أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

قلم مميز في منفى الروح ...نص تأملي

الجوري^

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
112,695
مستوى التفاعل
110,963
النقاط
2,103
GIF_20250216_095018_007.gif




\

نحن لا نولد تائهين، بل نصير كذلك حين نُسحب من ضوء المعنى إلى عتمة السؤال. وما الحياة إلا سلسلةٌ من محاولات لفهم هذا الشرخ بين ما نحن عليه، وما كان ينبغي أن نكونه، لو أن العالم أنصف قلوبنا.

أحيانًا، نشعر أننا نسكن أجسادًا لا تشبه أرواحنا، نرتدي أسماءً لا تُنادي علينا، ونعبر أيامنا كمن يعبر مدينة لا يتحدث لغتها. كل شيء يبدو مألوفًا، لكنه لا ينتمي لنا. لا المكان، ولا الناس، ولا حتى أنفسنا حين ننظر في المرآة.

ثمة شيء فينا يتوق إلى أن يكون مرئيًا. لا في صورةٍ أو حضور، بل في أن يُفهم، أن يُسمع كما تُسمع نغمة تعبر من قلب عودٍ شرقيٍّ في مقهى قديم، بين رائحة القهوة وصوت المطر. تلك اللحظة التي تشعر فيها أن الموسيقى تعرفك أكثر مما تعرف نفسك… أليس هذا ما نسعى إليه في الحب؟ أن نجد من يسمع نشيدنا الداخلي دون أن نغنيه.

لكن الحب، في هذا العالم، أصبح مرهقًا. ليس لأنه نادر، بل لأنه هش. هشٌّ أمام الوقت، أمام المسافات، أمام الخوف. والخوف… هو ما يتغذى عليه هذا العالم. نخاف أن نكون صادقين، نخاف أن نرغب، أن نضع قلوبنا فوق الطاولة ونقول: "هذا أنا، بكل ما فيّ من شوقٍ وشتات."

لهذا نرتحل. لا بحثًا عن مكان جديد، بل عن أنفسنا التي تاهت منا. نحمل الكتب في حقائبنا لا لنقرأ، بل لأننا نخشى أن نكون وحدنا مع أفكارنا. نسافر من مدينة إلى أخرى، من علاقة إلى أخرى، كما لو أن التنقل يبدّد الحزن، لكن الحزن يسافر فينا، لا معنا.

وفي لحظةٍ ما، قد ندرك الحقيقة الأكثر بساطة: أننا لم نكن بحاجة إلى خارطة، بل إلى حضن. إلى شخصٍ لا يسألنا من أين جئنا، بل يفتح لنا الباب كأننا عدنا من حربٍ طويلة، ويقول: "لقد انتظرتك."

وفي حضرته، يسكن التيه، ونعود نحن، ولو لمرة واحدة فقط، إلى أنفسنا.
لكننا نادرًا ما نجد ذاك الحضن. فالذين نحبهم، في الغالب، يأتون وهم يحملون حروبهم الخاصة، حقائبهم الثقيلة التي لا نراها، ويجلسون بجانبنا وهم ينظرون إلى الأفق ذاته، دون أن نعرف إن كانت قلوبهم تسير بنفس الاتجاه.

أحيانًا، نخلط بين مَن يهدئ خوفنا، ومَن يجعلنا ننسى أننا كنا خائفين. بين مَن يحتوينا، ومَن يجعل ضجيجنا يبدو جميلًا. ونحن، بضعفنا الإنساني، نتمسك بأي دفءٍ عابر، كمن يُمسك بظلٍّ في العتمة ويتوهم أنه نور.

كم مرة صدّقنا أن الحب سيخلّصنا، فقط لنكتشف أنه كان مجرّد مرآة؟ عكست لنا ما أردنا رؤيته، لا ما كان هناك فعلاً.

نحن نكبر، لا بأعمارنا، بل بالأشياء التي اضطررنا لتجاوزها بصمت. بالصبر الذي زرعناه في تربةٍ قاحلة. بالأمل الذي سقيناه رغم انطفائه مرارًا.

نتعلّم أن لا أحد يأتي لينقذنا، وأن خلاصنا ليس في الآخر، بل في المصالحة مع أنفسنا. أن نكفّ عن محاربة ماضينا، ونحتضنه كما نحتضن طفلاً خائفًا في عتمة الغرفة. أن نقول له: "أنا هنا، لن أتركك"، ونقصدها بكل الصدق الذي نعرفه.

حينها فقط، يبدأ الهدوء. لا بوصفه غيابًا للضجيج، بل كاتساع داخلي… مساحة نُصغي فيها لصوتنا الذي غطّته الأصوات الأخرى طويلًا. نكتشف أن الوطن ليس مكانًا، بل شعور. وأن بعض الأرواح، حين نلتقيها، تُشبه صلاة لا تُقال، بل تُعاش.

فإن كتبنا، نكتب لننقذ ما يمكن إنقاذه منّا. وإن أحببنا، نحب لا لنكتمل، بل لنشارك هذا النقص الجميل مع من يراه جديرًا بالاحتفاء.
الجوري​
 

Retaj Al-Hassan

:: مشرفة منتدى اناقة المرأة ::
طاقم الإدارة
إنضم
1 يناير 2020
المشاركات
32,837
مستوى التفاعل
9,477
النقاط
300
الإقامة
آسـطـنبول
عآآآآشـت آلآيآدي
كلام جميل فعلا واقعنا
يسلموو ع ذوق الكلام دمتي مبدعه
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )