قهوة بدولار!"
صوته يصدح، ولا أحد يجيب،
الدولار في هذه البلاد ليس ورقة،
إنه قدر.

دولار واحد يساوي فمًا يتوقف عن الجوع،
دولار واحد يعني وجبة واحدة،
ويعني رصاصة أيضًا،
ومهرًا لطفلة،
وبسكوته في يد طفل مهجر...
ويعني أيضًا لا شيء،
إذا لم يأتِ في الوقت المناسب.

هل كانت أمي تغلي القهوة حين دخلوا علينا؟
هل أطفأوا الغلاية أم بقي الماء يغلي حتى تبخر الوطن؟
لا أذكر،
لكن رائحة البن يومها لم تكن محمصة،
كانت رائحة احتراق الذاكرة.

وفي الزاوية، شاشة التلفاز تتقافز فيها الصورة:
طفل على قناة الجزيرة،
يرفع كنزة خضراء،
بداخلها ورقة واحدة،
دولار يتيم.

"هذا الدولار... يشتري كرامة العرب؟"

ضحك أخي حتى بكى.
أبي أغلق التلفاز.
أمي مسحت التراب عن وجه الله.


---

أنا الآن لا أملك ثمن القهوة،
لكنني أملك ذاكرة الطعم.
وأبو مرشود،
يصبها لي في فنجان متخيل،
وأنا أرتشفها بعينين مفتوحتين على الصمت.

الأكفان تركض،
واحدة، اثنتان، ثلاث...
كأنها سباق،
كأنّ الموت أولمبياد لا يتوقف.
وأبو مرشود... لا يتوقف.

ينادي:
"قهوة! قهوة بدولار!"
ولا أحد يجيبه،
الجميع مشغول بإحصاء الأجساد،
وبرمي الحصى على وجه القدر.

صباح جديد.
ومقبرة جديدة.
وفنجان لا يُشرب.

أين تُصنع الكرامة؟
في أي معمل؟
هل تُغلّى على نار هادئة؟
أم تُقلى بزيت الحرب؟
أم تُسحق تحت عجلات الزمن؟

سؤال الطفل ظلّ معلقًا على جدار عقلي كآية ناقصة:
"هل يشتري هذا... كرامة العرب؟"

لو وجدت الإجابة،
لسكبتها في فنجان أبو مرشود،
وصرخت:
صبّ يا عم، صبّ... القهوة على حساب التاريخ.

– من شرفة الغيم | جوري
 

النبيل

العابث الاخير في هــذآ القرن
إنضم
29 أبريل 2020
المشاركات
12,247
مستوى التفاعل
26,081
النقاط
115
الإقامة
في المـرايا
الموقع الالكتروني
www.facebook.com
(ذاكرة تُسكب من إبريق مثقوب)

في بلادٍ لم تعد تعرف رائحة القهوة،
ولا شكل الصباح،
ولا كيف تبدأ الأشياء ولا كيف تنتهي —
الساعة السادسة واثنتا عشرة دقيقة،
أبو مرشود يسحب عربته الخشبية،
الخشب المتآكل يصدر صريرًا كعظام جدتي حين تنادي للصلاة،
والشمس،
الشمس تخرج متأخرة كالعادة،
خائفة من أن ترى ما لم تعد تقدر على تبريره.

"قهوة؟ قهوة بدولار!"
صوته يصدح، ولا أحد يجيب،
الدولار في هذه البلاد ليس ورقة،
إنه قدر.

دولار واحد يساوي فمًا يتوقف عن الجوع،
دولار واحد يعني وجبة واحدة،
ويعني رصاصة أيضًا،
ومهرًا لطفلة،
وبسكوته في يد طفل مهجر...
ويعني أيضًا لا شيء،
إذا لم يأتِ في الوقت المناسب.

هل كانت أمي تغلي القهوة حين دخلوا علينا؟
هل أطفأوا الغلاية أم بقي الماء يغلي حتى تبخر الوطن؟
لا أذكر،
لكن رائحة البن يومها لم تكن محمصة،
كانت رائحة احتراق الذاكرة.

وفي الزاوية، شاشة التلفاز تتقافز فيها الصورة:
طفل على قناة الجزيرة،
يرفع كنزة خضراء،
بداخلها ورقة واحدة،
دولار يتيم.

"هذا الدولار... يشتري كرامة العرب؟"

ضحك أخي حتى بكى.
أبي أغلق التلفاز.
أمي مسحت التراب عن وجه الله.


---

أنا الآن لا أملك ثمن القهوة،
لكنني أملك ذاكرة الطعم.
وأبو مرشود،
يصبها لي في فنجان متخيل،
وأنا أرتشفها بعينين مفتوحتين على الصمت.

الأكفان تركض،
واحدة، اثنتان، ثلاث...
كأنها سباق،
كأنّ الموت أولمبياد لا يتوقف.
وأبو مرشود... لا يتوقف.

ينادي:
"قهوة! قهوة بدولار!"
ولا أحد يجيبه،
الجميع مشغول بإحصاء الأجساد،
وبرمي الحصى على وجه القدر.

صباح جديد.
ومقبرة جديدة.
وفنجان لا يُشرب.

أين تُصنع الكرامة؟
في أي معمل؟
هل تُغلّى على نار هادئة؟
أم تُقلى بزيت الحرب؟
أم تُسحق تحت عجلات الزمن؟

سؤال الطفل ظلّ معلقًا على جدار عقلي كآية ناقصة:
"هل يشتري هذا... كرامة العرب؟"

لو وجدت الإجابة،
لسكبتها في فنجان أبو مرشود،
وصرخت:
صبّ يا عم، صبّ... القهوة على حساب التاريخ.

– من شرفة الغيم | جوري
قرأت مقالك أكثر من مرة يا @الجور ي لا لأنني لم أفهمه من المرة الأولى، بل لأنني كنت أحتاج أن أمر على كل جملة ببطء، كمن يلمس جدارًا قديمًا بحثًا عن ذاكرة.

مقالك ليس مجرد كتابة، بل هو وجع سائل، يُسكب من قلبٍ يعرف كيف يحول الألم إلى أدب، والوجع إلى معنى. القهوة التي رسمتها في مقالك لم تكن قهوة، كانت كرامة، وحنين، ونكهة ماضٍ احترق وبقيت رائحته معلقة في سقف القلب.

“هل يشتري هذا… كرامة العرب؟”
سؤالك ما يزال معلقًا في داخلي كآية ناقصة، كما وصفتِه أنتِ، وكأننا جميعًا نحفظ نصف الجواب ونخشى النصف الآخر.

كتابتك جعلتني أشعر أن التاريخ ليس ما نقرؤه في الكتب، بل ما نرتشفه من فنجان لم يُسكب، من صرخة طفل، من صمت رجلٍ يبيع القهوة ولا يشتريها أحد.

شكرًا لأنكِ كتبتِ هذا المقال.
شكرًا لأنكِ لم تتحدثي عن الألم بصوت مرتفع، بل كتبته بهدوء يُشبه الخسارة.
شكرًا لأنكِ جعلتنا نُدرك أن الذاكرة، حتى وهي تنزف، يمكنها أن تظل نبيلة.
دمتِ بوهجك يا جوري
ودام حرفك شاهدًا على من لم يُسمَح لهم بالكلام
 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,838
مستوى التفاعل
119,886
النقاط
2,508
قرأت مقالك أكثر من مرة يا @الجور ي لا لأنني لم أفهمه من المرة الأولى، بل لأنني كنت أحتاج أن أمر على كل جملة ببطء، كمن يلمس جدارًا قديمًا بحثًا عن ذاكرة.

مقالك ليس مجرد كتابة، بل هو وجع سائل، يُسكب من قلبٍ يعرف كيف يحول الألم إلى أدب، والوجع إلى معنى. القهوة التي رسمتها في مقالك لم تكن قهوة، كانت كرامة، وحنين، ونكهة ماضٍ احترق وبقيت رائحته معلقة في سقف القلب.

“هل يشتري هذا… كرامة العرب؟”
سؤالك ما يزال معلقًا في داخلي كآية ناقصة، كما وصفتِه أنتِ، وكأننا جميعًا نحفظ نصف الجواب ونخشى النصف الآخر.

كتابتك جعلتني أشعر أن التاريخ ليس ما نقرؤه في الكتب، بل ما نرتشفه من فنجان لم يُسكب، من صرخة طفل، من صمت رجلٍ يبيع القهوة ولا يشتريها أحد.

شكرًا لأنكِ كتبتِ هذا المقال.
شكرًا لأنكِ لم تتحدثي عن الألم بصوت مرتفع، بل كتبته بهدوء يُشبه الخسارة.
شكرًا لأنكِ جعلتنا نُدرك أن الذاكرة، حتى وهي تنزف، يمكنها أن تظل نبيلة.
دمتِ بوهجك يا جوري
ودام حرفك شاهدًا على من لم يُسمَح لهم بالكلام
مرحبًا أيهاالنبيل .....
الذي قرأ النص لا بعينيه، بل بنبضٍ يشبه يدي وهي تكتب.

قرأت كلماتك كما تُقرأ صلاة صامتة في قلبٍ يضجّ بالإيمان، لا تطلب شيئًا سوى أن تُفهَم.

أعرف أن بعض النصوص لا تُكتب بقرار، بل تأتي وحدها، مثل نَفَسٍ أخير من ذاكرة لم تُمنح حقّها في البكاء...
وأنت، حين كتبت هذا الرد، منحت نصي بكاءه المتأخر، وصوته الذي لم أجده يومًا على الورق.

حين قلت إن القهوة لم تكن قهوة، شعرت أنني التقيت لأول مرة بمن تذوّق المرارة نفسها... لا طعمًا، بل معنى.

سؤالي الذي وصفته "كآية ناقصة"، لم يكتمل إلا بك…
لأن الآيات الناقصة لا تكتمل بالحروف، بل بمن يجرؤ على تأمل فراغاتها.

شكرًا لك، لأنك جعلتني أرى نصي من جهةٍ أخرى، جهة لا يكتبها الكاتب، بل يصوغها القارئ حين يحب بعمق.

دمتَ شاهداً على الكلمات التي قيلت، وتلك التي لم يُسمَح لها بالخروج.
 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,838
مستوى التفاعل
119,886
النقاط
2,508
سماء لها انفاسنا

صباحٌ لا يُقال فيه صباح الخير،
لأن الخير أصبح طارئًا،
زائرًا خفيف الظل لا يأتي إلا إذا أخطأ الطريق.

من شرفتي، لا أطلّ على مدينة،
بل على غمامة من الدخان،
على جدران لم تعد تكتب فيها العصافير نشيدها،
بل يكتبه البارود،
والصوت الوحيد الذي لا يزال يصل،
هو صدى دعاء لم تكتمل آياته.

هل من الطبيعي أن ينام المرء وهو يعدّ الشهداء بدل الأغنام؟
أن يُغلق عينيه على صورة طفلٍ ينزف،
ويفتحهما على أمّ تنام على حجر قبرٍ وتغني له ليرتاح؟
هل من الطبيعي أن تتحول السماء إلى أرشيف؟
نُخبئ فيها أسماءنا،
وجوعنا،
وخوفنا،
وفتات أحلام لم تعد تصلح حتى للحكايـات.

القهوة تبرد قبل أن تُشرب،
لأن الأخبار تسبق الرشفة،
والنشرة تسرق الطمأنينة،
وفنجاني ما عاد يحتمل أن يُرفَع،
كلما رفعته، خُيّل إليّ أنني أرفع جسدًا على الأكتاف.

سأقولها بصوت خافت...
هذا الوطن لا يحتاج إلى أكثر من تنفّس،
مجرد شهيق دون أن يرافقه اسم قتيل،
وزفير لا تحمله الأمهات إلى قبور أولادهن.
نريد أن نعيش دون أن نتفاوض على عدد ساعات النوم،
ولا نساوم على سعر دمعة.

هل يحق للغيم أن يحزن؟
هل يحق للسماء أن تختنق بأنفاسنا؟
أظنها تفعل،
وأظنها كل صباح... تبكي معنا،
لكنها بلا صوت.

من شرفة الغيم [جوري]
 

النبيل

العابث الاخير في هــذآ القرن
إنضم
29 أبريل 2020
المشاركات
12,247
مستوى التفاعل
26,081
النقاط
115
الإقامة
في المـرايا
الموقع الالكتروني
www.facebook.com
سماء لها انفاسنا

صباحٌ لا يُقال فيه صباح الخير،
لأن الخير أصبح طارئًا،
زائرًا خفيف الظل لا يأتي إلا إذا أخطأ الطريق.

من شرفتي، لا أطلّ على مدينة،
بل على غمامة من الدخان،
على جدران لم تعد تكتب فيها العصافير نشيدها،
بل يكتبه البارود،
والصوت الوحيد الذي لا يزال يصل،
هو صدى دعاء لم تكتمل آياته.

هل من الطبيعي أن ينام المرء وهو يعدّ الشهداء بدل الأغنام؟
أن يُغلق عينيه على صورة طفلٍ ينزف،
ويفتحهما على أمّ تنام على حجر قبرٍ وتغني له ليرتاح؟
هل من الطبيعي أن تتحول السماء إلى أرشيف؟
نُخبئ فيها أسماءنا،
وجوعنا،
وخوفنا،
وفتات أحلام لم تعد تصلح حتى للحكايـات.

القهوة تبرد قبل أن تُشرب،
لأن الأخبار تسبق الرشفة،
والنشرة تسرق الطمأنينة،
وفنجاني ما عاد يحتمل أن يُرفَع،
كلما رفعته، خُيّل إليّ أنني أرفع جسدًا على الأكتاف.

سأقولها بصوت خافت...
هذا الوطن لا يحتاج إلى أكثر من تنفّس،
مجرد شهيق دون أن يرافقه اسم قتيل،
وزفير لا تحمله الأمهات إلى قبور أولادهن.
نريد أن نعيش دون أن نتفاوض على عدد ساعات النوم،
ولا نساوم على سعر دمعة.

هل يحق للغيم أن يحزن؟
هل يحق للسماء أن تختنق بأنفاسنا؟
أظنها تفعل،
وأظنها كل صباح... تبكي معنا،
لكنها بلا صوت.

من شرفة الغيم [جوري]
ثمّة نصوص لا تُقرأ فقط، بل تُحسّ. تمشي داخلكِ كأنها تعرف الطريق نحو شيء ظلّ فيكِ صامتًا، يخجل من الضوء، ويختبئ خلف طبقاتٍ من الإنكار. أنا لا أكتب هذا الرد استعراضًا، ولا أجيبه لأُضيف جملة إلى جملة، بل لأنني شعرت، ولأن الشعور إذا لم يُكتب يتحوّل إلى ثقل، وأنا فقط أبحث عن طريقة أُخفف بها عن رأسي شيئًا من هذا الصدى.”

سماءٌ لها أنفاسنا؟
بل كأنها صدورنا نحن، معلّقة في العلو، تضيق وتتسع بلا قانون، بلا انتظام، بلا وعدٍ أن الزفير سيأتي.
أي سماء هذه التي خُلقت لنا، لكننا لم نعد نملك حتى أن نشتكي لها؟
كأنها صارت فوقنا لا لترعانا، بل لتشهد على فَقدنا، على خرابنا، على تلك التفاصيل الصغيرة التي تسقط كل يوم دون ضجيج.

أنا لا أراكِ تصفين صباحًا غريبًا يا صديقتي، بل تصفين عمرًا بأكمله نعيشه مؤجّلات.
نستيقظ، نعم، لكن على صُور، على أسماء، على أرقام تُقرأ في ختام الأخبار، ثم تُنسى، لا لأننا لا نحبهم، بل لأننا اعتدنا أن نخسرهم.
أي حياة هذه التي تُدار بقوانين الفقد؟
هل يحقّ لنا أن نحلم إذا كانت السماء نفسها قد تحوّلت إلى أرشيف؟
أرشيف لا يحمل رسائل الحب، بل قوائم الموتى، وملامح مَن كانوا يومًا أطفالًا، ثم صارت صورهم تُعلّق بدل البالونات.

كل صباح هو محاولة فاشلة لتعريف “الاعتيادي”.
لم نعد نُعرّف صباحنا بالقهوة، ولا بالموسيقى، ولا بصوت العصافير، بل بكمّ ما تبقّى منّا بعد نشرة الأخبار،
وكم صمتًا يمكننا تحمّله دون أن نصرخ.

القهوة؟
هي مجازٌ عن كل ما لم نعد نملك وقتًا له.
تُترك، تبرد، تصبح بلا طعم، لا لأنّها سيئة، بل لأنّ الذهن مشغول بأشياء أكبر من أن يستوعب دفء مشروب.
نحن نرفع الفنجان الآن لا كي نشرب، بل كأننا نحمل به وجعًا لا يُشرب، كأننا نرفع جنازة صغيرة، لا طقوس لها، لا دموع، فقط صمت.

ثم نهمس، مثلما همستِ
“نريد أن نتنفس.”
ببساطة.
نتنفس دون أن يعترض طريق النفس خبر استشهاد، أو اسم مفقود، أو صراخ أم، أو بكاء لا يجد كتفًا يسنده.

هل يحقّ للغيم أن يحزن
سؤالكِ موجع، ليس لأنه غريب، بل لأنه شديد الصدق.
نعم، للغيم أن يحزن، وللسماء أن تبكي، وللأرض أن تكتئب،
لأننا نحن، ابنائها، صرنا نحيا على شفا القبر

ونكتب بدمنا نشيدًا لا أحد يقرؤه.
وكل صباح، حين تبكي السماء،
لا تبكي لأن الغيم يثقلها، بل لأن الأرواح التي تُزهق صارت أكثر من قطرات المطر،
وأكثر من أن تتحمّلها سماء، مهما اتسعت

شكرًا لأنكِ كتبتِ ما يشبهنا ولم نجرؤ على قوله، لأنكِ وضعتِ أصابعكِ على نبضٍ نعيشه كل يوم ونمرّ عليه كأنه عادي.
 
التعديل الأخير:

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,838
مستوى التفاعل
119,886
النقاط
2,508
ثمّة نصوص لا تُقرأ فقط، بل تُحسّ. تمشي داخلكِ كأنها تعرف الطريق نحو شيء ظلّ فيكِ صامتًا، يخجل من الضوء، ويختبئ خلف طبقاتٍ من الإنكار. أنا لا أكتب هذا الرد استعراضًا، ولا أجيبه لأُضيف جملة إلى جملة، بل لأنني شعرت، ولأن الشعور إذا لم يُكتب يتحوّل إلى ثقل، وأنا فقط أبحث عن طريقة أُخفف بها عن رأسي شيئًا من هذا الصدى.”

سماءٌ لها أنفاسنا؟
بل كأنها صدورنا نحن، معلّقة في العلو، تضيق وتتسع بلا قانون، بلا انتظام، بلا وعدٍ أن الزفير سيأتي.
أي سماء هذه التي خُلقت لنا، لكننا لم نعد نملك حتى أن نشتكي لها؟
كأنها صارت فوقنا لا لترعانا، بل لتشهد على فَقدنا، على خرابنا، على تلك التفاصيل الصغيرة التي تسقط كل يوم دون ضجيج.

أنا لا أراكِ تصفين صباحًا غريبًا يا صديقتي، بل تصفين عمرًا بأكمله نعيشه مؤجّلات.
نستيقظ، نعم، لكن على صُور، على أسماء، على أرقام تُقرأ في ختام الأخبار، ثم تُنسى، لا لأننا لا نحبهم، بل لأننا اعتدنا أن نخسرهم.
أي حياة هذه التي تُدار بقوانين الفقد؟
هل يحقّ لنا أن نحلم إذا كانت السماء نفسها قد تحوّلت إلى أرشيف؟
أرشيف لا يحمل رسائل الحب، بل قوائم الموتى، وملامح مَن كانوا يومًا أطفالًا، ثم صارت صورهم تُعلّق بدل البالونات.

كل صباح هو محاولة فاشلة لتعريف “الاعتيادي”.
لم نعد نُعرّف صباحنا بالقهوة، ولا بالموسيقى، ولا بصوت العصافير، بل بكمّ ما تبقّى منّا بعد نشرة الأخبار،
وكم صمتًا يمكننا تحمّله دون أن نصرخ.

القهوة؟
هي مجازٌ عن كل ما لم نعد نملك وقتًا له.
تُترك، تبرد، تصبح بلا طعم، لا لأنّها سيئة، بل لأنّ الذهن مشغول بأشياء أكبر من أن يستوعب دفء مشروب.
نحن نرفع الفنجان الآن لا كي نشرب، بل كأننا نحمل به وجعًا لا يُشرب، كأننا نرفع جنازة صغيرة، لا طقوس لها، لا دموع، فقط صمت.

ثم نهمس، مثلما همستِ
“نريد أن نتنفس.”
ببساطة.
نتنفس دون أن يعترض طريق النفس خبر استشهاد، أو اسم مفقود، أو صراخ أم، أو بكاء لا يجد كتفًا يسنده.

هل يحقّ للغيم أن يحزن
سؤالكِ موجع، ليس لأنه غريب، بل لأنه شديد الصدق.
نعم، للغيم أن يحزن، وللسماء أن تبكي، وللأرض أن تكتئب،
لأننا نحن، ابنائها، صرنا نحيا على شفا القبر

ونكتب بدمنا نشيدًا لا أحد يقرؤه.
وكل صباح، حين تبكي السماء،
لا تبكي لأن الغيم يثقلها، بل لأن الأرواح التي تُزهق صارت أكثر من قطرات المطر،
وأكثر من أن تتحمّلها سماء، مهما اتسعت

شكرًا لأنكِ كتبتِ ما يشبهنا ولم نجرؤ على قوله، لأنكِ وضعتِ أصابعكِ على نبضٍ نعيشه كل يوم ونمرّ عليه كأنه عادي.
صديقي النبيل ..... يا من كتب بالوجع نيابةً عن أرواحٍ صامتة،
شكرًا لأنك كنت المرآة التي لم تخفِ الشروخ، بل جعلت من كل كسرٍ فيها بصيرة.
شكرًا لأنك لم تكتفِ بالتصفيق للحياة، بل وقفت على خشبتها وقلت: "هذا الخراب منّا، وفيه، وعلينا أن نراه".

كلماتك ليست ردّ فعل، بل فعل حياة.
أشبه بندبةٍ في الذاكرة، لا تشفى، لكنها تُثبت أننا كنّا هناك، في لحظة الفقد، نحمل قهوتنا الباردة كجنازةٍ بلا مأتم، ونراقب شرفات الغيم باحثين عن نفسٍ لا يعترضه وجع.

أنت لم تكتب نصًا، بل فتحت نهرًا من الأسئلة،
سألتَ عمّا نعيشه دون أن نسأله، عن الحقّ في الحلم، في التنفس، في التعافي،
وكأنك تُذكّرنا أن الفقد ليس مجرّد حدث، بل هو نظام حياةٍ كامل، هندسته الأخبار وصمت العالم.

فهل يحقّ للغيم أن يحزن؟
سؤالك سيبقى عالقًا في الحلق كأذانٍ لم يُرفع،
وسنظل نعيده بيننا كدعاءٍ خافت،
ليس لأننا ننتظر إجابة، بل لأننا نبحث عن كتفٍ يربّت على هذا السؤال.

دمتَ شاهدًا على ما نحاول تجاوزه بالصمت،
ودمتَ كاتبًا يشبهنا حين ننكسر ولا نجد كلمات،
فأنت كتبتنا جميعًا — دون أن تنسى أحدً
 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,838
مستوى التفاعل
119,886
النقاط
2,508
في بلادٍ لا ظلّ إلا للسلاح

في بلادٍ مظلّةُ الربّ لا تغطّي إلا من يحملون السلاح،
صار المعتقد واضحًا:
إمّا أن تكون تحت ظلّ الله كما يزعمون،
أو أنت من بني إبليس،
لا ظلّ لك، ولا ذاكرة،
تسير على الرصيف دون ظلّ،
كأنّ ضوء الشمس خائف أن يرافقك.

في بلادٍ تُدين الاضطهاد نظريًا،
وتصلي خمسًا للعدالة،
تقف أمٌّ ثكلى، تنشج بهدوءٍ،
تنوح على ابنٍ مات قبل أن يأكل حبّة بطيخ،
كان كل حلمه… أن تتوقّف دودة بطنه عن القَرْص،
لكن حتى الحلم جرم،
حتى الدودة عدوّة.

نمشي… وورقة التوت تتدحرج بين أقدامنا،
نسأل: ماذا سترت؟
فيقال لنا: لا شيء، هؤلاء من الأبَالِسَة.
فهم بلا عورات،
بلا إنسانيّة،
بلا استحقاقٍ للستر.

الجدران تلمّ أجسادهم المكسورة،
لا لتحفظها، بل لتكتم صوت العظام وهي تتنهّد،
تهمس للأرض:
"لا تتكلّمي، لا تخبري أحدًا أنني آويت جناحًا مكسورًا".

أتساءل أحيانًا،
أَتتنهّد السماء؟
أَتقول للأرض كوني رقيقة؟
أم أنها مجرّد عجلة حظ،
يُنجحنا فيها المصادفة،
ويسحقنا الدور؟

في بلادٍ حتّى بكاء الغيم حرام،
حتى الشَّعر الذهبي للشمس خيانة،
حتى التنهد عند بزوغ القمر عمل غير مشرّف.

لا برعم يضحك،
ولا زهرة تنضج،
الجذور يابسة،
والمعول لا يرحم.

نُوقد بالبعض،
ونجعل من آخرين فحمًا لأراجيل النافخين.
وحين نسأل "لماذا؟"،
يُقال لنا: "اصمتوا".
كل ما تستحقّه…
متر بمترين.
إن كنت محظوظًا.

وإن كانت أمّك قد دعت عليك في ليلة ولادتك،
فلست سوى رماد،
يُذرى في نهر النسيان.

وتستمرّ المسرحيّة…
هذا يتّكئ ويهمس،
وذاك يقيس المتر…
ويحدّد المترين.
 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,838
مستوى التفاعل
119,886
النقاط
2,508
لمّا مرّ بي

لم يكن يشبه أحدًا، ولم يكن غريبًا.
هو فقط يشبه إحساسًا كان يسكنني ذات نسيان،
يشبه صوتًا قديمًا كنت أُطفئ به جوعي، وأُرمم به خوفي.
لمّا دخل، كانت الطاولة تهتز من خيالي، لا من خطواته.
كأنني رأيته يمرّ من فوق روحي، لا من أمامي.
وفي لحظة واحدة، كل شيء صار قديمًا — فنجان القهوة، جسدي، المدينة،
كأنني خرجت من ممرّات نوم طويلة،
واستيقظت على ظلٍّ يعرفني أكثر مما أعرفني.

لم يكن جميلاً،
لكنه يملك تلك الندبة التي أعرف جيدًا كيف خلّفتها.
وذاك الحزن المؤدب في عينيه، الذي لا يطلب شيئًا، لكنه يقيم.

جلستُ أراقبه.
أراقب يديه — لم تتغير، لا زالت تتحرك بتلك الرتابة المريحة، كأنهما تكتبان وصية لأحدٍ ما.
لم تنظر إليّ عيناه، لكنني كنت أعلم أنه يشعر بي،
مثلما كنت أشعر به حين كنا نحيا سويًّا في زمان آخر،
كنا نضحك فيه بلغةٍ لم تعُد تُدرّس.

كنت قد نسيته —
أو على الأقل رتّبت حزني حوله جيدًا،
زرعت له شجرة، ونسيت مكانها.
لكنّه جاء،
وركضت الذاكرة بلا حياء.
ركضت فوق الأسطح،
أين كان يسلّيني بخوفه من المرتفعات،
ويركض خلفي وأنا أضحك:
"أنتَ خائف! وأنتَ كبير!"
يضحك، ثم يقول:
"أنا خائف فقط لأنكِ تركضين أمامي،
ولا أحتمل أن أقع من دونك."

هل يقع الناس حين يفقدون الحب؟
أم أن الحبّ هو ما يمنع السقوط، حتى حين نظن أننا سقطنا؟
ربما نحن الآن جالسان على طاولتين، لكنّ شيئًا في السماء يربط أرجلنا بخيطٍ خفيّ.
ننظر في اتجاهين، لكن الحبل مشدود،
متوتّر،
يرتعش كلّما ابتسمتُ بلا سبب،
وكلما رفع كوبه على مهلٍ كمن يعيد تمثيل مشهدٍ قديم.

هل نُعيد أنفسنا في كل حياة؟
أم نولد لنتذكّر ما كنّا؟
أنا لا أبحث عنه.
لكني وجدته.
هو لا يسألني.
لكنه تذكّرني،
ولا يحتاج لأكثر من هذا.
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )