ابو مناف البصري
المالكي
[ هل مات النبي عيسى ؟؟ ]
قال عزَّ و جلَّ في كتابه الكريم على لسان النبي عيسى ( عليه السلام ) :
( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم ) [ المائدة : 117 ]
بينما في آية أخرى قال :
( وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً ) [ النساء : 157 - 158 ] .
كثيراً ما يسأل بعض المؤمنين عن تفسير هذا الإختلاف في التعبير بين ( تَوَفَّيْتَنِي ) وبين ( رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) .
و بعض مرضى القلوب الذين يتَّبعون ما تشابه من القرآن إبتغاء الفتنة يحسبون أنَّ هذا مفردة من مفردات التناقض في القرآن الكريم كما يدّعون ، فمفاد بعض الآيات أنّه تُوفي ، و مفاد أخرى أنّه رُفع الى السماء ، و هذا تناقض !
و حاشا القرآن المجيد من ذلك .
و هنا جوابان :
الجواب الأول :
التوفي لغة : الأخذ و القبض ، فحينما يُقال : إنَّ زيداً وفّى ديونه لعمرو ، أي أعطاها و قبَّضها لعَمْرو كاملة ، و عندما يقال إنَّ عَمَراً استوفى ديونه من زيد ، أي أنّه أخذها و قبَضها كاملة .
و بالتالي فمعنى ( التَوَفّي ) هو مطلق الأخذ و القبض ، و يختلف المُراد من اللفظ بحسب الموارد ، و يُعْرَف ويُميَّز ذلك المُراد بالقرائن .
و عليه فإستعمال لفظة ( التَوَفّي ) وإرادة خصوص الإماتة يحتاج الى قرينة ؛ لأنَّ هذه اللفظة قد تُطلق ولا يراد بها ذلك .
و القرآن الكريم إستعمل لفظة ( التَوَفّي ) بنفس معناها اللغوي ، أي الأخذ و القبض ، و طبَّقها في عدة موارد مختلفة ، يُعْرَف مراد الله جلَّ و علا منها إمّا بالتصريح أو بالقرائن ، و من هذه الموارد :
1. التوفي بمعنى أخذ الروح عند الموت ، كما في قوله عزَّ وجلَّ :
( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) [ الزمر : 42 ] .
أي يأخذ و يقبض الأنفس حين إنقضاء أجلها .
2. التوفي بمعنى أخذ الروح عند النوم ، كما في قوله تعالى :
( وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ) [ الأنعام : 60 ] .
أي : يأخذ أرواحكم عند نومكم بنحو مؤقت ، و ببقاء نحوٍ من الإرتباط بينها و بين الجسد .
و في كلا المصداقين ، يكون الأخذ و للقبض للروح فقط .
3. التوفي بمعنى الأخذ و الرفع للروح و الجسد ، كما في قوله سبحانه :
( إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ ) [ آل عمران : 55 ] .
أي إنّي آخذك إليّ روحاً وجسداً .
و بهذا المعنى أيضاً يُفسَّر ( التَوَفّي ) في الآية الكريمة التي كانت مورد السؤال ، و هي قوله تعالى :
( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) .
أي قبضتني بالرفع إلى السماء حياً ، و ذلك بقرينة الآية الأخرى التي قالت : ( إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ ) ، و لعل هذا المعنى من المُسَلّمات ؛ و لذلك يوجد إجماع عند علماء المسلمين من الفريقين بأنَّ ما حصل كان رَفعْاً للنبي عيسى ببدنه و روحه .
و بعبارة : لفظة ( التَوَفّي ) في الآية الكريمة يُراد بها الأخذ و القبض ، أي أنَّ الله قبض و أخذ النبي عيسى ( عليه السلام ) بروحه و بدنه و رفعه إليه ، و أمّا ( التَوَفّي ) الذي هو بمعنى الإماتة فهو قبض و أخذ و رفع للنفس فقط ، بأنْ يفرِّق بينها و بين البدن .
و بهذا يتضح أنّه لا تعارض بين الآية التي تحدثت عن ( تَوَفّي ) الله سبحانه للنبي عيسى ( عليه السلام ) و بين الآية التي تحدثت عن رفعه اليه ، فالمراد في كلتا الآيتين ، هو أخذ الله سبحانه للنبي عيسى عليه السلام حياً بروحه و بدنه ، و ليس المراد بالتَوَفّي هنا الإماتة .
الجواب الثاني :
ماذكره القرطبي في تفسيره للآية الكريمة : ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم ) ، قال :
" قيل : هذا يدل على أنَّ الله عز وجل توفاه قبل أنْ يرفعه .
أي : أنَّه حينما أراد المستكبرون صلب و قتل النبي عيسى ( عليه السلام ) ، فإنَّ الله سبحانه في تلك اللحظة أماته و أخذ روحه أولاً ، ثم رفع جثته اليه !
و عقّب عليه القرطبي بقوله : " و ليس بشيء ؛ لأنَّ الأخبار تظاهرت برفعه ، و أنّه في السماء حي ، و أنّه ينزل و يقتل الدجال " .
و الراجح بل الصحيح هو الجواب الأول .
إذ القول بأنَّ الوفاة هنا بمعنى الإماتة ، أي أنَّ الله سبحانه أمات عيسى أولاً ثم رفع جسده اليه ، هذا القول و إنْ كان قد يُستفاد بدواً من قوله عزَّ من قائل :
قال عزَّ و جلَّ في كتابه الكريم على لسان النبي عيسى ( عليه السلام ) :
( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم ) [ المائدة : 117 ]
بينما في آية أخرى قال :
( وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً ) [ النساء : 157 - 158 ] .
كثيراً ما يسأل بعض المؤمنين عن تفسير هذا الإختلاف في التعبير بين ( تَوَفَّيْتَنِي ) وبين ( رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) .
و بعض مرضى القلوب الذين يتَّبعون ما تشابه من القرآن إبتغاء الفتنة يحسبون أنَّ هذا مفردة من مفردات التناقض في القرآن الكريم كما يدّعون ، فمفاد بعض الآيات أنّه تُوفي ، و مفاد أخرى أنّه رُفع الى السماء ، و هذا تناقض !
و حاشا القرآن المجيد من ذلك .
و هنا جوابان :
الجواب الأول :
التوفي لغة : الأخذ و القبض ، فحينما يُقال : إنَّ زيداً وفّى ديونه لعمرو ، أي أعطاها و قبَّضها لعَمْرو كاملة ، و عندما يقال إنَّ عَمَراً استوفى ديونه من زيد ، أي أنّه أخذها و قبَضها كاملة .
و بالتالي فمعنى ( التَوَفّي ) هو مطلق الأخذ و القبض ، و يختلف المُراد من اللفظ بحسب الموارد ، و يُعْرَف ويُميَّز ذلك المُراد بالقرائن .
و عليه فإستعمال لفظة ( التَوَفّي ) وإرادة خصوص الإماتة يحتاج الى قرينة ؛ لأنَّ هذه اللفظة قد تُطلق ولا يراد بها ذلك .
و القرآن الكريم إستعمل لفظة ( التَوَفّي ) بنفس معناها اللغوي ، أي الأخذ و القبض ، و طبَّقها في عدة موارد مختلفة ، يُعْرَف مراد الله جلَّ و علا منها إمّا بالتصريح أو بالقرائن ، و من هذه الموارد :
1. التوفي بمعنى أخذ الروح عند الموت ، كما في قوله عزَّ وجلَّ :
( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) [ الزمر : 42 ] .
أي يأخذ و يقبض الأنفس حين إنقضاء أجلها .
2. التوفي بمعنى أخذ الروح عند النوم ، كما في قوله تعالى :
( وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ) [ الأنعام : 60 ] .
أي : يأخذ أرواحكم عند نومكم بنحو مؤقت ، و ببقاء نحوٍ من الإرتباط بينها و بين الجسد .
و في كلا المصداقين ، يكون الأخذ و للقبض للروح فقط .
3. التوفي بمعنى الأخذ و الرفع للروح و الجسد ، كما في قوله سبحانه :
( إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ ) [ آل عمران : 55 ] .
أي إنّي آخذك إليّ روحاً وجسداً .
و بهذا المعنى أيضاً يُفسَّر ( التَوَفّي ) في الآية الكريمة التي كانت مورد السؤال ، و هي قوله تعالى :
( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) .
أي قبضتني بالرفع إلى السماء حياً ، و ذلك بقرينة الآية الأخرى التي قالت : ( إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ ) ، و لعل هذا المعنى من المُسَلّمات ؛ و لذلك يوجد إجماع عند علماء المسلمين من الفريقين بأنَّ ما حصل كان رَفعْاً للنبي عيسى ببدنه و روحه .
و بعبارة : لفظة ( التَوَفّي ) في الآية الكريمة يُراد بها الأخذ و القبض ، أي أنَّ الله قبض و أخذ النبي عيسى ( عليه السلام ) بروحه و بدنه و رفعه إليه ، و أمّا ( التَوَفّي ) الذي هو بمعنى الإماتة فهو قبض و أخذ و رفع للنفس فقط ، بأنْ يفرِّق بينها و بين البدن .
و بهذا يتضح أنّه لا تعارض بين الآية التي تحدثت عن ( تَوَفّي ) الله سبحانه للنبي عيسى ( عليه السلام ) و بين الآية التي تحدثت عن رفعه اليه ، فالمراد في كلتا الآيتين ، هو أخذ الله سبحانه للنبي عيسى عليه السلام حياً بروحه و بدنه ، و ليس المراد بالتَوَفّي هنا الإماتة .
الجواب الثاني :
ماذكره القرطبي في تفسيره للآية الكريمة : ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم ) ، قال :
" قيل : هذا يدل على أنَّ الله عز وجل توفاه قبل أنْ يرفعه .
أي : أنَّه حينما أراد المستكبرون صلب و قتل النبي عيسى ( عليه السلام ) ، فإنَّ الله سبحانه في تلك اللحظة أماته و أخذ روحه أولاً ، ثم رفع جثته اليه !
و عقّب عليه القرطبي بقوله : " و ليس بشيء ؛ لأنَّ الأخبار تظاهرت برفعه ، و أنّه في السماء حي ، و أنّه ينزل و يقتل الدجال " .
و الراجح بل الصحيح هو الجواب الأول .
إذ القول بأنَّ الوفاة هنا بمعنى الإماتة ، أي أنَّ الله سبحانه أمات عيسى أولاً ثم رفع جسده اليه ، هذا القول و إنْ كان قد يُستفاد بدواً من قوله عزَّ من قائل :