ظل آليآسمين
Well-Known Member
- إنضم
- 9 نوفمبر 2012
- المشاركات
- 2,626
- مستوى التفاعل
- 10
- النقاط
- 38
قال: وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: أين توجه؟ قال: حيث وجهني الله، أصلى عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء أي: كساء يطرح على السقاء- حتى تعلوني الشمس.
فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني، فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث عليّ أي: أبطأ - ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك يزعم أنه مرسل، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، قال: وكان أنيس أحد الشعراء: فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وما بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقوال الشعراء، فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون! قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر.
فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: من هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إليّ فقال: الصابئ، قال: فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم، حتى خررت مغشياً علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، و شربت من مائها.
ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين، بين ليلة ويوم، وما لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع، فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان، وجاءت امرأتان تطوفان، وتدعوان إسافاً ونائلة -وهما صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجًلاً وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا-، فأتتا علي في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الآخر، فما تناهتا عن قوليهما، فأتتا عليّ، فقلت: هن مثل الخشبة، غير أني لا أكني، فانطلقتا تولولان، تقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله، وأبو بكر، وهما هابطتان، فقال: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: فما قال لكما؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم.
قال: وجاء رسول الله حتى استلم الحجر، ثم طاف بالبيت، هو وصاحبه، ثم صلى، وكنت أول من حياة بتحية الإسلام، قال: عليك ورحمة الله! من أين أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، ووضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده: فدفعني صاحبه، وكان أعلم به مني، قال: ثم رفع رأسه، فقال: متى كنت ها هنا؟ قلت: منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم، قال: فمن يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت، وما أجد على بطني سخفة جوع، قال: ((إنها مباركة، إنها طعام طعم))، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في طعامه الليلة، فانطلقنا، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان أول طعام أكلته بها.
وأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ قومك، لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم))؟ قال: فانطلقت، فلقيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني أسلمت وصدقت، قال: ما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت، فأسلمت أمناً، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفار، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رَحَضة، وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأسلم نصفهم الباقي.
وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله، إخواننا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((غفار غفر الله لها! وأسلم سالمها الله)).
نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء 1/104