كانت صدوف امرأةً تأبدُ الكلام وتسجع في المنطق، وكانت واسعة الثراء ذات مال كثير، فأتاها قوم كثير يخطبونها، فردَّتهم، وكانت تتعنَّت خطابها في المسألة وتقول: «لا أتزوج إلا مَن يعلم ما أسأله عنه ويجيبني على حدِّه لا يعدوه.» فلما انتهى إليها حمران بن الأقرع، قام قائمًا لا يجلس، وكان لا يأتيها خاطب إلا جلس قبل إذنها، فقالت: ما يمنعك من الجلوس؟ قال: حتى يُؤذَن لي، قالت وهل عليك أمير؟ قال: رب المنزل أحق بفنائه، ورب الماء أحق بسقائه، وكلٌّ له ما في وعائه.
فقالت: اجلس، فجلس. قالت له: ما أردت؟
قال: حاجة، ولم آتك لحاجة.
قالت: تُسِرُّها أم تُعلنها؟
قال: تُسَر وتُعلَن.
قالت: فما حاجتك؟
قال: قضاؤها هيِّن، وأمرها بيِّن، وأنتِ بها أخبر، وبنجمها أبصر.
قالت: فأخبرني بها.
قال: قد عرَّضتُ، وإن شئتِ بيَّنتُ.
قالت: مَن أنت؟
قال: أنا بشر وُلدت صغيرًا، ونشأت كبيرًا، ورأيت كثيرًا.
قالت: فما اسمك؟
قال: مَن شاء أحدث اسمًا، وقال ظلمًا، ولم يكن الاسم عليه حتمًا.
قالت: فمَن أبوك؟
قال: والدي الذي ولدني، ووالده جدي.
قالت: فما مالك؟
قال: بعضه ورثته، وأكثره اكتسبته.
قالت: فممَّن أنت؟
قال: من بشر كثيرٌ عدده، معروفٌ ولده.
قالت: ما ورَّثك أبوك؟
قال: حسن الهمم.
قالت: فأين تنزل؟
قال: على بساط واسع، في بلد شاسع، قريبُه بعيد، وبعيدُه قريب.
قالت: فمَن قومك؟
قال: الذين أنتمي إليهم، وأجني عليهم، ووُلدت لديهم.
قالت: فهل لك امرأة؟
قال: لو كانت لي، لم أطلب غيرها، ولم أضيع خيرها؟
قالت: كأنك ليست لك حاجة.
قال: لو لم تكن لي حاجة، لم أنخ ببابك، ولم أتعرَّض لجوابك، وأتعلَّق بأسبابك.
قالت: إنك لحمران بن الأقرع الجعدي.
قال: إن ذلك ليُقال.
فزوَّجَتْه نفسها، وفوَّضَت إليه أمرها.
من كتاب المرأة في الميزان
امين سلامة
فقالت: اجلس، فجلس. قالت له: ما أردت؟
قال: حاجة، ولم آتك لحاجة.
قالت: تُسِرُّها أم تُعلنها؟
قال: تُسَر وتُعلَن.
قالت: فما حاجتك؟
قال: قضاؤها هيِّن، وأمرها بيِّن، وأنتِ بها أخبر، وبنجمها أبصر.
قالت: فأخبرني بها.
قال: قد عرَّضتُ، وإن شئتِ بيَّنتُ.
قالت: مَن أنت؟
قال: أنا بشر وُلدت صغيرًا، ونشأت كبيرًا، ورأيت كثيرًا.
قالت: فما اسمك؟
قال: مَن شاء أحدث اسمًا، وقال ظلمًا، ولم يكن الاسم عليه حتمًا.
قالت: فمَن أبوك؟
قال: والدي الذي ولدني، ووالده جدي.
قالت: فما مالك؟
قال: بعضه ورثته، وأكثره اكتسبته.
قالت: فممَّن أنت؟
قال: من بشر كثيرٌ عدده، معروفٌ ولده.
قالت: ما ورَّثك أبوك؟
قال: حسن الهمم.
قالت: فأين تنزل؟
قال: على بساط واسع، في بلد شاسع، قريبُه بعيد، وبعيدُه قريب.
قالت: فمَن قومك؟
قال: الذين أنتمي إليهم، وأجني عليهم، ووُلدت لديهم.
قالت: فهل لك امرأة؟
قال: لو كانت لي، لم أطلب غيرها، ولم أضيع خيرها؟
قالت: كأنك ليست لك حاجة.
قال: لو لم تكن لي حاجة، لم أنخ ببابك، ولم أتعرَّض لجوابك، وأتعلَّق بأسبابك.
قالت: إنك لحمران بن الأقرع الجعدي.
قال: إن ذلك ليُقال.
فزوَّجَتْه نفسها، وفوَّضَت إليه أمرها.
من كتاب المرأة في الميزان
امين سلامة