عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,739
- مستوى التفاعل
- 2,771
- النقاط
- 113
نبي الساعة
يتناول الكتاب المقدس بعض الشخصيات المغمورة ليجعل منها محور أحداث الساعة. ومثل هذه النماذج تكتظّ بها الأسفار المقدسة، كجدعون، ويفتاح، وأليشع، بل إن داود الملك نفسه قبل أن يتسنّم ذروة العرش لم يكن سوى راعي غنم يقضي معظم أوقاته في البرية قائمًا على حراسة قطيعه والعزف على مزماره وقيثارته.
واليوم أريد أن أتحدّث عن شخصية كتابية قلّما تسترعي انتباهنا. ومع أن صاحبها أحد أنبياء مملكة إسرائيل فإننا لا نكاد نعرف عنه شيئًا مذكورًا؛ غير انه لعب دورًا خطيرًا في المرحلة الأخيرة من حكم الملك أخآب. هذه الشخصية هي النبي ميخا بْنِ يَمْلَة.
ولفظة ميخا معناها "الذي مثل يهوه". وإذ نسلّط الأضواء على حياة هذا النبي، فإنما نسعى لكي نتّخذ من مثاله عبرة ولا سيّما نحن أبناء القرن الحادي والعشرين. إن الحادثة البارزة التي جعلت منه مركز الثقل كانت في الواقع برهانًا صارخًا عن سلطان الرب. ولكي نستوعب عمق هذا الحدث، وندرك أبعاده لا بدَّ لنا أن نستعرض قصته باختصار:
•
قدم الملك يهوشافاط ملك يهوذا لزيارة الملك أخْآب ملك إسرائيل، واستطاع أخْآب أن يقنع ضيفه بالانضمام إليه في حرب ضد الأراميّين الذين سبق لهم أن استولوا على منطقة راموت جلعاد التي كانت ضمن تخوم إسرائيل. وإذ كان الملك يهوشافاط رجلًا تقيًّا أراد أن يستشير الرب أولًا في أمر هذه الحرب. فجمع له أخْآب نحو 400 رجل من دعاة النبوّة واستنبأهم، فاتّفقوا جميعًا على القول بأن الرب سيأتي الملك النصر لأن تلك هي إرادته. غير أن يهـوشافاط أحسّ، كما يبدو، أن هؤلاء الأنبياء الكذبة لم ينطقوا حقًا باسم الرب، فسأل حليفهُ إن كان هناك بعد نبي آخر للرب ليسألاه فيعلن لهما قضاء الرب. فأجابه أخْآب بتردّد بأنه يوجد نبي واحد بعد :
"وَلكِنِّي أُبْغِضُهُ لأَنَّهُ لاَ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا، وَهُوَ مِيخَا بْنُ يَمْلَةَ."
(1الملوك 22: 8)
وعندما استُدْعِي ميخا للمثول في حضرة الملكَين، أطلعه الخصي الرسول على أمر الأربع مئة نبي، ولا سيّما أمر صِدْقيّا بن كنعنة الذي عمل لنفسه قرنَيْ حديدٍ وادّعى قائلًا:
"هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: بِهذِهِ تَنْطَحُ الأَرَامِيِّينَ حَتَّى يَفْنَوْا".
(1الملوك 22: 11)
وطلب هذا الخصي من ميخا أن يتنبّأ للملكَين بمثل ما تنبّأ به هؤلاء المنافقون. أما ميخا رجل الرب فأجاب:
"حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّ مَا يَقُولُهُ لِيَ الرَّبُّ بِهِ أَتَكَلَّمُ."
(1الملوك 22: 14)
•
ويخبرنا الكتاب المقدس أن نبوءة ميخا كانت مناقضة في فحواها لادّعاءات هؤلاء الأنبياء الكذبة إذ حذّر الملكَين من مغبّة هذه الحرب وتنبّأ بمصرع أخْآب. وقد صدقت نبوءة ميخا وكذبت نبوءات الأدعياء.
نَتَلَقّى من هذه القصة دروسًا رائعة من حيث علاقتنا مع الرب أوّلًا،
وعلاقتنا بالمجتمع الذي نعيش فيه ثانيًا.
منذ اللحظة الأولى أعلن ميخا بأنه لن ينطق إلاّ بما يوحي به إليه الرب مهما كلفه الأمر. هذا القرار الخطير وضع ميخا في موقف مجابهةٍ مع جميع الأنبياء الكذبة لأنه أدرك، منذ البدء، أن هؤلاء الرجال كانوا ينافقون الملك، ويهمسون في مسامعه بما يرغب به فقط. كان خوفهم من الملك أكثر من خوفهم من الرب، وطمعهم بهبات الملك ومكافآته أكثر من رضى الرب عليهم. أما ميخا، رجل الرب فقد حدّد موقفه حتى قبل أن يمثل أمام أخآب إذ عزم على أن لا ينطق إلا بما يعلنه له الرب. كان ولاؤه الأوّل للرب لا للإنسان. ونحن كمؤمنين، عرفنا الرب واختبرناه، وتوافرت لنا كلمته المقدسة، لا يجوز لنا أن نطلي الحق بالباطل إرضاءً للناس أو للمجتمع الذي نشأنا فيه. يجدر بنا أن نحدّد موقفنا من الرب قبل أن نكرز بإنجيله، لأن كرازتنا بكلمة الرب يجب أن تكون تعبيرًا راسخًا عن موقفنا وولائنا له، وإلاّ نكون مرائين منافقين. ولا ريب أن تحديد الموقف يسفر في معظم الأحيان، عن استثارة العداء وخلق المتاعب والمشكلات لأن الروح المهيمن على هذا العالم هو روح شرير، وهو ضدّ المسيح.
لاحظ معي ما أصاب ميخا. فما أن كشف النقاب عن نفاق هؤلاء الدجّالين، وأعلن القضاء الإلهي حتى هجم عليه صِدْقيّا بن كنعنة رئيس تلك العصابة وضرب ميخا على الفكّ؛ وما لبث الملك أخْآب أن زجّ ميخا في غياهب السجن.
•
فمن الجلي إذًا أن لتحديد الموقف أهميّة بالغة في حياتنا المسيحيّة لأنه عربون شهادتنا. ومن ناحية أخرى فإن ميخا لم يفزعه المثول أمام الملكَيْن لأنه في تلك اللحظة كان ممثّلًا للرب، أي كان سفير ملك الملوك ورب الأرباب. أدرك ميخا أن النبوءة التي نطق بها لن تحظى بمسرّة الملك، بل كانت دليلًا على صحة رأي الملك فيه. وهو رأي فجّر الكراهية في قلبه ضدّ ميخا. ولكن ميخا لم يكن رجل الملك، بل كان رجل الرب، وهذا الانتماء وفّر له حرية التعبير عن الحقيقة. لشدّ ما ودّ أخْآب أن يكون "ميخا" دجّالًا منافقًا يكيل للملك هالات المديح، إنما خاب فأله، وتحدّى ميخا الملك وأذنابه مما أثار حفيظة الملك عليه فأمر بسجنه ريثما يعود سالمًا من حربه مع الأراميّين. قال ميخا للملك:
"إِنْ رَجَعْتَ بِسَلاَمٍ فَلَمْ يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ بِي"
(1الملوك 22: 28)
وأشهد الحاضرين على قوله. وحقًا لم يرجع أخْآب بسلام على الرغم من الخدعة الحربية التي خطّط لها والتي ظنّ بأنها ستنقذه من مصيره المحتوم.
ينبر الكتاب المقدس بعبارة واضحة أننا كسفراء عن المسيح نتمتّع بسلطة السفير وامتيازاته. وولاء السفير، في الدرجة الأولى هو لملكه وبلاده. ونحن نعلم يقينًا أن يسوع ربنا وإلهنا، هو القائد المظفّر، وقد وعد أن يكون معنا إلى انقضاء الدهر، ولم يحدث قط أن اخلف بوعده أو نقض ميثاقه. من شأن هذه الحقيقة أن تفعمنا بالجرأة والشجاعة حتى في الأوقات العصيبة التي نتعرّض لها والتي قد يكون فيها سيف الموت مسلّطًا فوق رؤوسنا. إن مصائر الملوك والسلاطين كلها مرهونة بمشيئة الرب وهو عالم بما يظهرون ويضمرون. فإن كنا حقًا نؤمن بأننا سفراء عن المسيح لا يصحّ لنا أن نخشى البشر بل يجب أن يكون شعارنا هو ذات شعار بطرس والرسل في موقفهم من رؤساء الكهنة والفريسيين بأنه ينبغي أن يُطاع الرب أكثر من الناس.
{د.صموئيل عبد الشهيد}
* * *
أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين
يسوع يحبك ...