ابو مناف البصري
المالكي
*هكذا أريدُ بيتي*
بقلم : نرجس المهاجرة
كُنتُ أجلسُ كالعادةِ من هذا الوقتِ أُردِّدُ الأذكارَ وأتأمّلُ الآيات، إلى أنْ جاءتني أٌمّي، فقد وصلَ الضيوفُ الذين كُنّا على علمٍ بقدومِهم ولأيّ غرضٍ أيضًا!
استجبتُ للأمر، خلعتُ رداءَ الصلاةِ، ورتّبتُ الأشياءَ وخرجتُ لاستقبالهم، وبعد التحية والسلام، جلستُ كما أمرتني أُمّي، وأخذتُ اتأمّلُ بهم، كانتْ أُمُّ الخاطب جالسةً كما تجلسُ عارضاتِ الأزياء، حتى بدأتُ أُفكِّرُ لا شكَّ أنّ عمودَها الفقري ينعى نفسه الآن!
واضعةً على جانبِها حقيبتها حتى يُسمحَ لي برؤيةِ كُلِّ تفاصيلها، رافعةً عن جُزءٍ من ملابسها؛ ليظهرَ ذلك الحذاء المنمّق! فضلًا عن تفاصيلِ الملابسِ والإكسسوارات والميك آب، فتهيّأَ لي أنّني أرى أمامي إعلانًا تجاريًا لماركةٍ ما؟!
حسنًا، لنصبرْ قليلًا ولنر ما ماركة أفكارها؟!
أخذتْ تتكلّمُ عن ولدِها حتى أُصِبتُ بالدوار بما يملكُ وبما يعرفُ من شخصياتٍ عامة، وكم من المُعجباتِ لديه على قائمةِ الانتظار، وبعدما انتهتْ منهُ تنفّستِ الصُعداءَ وانطلقَ لسانُها نحوي، بالمديحِ لما منحني الباري من التفاصيلِ الجميلة، لم تلبثْ إلا أنْ انقلبتْ لتُقدِّمَ لي النُصحَ بأنّي أحتاجُ لعملِ بعضِ التفاصيلِ التجميلية للحاجبِ والشفاه والأنف كما أنّه يجبُ أنْ أتخلّى عن ارتداءِ الحجاب الذي اعتدتُ عليه، ناصحةً إيّاي أنّ ذلك لم يَعُدْ يواكِبُ الموضة، ومُعلِّلةً مرةً أخرى أنّني سأبدو في غايةِ الروعة، وزادتْ على أنّ ابنَها يُحِبُّ هذه التفاصيل وأنّها تتمنّى استجابتي لذلك؟
كانتْ تتكلّمُ بكُلِّ ثقة، فتركتُها تُتابعُ الكلامَ، بأنّهما قرّرا أنْ يكونَ حفلَ الزفافِ في إحدى أضخمِ القاعاتِ في المدينة، وأخذتْ تعدد أيضًا بعضَ الدولِ المُقترحةِ من أجلِ قضاءِ شهرِ العسلِ فيها.
أما عن تفاصيلِ الملابسِ والإكسسوارات فإنّها كتبتْ قائمةً عندَما شاهدتُها شعرتُ أنّني على أبوابِ تصفُّحِ مجلةٍ ثرثارة، مُتبجِّحَةً أنْ لا أهتمَّ بالمال، وكأنّ العطاءَ من بيتِهم قد ولِد!
دفعتُ قائمتَها إليها، وأخبرتُها أنّني مُتأسِّفة، وأنَّ السعادةَ التي يبحثُ عنها ابنُها لا توجدُ عندي!
استاءتْ وأخذتْ كلماتُها تتناثرُ من فمِها كالغُبار، ممّا أجبرني على التوضيح!
أخبرتُها أنّني أتوقُ لقصرٍ قد بُنيَ بسمِ الله (تعالى)، وجدرانُه تستندُ على لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وسقفُه مرفوعٌ ثقةً بالله (سبحانه)، يفوحُ منه عطرُ تلاوةِ الآيات، نوافذُه مفتوحةٌ بالدُعاء، وأبوابهُ مؤصدةٌ عن المعاصي وكُلِّ ما يُغضِبُ جبار السموات، مفتوحةً إلى نفحاتِه الرحيمة لما نسعى إليه من تقرُّبٍ بالنوافلِ والمُناجاة..
أمّا عن عملياتِ التجميل فإنّي اكتفيتُ بالوضوء؛ فهو ماركةٌ لا يعتريها غشٌ ولا تقليد، ويكفي ذلك المطرُ الذي تسمعينهُ يضربُ النوافذَ الآنَ كدليل، أنزله اللهُ (تعالى) إلى الأرضِ، إذ يبدو أنْ حانَ للأرضِ ومن عليها وقتُ التجميل!
إنْ طابتْ نفسي إلى السفرِ وإلى تأمُّلِ الجمالِ فإنّي أتوقُ إلى من يُشاركني رؤيةَ الجمالِ الذي يختفي خلفَ آياتِ هذا الكتابِ الذي ترينه أمامكِ على المنضدة!
أمّا المالُ الذي أتوقُ أنْ أجنيه فهو باقياتٌ صالحات، أزرعُها هُنا قبلَ الرحيل!
وإنْ أردتُ أنْ أتعرّفَ على أحدٍ، فلا غايةَ لي سوى أنْ أعرفَ من لا يُشاركُه أحدٌ ولا يحتاجُ إلى أحدٍ، فردًا صمدًا!
واعلمي إنْ وجدتُ بيتًا يهتمُّ بهذه التفاصيل سآوي إليهِ، بلهفةِ يوسفَ لأبيهِ
بقلم : نرجس المهاجرة
كُنتُ أجلسُ كالعادةِ من هذا الوقتِ أُردِّدُ الأذكارَ وأتأمّلُ الآيات، إلى أنْ جاءتني أٌمّي، فقد وصلَ الضيوفُ الذين كُنّا على علمٍ بقدومِهم ولأيّ غرضٍ أيضًا!
استجبتُ للأمر، خلعتُ رداءَ الصلاةِ، ورتّبتُ الأشياءَ وخرجتُ لاستقبالهم، وبعد التحية والسلام، جلستُ كما أمرتني أُمّي، وأخذتُ اتأمّلُ بهم، كانتْ أُمُّ الخاطب جالسةً كما تجلسُ عارضاتِ الأزياء، حتى بدأتُ أُفكِّرُ لا شكَّ أنّ عمودَها الفقري ينعى نفسه الآن!
واضعةً على جانبِها حقيبتها حتى يُسمحَ لي برؤيةِ كُلِّ تفاصيلها، رافعةً عن جُزءٍ من ملابسها؛ ليظهرَ ذلك الحذاء المنمّق! فضلًا عن تفاصيلِ الملابسِ والإكسسوارات والميك آب، فتهيّأَ لي أنّني أرى أمامي إعلانًا تجاريًا لماركةٍ ما؟!
حسنًا، لنصبرْ قليلًا ولنر ما ماركة أفكارها؟!
أخذتْ تتكلّمُ عن ولدِها حتى أُصِبتُ بالدوار بما يملكُ وبما يعرفُ من شخصياتٍ عامة، وكم من المُعجباتِ لديه على قائمةِ الانتظار، وبعدما انتهتْ منهُ تنفّستِ الصُعداءَ وانطلقَ لسانُها نحوي، بالمديحِ لما منحني الباري من التفاصيلِ الجميلة، لم تلبثْ إلا أنْ انقلبتْ لتُقدِّمَ لي النُصحَ بأنّي أحتاجُ لعملِ بعضِ التفاصيلِ التجميلية للحاجبِ والشفاه والأنف كما أنّه يجبُ أنْ أتخلّى عن ارتداءِ الحجاب الذي اعتدتُ عليه، ناصحةً إيّاي أنّ ذلك لم يَعُدْ يواكِبُ الموضة، ومُعلِّلةً مرةً أخرى أنّني سأبدو في غايةِ الروعة، وزادتْ على أنّ ابنَها يُحِبُّ هذه التفاصيل وأنّها تتمنّى استجابتي لذلك؟
كانتْ تتكلّمُ بكُلِّ ثقة، فتركتُها تُتابعُ الكلامَ، بأنّهما قرّرا أنْ يكونَ حفلَ الزفافِ في إحدى أضخمِ القاعاتِ في المدينة، وأخذتْ تعدد أيضًا بعضَ الدولِ المُقترحةِ من أجلِ قضاءِ شهرِ العسلِ فيها.
أما عن تفاصيلِ الملابسِ والإكسسوارات فإنّها كتبتْ قائمةً عندَما شاهدتُها شعرتُ أنّني على أبوابِ تصفُّحِ مجلةٍ ثرثارة، مُتبجِّحَةً أنْ لا أهتمَّ بالمال، وكأنّ العطاءَ من بيتِهم قد ولِد!
دفعتُ قائمتَها إليها، وأخبرتُها أنّني مُتأسِّفة، وأنَّ السعادةَ التي يبحثُ عنها ابنُها لا توجدُ عندي!
استاءتْ وأخذتْ كلماتُها تتناثرُ من فمِها كالغُبار، ممّا أجبرني على التوضيح!
أخبرتُها أنّني أتوقُ لقصرٍ قد بُنيَ بسمِ الله (تعالى)، وجدرانُه تستندُ على لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وسقفُه مرفوعٌ ثقةً بالله (سبحانه)، يفوحُ منه عطرُ تلاوةِ الآيات، نوافذُه مفتوحةٌ بالدُعاء، وأبوابهُ مؤصدةٌ عن المعاصي وكُلِّ ما يُغضِبُ جبار السموات، مفتوحةً إلى نفحاتِه الرحيمة لما نسعى إليه من تقرُّبٍ بالنوافلِ والمُناجاة..
أمّا عن عملياتِ التجميل فإنّي اكتفيتُ بالوضوء؛ فهو ماركةٌ لا يعتريها غشٌ ولا تقليد، ويكفي ذلك المطرُ الذي تسمعينهُ يضربُ النوافذَ الآنَ كدليل، أنزله اللهُ (تعالى) إلى الأرضِ، إذ يبدو أنْ حانَ للأرضِ ومن عليها وقتُ التجميل!
إنْ طابتْ نفسي إلى السفرِ وإلى تأمُّلِ الجمالِ فإنّي أتوقُ إلى من يُشاركني رؤيةَ الجمالِ الذي يختفي خلفَ آياتِ هذا الكتابِ الذي ترينه أمامكِ على المنضدة!
أمّا المالُ الذي أتوقُ أنْ أجنيه فهو باقياتٌ صالحات، أزرعُها هُنا قبلَ الرحيل!
وإنْ أردتُ أنْ أتعرّفَ على أحدٍ، فلا غايةَ لي سوى أنْ أعرفَ من لا يُشاركُه أحدٌ ولا يحتاجُ إلى أحدٍ، فردًا صمدًا!
واعلمي إنْ وجدتُ بيتًا يهتمُّ بهذه التفاصيل سآوي إليهِ، بلهفةِ يوسفَ لأبيهِ