جاروط
Well-Known Member
- إنضم
- 2 مارس 2016
- المشاركات
- 2,183
- مستوى التفاعل
- 584
- النقاط
- 113
من صفات المؤمن ذكر الموت و قصر الأمل
#№###########
قَالَ الله تَعَالَى:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَياةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
في هذه الآية:
وعد للمصدقين و المتقين، و وعيد للمكذبين و العاصيين، و أن الفائز من نجي من النار، و أدخل الجنة، و أنَّ من اغترَّ بالدنيا فهو مغرور خاسر.
و قال تَعَالَى:
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].
قال قتادة:
أشياء استأثر الله بهنَّ فلم يطلع عليهنَّ ملكًا مقربًا، و لا نبيًّا مرسلًا، {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة، أو في أي شهر، {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلًا أو نهارًا، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ}، أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود، و ما هو، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا?} أخير أم شرّ، و لا تدري يا ابن آدم متى تموت، لعلك الميت غدًا، لعلك المصاب غدًا، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ?}، أي ليس من أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر، أم في بر، أو سهل، أو جبل.
و روى الطبراني عن أسامة بن زيد قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( مَا جَعَلَ اللهُ مَنِيَّةَ عَبْدٍ بِأَرْضٍ إِلَّا جَعَلَ لَهُ فِيهَا حَاجَةً)).
و قال أعْشَى همدان:
فَمَا تَزُود مِمّا كَانَ يَجْمَعَه
سِوَى حنُوط غادة البَيْن مَع خرق
وَ غَيْرُ نَفْحَةِ أَعْوَاد تَشِب لَهُ
وَ قُلْ ذَلِكَ من زَادَ لمُنْطَلَق
لا تَأسِين عَلَى شَيْء فَكُل فَتَى
إِلَى مَنْيَتِهِ سَيّار فِي عَنَق
وَكُلّ مَنْ ظَنّ أَنَّ المَوْت يُخْطِئُهُ
مُعَلّل بِأَعَالِيل من حمق
بِأَيّمَا بَلْدَةٍ تقدر منْيَته
إِلا يَسِير إِلَيْهَا طائعًا شبق
و قال تَعَالَى:
{فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34].
أي:
إذا جاء وقت انقضاء أعمارهم لا يتأخرون عنه، و لا يتقدمون.
و قال تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولئِكَ هم الْخَاسِرُونَ * وَأنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَريبٍ فَأصَّدَّقَ وأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 9- 11].
في هذه الآيات:
النهي عن الاشتغال بالأموال، و الأولاد عن طاعة الله، و الأمر بالإنفاق قبل الموت، و الحض على المبادرة بالأعمال الصالحة، و التوبة قبل حضور الأجل.
و قال تَعَالَى:
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلّي أعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يبْعَثُونَ * فَإذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَومَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأولئِكَ الَّذِينَ خَسرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وَجَوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {… كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْئَلِ العَادِّينَ * قَالَ إنْ لَبِثْتُمْ إلا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُم تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 99- 115].
قوله تعالى:
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}، أي: ردوني إلى الدنيا {لَعَلّي أعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا}، ردع عن طلب الرجعة، و استبعاد لها {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا}، لا محالة، و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه {وَمِنْ وَرَائِهِمْ}، أي: أمامهم، {بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يبْعَثُونَ}، {فَإذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ}، و هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل للبعث {فَلا أنْسَابَ بَيْنَهُمْ}، أي لا تنفع، {يَومَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ}، أي: لا يسأل قريب قريبه، بل يفرح أن يجب له حق و لو على ولده.
{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}، أي: موازين أعماله، {فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بالنجاة و الدرجات، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأولئِكَ الَّذِينَ خَسرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وَجَوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} أي: عابسون، و هم الكفار، {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}.
و أما المسلمون فمن خفت موازين حسناته فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، و إن شاء عذبه بقدر ذنوبه، و مصيره بعد ذلك إلى الجنة.
{قَالُوا}، أي الكفار: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ * قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا}، نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بِصَدَدِهِ من العذاب، و قيل: المراد السؤال عن مدة لبثهم في القبور؛ لأنهم أنكروا البعث.
فقيل لهم لما قاموا من القبور: {كَمْ لَبِثْتُمْ؟}، {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْئَلِ العَادِّينَ}، أي: الحاسبين، و هم الملائكة، {قَالَ إنْ لَبِثْتُمْ إلا قَلِيلًا}، أي: ما لبثتم فيها إلا زمانًا قليلًا، {لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُم تَعْلَمُونَ}، أي: لما آثرتم الفاني على الباقي، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا}، لعبًا و باطلًا. {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}، أي: في الآخرة للجزاء، {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}، أي: تقدس، أن يخلق شيئًا عبثًا لا لحكمة، فإنه الملك الحق المنزَّه عن ذلك {لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}.
و قال تَعَالَى:
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِم الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].
وَ الآيات في الباب كَثيرةٌ معلومة.
{أَلَمْ يَأْنِ} ألم يحن، أي: أما آن للمؤمنين {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} أي: تلين عند الذكر و الموعظة و سماع القرآن فتفهم، و تنقاد له.
قال ابن عباس:
إنَّ الله استبطأ المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن.
و رُوي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:
(( إن أول ما يرفع من الناس الخشوع )).
و قال ابن مسعود:
إنَّ بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، اخترعوا كتابًا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم، و استحلته ألسنتهم، و كَانَ الحق يحول بينهم و بين كثير من شهواتهم، فقالوا:
تعالوا ندعوا بني إسرائيل إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا عليه تركناه، و من كره أن يتابعنا قتلناه، ففعلوا ذلك.
و رُوي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه، فإذا به قد نطق بهذه الآية، فتاب ابن المبارك، و كسر العود، و جاءه التوفيق و الخشوع.
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي: خارجون عن طاعة الله، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم:
(( لتتبعن سنن من كان قبلكم )).
#№###########
قَالَ الله تَعَالَى:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَياةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
في هذه الآية:
وعد للمصدقين و المتقين، و وعيد للمكذبين و العاصيين، و أن الفائز من نجي من النار، و أدخل الجنة، و أنَّ من اغترَّ بالدنيا فهو مغرور خاسر.
و قال تَعَالَى:
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].
قال قتادة:
أشياء استأثر الله بهنَّ فلم يطلع عليهنَّ ملكًا مقربًا، و لا نبيًّا مرسلًا، {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة، أو في أي شهر، {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلًا أو نهارًا، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ}، أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود، و ما هو، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا?} أخير أم شرّ، و لا تدري يا ابن آدم متى تموت، لعلك الميت غدًا، لعلك المصاب غدًا، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ?}، أي ليس من أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر، أم في بر، أو سهل، أو جبل.
و روى الطبراني عن أسامة بن زيد قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( مَا جَعَلَ اللهُ مَنِيَّةَ عَبْدٍ بِأَرْضٍ إِلَّا جَعَلَ لَهُ فِيهَا حَاجَةً)).
و قال أعْشَى همدان:
فَمَا تَزُود مِمّا كَانَ يَجْمَعَه
سِوَى حنُوط غادة البَيْن مَع خرق
وَ غَيْرُ نَفْحَةِ أَعْوَاد تَشِب لَهُ
وَ قُلْ ذَلِكَ من زَادَ لمُنْطَلَق
لا تَأسِين عَلَى شَيْء فَكُل فَتَى
إِلَى مَنْيَتِهِ سَيّار فِي عَنَق
وَكُلّ مَنْ ظَنّ أَنَّ المَوْت يُخْطِئُهُ
مُعَلّل بِأَعَالِيل من حمق
بِأَيّمَا بَلْدَةٍ تقدر منْيَته
إِلا يَسِير إِلَيْهَا طائعًا شبق
و قال تَعَالَى:
{فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34].
أي:
إذا جاء وقت انقضاء أعمارهم لا يتأخرون عنه، و لا يتقدمون.
و قال تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولئِكَ هم الْخَاسِرُونَ * وَأنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَريبٍ فَأصَّدَّقَ وأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 9- 11].
في هذه الآيات:
النهي عن الاشتغال بالأموال، و الأولاد عن طاعة الله، و الأمر بالإنفاق قبل الموت، و الحض على المبادرة بالأعمال الصالحة، و التوبة قبل حضور الأجل.
و قال تَعَالَى:
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلّي أعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يبْعَثُونَ * فَإذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَومَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأولئِكَ الَّذِينَ خَسرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وَجَوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {… كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْئَلِ العَادِّينَ * قَالَ إنْ لَبِثْتُمْ إلا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُم تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 99- 115].
قوله تعالى:
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}، أي: ردوني إلى الدنيا {لَعَلّي أعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا}، ردع عن طلب الرجعة، و استبعاد لها {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا}، لا محالة، و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه {وَمِنْ وَرَائِهِمْ}، أي: أمامهم، {بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يبْعَثُونَ}، {فَإذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ}، و هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل للبعث {فَلا أنْسَابَ بَيْنَهُمْ}، أي لا تنفع، {يَومَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ}، أي: لا يسأل قريب قريبه، بل يفرح أن يجب له حق و لو على ولده.
{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}، أي: موازين أعماله، {فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بالنجاة و الدرجات، {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأولئِكَ الَّذِينَ خَسرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وَجَوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} أي: عابسون، و هم الكفار، {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}.
و أما المسلمون فمن خفت موازين حسناته فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، و إن شاء عذبه بقدر ذنوبه، و مصيره بعد ذلك إلى الجنة.
{قَالُوا}، أي الكفار: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ * قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا}، نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بِصَدَدِهِ من العذاب، و قيل: المراد السؤال عن مدة لبثهم في القبور؛ لأنهم أنكروا البعث.
فقيل لهم لما قاموا من القبور: {كَمْ لَبِثْتُمْ؟}، {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْئَلِ العَادِّينَ}، أي: الحاسبين، و هم الملائكة، {قَالَ إنْ لَبِثْتُمْ إلا قَلِيلًا}، أي: ما لبثتم فيها إلا زمانًا قليلًا، {لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُم تَعْلَمُونَ}، أي: لما آثرتم الفاني على الباقي، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا}، لعبًا و باطلًا. {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}، أي: في الآخرة للجزاء، {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}، أي: تقدس، أن يخلق شيئًا عبثًا لا لحكمة، فإنه الملك الحق المنزَّه عن ذلك {لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}.
و قال تَعَالَى:
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِم الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].
وَ الآيات في الباب كَثيرةٌ معلومة.
{أَلَمْ يَأْنِ} ألم يحن، أي: أما آن للمؤمنين {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} أي: تلين عند الذكر و الموعظة و سماع القرآن فتفهم، و تنقاد له.
قال ابن عباس:
إنَّ الله استبطأ المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن.
و رُوي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:
(( إن أول ما يرفع من الناس الخشوع )).
و قال ابن مسعود:
إنَّ بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، اخترعوا كتابًا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم، و استحلته ألسنتهم، و كَانَ الحق يحول بينهم و بين كثير من شهواتهم، فقالوا:
تعالوا ندعوا بني إسرائيل إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا عليه تركناه، و من كره أن يتابعنا قتلناه، ففعلوا ذلك.
و رُوي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه، فإذا به قد نطق بهذه الآية، فتاب ابن المبارك، و كسر العود، و جاءه التوفيق و الخشوع.
{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي: خارجون عن طاعة الله، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم:
(( لتتبعن سنن من كان قبلكم )).