على رصيف المحطة
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
بدأ النعاس يتسرب اليه
ثم غط في نوم كان يحس معه بهزهزة القطار المستمرة
وأصوات العجلات الحديدية ...
برهة من الزمن ثم صحى على صوت صافرة القطار والتي
أعلنت عن توقفه في المحطة الثانية ..
على أضواء القطار الخافته
لمح ساعته تشير الى الثانية عشرة بعد منتصف الليل
قبل أن يهبط سأل أحدهم عن موعد إنطلاقه ثانيةً
فاجابه وهو على عجلة من أمره
بعد ساعة من الان سيدي ..
خرج من القطار محتاراً كيف وأين سيقضي
دقائق هذه الساعة القادمة
رصيف المحطة كان خالياً إلامن بعض المسافرين
الذين توجهوا نحو باب المغادرة
أما هو فقد كان عليه ان ينتظر في هذه الليلة الشتائية الباردة
أغلق زرائر معطفه ,, أحكم لف اللفاف الصوفي
حول رقبته
بدأ يشعر بتسرب القليل من النسمات الباردة
الى جسمه الدافي
حيث تمتزج البرودة بالدفء محدثةً
ذلك الإحساس اللذيذ بالقشعريرة والدفء معاً
انتهت بقايا ضجيج المسافرين وراح الصمت يلف المكان
إنتابه الشعور بالوحدة
وشيئاً من ذلك الحزن الذي يأتي مصحوباً بالذكريات
كان رصيف المحطة الخالي من الناس والليلة الباردة
كافية لتستدعي ذكرياته
أحزانه
بضع مسرات قليلة
غرق فيها بعد أن جلس على أول مصطبة أمامه
كان ينظر لأوراق الأشجار المتناثرة على الرصيف
حيث تتلاعب بها النسمات الباردة
عندما أخترق أفكاره وذلك الهدوء الذي يعم المكان
صوتاً ملائكياً يأتي من مصطبة أخرى تبعد بضعة أمتار على يمينه
حدق باتجاه الصوت المنساب بعذوبة ورقة
أخذته أقدامه دون أن يشعر .. صوب ذلك الصوت
توقف خلفها مباشرةً
كانت تدندن بنغمة حزينة
وهبتُ القلب ... لَك
وهبتُ العُمر ... لَك
فكم أغريتني
وكم دللّتني
وكم غَنيتُ ... لَك
فقلي ياتُرى فقلْ ماذا جَرى
ليَغدوا حُبنا
هواءً في شَبك
الله ...
دون أن ينتبه خرجت تلكَ الكلمة منه
سكتت على الفور أدارت وجهها نَحوه
آآه ... لقد أخفتني
براءة جميلة قد تناثرت بين عينيها وهي تلفظ تلك الكلمات
التي خرجت مرتبكة من وجه غايةً بالرقة
بدت وكأنها أميرة من العهد الاندلسي
قال وهو يغالب دهشته : آسف آنستي لم أقصد إخافتك
غير أن عذوبة صوتك وروعة الكلمات إجتذباني
دون أن أشعر فتطفلت على غير عادتي
وفي الواقع أنا غير نادم أبداً على تطفلي هذا
قالت مبتسمة
لعله الشعور بالوحدة هو مامنحني لحظات البوح هذه
ويبدو إنني رفعت صوتي قليلاً
ولكن يبدولي إنك تحب الشعر ..؟
نعم آنستي واكتب القليل منه .. لكنه ليس بجمال ماتكتبين
آه .. شكراً لك تفضل إجلس
هل أنت مسافر .. ؟
نعم آنستي وعليَّ إنتظار إنطلاق القطار المتجه للعاصمة
بعد أقل من ساعة
بلا شك إنه أمراً مملاً قضاء الوقت بالإنتظار في هذه الليلة الباردة
أجابته وقد كسا وجهها الحزن
على الأقل ياسيدي إنك تعرف متى ينتهي إنتظارك
لكن الأسوأ أن تنتظر أمراً دون معرفة
متى يحدث وكيف سيحدث..؟
هذا صحيح آنستي
ولكن هل لتلك الكلمات التي كنت تنشديها
علاقة بالامر
كلا سيدي أبداً إنها من خيالي .. فحسب
فحتى هذه اللحظة
لم يلامس قلبي ذلك الشيء الذي يدعى الحب
كانت تتحدث وهي تضع يديها في جيبي الكنزة التي ترتديها لتحصل على القليل من الدفء
بدت كانها وردة نبتت على سفح جبل جليدي
صوتها,, ورقتها
وذلك التعبير اللطيف الذي أضافته خصلات شعرها
التي بلون الكرز على وجهها الفاتن الناصع
لم تسمح له أن يشعر بالوقت
أو أن يحس بكل شيء حوله ,, عدا إنه كان يستمتع بكل لحظة من الوقت الذي صار يمضي سريعاً عليه
هنا قال لها: آنستي كيف يمكن لإمرأة بهذا السحر
أن تكون خارج منطقة الحب
تورد وجهها خجلاً
ليس الأمر كما تظن فالقلب ياسيدي منطقة حرة
لايمكن لنا أن نتلاعب بها
الحب شيء طاهر يعبق بالنقاء ولايمكن أن أمنحه
إلا لشخص يحبني وكأنني الأنثى الوحيدة في هذا العالم
ويحترمني ويرعاني كما يرعى نفسه
أنا ياسيدي كأي فتاة
لها فارس أحلامها الذي ترسمه في خيالها وتنتظره
ثم سرعان ماتجده
أما أنا فيبدوا إنني تماديت في رسم ذلك الفارس مثالياً
فطال انتظاري ..
وهنا أخرجت يديها وراحت تفركهما ببعض بحثاً عن الدفء
إنتبه هو لما يحدث نزع معطفه ووضعه على كتفيها
بدا عليها الإرتباك
لطف منك سيدي أن تفعل ذلك
غير إنك مرهق من السفر وأنت بحاجة إليه اكثر مني
كم أشعر بالامتنان لك
في داخلها أحاسيس كثيرة مرت ومشاعر لطالما إفتقدتها
ولكن مسافراً أتى من المجهول ليحدث في داخلها الساكن
كل هذه الضجة
آنستي
يسعدني أن أفعل ذلك لامرأة أتشارك معها جمال هذه اللحظات
وحب القصائد والأشعار.... والأهم من ذلك
إنتظار من يقاسمني دواخلي وسنين عمري المتبقية ليمتلكها ويمتلكني معها
نعم آنستي نحن نتشابه حتى في الإنتظار
غير إنني ذاهب للعاصمة لأقرر إن كنت سأتزوج من إمرأة
تم إختيارها لي دون أن أراها
و ها أنا البي دعوة أقاربي الساذجة دون قناعة مني
لأنني تمنيت أن أحظى بزوجة وحبيبة في وقت واحد
وفي الحقيقة لست أدري كيف سيكون الأمر
إذا ما رفضت هناك هذه الفكرة العبثية
أنا مشوش وحائر و عيناك الآن تمنحني سبباً وجيهاً
لكي أفكر وأعيد ترتيب أوراقي ولا أعرف سيدتي
لماذا أشعر إن قلبي لم يعد كما كان
وأجهل أيضاً من أين أتيت بجراءتي هذه
أطرقت بخجل كبير وكأنها تريد أن تترجم مايحدث
لانها للتو بدأت تشعر بأمر ما في دواخلها
التي راحت تسأل بألحاح
أتراه هو .. ذلك الذي كانت بانتظاره ؟
أم إنها مشاعر إعجاب سريعة ماتلبث أن تتلاشى كزبد البحر !!
أتعرف .. أيها المسافر
لست أدري مالذي جعلني أبوح لك بما اشعر
وافتح لك صندوق دواخلي بهذه السرعة
لكنني أحسست وكأنني أعرفك منذ زمن بعيد
تهاوت مع ملامح لطفك كل خطوطي الحمراء وفقدت قدرتي على منع قلبي من البوح بما أشعر
حقاً آسفة لازعاجك بهلوستي هذه ...
واطلقت ضحكة رقيقة كانت هي الأجمل
من بين الضحكات التي رآها في حياته
آنستي .. لعلني اليوم اكثر مسافراً حضى برفقة رائعة
ولكنني أتسائل ..؟
ماذا لو صادفت ذلك الفارس فجاءة
حدّقت بوجهه وبنظرة حائرة
أجابت ..
عند ذلك سأقول له
أنت هو
مرت لحظات من الصمت ينظر كل منهما الى الاخر
في داخلها كانت تردد
ما هذا مالذي يحدث لي ؟؟
لماذا لم أعد أشعر بسلطتي على مشاعري
إستفاقت من شرودها على صوت صفير القطار
نهض واقفاً وهو يمسك بحقيبته ,, لكنه مازال ينظر الى عينيها
إقترب أحدهم قائلاً له : قطارك سيدي على وشك الرحيل
أجابه وهو لايزال ينظر اليها : أحتاج لدقيقة أخرى
قال لها
اذاً ماذا الآن ... هل أقول وداعاً
وضعت وجهها في راحتي يديها ثم رفعته ناظرة إليه بحزن
إسمعني أيها المسافر ..
كانت تلك الساعة هي أقصر وأجمل ساعة
في عمري أتمنى أن تكون هي كذلك .. لك
ناولته المعطف وهي تقول يبدوا إن الوقت مر سريعاً
كنت رقيقاً معي ولن أنسى ذلك
أنا أعمل في هذه المحطة ,, سيسعدني أن أراك مجدداً
نعم آنستي ربما نلتقي
فعلاً أستطيع أن أقول إنني صادفت أروع إمرأةً
حتى الان
مشى خطوات نحو القطار
التفت قائلاً هل فاتك أن تقولي شيئاً
أجابت وقد لاحت دمعة رقيقة من عينيها .. نعم
نسيت أن أقول الى اللقاء
رفع يديه مودعاً ويائساً ثم إختفى بين جموع المسافرين
أكملت تلك الدمعة إنسكابها فوق خدها المتورد
وهي تنظر للقطار وهو يتحرك
رفعت يدها المرتجفه تلوح بالوداع
وهي تهمس بحزن
أنت هو
بقلمي
أمير الحرف