الانتخابات.. كيف تختار جلادك بحرية؟
أًشفقُ على من يُحَمِّلون نتائج الانتخابات أكثر مما تحتمل، ويُشغلون أنفسهم بالتحليل والدراسة، ويبنون عليها استنتاجات وتوقعات وتنبؤات مستقبلية، وربما يُدِبّون الصوت ويحذرون ويعلنون حالة الطوارئ، وبعضهم يقيم الأفراح والليالي الملاح، ويبشر بالغد المشرق والمستقبل الزاهر. إنَّ الانتخابات لا تعبر عن وزن أو شعبية أو وعي أو توجه أو قناعات. وواهم من يظن غير ذلك، ويرى فيها تعبيراً عن توجهات الشارع، أو قناعات الناخبين، أو شعبية حزب أو تيار معين. فالانتخابات في الحقيقة مجرد لعبة، بل لعبة قذرة، يفوز فيها من يتقنها، وشروط إتقانها التحايل والالتفاف على القانون الذي يحكم هذه الانتخابات، ومعرفة خفاياه ونقاط ضعفه وثغراته وتعدد تفسيراته، وهي تتطلب مهارة شيطانية على اللعب على كل الحبال، والقفز من طرف إلى آخر، وتغيير التحالفات حسب اتجاه الريح وقوة الموج، والمرونة في تنفيذ الخطط، والقدرة الفائقة على تحريك القلاع والفيلة والأحصنة، والتحكم في تنقلات الجنود بما تتطلبه الظروف والمصالح، واستغلال أخطاء الخصم ونقاط ضعفه وضربه في مقتل!
إنَّ الانتخابات في أي مكان في العالم لا تعدو أن تكون عملية تزوير لإرادة المواطنين، أو تغييب لوعيهم، ولا تختلف انتخابات عن أخرى إلا بدرجة التزوير أو التغييب أو كليهما معاً. وإلا فما معنى أن يفوز رئيس غربي له سجل حافل بالإنجازات بنسبة لا تتجاوز 51 بالمائة، وفي المقابل يفوز رئيس عربي بنسبة تفوق 90 بالمائة، وهو يجر مواطنيه إلى الهاوية، وسجله حافل بالفشل والتخلف؟! إنَّ نتيجة أي انتخابات تحسمها قوى أمنية أو قوى خفية أو قوى متنفذة بتدخلها وتوجيه دفتها لحساب حزب أو شخص معين، في تزوير فاضح لإرادة الناخبين وتعدٍ على حريتهم، وفرض الوصاية عليهم، أو تحسمها العواطف وخاصة الدينية والحسابات العشائرية والمناطقية ولغة المصالح في تغييب واضح لوعي الناخبين واستغلال لعواطفهم، وكلا الطرفين المُزوِّر والمُغيِّب إنما يعتمد على طبائع القطيع؛ إذ تتصف الشعوب بالبساطة وتتقن الطاعة والانقياد الأعمى والخوف وتغليب المصلحة الشخصية والبعد عن المشكلات والمشاكسات.