قالوا:
ـــــــــ
لما مات ذر الهمداني جاء أبوه، فوجده ميتا وكان موته فجأة، وعياله يبكون عليه فقال:
ما لكم، والله ما ظلمناه ولا قهرناه ولا ذهب لنا بحق ولا أصابنا فيه، ما أخطأ من كان قبلنا في مثله.
ولما وضعه في حفرته قال:
رحمك الله يا بني وجعل أجري فيك لك، والله ما بكيت عليك وإنما بكيت لك، فو الله لقد كنت بي بارا ولي نافعا وكنت لك محبا وما بي إليك من وحشة وما بي إلى أحد غير الله من فاقة، وما ذهبت لنا بعزة وما أبقيت لنا من ذل، ولقد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك، يا ذر لولا هول المطلع لتمنيت ما صرت إليه، فليت شعري ماذا قلت وماذا قيل لك، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال:
اللهم إنك وعدت الصابرين على المصيبة ثوابك ورحمتك، اللهم وقد وهبت ما جعلت لي من الأجر إلى ذر صلة مني فلا تحرمني ولا تعرفه قبيحا وتجاوز عنه، فإنك رحيم بي وبه، اللهم قد وهبت لك إساءته لي فهب لي إساءته إليك، فإنك أجود مني وأكرم. اللهم إنك قد جعلت لك عليه حقا وجعلت لي عليه حقا قرنته بحقك، فقلت:
( اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)
اللهم إني قد غفرت له ما قصر فيه من حقي، فاغفر له ما قصر فيه من حقك، فإنك أولى بالجود والكرم. فلما أراد الإنصراف قال:
يا ذر قد انصرفنا وتركناك ولو أقمنا عندك ما نفعناك.