أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

شخصية ...ومقال (١) طه حسين

الجوري^

طاقم الإدارة
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
112,690
مستوى التفاعل
110,956
النقاط
2,103
طه حسين... صوت العقل في زمن الضجيج

لا أتصور أنه يمكن الحديث عن مصر الحديثة دون التوقف عند محطة طه حسين. ليس لأنه "عميد الأدب العربي"، كما جرت العادة أن يُقال، بل لأنه كان – في لحظة فارقة من تاريخ الأمة – الضمير الذي استنهض الوعي، والرؤية التي سبقت عصرها، والصوت الذي ارتفع بالعقل في زمن كانت تعلو فيه الأصوات الأخرى، أصوات التبعية والتقليد والصمت.

طه حسين لم يكن كاتبًا فحسب، ولم يكن ناقدًا أدبيًا فقط، وإنما كان مشروعًا كاملاً للنهضة. ومن يقرأ طه حسين بعيدًا عن سياقه التاريخي، يخسره كليًا. فقد جاء في وقت كانت مصر تُصارع فيه بين ماضٍ يستعصي على الرحيل، ومستقبلٍ يحاول أن يولد من رَحِم الاحتلال.

ولد طه حسين في قرية صغيرة بصعيد مصر، وفقد بصره في سن مبكرة. لكن المفارقة أن الرجل الذي فقد نور عينيه، أبصر ما لم يره غيره. كانت لديه بصيرة نادرة. لم يكن انحيازه للحداثة مجرد تبنٍّ أعمى، بل كان إيمانًا حقيقيًا بأن العقل هو مفتاح الخلاص. ومن يراجع كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، الصادر في أربعينيات القرن العشرين، يدرك أنه وثيقة فكرية لا تقل أهمية عن أي بيان سياسي في زمن التحرر الوطني.

طه حسين كان يؤمن أن الاستقلال لا يُختزل في رحيل جندي أجنبي، بل يبدأ بتحرير العقل المصري من سلطة الماضي. ومن هنا جاءت معاركه الشهيرة، من "الشعر الجاهلي" إلى "الفتنة الكبرى"، والتي واجه فيها قوى التقليد بالحجة والمنطق.

وقد لا يعرف الكثيرون أن طه حسين، حين تولّى وزارة المعارف، أطلق مشروع "التعليم المجاني"، تحت شعار "التعليم كالماء والهواء"، وهي عبارة لم تكن مجرد شعار بل رؤية شاملة لعدالة اجتماعية حقيقية تبدأ من مقاعد الدراسة.

علاقة طه حسين بالسلطة كانت دائمًا علاقة شد وجذب. احترم عبد الناصر فكره، لكنه خشي من تأثيره. وقرّبه الملك فاروق، لكنه لم يأمن لقلمه. وكان طه حسين يعرف حدود تلك العلاقة، ولم يكن طامعًا في منصب، بل في تأثير. ولذلك، ظل صوته قويًا حتى بعد أن غاب عن المناصب.

المفارقة أن طه حسين، الذي أزعج البعض في حياته، صار بعد رحيله مرجعًا لا غنى عنه. فقد انتصرت رؤيته في نهاية المطاف، وأدركت الدولة المصرية، بعد سنوات طويلة، أن مشروع التنوير لا يكتمل دون تأسيس على ما تركه هذا الرجل من فكر ورؤية.

في زمننا هذا، حيث ترتفع أصوات المزايدة وتغيب الحكمة، يبدو طه حسين أقرب إلينا من أي وقت مضى. ليس باعتباره كاتبًا من زمن مضى، بل كأفق مفتوح لما يمكن أن نكون عليه، لو أننا استمعنا إلى صوت العقل، وفهمنا أن النور لا يسكن في العيون، بل في الضمائر.
الجوري
 

عطري وجودك

Well-Known Member
إنضم
5 أغسطس 2019
المشاركات
82,910
مستوى التفاعل
3,423
النقاط
213
سلمت الأيادي ع الجلب المميز
يعطيك العافيه
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )