Ѽ صافية
Well-Known Member
في بيتٍ بسيطٍ تحيطه أصوات الحياة من كل جانب، تجلس العائلة حول مائدة الطعام. الأب يعود متعبًا من عمله، والأم أيضًا مع مشاقها اليومية تضع آخر أطباقها اللذيذة على الطاولة بابتسامة خفيفة، والأبناء يتسابقون إلى مقاعدهم كأنهم يلتقون بعالمٍ آخر بعد يوم طويل من الدراسة والانشغال.
تبدأ الوجبة بعد التسمية وذكر الله، لكنها لا تكون مجرد لقيمات تُسكت الجوع. هنا تُروى حكايات اليوم: ابنٌ يحدّث عن موقف طريف مع زميله أو جدال مع أحدهم، يبحث عن رأي والديه في ذلك الموقف، وآخر يشارك قلقه من امتحان قريب، أو يفرح بحصوله على علامة مميزة، والأم تُلقي تعليقًا جميلًا يذيب التوتر، فيما الأب يستمع ويبتسم، ثم يروي بدوره طرفة من عمله أو موقفًا مضحكًا حصل له. فجأةً تتحول المائدة إلى مسرح صغير، تضحك فيه القلوب وتهدأ به النفوس قبل أن تمتلئ البطون.
المائدة ليست مجرد طاولة من الخشب وأطباق متنوعة، بل هي جسر يربط الأرواح، ودفء يعيد للعائلة توازنها وسط صخب الحياة. في هذه اللحظات يتعلّم الأبناء آداب الحديث، وأخذ النصح والتوجيه، وفن الإصغاء والمشاركة. ولعل أجمل ما فيها أنها تترك أثرًا عميقًا في الذاكرة، كصورة لا تُمحى مهما تقادم الزمن. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "أطيلوا الجلوس على الموائد فإنها ساعة لا تحسب من أعماركم".
وليس غريبًا أن النبي محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم لم يُرَ قط يأكل بمفرده، لأن اجتماع الأيدي على الطعام اجتماعٌ للقلوب، وعبادة تتجاوز حدود المائدة.
لكن الحقيقة المؤلمة أن هذه العادة الجميلة بدأت تبهت، وكثير من الأسر باتت تأكل متفرقة؛ هذا أمام شاشة التلفاز، وذاك منشغل بهاتفه، وآخر يفضل العزلة. حتى أصبح لقاء الأصدقاء أدفأ من لقاء العائلة، في إشارة إلى خطر يهدد دفء البيوت. وبدا الأمر جليًا حينما أصبح الجميع مشغولًا: الأب موظف، والأم موظفة، والأولاد بجداول متفرقة؛ هذا في المدرسة، وذاك في الجامعة.
غير أن الحل ليس مستحيلًا. يكفي أن نخصص وقتًا ثابتًا لوجبة واحدة يوميًا -ولتكن وجبة العشاء- نُبعد خلالها الأجهزة، ونشرك الجميع في التحضير. فالمائدة التي تجمع القلوب هي حصنٌ يحمي الأسرة من الانعزال، ومصنع ذكريات يمدّ الأجيال بالقوة والحنين.
فلنحرص على أن تبقى موائدنا عامرة، لا بالطعام وحده، بل بالضحكات، والأحاديث، وبذلك الشعور العميق بأننا معًا، وأن هذا البيت هو ملاذنا الأول والأخير
تبدأ الوجبة بعد التسمية وذكر الله، لكنها لا تكون مجرد لقيمات تُسكت الجوع. هنا تُروى حكايات اليوم: ابنٌ يحدّث عن موقف طريف مع زميله أو جدال مع أحدهم، يبحث عن رأي والديه في ذلك الموقف، وآخر يشارك قلقه من امتحان قريب، أو يفرح بحصوله على علامة مميزة، والأم تُلقي تعليقًا جميلًا يذيب التوتر، فيما الأب يستمع ويبتسم، ثم يروي بدوره طرفة من عمله أو موقفًا مضحكًا حصل له. فجأةً تتحول المائدة إلى مسرح صغير، تضحك فيه القلوب وتهدأ به النفوس قبل أن تمتلئ البطون.
المائدة ليست مجرد طاولة من الخشب وأطباق متنوعة، بل هي جسر يربط الأرواح، ودفء يعيد للعائلة توازنها وسط صخب الحياة. في هذه اللحظات يتعلّم الأبناء آداب الحديث، وأخذ النصح والتوجيه، وفن الإصغاء والمشاركة. ولعل أجمل ما فيها أنها تترك أثرًا عميقًا في الذاكرة، كصورة لا تُمحى مهما تقادم الزمن. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "أطيلوا الجلوس على الموائد فإنها ساعة لا تحسب من أعماركم".
وليس غريبًا أن النبي محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم لم يُرَ قط يأكل بمفرده، لأن اجتماع الأيدي على الطعام اجتماعٌ للقلوب، وعبادة تتجاوز حدود المائدة.
لكن الحقيقة المؤلمة أن هذه العادة الجميلة بدأت تبهت، وكثير من الأسر باتت تأكل متفرقة؛ هذا أمام شاشة التلفاز، وذاك منشغل بهاتفه، وآخر يفضل العزلة. حتى أصبح لقاء الأصدقاء أدفأ من لقاء العائلة، في إشارة إلى خطر يهدد دفء البيوت. وبدا الأمر جليًا حينما أصبح الجميع مشغولًا: الأب موظف، والأم موظفة، والأولاد بجداول متفرقة؛ هذا في المدرسة، وذاك في الجامعة.
غير أن الحل ليس مستحيلًا. يكفي أن نخصص وقتًا ثابتًا لوجبة واحدة يوميًا -ولتكن وجبة العشاء- نُبعد خلالها الأجهزة، ونشرك الجميع في التحضير. فالمائدة التي تجمع القلوب هي حصنٌ يحمي الأسرة من الانعزال، ومصنع ذكريات يمدّ الأجيال بالقوة والحنين.
فلنحرص على أن تبقى موائدنا عامرة، لا بالطعام وحده، بل بالضحكات، والأحاديث، وبذلك الشعور العميق بأننا معًا، وأن هذا البيت هو ملاذنا الأول والأخير