رد: شتات اوراق .. وبقايا قلم .. وكاس من حروف .. ومقعد خالي
ما توجّعت للناس يتألمون قدر ما أتوجّع لهم ،
والألم عدوّهم الألد ،
يتحاسدون ويتنازعون ويتناهشون بدلاً من أن يتكاتفوا لمكافحة عدوّهم المشترك .
تقولون لي :
(( بلى . فما نحن في علومنا ــ لا سيما في الطب ــ غير يد واحدة في مقاومة الألم )) .
أمّا أنا فأقول لكم إن أمراض الجسد ليست إلّا أعراضاً لأمراض الروح .
فأنتم إن داويتم بالعقاقير صداعاً في الرأس فبماذا تداوون صداع عاشق خانه معشوقه ؟
وأنتم إن تخلّصتم من ضرس مسوّس باقتلاعه
فكيف تقتلعون قلباً نخره سوس الحسد أو البغضاء أو الخيبة ؟
وأنتم إن دخلتم بمبضعكم جوف الإنسان وبترتم منه الزائدة المعويّة
فبماذا تدخلون روحه لتبتروا منها زوائد الوهم والخوف والهم ّ ؟
لعمري إن كلّ ما نلجأ إليه من الحيل للخلاص من الألم ليس إلّا ضروباً من التخدير .
فنحن ما زلنا هاربين من أنفسنا سنبقى هاربين من الألم .
ومن الموت إلى الموت .
مَن تعلّق بذاته المائتة أضاع ذاته الحيّة .
ومن أنكر ذاته المائتة وجد ذاته التي لا تموت .
ومن وجد ذاته التي لا تموت وجد الحياة كلّها فيها .
فنكران الذات هذا إنّما هو تثبيت الذات .
لأنّه لا يعني نكران شيء في الوجود بل تمديد الذات إلى أن لا يبقى في الوجود ما هو خارج عنها .
وهو لا يعني كره الذات بل محبّة الذات الكائنة في كلّ شيء .
لذلك أقول لكم
إنّكم إن شئتم الخلاص من الألم فعليكم أن تحبّوا ذواتكم .
غير أنّكم إن أحببتم كلّ ما في الكون إلّا دودة واحدة
فأنتم ما برحتم تكرهون ذواتكم بقدر كرهكم لتلك الدودة .
وسيبقى لكم في كرهكم ينبوع ألم .
ولن ينضب هذا الينبوع حتى ينضب كرهكم .
وأنتم إن تحرّرتم من كلّ شيء سوى عصفور في قفص
فأنتم عبيد لذلك العصفور ولكم فيه ينبوع ألم .
ولن تتحرّروا منه حتى يصبح طليقاً منكم .
وأنتم إن صلّيتم كلّ حياتكم ولم ينطق لسانكم إلّا بلعنة واحدة
فلكم في تلك اللعنة ينبوع ألم .
لأنّكم لم تلعنوا إلّا أنفسكم .
ولن تنعتقوا من تلك اللعنة حتى تحوّلوها إلى بركة .
وأنتم إن أنصفتم الناس كلّهم وظلمتم طفلاً واحداً
فلكم في ظلمكم هذا ينبوع ألم .
لأنّكم لم تظلموا إلّا أنفسكم .
ولن تتخلّصوا من ظلمكم حتى تنصفوا .
أمّا متى اقتبلتم الحياة كلّها مثلما تقتبل البحار أنهارها ،
والأرض أثمارها ،
فحينئذٍ إذا ذبحتم لتأكلوا كانت ذبيحتكم قرباناً تقدّمه نفسكم لنفسكم .
وإذا ما زرعتم لتحصدوا كان ما تزرعون وما تحصدون خلواً من الشوك والزوان .
وإذا هتفتم : (( يا أخي )) عاد هتافكم إليكم من فم كلّ إنسان .
وإذا ناديتم الحياة بصوت واحد أجابتكم كلّ أصوات الحياة .
وحينئذٍ كانت الأرض أرضكم ، والسّماء سماءكم .
من هوامش ميخائيل نعيمه