لم يُولد أحدٌ وفي قلبه رهبةٌ من العالم، ولم يُخلق إنسانٌ وهو يهوى العزلةَ كأنها قدرٌ محتوم.
كل خوفٍ سكن فينا، كل عزلةٍ احتوتنا، لم تكن سوى بذورٍ زرعتها الأيام، وسقتها التجارب، حتى امتدت جذورها في أعماقنا.
الطفل حين يأتي إلى الدنيا، يأتي بقلبٍ نقيّ، لا يخشى الحياة، ولا يخاف المستقبل.
لكنه يتعلم الخوف حين تُغلق الأبواب في وجهه، حين يُخذل ممن ظنهم ملاذه، حين يصرخ ولا يجد من يسمعه، وحين يمد يده فلا تُمسَك.
ليس هناك قلبٌ يولد مُعتادًا الوحدة، لكنها تصبح مأواه حين يرهقه الطرق على أبوابٍ لا تفتح.
ليس هناك روحٌ تولد مذعورة، لكنها تُهزم حين يتكرر الألم حتى يصبح العزاء في الانسحاب.
إنّ الإنسان لا يُولد خائفًا، بل يخاف حين تغيُّر فطرته بالخذلان، حين يذوق من الحياة ما يجعله يشكّ في دفئها، حين يَعتاد أن يكون وحيدًا لأن وجود الآخرين بات مؤلمًا أكثر من الغياب.
لكن كما صُنِع الخوفُ بالتجربة، يُصنع الأمانُ بالتجربة أيضًا… وكما تَعوّد القلبُ على الانسحاب، يمكنه أن يتعلم كيف يعود.
ما ترسّخ فينا ليس حتمية، بل انعكاسٌ لما مررنا به…
وإن كانت الحياة قد علمتنا الخوف، فلنعلم أنفسنا الشجاعة من جديد.
