أسرار قلب
النافذة بدت مهجورة ..
منذ أيام .. اختفت تلك الومضة الخضراء التي تشير لوجودها
لكنها رغم ذلك لازالت تلك النافذة الصغيرة تضج بذكرياته
وما من شيء جديد سوى نوبة الحنين العارمة لها
وإدمانه الذي يعتريه فيعيد مراقبة تلك النافذة الصغيرة
التي كانت تأتيه بكلمات الحب والوعود والتوق
وها هو اليوم قد وصل حد الأختناق
منذ خمسة ايام قد رحلت
ورسائلها الأخيرة هي كل ما تبقى منها ومن ذلك الحب
الذي كاد أن يكمل سنته الأولى
إذاً فلتسمح لي ان اتبرأ من كل الوعود التي قطعتها على نفسي
سأرحل بعيداً عنك ,, ولن تجدني هنا بعد الان
لأنني تائهة و نادمة عن كل تلك الايام والليالي التي قضيناها سوياً
أدرك جيداً ان هذا القرار سيحطمك
لكنني سأمت كل شيء
حاول ان تتخطاني
وأن تشطب تاريخي من حياتك
حتى حياتي سيطالها الكثير من الخراب
اطلق حسرة كبيرة وهو يشعل سيكارته
و دواخله أكثر احتراقاً
وراح يكتب
أحقاً تريدي محو تلك الأيام المبهرة التي تشاركناها
كيف تمكنتِ من الرحيل دون .. وداع
ألا تستحق تلك اللحظات التي احترقنا بها...
وداعاً يليق ..؟
أراد أن يكمل ذلك الانهمار الذي ضجت به روحه
لكنه لم يستطع وألقى بنفسه وسط سريره
ليكمل ما تبقى من الألم على وسادته
التي شهدت فيما مضى خيالات مسرته
أما اليوم فهو ضحية الحنين الذي يمزقه لقسوة هذا الرحيل
صباح يوم آخر
لم تكن صدفة أن يلتقيها على ناصية الشارع
جارته التي اتخذها صديقة له فحسب
تلك الانثى ذات الملامح الصافية والبشرة القمرية
وتلك العذوبة التي تشع من عينيها حين تبتسم
كانت تعرف بقصته فهذا هو الموعد المعتاد كل صباح
هي شاهدة على كل خفايا ذاك الحب
وحين عرفته لأول مرة وجدته عاشقاً لفتاة أخرى تستحوذ على كل حياته
ما كانت تريد أن تخسره وقررت أن يكون صديقاً.. فحسب
بالرغم من إنها لا تفهم في قرارة نفسها
أي معنى للصداقة بينها وبين رجل أدهشها منذ اللحظة الاولى
بشخصيته المهيمنة على الحديث وطريقته في اضحاكها ,, بلطفه ,, ووسامة روحه الطيبة
وملئها بالسعادة والتفاؤل
لكنها قبلت باقل المكاسب وسايرت هذه اللعبة الغريبة
التي تلائم رغبتها المترددة بالابتعاد عن ذلك الشيء الذي يدعى الحب
بادرته بابتسامتها الهادئة .. صباح الخير
تبدو لي كمن خرج للتو من ساحة حرب
ما بك أخبرني ..؟
حاول أن يبدو متماسكاً قبل أن يرد
أهلا صباح الخير
الحمد لله أنك هنا ..
أشعر بحاجتي للحديث معك
حسناً .. فلنذهب واخبرني هناك
بعد قليل كانا يجلسان الى طاولتهما المعتادة
في الكافتيريا القريبة التي تعودا ان يتحاورا فيها على انغام موسيقاها الهادئة
جلست أمامه تنظر لوجهه المرهق .. تنتظر أن يبوح بدواخله
كما تعودت في كل مرة
لقد رحلت رفيقة الروح .. هذه المرة رحلت للأبد
وأطلق حسرة كبيرة وهو يتحاشى النظر اليها ,, وكأنه لا يريد مواجهة الشفقة
التي يتوقعها من عيني صديقته الخضراوين
ماذا..؟
أ تعني إن حبكما إنتهى لالا.. هذا مستحيل فما بينكما كبيراً جداً
نعم صدقيني لقد رحلت ... دون أن تترك لي حتى وداعاً
فقط هي طعنات العتاب وبضع أسطر قاسية تعلن فيها الرحيل
منذ أيام حدث كل ذلك ,, غادرت وحسب
وتركتني وسط هذه الفوضى العارمة من الضياع
غير إنه كان سببا تافهاً لايستدعي كل تلك القسوة
لا أعرف مَ الذي أودى بهذا الحب الذي ظننته كبيراً ...
أنا اتحطم بهدوء .. ولست أدري الى كم من الوقت سأصمد
وبرغم إنها كانت تصغي له إلا انها سرحت بأفكارها صوب دواخلها
شيء من الالم بدأ يطفو على ملامح وجهها الصبوح
وراحت تتمتم بسرها
اعرف يا صديقي الغالي كم تعاني ربما لان ما فينا متشابهاً
الفرق الوحيد إنك تشعر به للمرة الاولى ,, أما أنا فالضياع حكاية يومي
ادركها لعبة الشوق وخبث الحنين ,, وتلك اللوعة
التي تعجزك عن البوح بما تشعر وتحيلك حطاماً ..
حين يكون ما تطلبه في عتمة المستحيل ..
حين تحترق حتى الذوبان وما من سحابة أمل تطفئك ..
حين تبتسم ودواخلك مكسورة .. ويكون حلمك الأجمل .. قيد الانتظار ..
أفاقت من شرودها على كلماته الاخيرة وهو يقول
ذات يوم أيقظت الأماني الغافية بنفسي
واليوم قد رحلت وهي تلوّح لهزيمة قلبي
استطاعت أن تستعيد نفسها من ما كانت تفكر به قبل أن ترد
إسمع يا صديقي الغالي ..
مهما كان ما تظنه عن معشوقتك إلا إن الحقيقة هي
أن من يحبك حقاً .. لن يرحل مطلقاً
فالراحلون لم يعشقوا أبداً
أيام مضت ..
وتلك الومضة الخضراء لازلت مطفأة
ورسائلها الاخيرة عالقة بمكانها
وليس من جديد سوى بضع اسطر كتبها أملا بعودتها
أما بقية مشاعره فكان يسكبها في أحضان صديقته الهادئة
لكنه مع كل لحظة تمضي كان يشعر إن وطأة إختناقه قد خفّت
وهو يذرف همومه عند صديقته الوفية
التي بدت كمساحة دافئة يسكب عندها لوعته وألم الفراق
في نفس ذلك المساء كان يجلس أمامها في مكانهما المعتاد
هناك حيث يستطيع السماح لقلبه بثرثرة الوجع والذكريات
هناك قرب منطقته الآمنة ..
تلك الصديقة التي أدمنها كملاذ من الضياع
وكقلب عطوف يستطيع سماعه دون ملل
بادرته بأبتسامتها الساحرة وهي تردد
أهااا .. أحدهم يبدو هذا المساء بحال أفضل
ياله من يوم مميز وكم أنا سعيدة لذلك
ولأول مرة يبتسم بحذر كمن يخشى الانفصال عن الألم
شكراً لك غاليتي حقاً أشعر إنني بحال أفضل
وأظن إن إبتسامتك الجميلة تمنحني الكثير من الرغبة في المضي قدماً
وبرغم إنه كان يتحدث إلا إنه إستطاع أن يلمح إشراقة وجهها
وأنوثتها التي أعلنت عن نفسها بشكل كبير هذه المرة
لكنه فاجئها ..
حديثني عن نفسك قليلاً
بهتت لسؤاله الذي لم تكن تترقبه أبداً وتبدلت سحنتها
وطفا بعض الحزن على عينيها
وكأنه نكأ جرحاً عميقاً بداخلها
لكنها أجابت .. أتعرف ياصديقي
هذه هي المرة الاولى التي تكف فيها من الحديث عن نفسك
وعن حبيبتك الراحلة وتمنحني حرية الكلام عن نفسي
ربما لانني أنثى عابرة بحياتك ,
محطة تتوقف عندها روحك
كلما امتلأت بالفرح أو الحزن
أنا ياصديقي كأي فتاة تمتلك قلباً وشعوراً
وحقيبةً خبأت فيها أحلامها الوردية وخيالات رقيقة .. لفارس منتظر
ودّت لو أنه يطل من نافذة أيامها قبل أن يمضي العمر
كانت تتحدث وكأنها تحاكمه بطريقة مشفرة
أما هو فقد كان أقرب للذهول لوقع تلك المشاعر
التي فاضت في لحظة شاردة من الزمن
لم تمكنه من تفكيك أسرار ذلك البوح الحزين ولا نظرات عينيها
التي بدت صادقة وحزينة
أحست بتغير سحنته فاستدركت ,, أنا آسفه حقاً
ربما بحت بأشياء غبية .. لكنني سعيدة جداً أنك تقترب من تخطي تلك المحنة
بعد أن لاح لي ثمة أمل بخروجك من ذاك النفق المظلم
تلك الليلة
لم يغب عن ذاكرته ذلك الحوار .. تقلّب كثيراً
وهو يحاول فهم كلماتها التي بدت غريبة
تجول في أرجاء أيامه معها وفاءها ,, وصدق مشاعرها ,, وطيبتها الكبيرة
وأخيراً شكلها الفاتن الذي فاته أن يتأمله طيلة الفترة الماضية
ثلاث أيام مضت راجع خلالها أعماقه ..
وعشقه الذي إنتهى وصديقته التي وقفت الى جانبه وهو يحضر لشيء هام
وحين التقاها ذاك المساء كان يحمل لها خبراً
بدا الارتباك واضحاً عليه وهو يقول صدقت عزيزتي
من يعشق بصدق لا يرحل وها هي قد مضت الى حيث لا رجعة
ويجب أن أمضي بطريقي أيضاً .. ولكن دعينا من كل ذلك
انتِ كثيرة السحر هذا المساء .. لا أدري كيف فاتني أن أنتبه
لكل هذا الضوء الذي يتوسط وجهك
توردا خداها واطرقت بخجل
قلبها بدأ يخفق بشدة وهي تهمس لنفسها
نعم قد فاتك الكثير .. يا أنت
فاتك إحتراقي من أجلك .. ونداء روحي التي تطلبك .. ولهفتي عليك
فاتك أن تدرك كم أحببتك ..
وكم عشقت تفاصيلك ,, فاتك أن تفهم لغة روحي وكل شغفي بك
لكنه قاطع تلك النوبة العارمة التي ضربت دواخلها
والان صديقتي لدي ما أخبرك به
لا أعرف ربما هو قرار متسرع أو شيئاً من هلوسة رجل أحمق
تائه وسط زحمة من الأحاسيس المتشابكة بشدة
أخذ نفساً عميقاً قبل أن يكمل
صدقاً لا أدري كيف ابدأ وكيف سيتلقاه قلبكِ
ترددت كثيراً لكنني في كل مرة أجدني مجبراً عليه
فأنت الفتاة المقربة الوحيدة التي تستحق أن أخبرها
كان قلبها يتسارع بشدة وهي تترقب القادم
أصابع يدها اليمنى كانت تضغط على إبهامها الأيسر
تحت الطاولة وهي تحاول الثبات دون فائدة
وفي سرها تردد .. نعم قلها أرجوك
تلفظها أيها الأحمق فما من مسامة بجلدي لا تريدك
أتبخل عليّ بأربعة أحرف حرمني منها الزمن
قلها يا سيد روحي وسأرتمي بأحضانك صاغرة
قلها فلطالما مزقني الحنين لسماعها ألم تخبرك عيناي
أني أعشقك حد الثمالة وأن قلبي الضائع لا يستنشق الا عطرك
وها هي روحي بين يديك إمتلكها بكلمة واحدة
لكنه أكمل ..
والآن هل أنتِ مستعدة ..؟
حركت رأسها بالإيجاب وكأنها أصيبت بالخرس
حسناً أنا...
نعم أنت ماذا ..؟ أخبرني بربك
أنا سأرحل ..
نعم ساسافر سأترك هذا المكان وهذه الحياة التي تذكرني بها
وأردت أن اودعك
كنتِ خير رفيقة لي ولن أنساك طول العمر
ربما هذا النبأ سيزعجك لكنني أعدك إنني سوف أتفقدك دوماً
أتمنى لك حياة سعيدة ..
غداً سأسافر وليتك تحضري .. أريد أن تكونِ
آخر من الوح له من نافذة القطار
صعقت بمكانها
لم تتكلم
فقط هي الدموع التي إنسابت بصمت
وشعوراً كبيراً بالخيبة لازما تلك اللحظات
ومن ثم في سريرها ,, وليلة مريرة مزقت بقايا دواخلها الرقيقة
في الصباح ..
كانت هي الوحيدة التي أتت لوداعه
بدا عليها الأرهاق الشديد وفي عينيها ألف رسالة عتاب
لاتدري للزمن أم له
وحين إقتربت اللحظة أمسك بيدها
وهي تشعر إنه يقبض على قلبها
نظر لوجهها المغرق بالحزن قائلاً
غاليتي حان الوقت تمنّي لي السعادة بقلبك الحنون هذا
وامنحيني إبتسامة أخيرة من هاتين العينين الخضراوين الصادقتين
وأعدك إني لن أكون بعيداً
.. فكل ما سأفعله
هو البحث عن حياتي بمكان آخر
وانتِ أول من يتفهم ما بي الان وما حدث لقصة حبي الوحيدة
وأطلق ضحكة بدت غبية .. وهو يقول
لا أدري لماذا لم تحبيني انتِ..؟
ربما لأنك خُلقتِ لتكونِ صديقة وفية لي فحسب
والا ماكنت أفوت هاذين الحاجبين الأشقرين هههه
لهذا إحترمت رغبتك بالصداقة .. وها انا أرحل
وقد إخترتك لهذه اللحظة تكريماً لكل ما فعلتِ
ظلت صامته ,, لم تتكلم سوى بدموعها
وفي داخلها تردد يالك من أعمى
صفير القطار تعالى أمسك بحقيبته وطبع قبلة بين عينيها
وهو يقول وداعا غاليتي
دخل عربته ووصل لمقعده قرب النافذة
أخرجت هاتفها مستغلة إنشغاله بالجلوس وكتبت
ليس من شي أحبه بهذا العالم كما .. أحبك
أرسلت رسالتها ... تحرك القطار ببطء رفع يده ملوحاً لها بالوداع
أحس بارتجاج هاتفه فتح الرسالة وهو يحاول أن ينظر اليها تارةً
والى الرسالة تارةً .. أخرى
لكن القطار بدأ يسرع قليلاً .. تحركت بضع خطوات تلاحقه
أرادت أن ترى وقع تلك الرسالة على وجهه
لكن نافذته صارت بعيدة أنزلت يدها
التي كانت تلوح بالوداع باستسلام
أجهشت بالبكاء وبخطوات يائسة إتجهت للخروج من المحطة
وهي تحاول إخفاء دموعها بين ضجيج المارين
توقفت بزاوية لتتحاشى الغرباء وتكمل تلك الدموع التي خرجت عن سيطرتها
لكنها سمعت تلك العبارة من جديد
(من يعشق بصدق لن يرحل)
التفتت بذهول كبير
أما هو فقد أكمل وانا لن ارحل لأترك هاتين العينين الجميلتين
صديقتي الغالية لم تعودي كذلك بعد الآن
فأنت من يستحق قلبي
أحبك
أرتمت بأحضانه وهي تضرب على صدره بكلتا يديها و تردد
أحمق .. أحمق
كم انتظرتها منك
وكم تأخرت ..
لصاحب أقبية الغياب
المترف .. العذب @
علي موسى الحسين