ابو مناف البصري
المالكي
🖋 ( وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً ) [ الكهف : 36 ]
والإشكال هو : أنَّ صدر هذه الآية ينافي ذيلها ، إذ أنَّ مفاد الصدر أنَّ هذا الرجل لا يؤمن بوجود يوم القيامة ، بينما ظاهر الذيل أنّه يؤمن بذلك ، وأنّه يُحْسِن الظن بالله سبحانه .
🖋 والجواب :
هذه الآية الكريمة وردت في سياق ذكر القرآن المجيد لقصة رجلين تحاورا في زمن ما ، فضرب بهما القرآن مثلاً :
( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * ... فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً * وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً * وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ... * وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّـهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّـهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَ وَلَداً * ... وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ يَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ) [ الكهف : 32 - 42 ] .
التفسير :
🖋 المراد بالجَنّة هنا : بستان .
النفر : أشخاص يلازمون الإنسان ، سمّوا نفراً لأنهم ينفرون معه ، ولذلك فسره بعضهم بالخدم والأولاد .
وفسره آخرون بالرهط والعشيرة .
والأول أرجح ؛ بقرينة المقابلة بما سيذكره الله تعالی من قول صاحبه له :
( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً ) .
🖋 وهذا الرجل المغرور المعجب بنفسه ، نظر إلی نفسه وهو مطلق التصرف فيما خوّله الله من مال وولد لا يزاحَم فيما يريده في ذلك فاعتقد أنّه مالكه .
ونسي أنَّ الله سبحانه هو الذي مَلَكّه وهو المالك الحقيقي .
فما سخّره الله له وسلّطه عليه من زينة الحياة الدنيا ما هو إلّا فتنة وبلاء يُمتحَن بها الإنسان ليميز الله الخبيث من الطيب .
فهذا المغرور ظن أنّه منقطع عن ربه مستقل بنفسه فيما يملكه ، وأنَّ التأثير كله للأسباب الظاهرية التي سُخّرتْ له .
فنسي الله سبحانه وركن إلی الأسباب ، فظن أنَّ ذلك إنّما حصل عليه بقدرته وذكاءه فاستكبر علی صاحبه .
كما في قصة قارون فإنّه لمّا نُصح ألّا يفرح بمّا آتاه الله من المال ، قال :
( إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلی عِلْمٍ عنْدي ) [ القصص : 78 ] .
🖋 و هذا الذي يكشف عنه قوله :
( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً ) ، فهو يعتقد أنَّ ما حصل عليه بإستحقاقه الذاتي وبذكاءه ، بل أنَّ أمانيه ببقاء جنته وبالتالي خلوده في الدنيا أوصله الى إنكار المعاد .
( ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ) .
🖋 أما قوله تعالی :
( وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) ، في حين أنَّه سبحانه سبق وأنْ قال : ( جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ ) ، فالمراد بالجنة هنا : جنسها و لذا لم تثن .
وقيل : لأنَّ الدخول لا يتحقق في الجنتين معاً في وقت واحد ، و إنّما يكون في الواحدة بعد الواحدة .
وقال الزمخشري في الكشاف مامضمونه :
فإن قلت : لِمَ أفرد الجنة بعد التثنية ؟
قلت : للإشارة الى أنَّه ليس له غير جنته في الدنيا التي أغتّر بها ، ولا نصيب له في الجنة التي وعد الله بها المؤمنين ، فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما .
( وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً )
🖋 وهنا قد يُشكْل :
بأنَّ مفاد صدر هذه الآية الكريمة أنَّ هذا الرجل يستبعد قيام الساعة ، ولكن ذيلها يشير الى حُسْن ظنه بالله سبحانه بأنّه لو رُدّ الى ربه فسيجد ما هو افضل من جنته في الدنيا .
والسؤال : كيف يُحل هذا التنافي بين الصدر والذيل ؟؟
🖋 وجوابه :
إنَّ هذا المغرور لا يؤمن بقيام الساعة ، لكنّه من باب فرض المحال يقول أنّه لو فُرض أنّها قد قامت ورُدّ إلی ربه فأنّه يعتقد أنّه لإستحقاقه الذاتي ووجاهته - وليس برحمة الله وبحسن الظن به سبحانه - فإنّه سيجد عند ربه ما هو أفضل من جنته في الدنيا .
وهذا على وزان قوله تعالی :
( وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى ) [ فصلت : 50 ]
والله العالم .
جمعة طيبة مباركة .
ارجو ألّا تنسوني بدعائكم .
والإشكال هو : أنَّ صدر هذه الآية ينافي ذيلها ، إذ أنَّ مفاد الصدر أنَّ هذا الرجل لا يؤمن بوجود يوم القيامة ، بينما ظاهر الذيل أنّه يؤمن بذلك ، وأنّه يُحْسِن الظن بالله سبحانه .
🖋 والجواب :
هذه الآية الكريمة وردت في سياق ذكر القرآن المجيد لقصة رجلين تحاورا في زمن ما ، فضرب بهما القرآن مثلاً :
( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * ... فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً * وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً * وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ... * وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّـهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّـهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَ وَلَداً * ... وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ يَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ) [ الكهف : 32 - 42 ] .
التفسير :
🖋 المراد بالجَنّة هنا : بستان .
النفر : أشخاص يلازمون الإنسان ، سمّوا نفراً لأنهم ينفرون معه ، ولذلك فسره بعضهم بالخدم والأولاد .
وفسره آخرون بالرهط والعشيرة .
والأول أرجح ؛ بقرينة المقابلة بما سيذكره الله تعالی من قول صاحبه له :
( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً ) .
🖋 وهذا الرجل المغرور المعجب بنفسه ، نظر إلی نفسه وهو مطلق التصرف فيما خوّله الله من مال وولد لا يزاحَم فيما يريده في ذلك فاعتقد أنّه مالكه .
ونسي أنَّ الله سبحانه هو الذي مَلَكّه وهو المالك الحقيقي .
فما سخّره الله له وسلّطه عليه من زينة الحياة الدنيا ما هو إلّا فتنة وبلاء يُمتحَن بها الإنسان ليميز الله الخبيث من الطيب .
فهذا المغرور ظن أنّه منقطع عن ربه مستقل بنفسه فيما يملكه ، وأنَّ التأثير كله للأسباب الظاهرية التي سُخّرتْ له .
فنسي الله سبحانه وركن إلی الأسباب ، فظن أنَّ ذلك إنّما حصل عليه بقدرته وذكاءه فاستكبر علی صاحبه .
كما في قصة قارون فإنّه لمّا نُصح ألّا يفرح بمّا آتاه الله من المال ، قال :
( إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلی عِلْمٍ عنْدي ) [ القصص : 78 ] .
🖋 و هذا الذي يكشف عنه قوله :
( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً ) ، فهو يعتقد أنَّ ما حصل عليه بإستحقاقه الذاتي وبذكاءه ، بل أنَّ أمانيه ببقاء جنته وبالتالي خلوده في الدنيا أوصله الى إنكار المعاد .
( ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ) .
🖋 أما قوله تعالی :
( وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) ، في حين أنَّه سبحانه سبق وأنْ قال : ( جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ ) ، فالمراد بالجنة هنا : جنسها و لذا لم تثن .
وقيل : لأنَّ الدخول لا يتحقق في الجنتين معاً في وقت واحد ، و إنّما يكون في الواحدة بعد الواحدة .
وقال الزمخشري في الكشاف مامضمونه :
فإن قلت : لِمَ أفرد الجنة بعد التثنية ؟
قلت : للإشارة الى أنَّه ليس له غير جنته في الدنيا التي أغتّر بها ، ولا نصيب له في الجنة التي وعد الله بها المؤمنين ، فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما .
( وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً )
🖋 وهنا قد يُشكْل :
بأنَّ مفاد صدر هذه الآية الكريمة أنَّ هذا الرجل يستبعد قيام الساعة ، ولكن ذيلها يشير الى حُسْن ظنه بالله سبحانه بأنّه لو رُدّ الى ربه فسيجد ما هو افضل من جنته في الدنيا .
والسؤال : كيف يُحل هذا التنافي بين الصدر والذيل ؟؟
🖋 وجوابه :
إنَّ هذا المغرور لا يؤمن بقيام الساعة ، لكنّه من باب فرض المحال يقول أنّه لو فُرض أنّها قد قامت ورُدّ إلی ربه فأنّه يعتقد أنّه لإستحقاقه الذاتي ووجاهته - وليس برحمة الله وبحسن الظن به سبحانه - فإنّه سيجد عند ربه ما هو أفضل من جنته في الدنيا .
وهذا على وزان قوله تعالی :
( وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى ) [ فصلت : 50 ]
والله العالم .
جمعة طيبة مباركة .
ارجو ألّا تنسوني بدعائكم .