عطري وجودك
Well-Known Member
- إنضم
- 5 أغسطس 2019
- المشاركات
- 81,740
- مستوى التفاعل
- 2,761
- النقاط
- 113
بسم الله الرحمن الرحيم
نعمة النوم وأدابه
إن النوم نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العباد، وهو آية من آياته جلّ وعلا، فبالنوم يأخذ الجسم راحته، ويستعد للقيام بأعمال أخرى من أمور الدنيا والدين،ولا يشعر بقيمة هذه النعمة إلا من فقدها، فمن أصيب بالأرق أو بالمرض وحُرم من هذه النعمة فإنه مستعد أن يدفع كنوز الدنيا كي يحصل على جزء يسير منها، أو أن يغفو غفوة يتلذذ بهذه النعمة التي لم نتفكر فيه
نعم الله علينا كثيرة لا تحصى(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)إبراهيم،
وكثير منا من هو غافل عن شكره فيها، كما هو غافل عن الشكر إنها نعمة النوم،فإذا ما أصيب المرء بمرض أو أرق، أو مسه شدة جوع أو برد حالت دون نومه فإنه يدرك قيمة هذه النعمة، وما أطول ليل الأرقين،وما أنغص نوم المرضى والمهمومين،
وفي المقابل فما ألذ النوم بعد الإعياء والتعب وطول الكد والبحث في سبل الحياة دون أن يكدره مرض أو هم أو غم،
إنّ النوم كما هو نعمة فهو أيضاً آية من آيات الله، ألا ترى الخالق جل جلاله،يغشي الليل النهار فيظلم الكون، وتسكن الحياة،وتقل الحركة، ويهدأ الناس، فيطيب المنام، وتسكن الأعضاء بعد كللها، وتستريح بعد تعبها،وصدق الله إذ يقول(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً)الفرقان،
إن تلك النعمة رحمة واحدة من رحمات الله على عباده تستوجب الشكر،قال سبحانه(وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)القصص،
فلا تستطيع أي قوة في هذا الكون سوى قوة الله أن تجعل الليل هادئاً ساكناً للمنام،ولا النهار مبصراً للحركة،وأي قوة مهما بلغت فلا أحد يستطيع ذلك إلا الذي خلق الخلق وقدره تقديراً، وهذه آيات عظيمة، والتفكر فيها يدعو لمزيد من الإيمان،قال تعالى(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ،قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ)القصص،
إن في النوم سراً من أسرار الله في هذا الكون لا يقدر عليه إلا الله،إن في النوم موتاً ووفاة،لكنها موتة صغرى،ووفاة إلى أجل،قال سبحانه(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)الأنعام،
فالأنفس في المنام يتوفاها الله جميعاً،فمن شاء أن يفسح لها في الأجل أعادها إلى الحياة مرة أخرى، فقد كنت ميتاً منذ سويعات فأحياك الله،
وأما النفس التي قدر عليها الوفاة،فإن يمسكها فلا يقظة بعد هذه النومة،فمن ذا الذي يقِّدر هذا،أو يفعل هذا،إلا الله تبارك وتعالى، قال تعالى(اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)الزمر،
فهناك سر عجيب يتكرر في النوم،ولا يكاد يوقظ قلوب الغافلين، أو يستدعي تفكر المتفكرين، ففي لحظة سريعة يغيب المرء عن الحياة والأحياء، وفي أخرى يستيقظ فإذا هو يعيش الحياة ويبصر الأحياء، فيستدل بالنوم،وهو الموتة الصغرى،على الوفاة الكبرى،وبالاستيقاظ على البعث والنشور،ولتموتنّ كما تنامون،ولتبعثنّ كما تستيقظون،وهناك في أرض المحشر ينكشف ليل المفسدين، وتكشف سوءات الفسقة والفاجرين،الذين نسوا أنهم إن غابوا عن أعين الخلق فهم في رقابة الخالق الذي لا تخفى عليه منهم خافية ليلاً ولا نهاراً،ففي الآخرة ينكشف الفرق بين قوم(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات،
فكانوا في صلاة وتلاوة وذكر ودعاء(وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)الذاريات،
فأن يشكر الله على هذه النعمة،ويأوي إلى فراشه ذاكراً شاكراً مستودعاً ربه نفسه،إن أمسكها أن يرحمها،وإن أرسلها أن ليحفظها بما يحفظ به عباده المؤمنين،
وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم،يعلم أصحابه أن يقول أحدهم إذا أوى إلى فراشه(باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمهما، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)
وكما أن النوم نعمة وعبادة تعينان على طاعة الله فهو ليس كذلك إذا حال بين العبد وبين طاعة ربه، فالصلاة خير من النوم، وهذا نداء يطلقه المؤذنون في فجر كل يوم، والخيرون من الناس هم الذين يستجيبون لهذا النداء، وأكثر الناس عن آيات ربهم غافلون، ومن تكرر نومه عن صلاة الفجر دون عذر شرعي فذلك الذي بال الشيطان في أذنيه،
عن عبد اللَه بن مسعود رضي الله عنه قال،ذكر عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم(رجل،نام ليلة حتى أصبح،قال،ذاك رجل، بال الشيطان في أذنيه)
صلى الله عليه وسلم،يحث على النوم على طهارة فيقول(إذا آويت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة)رواه مسلم،
إن هناك أشياء تنغص على النائم،وهي الرؤى،الأحلام المزعجة، والرؤى المكدرة التي تقض مضاجع العبد وتكدر حياته وتجعله بعد يقظته من نومه في هم وحزن مما رأى مما شاهد في منامه،
ونبينا صلى الله عليه وسلم،عالج هذه القضية للمسلم وأرشدنا إلى العلاج النافع الذي نتقي به شر هذه الأحلام ا لمزعجة،لصفو نومنا وحياتنا، فأخبرنا صلى الله عليه وسلم،أن الرؤى على أقسام منها رؤى صالحة التي يراها أو تُرى له قال الله جل وعلا(الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ،لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)يونس، فُسرت البشرى بالرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له،
ونبينا صلى الله عليه وسلم ،أرشدنا إذا رأينا في منامنا أمراً يسرنا لا نخبر بها إلا من نحب ومن يحبنا،ونعلم أنه يحب الخير لنا،
وإذا رأينا في منامنا ما يزعجنا ويكدر نفوسنا ويقض مضاجعنا، أولاً،أن نتفل عن يسارنا ثلاث مرات، ونتحول من النوم من جنب إلى آخر، ثم نستعيذ بالله من الشيطان، ونستعيذ بالله من شرها، ثم نكتمها ولا نحدث بها أحداً،
ثم إن تكررت فلتقم ولتصلي لله ليُذهب الله عنك تلك الرؤى المخيفة،
ولا تقيم لها وزناً ولا تهتم بها، ولا تعلق على الرؤى أمراً،
ليس لأن الرؤى لا يبنى عليها أحكام،ولا تحدد بها أشياء، إنما كثير منها مجرد أوهام، فالمؤمن لا يهتم بذلك،وكتم تلك الرؤيا وكما قال يعقوب لابنه(لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً)يوسف،
وإن رأيت ما يسؤوك فتحول من جنب إلى جنب، إن كنت نائماً على جنبك الأيمن فتحول أو العكس، ثم استعذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وابصق عن يسارك ثلاث مرات، ولا تخبر بها أحداً، واكتمها،وما كأن شيئاً كان، فإن ذلك أسلم لنفسك وأحفظ لنومك،
جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله،رأيت في النوم كأن رأسي ضُرب،فقال(لا تخبر الناس بتلاعب الشيطان بك)هكذا السنة للمسلم، فإذا طبق هذه السنة ارتاح باله واطمأنت نفسه، أما إذا علق على هذا الأمل وأصبح منزعجاً يبحث عمن يفسر وربما وقع في يد انسان لا علم عنده ولا بصيرة ،فعبرها بغير واقع أو ربما عبرها بالواقع ،والرؤيا على طرفي جناح طائر متى عبرت وقعت ومتى أخفيت ونُسيت فإنها لا تؤثر شيئاً ولا تضر المسلم في أمر دينه ودنياه،
فعلينا أن نحافظ على الأذكار المشروعة التي تحفظنا في يقظتنا ومنامنا فكل الأذكار المشروعة (أذكار الصباح،والمساء)متى تعلمها المسلم وحفظها وتلاها واعتاد على ذلك صار في راحة وهدوء،
اللهم اجعل يقظتنا ونومنا طاعة وعبادة لك يا رب العالمين،واجعل طعامنا تقوياً في طاعتك، ومنامنا تقرباً إليك،وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا من الراشدين،
اللهم آميـــن.