Noor Aldeen
:: القلم المميز ::
نُولد دون أن نتخذ قراراً في ذلك ، نبكي دون أن يُسمع صوتنا ، نتوّجع ونبكي ونكبر
فقط لأننا أطفال ، أنا سأخبركم بماذا أشعر ، ومَن أكون وإلى مَن أنتمي.
لكن هل لي أن اطلب منكم أن توصدوا أبواب البُكاء..؟
لا أُريد شفقة من أحدكم ولا يُعجب أصدقائي أن تدعوهم بالمساكين.
نحن أطفال / هم
وهذه حكاياتنا.
هذا أنا ، وأحلامي القصيرة لم يخلقها الله مشوّهة أو عقيمة ، لكنني وُلدت لأرضع من ثدي الحُزن
لم أُذنب بحجم جريمة والدي ، هو من جاء بي إلى هذه الحياة وأنا أجهله.
أيها الصغار في عمري ، لاتبكوا بعد أن تُولدوا فأنتم تُحملون لتوضعوا من فوق صدور أمهاتكم
أما أنا فكنت أنام على رصيف شارع ممتلئ بالغبار ، أتدثر بصفيحة من القرطاس والخوف ينهش جسدي.
يا أبي الذي لاأعرف شيئاً من تفاصيل وجهك ، لاأعرف شيئاً عنك سوى أنكَ وهبتني هوية اللقيط لأُنادى بها
أنا اتوسّد حسرتي الآن وأبكيك .
صدّقني لا أشعر بأنني غريب ، لأنك لاتعلم أن الله قريب وأن فمي ممتلئ بالصراخ ولا أتذكر أنني فعلت
سألوني ، إبن مَن أنت..؟ وفي أي منزل تقطن..؟
هل تعلم ماكان جوابي..؟
لم أتبرأ منك كما فعلت بي.. بل أخبرتهم أنك جئت بي لتقذفني في شوارع الحُزن بلا أقدام.
أجبتهم وأنا أبكي حسرة على ماتفعله بنفسك..
فوالله ياأبي الذي لاأعرفك.. لن أغفر لكَ حتى وإن غفر الله لك
لاتندب حظك ياصديقي..
فأنا سُلبت من حُضن أُمي ، كبّلوا أيدي الفرار بي
شردوا الأمن في صدري ، أوصدوا أبواب الزنزانة على روحي
حتى أكون عبداً لـ امراة :
هي زوجةٌ لـ أبي ، أقدامُها هي منامي
و شرابُها دمعي ، و أبناؤها بنو الأحلام بـ دمي !
أنا :
ذلك الذي مضى يبني نفسه من مُكعبات سُكر !
تدهورة إلى أن أصبحت حبَّات قهوةٍ مُره ، لا تعرف لـ أُمها محلا . . .
إلى أن أصبحت رُكاماً باكي
يلتقط السمع تارةً و تارةً اخرى يُرمم
دمه كي يبكي من جديد . .
لـ أبي لستُ كارهاً ، و لستُ ممن يبني في ترهلات قلبة أكوام حقد
و لـ أُمي لستُ وفياً كذلك !
أنا مُشردٌ تائه ، في يدي وشمة سلاسلٌ قد كبلوا يداي حتى تجرحت / !
و دماؤها سردت تفاصيل بُكائي ، و بُكائي حائدٌ عن مسامع والدي !
لا تبكوا ، فـ بُكاء شقائي لم يُشفي أوجاعي . . .
ياصديقاي.. ماعاد الثوّار أولي بأس شديد..
لاتُثيرا من حولي شعب الحنين فأنفجر ، أنا أُشبه قنبلة نووية..
إن كنتما تشتكيان من وجع الحياة فماذا أقول أنا..؟
وجبة افطاري في الصباح دبابة تدهس ، ووجبة الغداء طائرة تقصف ، ووجبة العشاء لغم ناسف.
أنا رضيت بأن لا أملك إلا أمي ، ولو كان الأمر عائداً إليّ ، لتخليّت عنها كي لايستثير الفقد بكائي.
لاتبكوا على مالم تجدوا ، لأنني بكيت على مالم أفقد.
سأربط من حول خصري هذا الحزام وأصرخ بأعلى صوتي في وجه العدو..
سأرسم بقلمي خوفاً أرميهم به ، فلستُ صديقاً لأحصنة طروادة كي أمتهن أساليبها الملتوية..
ولستُ بنبي أحمل قول الله ، ولستُ بكاهن كي أتعرّى من نفسي..
أريد حجراً يا أرضي ، ولتخبري أصدقائي في الأعلى أنني لم أبكي..
أنا جائع للفرح ، لكنني شبعت من أكل الصبر المُر..
سأسير يارفاق وأضرب بحجر من سجيل حتى يأخذ الله مايُريد
لا أعرف كيف تُحمل خُطاكُم ، لا أعي كيف تُمسكوا بـ أكوابكُم ،
لا أُدرك كمية الوجع في صدور أُمهاتِكُم / . . / ولا أُجيد كذلك فهم تعرجات جبين والدي !
أستمع أنا لـ نياحكُم / !
لا تُحدقوا النظر بـ أطرافي ، لا تدمع أعيُنكُم فوق أقدامي ‘
أستمع لـ صُراخه في وجهها فاقداً لـ عقله ، وهو يشرب من سُمه !
أستمع لـ / ضرب كأسه ، و تتساقط رائحة عفن خمره ، فأرسُم سُخريته مني ..
لا تبكوا !
فـ البُكاء لم يعُد كافياً لأن نهرب !
اصبحت في كُل ليلةٍ أنام فوق دماء أُمي ، و يُدثرنا سياطٌ كان خادشاً لـ جلدها ،
و أناملٌ قد حملته !
سألويها يوماً و أشرب دماؤها ، سأمتصُها ، و أُعيد الدمع لـ أُمي ،
سأرسُم من سُخريته ثُغراً باسماً لها !
لا تيأسوا يا اصحاب ، فلا أحد مِنهُم يمتلك شُروق صباحنا !
غشّوا أمانيكُم في الصدور !
فـ صدري / ضاق من رصاصٍ خبأتُه لـ وجهٍ ما زادني إلا حسرةً و نداما !
أما قلبي / فـ رُكام حُقده سيتفجر يوماً لـ لأمحو من إغتال أُمي بـ يداي !
و الجسد عندي لا قيمة له !
فـ إني لا أعرف كيف أُحرك أقدامي ، ولا كيف أقذف الرصاص بـ وجه والدي
أرأيتُم :
إنتهيت كـ ركام حُلم ، قبل أن تُبنى أحلامي ..
مهلاً.. كيف تتناوب حناجركم بالصراخ واحدة تلو الأخرى دون أن أفعل
ألستُ أنا صديقة حُزن قديمة..؟
بل أنا أكلت من علقم العُمر ماهو أقسى ، مم**ة ، حزينة ، وتائهة.
طائفة من مدينة يقطر منها الغضب بعد أن أصبح الحقد يلطّخ جدائلي خصلة خصلة.
لم أفعل أكثر من كوني طفلة بريئة..
أنا ضحية شهوة ليت الله لم يخلقها ، أو ليت الموت أخذني قبل أن اسقط على فراش الإنكسار.
كنت أمشي إلى أُختي الكبرى لأخبرها بأنني لم أعُد تلك الطفلة البيضاء..
تعثرت بعجزي عن السير وسقطت، عُدت لأمشي لكنها لم تتكمل لأكثر من خطوتين فعُدت لأسقط
بكيت أمام بابها طويلاً إلى أن رأت ظليّ المكسور..
كانت تُحاول أن تغرس في صدر بكائي سكاكين الإطمئنان..
حتى أنهيت ليل البكاء بحسرة على ماأصبحت الآن به.
لم يبقى لي غيرك ياإلهي كي ينصفني منه.
فيا الله، أنت تعلم أنني لم أرتكِب مايجعلني ساقطة ، ولم أرتفع إلا بحبي لك..
ويا الله، أنت تعلم أنني لم أكُن أكثر من كوني طفلة إغتصبها حقير زاني، فلم يترك لها بالأرض سوى الموت المعلّق.
ويا الله، أنت تعلم أنني لم أكن أرى في وجهه إلا صورة أبي ، لكنه أسقطني في بئر خداعه وانتهك قداسة طفولتي..
ماذا أفعل يا الله بعد أن أصبحت طفلة غير قابلة للحياة ، كل ذنبها أنها كانت تظن بأن كل الرجال اباء.
أنا أحفظ القرآن كاملاً ، وأتذكر بأن أمي كانت تقول لي سأمنحك مقابل كل جزء تحفظه هديّة.
حفظت 29 جزء من القرآن لكن الجزء الأخير كنت أحفظه بمكان مختلف..
مكان ممتلئ باللون الأبيض ، أتذكّر أنها قالت بأنه مكان قد خُصّص للمصابين بالسرطان..
وكأن الحياة تركتها لي هدية أخيرة ، ربما يظن البعض أنني أبكي مثل اصحابي السابقين..
لكنني أبتسم وأنا سعيد جداً ، فالله لم يختارني لهذا الإمتحان إلا لأنه يعلم أنني متميز عنهم جميعاً ، هكذا كانت تخبرني أميّ..
أما الآن قد صبحت أكثر تميّزاً ، هل تصدّقون؟؟
أعلم أنكم لم تصدّقوا ماقلته، لكن أنصتوا لأخبركم ماتميّزت به:
أولاً :
جميعكم تملكون فوق رؤوسكم شَعر كثيف ، إلا أنا، لا أملك إلا رأس مستدير فارغ كما يُسميني صديقي (أصلع).
ثانياً :
أنتم تخافون في البحر من السرطان ، أما أنا فأحمل بداخلي سرطان لم أخاف منه.
ثالثاً :
أنتم لاتمتلكوا هدية الأجر في الصبر عليه ، بينما أنا سأناله بفضل الله ورحمته.
رابعاً :
عندما تتعرضون في المستقبل إلى الآم لن تتحملّوها أما انا فسأكون قد إعتدت على هذا الألم.
خامساً :
نتم تبكون على حياتكم التعيسة ، أما أنا فلا أبكي إلا على الموت ، في حال أخبروني بأن أحد اصدقائي المصابين في المستشفى قد مات
بالإضافة الى أن أمي قد أخبرتني بأنني سأكسب في كلا الحالتين ، فإن كنت أقوى منه غلبته وشُفيت منه..
وإن كان هو أقوى من جسدي سأذهب لأبي في السماء لأنه كان مثلي قبل أن أكبر.
طفوله مؤلمه لكنها تحتوي ع الاجر العظيم من رب العالمين
مودتي لكم
شموخ رجل