ابو مناف البصري
المالكي
المفاوضات الإيرانية - الأمريكية في ضوء صلح الحديبية
طلال نحلة
شهدت العاصمة العمانية مسقط جولة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إيجاد أرضية مشتركة تخفف من حدة التوتر والصراع الطويل حول الملف النووي الإيراني وقضايا إقليمية أخرى. ورغم التحديات العميقة بين الطرفين، وصف المفاوضون هذه الجولة بأنها إيجابية وبنّاءة.
في هذا السياق، يمكن إجراء مقارنة استراتيجية وتاريخية بين هذا الحدث وبين موقف النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلح الحديبية، لاستخلاص بعض الدروس والعبر.
الواقعية السياسية: درس من التاريخ الإسلامي
في السنة السادسة للهجرة، وقّع الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) معاهدة صلح الحديبية مع قريش، والتي بدت في ظاهرها مجحفة بحق المسلمين، فقد قبل النبي بشروط بدت للصحابة حينها صعبة أو قاسية. لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن هذا الصلح كان من أعظم انتصارات الإسلام على المستوى الاستراتيجي والسياسي. ومن هنا نستخلص نقاط التقارب بين الموقفين:
1. الإسلام دين سلم وليس حربًا
أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال مهادنة المشركين أن يبرز أن الإسلام لم يأتِ ليفرض نفسه بالقوة، بل بالحوار والسلام والمنطق. وهو ما تسعى إيران لتأكيده من خلال المفاوضات الحالية، بالتشديد على أنها لا ترغب بالحرب أو التصعيد، وإنما في احترام حقوقها وسيادتها.
2. المرونة مع الحفاظ على المبادئ
قبِل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإزالة عبارة "رسول الله" من نص الاتفاق، وهي نقطة كانت حساسة جدًا لدى المسلمين، لكنه وافق عليها مراعاة للظروف. اليوم، قد تُبدي إيران مرونة في بعض التفاصيل التقنية أو العبارات الدبلوماسية، دون التخلي عن جوهر موقفها ومبادئها السيادية والاستراتيجية.
3. كسب الوقت وتعزيز الموقف الداخلي
سمح صلح الحديبية بفترة هدنة امتدت عشر سنوات، استغلها المسلمون لنشر الإسلام وتعزيز قوتهم، وهو ما ظهر جليًا من خلال دخول الكثيرين في الإسلام بعد ذلك. إيران اليوم ترى في المفاوضات فرصة مماثلة، فهي قد تكسب الوقت لترتيب أوضاعها الداخلية اقتصاديًا وسياسيًا، وتقوية موقعها الإقليمي والدولي دون الدخول في مواجهة عسكرية مكلفة.
4. الاعتراف السياسي بالكيان
كان صلح الحديبية أول اعتراف رسمي من قريش بالكيان السياسي الجديد للمسلمين في المدينة المنورة. بالمقارنة، جلوس الولايات المتحدة للمفاوضات مع إيران هو بمثابة اعتراف ضمني بوزن إيران وأهميتها في المنطقة، بغض النظر عن الخلافات القائمة.
5. رؤية استراتيجية بعيدة المدى
صلح الحديبية، رغم شروطه الظاهرة المجحفة، كان في الواقع خطوة استراتيجية فتحت الطريق لفتح مكة بعد أقل من عامين. وفي هذا السياق، قد تنظر إيران إلى المفاوضات الحالية على أنها مرحلة وليست نهاية، وأن ما يحدث اليوم من توافقات مبدئية يمكن أن يؤدي لاحقًا إلى مكاسب سياسية واستراتيجية كبرى، دون التخلي عن رؤيتها العقائدية والاستراتيجية بعيدة المدى.
الخاتمة
إن القراءة المتأنية للمفاوضات الإيرانية الأمريكية من منظور تاريخي وإسلامي، وتحديدًا عبر درس صلح الحديبية، تؤكد أن استخدام الأدوات السياسية والتفاوضية بحكمة وواقعية لا يُعد تنازلاً أو ضعفًا، بل يعكس ذكاءً استراتيجيًا وإدراكًا للواقع وقدرة على إدارة الأزمات بشكل بنّاء. وكما قاد الحديبية إلى فتح مكة، فإن المفاوضات الجارية قد تفتح الباب لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية والإقليمية، بشرط استمرار التمسك بالثوابت والمبادئ السيادية للجمهورية الإسلامية.
طلال نحلة
شهدت العاصمة العمانية مسقط جولة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إيجاد أرضية مشتركة تخفف من حدة التوتر والصراع الطويل حول الملف النووي الإيراني وقضايا إقليمية أخرى. ورغم التحديات العميقة بين الطرفين، وصف المفاوضون هذه الجولة بأنها إيجابية وبنّاءة.
في هذا السياق، يمكن إجراء مقارنة استراتيجية وتاريخية بين هذا الحدث وبين موقف النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلح الحديبية، لاستخلاص بعض الدروس والعبر.
الواقعية السياسية: درس من التاريخ الإسلامي
في السنة السادسة للهجرة، وقّع الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) معاهدة صلح الحديبية مع قريش، والتي بدت في ظاهرها مجحفة بحق المسلمين، فقد قبل النبي بشروط بدت للصحابة حينها صعبة أو قاسية. لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن هذا الصلح كان من أعظم انتصارات الإسلام على المستوى الاستراتيجي والسياسي. ومن هنا نستخلص نقاط التقارب بين الموقفين:
1. الإسلام دين سلم وليس حربًا
أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال مهادنة المشركين أن يبرز أن الإسلام لم يأتِ ليفرض نفسه بالقوة، بل بالحوار والسلام والمنطق. وهو ما تسعى إيران لتأكيده من خلال المفاوضات الحالية، بالتشديد على أنها لا ترغب بالحرب أو التصعيد، وإنما في احترام حقوقها وسيادتها.
2. المرونة مع الحفاظ على المبادئ
قبِل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإزالة عبارة "رسول الله" من نص الاتفاق، وهي نقطة كانت حساسة جدًا لدى المسلمين، لكنه وافق عليها مراعاة للظروف. اليوم، قد تُبدي إيران مرونة في بعض التفاصيل التقنية أو العبارات الدبلوماسية، دون التخلي عن جوهر موقفها ومبادئها السيادية والاستراتيجية.
3. كسب الوقت وتعزيز الموقف الداخلي
سمح صلح الحديبية بفترة هدنة امتدت عشر سنوات، استغلها المسلمون لنشر الإسلام وتعزيز قوتهم، وهو ما ظهر جليًا من خلال دخول الكثيرين في الإسلام بعد ذلك. إيران اليوم ترى في المفاوضات فرصة مماثلة، فهي قد تكسب الوقت لترتيب أوضاعها الداخلية اقتصاديًا وسياسيًا، وتقوية موقعها الإقليمي والدولي دون الدخول في مواجهة عسكرية مكلفة.
4. الاعتراف السياسي بالكيان
كان صلح الحديبية أول اعتراف رسمي من قريش بالكيان السياسي الجديد للمسلمين في المدينة المنورة. بالمقارنة، جلوس الولايات المتحدة للمفاوضات مع إيران هو بمثابة اعتراف ضمني بوزن إيران وأهميتها في المنطقة، بغض النظر عن الخلافات القائمة.
5. رؤية استراتيجية بعيدة المدى
صلح الحديبية، رغم شروطه الظاهرة المجحفة، كان في الواقع خطوة استراتيجية فتحت الطريق لفتح مكة بعد أقل من عامين. وفي هذا السياق، قد تنظر إيران إلى المفاوضات الحالية على أنها مرحلة وليست نهاية، وأن ما يحدث اليوم من توافقات مبدئية يمكن أن يؤدي لاحقًا إلى مكاسب سياسية واستراتيجية كبرى، دون التخلي عن رؤيتها العقائدية والاستراتيجية بعيدة المدى.
الخاتمة
إن القراءة المتأنية للمفاوضات الإيرانية الأمريكية من منظور تاريخي وإسلامي، وتحديدًا عبر درس صلح الحديبية، تؤكد أن استخدام الأدوات السياسية والتفاوضية بحكمة وواقعية لا يُعد تنازلاً أو ضعفًا، بل يعكس ذكاءً استراتيجيًا وإدراكًا للواقع وقدرة على إدارة الأزمات بشكل بنّاء. وكما قاد الحديبية إلى فتح مكة، فإن المفاوضات الجارية قد تفتح الباب لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية والإقليمية، بشرط استمرار التمسك بالثوابت والمبادئ السيادية للجمهورية الإسلامية.