أميــــر الحـــــرف
أقبية الغياب ..

الزجاجة الزرقــــاء
العاشرة ليلاً
في جوفِ السماءِ نجمتين تشبهان عينيها
يومَ اعترضتا طريقه أول مرة
كان زحام السيارات الصاخبة لا يهدأ , ورنة هاتفه الجوال تستمر للمرة العاشرة
في كل مرة يرن الهاتف يأتيه صوت أمه ناهراً
حبيبي عد للبيت , لقد تأخر الوقت
وفي طريق العودة اعترضته عيناها أول مرة
نجمتين , قصيدتين
بحران من اشتهاء لذيذ يستدرجانه للغرق
لازال يتذكر تلك التفاصيل جيداً
الشارع المضاء
الأشخاص المتبضعين
الأرصفة التي غسلت خطاياها بقطرات المطر
ووجها الآتي من سلالة قمرية خبأتها المجرّة .. لزمن آخر
وبقايا وجرح صغير يغفو على وجنتها اليمنى كان الشاهد على شقاوةِ طفولةٍ لذيذة
بحذر فارس يفتتح مدينة الخاطئين تقدم نحوها بحجة الشراء من ذلك المكان الصغير الذي تديره
كانت السماء تنذر بالعطايا وكان عبق الشتاء يجوب شوارع المدينة التي غفت
على قارعة حلم نسجه المنفيون عن ضفائر حبيباتهم
مساء الخير ..
بابتسامة ناعمة وصوت مرتبك أجابت
مساء الخير .. أهلاً بك تفضل
لم يكن حينها مستعداً للجملة القادمة
لم يكن جريئاً بما يكفي ليخبرها بأنه لا يريد شيئاً سوى تامل عيناها أو الحديث معها
لباقي العمر
ربما كان ذنبهُا الوحيد بتطفله هذا في ليلة باردة ممتلئة بأحلام منفية
إنها جميلة ودافئة بشكل مفرط
نظراتها التي كانت تنتظر رده أعادته من تلك الثمالة
حسناً لو سمحتِ .. أريد زجاجة عطر
لم يعرف حينها ما الذي دعاه ليطلب عطراً
ربما صوتها أو خصلة شعرها التي تحررت من الشال لتخبره إن رفيقاتها الاخريات بلون .. أشقر
أو لربما وحدته التي كانت بحاجة لـــ أن تتنفس .. قليلاً
الرفوف الزجاجية المزدانة بالعطور الباريسية ومساحيق التبرج بدت بغاية الأناقة
كل ركن في ذلك البوتيك الصغير كان يزهر برقتها
شعر حينها بانها لم تكن أنثى عادية كانت كما لوأنها الشيء الوحيد الذي يجب عليه أن يهدر الأيام معه
مجدداً أعاده صوتُها ..
عطر؟ .. أيُّ عطر تحديداً
وأطلقت ضحكة صغيرة كانت بمثابة اعتذار هذا الكون عن كل الندوب التي طالت حياته
لملم أشلاء نفسه وأجاب بصوت يحمل نبرة الواثق
لتكن تلك الزجاجة الزرقاء خلفك
استدارت نحو الرف وتناولتها وقد تغيرت ملامحها قليلاً وبصوت حاولت ان تجعله ماكراً
إنه نسائي !!
هو لــ امرأة ما .. أليس كذلك ؟
ثم أكملت وهي مازالت تمسك بتلك الزجاجة الزرقاء
همممم إنه شهر ديسمبر وهو كما يقال شهر الحب
صدقاً إن أجمل لحظة في العمر هي لحظة الوقوع بالحب حسناً لدي الكثير من الاشياء الجميلة التي تصلح
أن تقدم كـــ هدايا ليلة رأس السنة أتعرف يمكنك أن تختار لها ..
من دون ان يدري قاطعها بعبارة مفاجئة
آنستي ... انتِ الحب الذي أقع فيه الآن
انتِ سيدة تلك اللحظة التي تتحدثين عنها
تسمرت بمكانها وأفلتت من يدها تلك الزجاجة لكنه سارع لالتقاطها
مرت لحظات من الصمت قبل أن تتحرك من مكانها عادت خطوة الى الوراء أعادت خصلة الشعر المتمردة على رفيقاتها الى داخل شالها الرمادي , تلفتت بكل الاتجاهات كي تتأكد أنه ما من أحداً قد سَمعَ ذلك الحديث وكأنها اكتشفت للتو
توغلها بحوار يجتاح خطوطها الحمراء لكنها تمالكت نفسها وبنبرة جدية ردت
سيدي إن كنت تريد العطر ادفع ثمنه أو دعني اكمل عملي ... أرجوك
لاح عليه بعض الارتباك لكنه ورغم تلك الخيبة لمح شيئاً من الأمل المختبئ في نظراتها
أعاد زجاجة العطر بهدوء واستدار نحو باب الخروج
لكنه توقف .. وأطرق برأسه للأرض وهو يشبك أصابع يده بفراغات الأخرى مع تنهيدة واهنة قبل ان يقول
أتعرفين
ربما كنت كذاباً كبيراً .. كان يجدر بي أن أكون سياسياً أو أن أكون رئيساً لأستخدم تلك الموهبة
في مواقف كثيرة لم أكن فيها صادقاً .. كذبت دوماً عندما كانوا يسألونني هل أنت بخير فأجيب .. نعم أنا بخير رغم إنني لست كذلك مطلقاً .. لست بخير أبداً
أخبرت صديقي ان أحاديثه تروقني
حينما كانت مملة وبائسة أحببت قهوتي بقليل من السكر وتناولتها مراراً من دون سكر وأنا أدعي إن مذاقها شهي جداً
وكذبت منذ قليل عندما قلت بانني أريد تلك الزجاجة الزرقاء لكنها كانت حجةً للحديث معك
لكنني أجزم إن الشيء الوحيد الذي كنت صادقاً فيه هي تلك المشاعر التي تدفقت بقلبي لحظة ارتطامي بعينيكِ
نعم آنستي انتِ الشعور الوحيد الذي لامسني بعمق وأريد له بصدق أن ينمو ..
ربما أبدو لكِ كــ عابر متطفل ظل طريقه فحسب لكنني شاب بسيط أتى لوجهته الوحيدة دون قناع
لأنكِ مثل تلك الأشياء التي تأتي متأخرة لكننا نجدها قبل ان ينطفأ الشغف .. بأرواحنا
أنتِ اللهفة التي لم يفت أوان مجيئها
وفي لحظة كانت على وشك ان تتيبس فيها جذور الحياة بقلبي ,, دلتني طرقات المطر الى نوافذك الدافئة
وها أنا ابحث عن طريق يخرجني من هذا المأزق لمأزق .. آخر
ومع تلك الكلمات التي باح بها أكمل طريقه الى الخارج وهو يختبئ تحت مظلتهِ السوداء
أما هي فقد ألقت بنفسها على كرسي مجاور كمن يسقط من مرتفع شاهق والف مشهد متناقض يكسو وجهها الحزين
وهي تنظر لتلك الزجاجة الزرقاء بعيون حائرة وشعور بالأسى من ذلك النوع الذي لا يمكن شرحه حيث ينوب الصمت عن أيّ شيء آخر
صباح يوم آخر ..
على غير عادتها بدت بوجه شاحب كسوسنة ذابلة في آنية فاتها المطر لم تكن ليلتها السابقة ككل الليالي الأخرى تحدثت مع صديقتها الوحيدة لوقت طويل تقلبت في سريرها مراراً لم تفارقها تفاصيل ذلك اللقاء ولا تلك القسمات الخجولة التي رسمتها لحظة الاعتراف
جزءً منها كان يريدها أن تبقى بعيداً عن خوض تلك البدايات الناعمة والتي سرعان ما تتلاشى .. لكن جزءً آخــر كان يريد الغوص في تلك المغامرة فهي أيضاً محاصرة بالوحدة , رغم إنها قد حشرت نفسها داخل جدران ذلك المحل
ومع مرور الوقت ركلت كل أحلامها جانباً بانتظار شيء لا تدرك ما هيته .. للحظات شعرت بأن ما حدث لم يكن شيئاً عابراً فربما كانت هي الفرصة التي تأتي مرة واحدة في العمر لكنه قد رحل دون أن تعرف إن كان سيعود أم لا ..
وها هي تبدأ بيوم جديد ولا بد أن تتناسى ما حدث بالأمس ,, حاولت أن تشغل نفسها بترتيب تلك الرفوف المزدحمة بالعطور
لكنها في كل مرة تصل لمكان تلك الزجاجة الزرقاء
شيئاً ما كان يتحرك بقلبها
في المرة الأخيرة تناولتها
راحت تتلمس جوانبها ثم راحت تشم ذلك العطر أغمضت عينيها وكأنها تكتشف لأول مرة كم هو شاعري وهادئ وها هو يقفز الى مخيلتها .. تعثرت بتفاصيله مجدداً .. كان وسيماً تفيض من ملامحه الكثير من الرجولة وبعض الخجل ..غريزتها الانثوية بدأت تطيح بكل تلك الأسوار التي أحاطت بها قراراتها الصارمة تناست حتى خيبتها الأولى منذ عام في أول علاقة حب عابرة ظنتها ستكون أبدية لكنها .. انتهت بخيبة
مرت بضع لحظات قبل أن تنتبه من ثمالتها القصيرة وبصوت مسموع رددت يا إلهي مَ الذي يَحدث لي إنهُ يتكاثر بي بشكل مفزع إنه واضح على وجهي ,, على يدي ,, يتسرب حتى الى دواخلي أصبحت ممتلئة بذاك العابر الذي غادر وأخذ شيئاً مني رغم إني لا أريد العودة لفكرة الحب ..
اعادت الزجاجة لمكانها وهي تردد نعم لا أريد الحب إنه فخ لعين وما إن نظرت صوب الشارع حتى تجمدت بمكانها
كان يقف قرب الشجرة المقابلة لمحلها رمقها بنظرة يمتزج فيها الأمل بالحزن وأختفى بين المارين
رفعت رأسها وهي تغمض عينيها
يا إلهي ربما ضبطني وانا أعانق زجاجته ,, كم كنت غبية
كيف لم انتبه لنفسي ربما ظن الآن بأنني كنت أفكر به
لكنها رغم ذلك التأنيب أحست بشيء من المسرة قد خامرت قلبها ثم أطلقت ضحكة خافته وهي تخنق بأصابعها تلك الضحكة .. نعم كنت أفكر بك أيها العابر
إنه يراقبني ..! لا أدري من هو المجنون فينا أنا أم هو أم ربما .. كلانا
على الفور تناولت هاتفها اتصلت بصديقتها ومن دون مقدمات إسمعيني اتذكرين
الشاب الذي حدثتك عنه بالأمس لقد كان يراقبني منذ قليل أخشى إنه شاهدني أشم العطر الذي اختاره
اهاا أحدهم يبدو لي كأنه قد وقع في الحب ... لكن أخبريني .. هل كلمك مجدداً ؟
لا طبعاً لن أسمح له بالاقتراب لست سهلة لهذا الحد كما إنني لا أعرفه ولا أشعر نحوه بأي مشاعر
يا صديقتي كل ما في الامر إنك مرتابة فقط جميعنا مررنا بعلاقات فاشلة يستغرق نسيانها وقتاً
لهذا لا تحاكميه بجرم غيره
- حسناً انا كذلك .. انا مرتابة منه بالفعل ومن أي تجربة جديدة كما إنني لا أشعر بأي مشاعر نحوه مطلقاً وهذا ما قد يقودني لخيبة محتملة
- آهاا خيبة ولهذا اتصلتِ بي الآن ,, ولم تنامي طوال الليل ,, وصوتك يبدو متوهجاً وأكاد أشم العطر بكلماتك عنه
لا تكوني سخيفة أخبرتك بأنني لا أريد
- اسمعيني جيداً الأمر لا يتعلق بالمعارك التي هزمنا بها بل بالمعارك التي قمنا بشنها وبالإصرار على ان نقف مجدداً ونكتشف بأننا نستحق الأفضل لهذا
ستريدين يا أميرة العطر الأزرق لكنك بحاجة للوقت خذي وقتك و سأكون دائماً بالجوار
ذلك المساء ..
كانت السماء تسكب عطاياها والمطر يغسل عيون المساء ويغرس أضواء الأعمدة على اسفلت الشارع فتبدو متكسرة
تماماً كأحلامها التي تكسرت و سُفكت في دروب الأيام الخالية
كــ نوافذ قلبها التي بقيت مسدله أمام أي حلم جديد
كانت تخطو في طريقها نحو المنزل وهي تحشر نفسها تحت مظلةٍ سوداء
وذلك الصراع الدائر في أعماقها يقاطعه تساؤل واحد ,, ترى أين هو الآن ..؟
هل نسي الأمر لا لا أظن ذلك ,, لقد كان دافئاً يفيض الحب من عينيه لقد بدا لي صادقاً
كان كمن يتمسك بطوق النجاة الأخير
وحين رفعت رأسها وجدته يقف عند المنعطف ذلك الذي يتوجب عليها ان تمرَّ منه
ارتبكت وأحست برعدة تسري بجسدها لكنها اضطرت لإكمال طريقها ومرت بقربه وهي تحاول أن تبدو غير مكترثة وحينها لمحت بيده قطفة ورد أحست بتسارع نبضات قلبها وقشعريرة من ذلك النوع الذي تأتي به اللحظات السعيدة
مرت على بعد خطوة منه ...
فبادرها
لدي بضع وردات من الــ توليب وقلب ناصع
تُرى كم يقربني هذا منكِ آنستي ؟
توقفت و رفعت رأسها وعلامات الحيرة تكسو وجهها الذي أشرق فجأة
رغم محاولتها بان تجعله لا يبدو كذلك .. وأردفت
اتعرف أنا لا أدري حقاً مَ الذي يتوجب عليَّ قوله الآن
فأنت تتصرف بغرابة شديدة تأتي من حيث لا أدري وترحل كذلك وفي كل مرة تزيد الأمر صعوبة على روحي ..
انت شاب لطيف ومهذب لكن هذا ليس كافياً حتى أثق بك
وأمضي بتجربة لا أعرف إلى أين ستفضي بي
أنا لا أملك سوى قلباً واحداً وروحاً واحدة .. ولكَ أن تتخيل فداحة أن تؤذيني في شيء لا أملك سواه ...
وفي نفسها كانت تردد ... كانت هذه أكثر ردة فعل حمقاء مني .. لكنني يجب أن أحافظ على مسافة آمنة
ورغم تمردها هذا تمكنت أن تلحظ انه قد غير اتجاه شعره ليبدو أكثر وسامة
أما هو فقد طفت ملامح الحزن والخيبة على وجهه إلا إنه تمالك نفسه
آنستي كان كل ما تمنيته حقاً هو أن تكوني تلك الرفيقة التي أرفعها بوجه أيامي السيئة .. فتحلو
ورغم انني لا أحب الإجابات المتأرجحة تلك التي تتفاوت فيها الحروف مع تعابير الوجه لكنني تمسكت بالأمل قد أتيتك اطلب عطراً وتمنيت أن أغادر بعطرين
لقد أحببتك بقدر هذا التشتت بيننا بقدر الفاصلة المرهقة بين خشيتك مني ورغبتي فيكِ
اتيتك بكلي .. أنا الذي بخلت على الاخرين ببعضي ..
ساعتها شعرت ان ظنوني الطيبة واحلامي البيضاء قد خلقت من أجلك فقط
ومن بين كل العثرات والقرارات الخاطئة أردت أن يكون وجودك هو الشيء الوحيد الصحيح في حياتي حيث لا أذكر انني أحببت شيئاً في هذا العالم المرتبك بقدر ما أحبب شعور الطمأنينة الذي تعاطيته بوجهك ,, لكن لا عليكِ فكل الأماني الصافية بقيت دوماً بلا مرفأ أما أنت فستكونين ذلك السر الذي أحبه وأستودعه قلبي مهما طال به الزمن
لقد قطفت هذا الورد لأجلك خذيه مني كـــ مواساة لعابر قد لا يمر .. مرةً أخرى
كلماته هزت دواخلها وبعينين لاح بهما بريق دمعة مدت يدها و تناولت الورد دون أن تتكلم
بضع أيام مرت على ذلك اللقاء الحزين وهو يلازمها طيلة الوقت
لقد كنت قاسية جداً .. كان يجدر بي أن أصغي لنداء قلبي كم أنا حمقاء متعجرفة .. لم أحفل بمشاعر كانت غايةً بالصدق فاتني أنه لأجل هذه التفاصيل خلقت الفرص ,, لم أمنحه أي فرصة للتقرب مني بما يكفي لأقطف ذلك الحب
الأيام تمر وذلك العابر لم يظهر مجدداً سوى في خيالاتها العالقة
بكلماته
نظراته
بــ صوته
بكل تلك التفاصيل التي تلاعبت برتم قلبها ..
بالأمس حينما مرت بــ ذلك المنعطف خفق قلبُها وبحذرٍ شديد راحت تفتش عنه جالت بنظرها في المكان علّها تراه مجدداً لكنه لم يظهر كما اعتاد أن يفاجئها في كل مرة .. لكنها انتبهت لشيء ما يلمع كان معلقاً بغصن صغير في ذات الشجرة التي كان يقف عندها حينما مرت بقربه
اقتربت منه كانت سلسلةً فضية ناعمة يتوسطها قلب قد حفرت بداخله كلمة واحدة
فاتــــنتي
اهتز قلبها .. أخذتها على الفور وأخفتها بحقيبتها بعد تأكدت أن أحداً لم يلحظ ذلك
تلك الليلة و في سريرها كالعادة داهمها الأرق كانت دواخلها مثقلة بالحيرة تارة ً وأخرى بالحنين لتلك اللحظات الأولى نظرت طويلاً لتلك الكلمة طوقت عنقها بتلك السلسلة وقفت أمام المرآة وهي تمرر أصابعها على تلك الحروف تذكرت نظراته اليها وبصوت خافت يا إلهي ذلك المجنون رويداً رويداً يسرقني مني ويحتكر كل مشاعري يندلق على روحي كشلال من نور يتسلل الى
مواضع ضعفي
الى وسادتي
الى أحلامي
يثبت لي أن للضياع لذة , وللتخبط سبب مقنع
يجعلني لا أبالي بمن حولي فقط أواصل الغرق
وفي هذه اللحظات تنتابني رغبة عارمة لإفلات كل يد تمتد لـــ محاولة انقاذي
ربما لم أحدد في السابق تعريفاً عميقاً للحب لكن هذه الفوضى التي تعتريني وكل هذا الانشغال والتيه والاحتراق كل تلك الأشياء معاً تثبت لي أنني أغرمت به
صباح يوم جديد ...
كانت تتناول قهوتها والى جانبها آنية وضعت فيها ذلك التوليب الى جانب العطر الأزرق وهي غارقة بالشوق لذلك العابر الذي غاب ولم يعد لكنها انتبهت الى صوت صديقتها وهي تبادرها بتحية الصباح
ردت عليها التحية وأردفت لقد كنت فعلاً بحاجة ماسة للحديث معك
أشعر بوحدة كبيرة وفضفضة عالقة بقلبي
تفضلي أخبريني ما بك أنتِ شاحبة هذا الصباح قولي .. ما بك
حسناً اكتشفت بأنني مغرمة به وكانه أدار مفتاحاً ما .. بروحي
ليعيد تشغيلها ثم .. رحل
بدت ملامح الحيرة على صديقتها وهي تقول اذاً لم يتبقى منه سوى هذه الزجاجة الزرقاء وقلب يتوق لرؤيته مجدداً
لا الأمر ليس كذلك لقد ترك لي أشياء أخرى هذه التوليبات الرقيقة وهذه ثم أخرجت السلسلة
بهتت صديقتها ورفعت حاجبيها وتغير وجهها قليلاً .. كيف لم انتبه لذلك
إنها جميلة حقاً لكن أخبريني متى التقيتما وكيف اهداك هذه السلسلة
ربما في خضم ما أنا فيه نسيت أن أحكي لك قصة المنعطف عندما أهداني هذا الورد رغم كلماتي القاسية المتعجلة
لكنه رحل حينها ولم يعد
وبعد ايام وجدت هذه السلسلة بذات المكان الذي التقينا فيه .. كانت هذه آخر رسائله المشفرة لي
كأنه حاك لي من خيوط المساء دثار حب ,, وغزل من شعاع القمر قصيدة
كان استثنائياً كــ ظاهرة نادرة الحدوث ,, وعندما غير اتجاه شعره تغير اتجاه قلبي فراح يحبه بطريقة جديدة
بعيدة عن الخوف وذلك الارتياب الذي أبعده عني
ليته يعرف انني استسلمت وأريده بشدة وددت أن اكون الهواء الذي يسكن رئتيه أن أكون بتلك الخفة والضرورة
بعد أن أصبحت كل الرغبات تتلاشى أمام رغبتي في أن أحدثه وأشرب ملامح روحه التي أحبتني
الان فقط أدركت شعور لحظة انبهاره الاولى بي ,, بدأت أفهم ارتباكه وحاجته لتأمل وجهي والحديث معي
كانت تتحدث وهي تختنق بعبرتها ودموعها على وشك أن تأخذ طريقها للهطول
كــ المطر الذي تتراقص حباته على ذلك الشارع
لكن صديقتها تداركت الأمر لقد أخبرتك إنك ستريدين وستقعين في شراك الحب لا محالة ولكن لا عليك حتماً سيأتي فمن يحب بصدق سيبتكر ألف معجزة من أجل لقـــاء جديد
كل ما أريده منك الآن أن تعديني بأن تكونِ بخير وسأنتظرك في المنزل دعينا نتحدث مطولاً قد أخبرتك أني سأكون دوماً في الجوار ولن أتخلى عنك الآن
حسناً شكراً لكِ فــــ مجيئك لي قد خفف عني كثيراً وسنلتقي هذا المساء وأنا سأغلق البوتيك الان ,, أشعر بعدم رغبتي في البقاء هنا سأعود لمنزلي وفي المساء سنلتقي حتماً
استغلت تلك الصديقة انشغالها بالبحث عن مظلتها فأخذت العطر وأخفته بحقيبتها وخرجت مسرعة
أما هي فقد أقفلت واتجهت صوب منزلها
في ذلك المساء ...
كانت علامات السرور بادية على تلك الصديقة وهي تضع كوبين من القهوة على طاولة زجاجية صغيرة وضعت عند مكان الجلوس في غرفتها المنزوية
بادرتها شكراً للقهوة .. تبدين سعيدة
نعم سعيدة بزيارتك لي اشتقت للحديث معكِ أحب أن نتشارك كل تفاصيلنا الرقيقة معاً
منذ مدة طويلة لم تزوريني لقد قمت بتغيير ألوان الجدران والستائر واضفت بعض الإضاءة
ألا تبدو غرفتي أجمل ..؟ بعد كل تلك التغييرات
ورغم إنها كانت محبطة وغير مهتمة بملاحظة تلك التفاصيل الا إنها اضطرت لرفع رأسها لمشاهدة ما تم تجديده لكنها تسمرت بمكانها وهي تنظر صوب الحائط الجانبي نهضت لتتأكد اقتربت بضع خطوات وقفت على مقربة كبيرة أمام تلك الصورة المعلقة على الحائط لتتفحصها وبصوت باهت من دون أن تلتفت
من هذا الذي يقف الى جانبك بالصورة ؟
ومع ابتسامة ناعمة ردت عليها وهي لا تزال بمكانها ..
إنه حبيبي الذي لم أحدثك عنه
الا تجديه وسيما ..؟ً
زاد ارتباكها لحظة أرجوكِ مَ الذي تعنيه بحبيبك ؟
وكيف تضعين صورته بكل جرأة في غرفتك ألا تخشين أن يلاحظ أحد ؟
كيف يعقل أن يكون حبيبك , وهو الذي جاءني بحجة شراء العطر الأزرق
وأخبرني إنه يحبني وهو من أهداني الورد وتلك السلسلة الفضية
كانت تتحدث وعينيها لا تغادران تلك الصورة ودموعها تسيل بهدوء يائس
لقد كتب عليها فاتنتي
لا يمكن أن يكون كل ذلك كذباً , لقد لامسني بأعمق نقطة من روحي
ولماذا يكون حبيبك و يخونك بي تحديداً
أي هراء هذا !!
لقد كان صادقاً عندما أراد تلك الزجاجة الزرقاء أحسست أنه ودَّ شرائها ليقدمها لي
وماذا عن كل كلماته الآسرة التي اودت بقلبي وروحي معاً
أحست بشيء يتحرك خلفها
وقبل ان تلتفت لمحت يداً تحمل تلك الزجاجة الزرقاء هبط قلبها استدارت على الفور
كان هو من يحمل تلك الزجاجة !!
صدمت بمكانها .. دون أن يتكلم جثا على ركبته وبيده ذلك العطر وعلبة زرقاء يتوسطها خاتماً
وهو يقول لم أتوهم حبك لحظة ..
انهمرت دموعها بشدة وقد تلونت بلون كحلها الأسود
ومن بعيد تسمع صوت صديقتها التي تبكي وتضحك بآن واحد
حسناً أخبروني ما هذا لم أعد أفهم !!
ردت صديقتها إنه شقيقي وحبيبي وأطلقت ضحكة طويلة
منذ أيام طلب مني شراء سلسلة لحبيبته المزعومة وأراد ان أكتب عليها فاتنتي
لم أكن أعرف إنها أنتِ
هذا الصباح رأيتك ترتديها فعرفت إن ذلك العابر هو شقيقي
أمسك بمنديل وراح يمسح دموعها بخجل وهي تفرك أصابعها بيدها الأخرى
قال لها لقد أحببتك منذ اللحظة الأولى وكل الأيام التي تلت ذلك كنت أحبك فيها أكثر
لهذا أنتِ فاتنتي
وللمرة الأولى منذ لحظة اللقاء الأول تلاقت عيناهما تشابكت أصابعهما وبهمس كأنه موسيقى سماوية
قالت ... أحبك
انتهت ..
بقلمي
علي موسى الحسين
العاشرة ليلاً
في جوفِ السماءِ نجمتين تشبهان عينيها
يومَ اعترضتا طريقه أول مرة
كان زحام السيارات الصاخبة لا يهدأ , ورنة هاتفه الجوال تستمر للمرة العاشرة
في كل مرة يرن الهاتف يأتيه صوت أمه ناهراً
حبيبي عد للبيت , لقد تأخر الوقت
وفي طريق العودة اعترضته عيناها أول مرة
نجمتين , قصيدتين
بحران من اشتهاء لذيذ يستدرجانه للغرق
لازال يتذكر تلك التفاصيل جيداً
الشارع المضاء
الأشخاص المتبضعين
الأرصفة التي غسلت خطاياها بقطرات المطر
ووجها الآتي من سلالة قمرية خبأتها المجرّة .. لزمن آخر
وبقايا وجرح صغير يغفو على وجنتها اليمنى كان الشاهد على شقاوةِ طفولةٍ لذيذة
بحذر فارس يفتتح مدينة الخاطئين تقدم نحوها بحجة الشراء من ذلك المكان الصغير الذي تديره
كانت السماء تنذر بالعطايا وكان عبق الشتاء يجوب شوارع المدينة التي غفت
على قارعة حلم نسجه المنفيون عن ضفائر حبيباتهم
مساء الخير ..
بابتسامة ناعمة وصوت مرتبك أجابت
مساء الخير .. أهلاً بك تفضل
لم يكن حينها مستعداً للجملة القادمة
لم يكن جريئاً بما يكفي ليخبرها بأنه لا يريد شيئاً سوى تامل عيناها أو الحديث معها
لباقي العمر
ربما كان ذنبهُا الوحيد بتطفله هذا في ليلة باردة ممتلئة بأحلام منفية
إنها جميلة ودافئة بشكل مفرط
نظراتها التي كانت تنتظر رده أعادته من تلك الثمالة
حسناً لو سمحتِ .. أريد زجاجة عطر
لم يعرف حينها ما الذي دعاه ليطلب عطراً
ربما صوتها أو خصلة شعرها التي تحررت من الشال لتخبره إن رفيقاتها الاخريات بلون .. أشقر
أو لربما وحدته التي كانت بحاجة لـــ أن تتنفس .. قليلاً
الرفوف الزجاجية المزدانة بالعطور الباريسية ومساحيق التبرج بدت بغاية الأناقة
كل ركن في ذلك البوتيك الصغير كان يزهر برقتها
شعر حينها بانها لم تكن أنثى عادية كانت كما لوأنها الشيء الوحيد الذي يجب عليه أن يهدر الأيام معه
مجدداً أعاده صوتُها ..
عطر؟ .. أيُّ عطر تحديداً
وأطلقت ضحكة صغيرة كانت بمثابة اعتذار هذا الكون عن كل الندوب التي طالت حياته
لملم أشلاء نفسه وأجاب بصوت يحمل نبرة الواثق
لتكن تلك الزجاجة الزرقاء خلفك
استدارت نحو الرف وتناولتها وقد تغيرت ملامحها قليلاً وبصوت حاولت ان تجعله ماكراً
إنه نسائي !!
هو لــ امرأة ما .. أليس كذلك ؟
ثم أكملت وهي مازالت تمسك بتلك الزجاجة الزرقاء
همممم إنه شهر ديسمبر وهو كما يقال شهر الحب
صدقاً إن أجمل لحظة في العمر هي لحظة الوقوع بالحب حسناً لدي الكثير من الاشياء الجميلة التي تصلح
أن تقدم كـــ هدايا ليلة رأس السنة أتعرف يمكنك أن تختار لها ..
من دون ان يدري قاطعها بعبارة مفاجئة
آنستي ... انتِ الحب الذي أقع فيه الآن
انتِ سيدة تلك اللحظة التي تتحدثين عنها
تسمرت بمكانها وأفلتت من يدها تلك الزجاجة لكنه سارع لالتقاطها
مرت لحظات من الصمت قبل أن تتحرك من مكانها عادت خطوة الى الوراء أعادت خصلة الشعر المتمردة على رفيقاتها الى داخل شالها الرمادي , تلفتت بكل الاتجاهات كي تتأكد أنه ما من أحداً قد سَمعَ ذلك الحديث وكأنها اكتشفت للتو
توغلها بحوار يجتاح خطوطها الحمراء لكنها تمالكت نفسها وبنبرة جدية ردت
سيدي إن كنت تريد العطر ادفع ثمنه أو دعني اكمل عملي ... أرجوك
لاح عليه بعض الارتباك لكنه ورغم تلك الخيبة لمح شيئاً من الأمل المختبئ في نظراتها
أعاد زجاجة العطر بهدوء واستدار نحو باب الخروج
لكنه توقف .. وأطرق برأسه للأرض وهو يشبك أصابع يده بفراغات الأخرى مع تنهيدة واهنة قبل ان يقول
أتعرفين
ربما كنت كذاباً كبيراً .. كان يجدر بي أن أكون سياسياً أو أن أكون رئيساً لأستخدم تلك الموهبة
في مواقف كثيرة لم أكن فيها صادقاً .. كذبت دوماً عندما كانوا يسألونني هل أنت بخير فأجيب .. نعم أنا بخير رغم إنني لست كذلك مطلقاً .. لست بخير أبداً
أخبرت صديقي ان أحاديثه تروقني
حينما كانت مملة وبائسة أحببت قهوتي بقليل من السكر وتناولتها مراراً من دون سكر وأنا أدعي إن مذاقها شهي جداً
وكذبت منذ قليل عندما قلت بانني أريد تلك الزجاجة الزرقاء لكنها كانت حجةً للحديث معك
لكنني أجزم إن الشيء الوحيد الذي كنت صادقاً فيه هي تلك المشاعر التي تدفقت بقلبي لحظة ارتطامي بعينيكِ
نعم آنستي انتِ الشعور الوحيد الذي لامسني بعمق وأريد له بصدق أن ينمو ..
ربما أبدو لكِ كــ عابر متطفل ظل طريقه فحسب لكنني شاب بسيط أتى لوجهته الوحيدة دون قناع
لأنكِ مثل تلك الأشياء التي تأتي متأخرة لكننا نجدها قبل ان ينطفأ الشغف .. بأرواحنا
أنتِ اللهفة التي لم يفت أوان مجيئها
وفي لحظة كانت على وشك ان تتيبس فيها جذور الحياة بقلبي ,, دلتني طرقات المطر الى نوافذك الدافئة
وها أنا ابحث عن طريق يخرجني من هذا المأزق لمأزق .. آخر
ومع تلك الكلمات التي باح بها أكمل طريقه الى الخارج وهو يختبئ تحت مظلتهِ السوداء
أما هي فقد ألقت بنفسها على كرسي مجاور كمن يسقط من مرتفع شاهق والف مشهد متناقض يكسو وجهها الحزين
وهي تنظر لتلك الزجاجة الزرقاء بعيون حائرة وشعور بالأسى من ذلك النوع الذي لا يمكن شرحه حيث ينوب الصمت عن أيّ شيء آخر
صباح يوم آخر ..
على غير عادتها بدت بوجه شاحب كسوسنة ذابلة في آنية فاتها المطر لم تكن ليلتها السابقة ككل الليالي الأخرى تحدثت مع صديقتها الوحيدة لوقت طويل تقلبت في سريرها مراراً لم تفارقها تفاصيل ذلك اللقاء ولا تلك القسمات الخجولة التي رسمتها لحظة الاعتراف
جزءً منها كان يريدها أن تبقى بعيداً عن خوض تلك البدايات الناعمة والتي سرعان ما تتلاشى .. لكن جزءً آخــر كان يريد الغوص في تلك المغامرة فهي أيضاً محاصرة بالوحدة , رغم إنها قد حشرت نفسها داخل جدران ذلك المحل
ومع مرور الوقت ركلت كل أحلامها جانباً بانتظار شيء لا تدرك ما هيته .. للحظات شعرت بأن ما حدث لم يكن شيئاً عابراً فربما كانت هي الفرصة التي تأتي مرة واحدة في العمر لكنه قد رحل دون أن تعرف إن كان سيعود أم لا ..
وها هي تبدأ بيوم جديد ولا بد أن تتناسى ما حدث بالأمس ,, حاولت أن تشغل نفسها بترتيب تلك الرفوف المزدحمة بالعطور
لكنها في كل مرة تصل لمكان تلك الزجاجة الزرقاء
شيئاً ما كان يتحرك بقلبها
في المرة الأخيرة تناولتها
راحت تتلمس جوانبها ثم راحت تشم ذلك العطر أغمضت عينيها وكأنها تكتشف لأول مرة كم هو شاعري وهادئ وها هو يقفز الى مخيلتها .. تعثرت بتفاصيله مجدداً .. كان وسيماً تفيض من ملامحه الكثير من الرجولة وبعض الخجل ..غريزتها الانثوية بدأت تطيح بكل تلك الأسوار التي أحاطت بها قراراتها الصارمة تناست حتى خيبتها الأولى منذ عام في أول علاقة حب عابرة ظنتها ستكون أبدية لكنها .. انتهت بخيبة
مرت بضع لحظات قبل أن تنتبه من ثمالتها القصيرة وبصوت مسموع رددت يا إلهي مَ الذي يَحدث لي إنهُ يتكاثر بي بشكل مفزع إنه واضح على وجهي ,, على يدي ,, يتسرب حتى الى دواخلي أصبحت ممتلئة بذاك العابر الذي غادر وأخذ شيئاً مني رغم إني لا أريد العودة لفكرة الحب ..
اعادت الزجاجة لمكانها وهي تردد نعم لا أريد الحب إنه فخ لعين وما إن نظرت صوب الشارع حتى تجمدت بمكانها
كان يقف قرب الشجرة المقابلة لمحلها رمقها بنظرة يمتزج فيها الأمل بالحزن وأختفى بين المارين
رفعت رأسها وهي تغمض عينيها
يا إلهي ربما ضبطني وانا أعانق زجاجته ,, كم كنت غبية
كيف لم انتبه لنفسي ربما ظن الآن بأنني كنت أفكر به
لكنها رغم ذلك التأنيب أحست بشيء من المسرة قد خامرت قلبها ثم أطلقت ضحكة خافته وهي تخنق بأصابعها تلك الضحكة .. نعم كنت أفكر بك أيها العابر
إنه يراقبني ..! لا أدري من هو المجنون فينا أنا أم هو أم ربما .. كلانا
على الفور تناولت هاتفها اتصلت بصديقتها ومن دون مقدمات إسمعيني اتذكرين
الشاب الذي حدثتك عنه بالأمس لقد كان يراقبني منذ قليل أخشى إنه شاهدني أشم العطر الذي اختاره
اهاا أحدهم يبدو لي كأنه قد وقع في الحب ... لكن أخبريني .. هل كلمك مجدداً ؟
لا طبعاً لن أسمح له بالاقتراب لست سهلة لهذا الحد كما إنني لا أعرفه ولا أشعر نحوه بأي مشاعر
يا صديقتي كل ما في الامر إنك مرتابة فقط جميعنا مررنا بعلاقات فاشلة يستغرق نسيانها وقتاً
لهذا لا تحاكميه بجرم غيره
- حسناً انا كذلك .. انا مرتابة منه بالفعل ومن أي تجربة جديدة كما إنني لا أشعر بأي مشاعر نحوه مطلقاً وهذا ما قد يقودني لخيبة محتملة
- آهاا خيبة ولهذا اتصلتِ بي الآن ,, ولم تنامي طوال الليل ,, وصوتك يبدو متوهجاً وأكاد أشم العطر بكلماتك عنه
لا تكوني سخيفة أخبرتك بأنني لا أريد
- اسمعيني جيداً الأمر لا يتعلق بالمعارك التي هزمنا بها بل بالمعارك التي قمنا بشنها وبالإصرار على ان نقف مجدداً ونكتشف بأننا نستحق الأفضل لهذا
ستريدين يا أميرة العطر الأزرق لكنك بحاجة للوقت خذي وقتك و سأكون دائماً بالجوار
ذلك المساء ..
كانت السماء تسكب عطاياها والمطر يغسل عيون المساء ويغرس أضواء الأعمدة على اسفلت الشارع فتبدو متكسرة
تماماً كأحلامها التي تكسرت و سُفكت في دروب الأيام الخالية
كــ نوافذ قلبها التي بقيت مسدله أمام أي حلم جديد
كانت تخطو في طريقها نحو المنزل وهي تحشر نفسها تحت مظلةٍ سوداء
وذلك الصراع الدائر في أعماقها يقاطعه تساؤل واحد ,, ترى أين هو الآن ..؟
هل نسي الأمر لا لا أظن ذلك ,, لقد كان دافئاً يفيض الحب من عينيه لقد بدا لي صادقاً
كان كمن يتمسك بطوق النجاة الأخير
وحين رفعت رأسها وجدته يقف عند المنعطف ذلك الذي يتوجب عليها ان تمرَّ منه
ارتبكت وأحست برعدة تسري بجسدها لكنها اضطرت لإكمال طريقها ومرت بقربه وهي تحاول أن تبدو غير مكترثة وحينها لمحت بيده قطفة ورد أحست بتسارع نبضات قلبها وقشعريرة من ذلك النوع الذي تأتي به اللحظات السعيدة
مرت على بعد خطوة منه ...
فبادرها
لدي بضع وردات من الــ توليب وقلب ناصع
تُرى كم يقربني هذا منكِ آنستي ؟
توقفت و رفعت رأسها وعلامات الحيرة تكسو وجهها الذي أشرق فجأة
رغم محاولتها بان تجعله لا يبدو كذلك .. وأردفت
اتعرف أنا لا أدري حقاً مَ الذي يتوجب عليَّ قوله الآن
فأنت تتصرف بغرابة شديدة تأتي من حيث لا أدري وترحل كذلك وفي كل مرة تزيد الأمر صعوبة على روحي ..
انت شاب لطيف ومهذب لكن هذا ليس كافياً حتى أثق بك
وأمضي بتجربة لا أعرف إلى أين ستفضي بي
أنا لا أملك سوى قلباً واحداً وروحاً واحدة .. ولكَ أن تتخيل فداحة أن تؤذيني في شيء لا أملك سواه ...
وفي نفسها كانت تردد ... كانت هذه أكثر ردة فعل حمقاء مني .. لكنني يجب أن أحافظ على مسافة آمنة
ورغم تمردها هذا تمكنت أن تلحظ انه قد غير اتجاه شعره ليبدو أكثر وسامة
أما هو فقد طفت ملامح الحزن والخيبة على وجهه إلا إنه تمالك نفسه
آنستي كان كل ما تمنيته حقاً هو أن تكوني تلك الرفيقة التي أرفعها بوجه أيامي السيئة .. فتحلو
ورغم انني لا أحب الإجابات المتأرجحة تلك التي تتفاوت فيها الحروف مع تعابير الوجه لكنني تمسكت بالأمل قد أتيتك اطلب عطراً وتمنيت أن أغادر بعطرين
لقد أحببتك بقدر هذا التشتت بيننا بقدر الفاصلة المرهقة بين خشيتك مني ورغبتي فيكِ
اتيتك بكلي .. أنا الذي بخلت على الاخرين ببعضي ..
ساعتها شعرت ان ظنوني الطيبة واحلامي البيضاء قد خلقت من أجلك فقط
ومن بين كل العثرات والقرارات الخاطئة أردت أن يكون وجودك هو الشيء الوحيد الصحيح في حياتي حيث لا أذكر انني أحببت شيئاً في هذا العالم المرتبك بقدر ما أحبب شعور الطمأنينة الذي تعاطيته بوجهك ,, لكن لا عليكِ فكل الأماني الصافية بقيت دوماً بلا مرفأ أما أنت فستكونين ذلك السر الذي أحبه وأستودعه قلبي مهما طال به الزمن
لقد قطفت هذا الورد لأجلك خذيه مني كـــ مواساة لعابر قد لا يمر .. مرةً أخرى
كلماته هزت دواخلها وبعينين لاح بهما بريق دمعة مدت يدها و تناولت الورد دون أن تتكلم
بضع أيام مرت على ذلك اللقاء الحزين وهو يلازمها طيلة الوقت
لقد كنت قاسية جداً .. كان يجدر بي أن أصغي لنداء قلبي كم أنا حمقاء متعجرفة .. لم أحفل بمشاعر كانت غايةً بالصدق فاتني أنه لأجل هذه التفاصيل خلقت الفرص ,, لم أمنحه أي فرصة للتقرب مني بما يكفي لأقطف ذلك الحب
الأيام تمر وذلك العابر لم يظهر مجدداً سوى في خيالاتها العالقة
بكلماته
نظراته
بــ صوته
بكل تلك التفاصيل التي تلاعبت برتم قلبها ..
بالأمس حينما مرت بــ ذلك المنعطف خفق قلبُها وبحذرٍ شديد راحت تفتش عنه جالت بنظرها في المكان علّها تراه مجدداً لكنه لم يظهر كما اعتاد أن يفاجئها في كل مرة .. لكنها انتبهت لشيء ما يلمع كان معلقاً بغصن صغير في ذات الشجرة التي كان يقف عندها حينما مرت بقربه
اقتربت منه كانت سلسلةً فضية ناعمة يتوسطها قلب قد حفرت بداخله كلمة واحدة
فاتــــنتي
اهتز قلبها .. أخذتها على الفور وأخفتها بحقيبتها بعد تأكدت أن أحداً لم يلحظ ذلك
تلك الليلة و في سريرها كالعادة داهمها الأرق كانت دواخلها مثقلة بالحيرة تارة ً وأخرى بالحنين لتلك اللحظات الأولى نظرت طويلاً لتلك الكلمة طوقت عنقها بتلك السلسلة وقفت أمام المرآة وهي تمرر أصابعها على تلك الحروف تذكرت نظراته اليها وبصوت خافت يا إلهي ذلك المجنون رويداً رويداً يسرقني مني ويحتكر كل مشاعري يندلق على روحي كشلال من نور يتسلل الى
مواضع ضعفي
الى وسادتي
الى أحلامي
يثبت لي أن للضياع لذة , وللتخبط سبب مقنع
يجعلني لا أبالي بمن حولي فقط أواصل الغرق
وفي هذه اللحظات تنتابني رغبة عارمة لإفلات كل يد تمتد لـــ محاولة انقاذي
ربما لم أحدد في السابق تعريفاً عميقاً للحب لكن هذه الفوضى التي تعتريني وكل هذا الانشغال والتيه والاحتراق كل تلك الأشياء معاً تثبت لي أنني أغرمت به
صباح يوم جديد ...
كانت تتناول قهوتها والى جانبها آنية وضعت فيها ذلك التوليب الى جانب العطر الأزرق وهي غارقة بالشوق لذلك العابر الذي غاب ولم يعد لكنها انتبهت الى صوت صديقتها وهي تبادرها بتحية الصباح
ردت عليها التحية وأردفت لقد كنت فعلاً بحاجة ماسة للحديث معك
أشعر بوحدة كبيرة وفضفضة عالقة بقلبي
تفضلي أخبريني ما بك أنتِ شاحبة هذا الصباح قولي .. ما بك
حسناً اكتشفت بأنني مغرمة به وكانه أدار مفتاحاً ما .. بروحي
ليعيد تشغيلها ثم .. رحل
بدت ملامح الحيرة على صديقتها وهي تقول اذاً لم يتبقى منه سوى هذه الزجاجة الزرقاء وقلب يتوق لرؤيته مجدداً
لا الأمر ليس كذلك لقد ترك لي أشياء أخرى هذه التوليبات الرقيقة وهذه ثم أخرجت السلسلة
بهتت صديقتها ورفعت حاجبيها وتغير وجهها قليلاً .. كيف لم انتبه لذلك
إنها جميلة حقاً لكن أخبريني متى التقيتما وكيف اهداك هذه السلسلة
ربما في خضم ما أنا فيه نسيت أن أحكي لك قصة المنعطف عندما أهداني هذا الورد رغم كلماتي القاسية المتعجلة
لكنه رحل حينها ولم يعد
وبعد ايام وجدت هذه السلسلة بذات المكان الذي التقينا فيه .. كانت هذه آخر رسائله المشفرة لي
كأنه حاك لي من خيوط المساء دثار حب ,, وغزل من شعاع القمر قصيدة
كان استثنائياً كــ ظاهرة نادرة الحدوث ,, وعندما غير اتجاه شعره تغير اتجاه قلبي فراح يحبه بطريقة جديدة
بعيدة عن الخوف وذلك الارتياب الذي أبعده عني
ليته يعرف انني استسلمت وأريده بشدة وددت أن اكون الهواء الذي يسكن رئتيه أن أكون بتلك الخفة والضرورة
بعد أن أصبحت كل الرغبات تتلاشى أمام رغبتي في أن أحدثه وأشرب ملامح روحه التي أحبتني
الان فقط أدركت شعور لحظة انبهاره الاولى بي ,, بدأت أفهم ارتباكه وحاجته لتأمل وجهي والحديث معي
كانت تتحدث وهي تختنق بعبرتها ودموعها على وشك أن تأخذ طريقها للهطول
كــ المطر الذي تتراقص حباته على ذلك الشارع
لكن صديقتها تداركت الأمر لقد أخبرتك إنك ستريدين وستقعين في شراك الحب لا محالة ولكن لا عليك حتماً سيأتي فمن يحب بصدق سيبتكر ألف معجزة من أجل لقـــاء جديد
كل ما أريده منك الآن أن تعديني بأن تكونِ بخير وسأنتظرك في المنزل دعينا نتحدث مطولاً قد أخبرتك أني سأكون دوماً في الجوار ولن أتخلى عنك الآن
حسناً شكراً لكِ فــــ مجيئك لي قد خفف عني كثيراً وسنلتقي هذا المساء وأنا سأغلق البوتيك الان ,, أشعر بعدم رغبتي في البقاء هنا سأعود لمنزلي وفي المساء سنلتقي حتماً
استغلت تلك الصديقة انشغالها بالبحث عن مظلتها فأخذت العطر وأخفته بحقيبتها وخرجت مسرعة
أما هي فقد أقفلت واتجهت صوب منزلها
في ذلك المساء ...
كانت علامات السرور بادية على تلك الصديقة وهي تضع كوبين من القهوة على طاولة زجاجية صغيرة وضعت عند مكان الجلوس في غرفتها المنزوية
بادرتها شكراً للقهوة .. تبدين سعيدة
نعم سعيدة بزيارتك لي اشتقت للحديث معكِ أحب أن نتشارك كل تفاصيلنا الرقيقة معاً
منذ مدة طويلة لم تزوريني لقد قمت بتغيير ألوان الجدران والستائر واضفت بعض الإضاءة
ألا تبدو غرفتي أجمل ..؟ بعد كل تلك التغييرات
ورغم إنها كانت محبطة وغير مهتمة بملاحظة تلك التفاصيل الا إنها اضطرت لرفع رأسها لمشاهدة ما تم تجديده لكنها تسمرت بمكانها وهي تنظر صوب الحائط الجانبي نهضت لتتأكد اقتربت بضع خطوات وقفت على مقربة كبيرة أمام تلك الصورة المعلقة على الحائط لتتفحصها وبصوت باهت من دون أن تلتفت
من هذا الذي يقف الى جانبك بالصورة ؟
ومع ابتسامة ناعمة ردت عليها وهي لا تزال بمكانها ..
إنه حبيبي الذي لم أحدثك عنه
الا تجديه وسيما ..؟ً
زاد ارتباكها لحظة أرجوكِ مَ الذي تعنيه بحبيبك ؟
وكيف تضعين صورته بكل جرأة في غرفتك ألا تخشين أن يلاحظ أحد ؟
كيف يعقل أن يكون حبيبك , وهو الذي جاءني بحجة شراء العطر الأزرق
وأخبرني إنه يحبني وهو من أهداني الورد وتلك السلسلة الفضية
كانت تتحدث وعينيها لا تغادران تلك الصورة ودموعها تسيل بهدوء يائس
لقد كتب عليها فاتنتي
لا يمكن أن يكون كل ذلك كذباً , لقد لامسني بأعمق نقطة من روحي
ولماذا يكون حبيبك و يخونك بي تحديداً
أي هراء هذا !!
لقد كان صادقاً عندما أراد تلك الزجاجة الزرقاء أحسست أنه ودَّ شرائها ليقدمها لي
وماذا عن كل كلماته الآسرة التي اودت بقلبي وروحي معاً
أحست بشيء يتحرك خلفها
وقبل ان تلتفت لمحت يداً تحمل تلك الزجاجة الزرقاء هبط قلبها استدارت على الفور
كان هو من يحمل تلك الزجاجة !!
صدمت بمكانها .. دون أن يتكلم جثا على ركبته وبيده ذلك العطر وعلبة زرقاء يتوسطها خاتماً
وهو يقول لم أتوهم حبك لحظة ..
انهمرت دموعها بشدة وقد تلونت بلون كحلها الأسود
ومن بعيد تسمع صوت صديقتها التي تبكي وتضحك بآن واحد
حسناً أخبروني ما هذا لم أعد أفهم !!
ردت صديقتها إنه شقيقي وحبيبي وأطلقت ضحكة طويلة
منذ أيام طلب مني شراء سلسلة لحبيبته المزعومة وأراد ان أكتب عليها فاتنتي
لم أكن أعرف إنها أنتِ
هذا الصباح رأيتك ترتديها فعرفت إن ذلك العابر هو شقيقي
أمسك بمنديل وراح يمسح دموعها بخجل وهي تفرك أصابعها بيدها الأخرى
قال لها لقد أحببتك منذ اللحظة الأولى وكل الأيام التي تلت ذلك كنت أحبك فيها أكثر
لهذا أنتِ فاتنتي
وللمرة الأولى منذ لحظة اللقاء الأول تلاقت عيناهما تشابكت أصابعهما وبهمس كأنه موسيقى سماوية
قالت ... أحبك
انتهت ..
بقلمي
علي موسى الحسين
التعديل الأخير: