Pгιиċεѕѕ Ńoυгнaη »❥
ملكة المنتدى
لا رهبانية في الإسلام
وقف الإسلام دون إرخاء العنان لغريزة الجنس لتنطلق بغير حدود ولا قيود. ولذلك حرم الزنى وما يفضي إليه وما يلحق به.
ولكنه إلى جانب ذلك قاوم النزعة المضادة لذلكذلك دعا إلى الزواج، ونهى عن التبتل.. نزعة مصادمة الغريزة وكبتها، ومن أجل والخصاء.
فلا يحل للمسلم أن يعرض عن الزواج مع القدرة عليه بدعوى التبتل لله، أو التفرغ للعبادة والترهب والانقطاع عن الدنيا.
وقد لمح النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أصحابه شيئا من النزوع إلى هذه الوجهة الرهبانية، فأعلن أن هذا انحراف عن نهج الإسلام، وإعراض عن سنته عليه الصلاة والسلام، وبذلك طارد تلك الأفكار النصرانية من البيئة الإسلامية. فعن أبي قلابة قال: أراد أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا ويتركوا النساء ويترهبوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقالة، ثم قال: "إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد؛ وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الأديار والصوامع، فاعبدوا الله ولا تشركوا به، وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم بكم".قال ونزلت فيهم الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) سورة المائدة:87.
وعن مجاهد قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فنزلت الآية السابقة والتي بعدها.
وروى البخاري وغيره أن رهطا من الصحابة ذهبوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون أزواجه عن عبادته، فلما أخبروه بها كأنهم تقالوها -أي: اعتبروها قليلة- ثم قالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر فلا أفطر، وقال الثاني: وأنا أقوم الليل فلا أنام، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين لهم خطأهم وعوج طريقهم وقال لهم: "إنما أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقال سعد بن أبي وقاص: "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا".
ووجه عليه السلام نداءه إلى الشباب عامة فقال: "يا معشر الشباب!من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج".
ومن هنا قال بعض العلماء: إن الزواج فريضة على المسلم لا يحل له تركه ما دام قادرا عليه. وقيده غيرهم بمن كان تائقا إليه، خائفا على نفسه.
ولا يليق بالمسلم أن يصد نفسه عن الزواج خشية ضيق الرزق عليه أو ثقل المسئولية على عاتقه وعليه أن يحاول ويسعى وينتظر فضل الله ومعونته التي وعد بها المتزوجين الذين يرغبون في العفاف والإحصان. قال تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) سورة النور:32. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح الذي يريد العفاف. والمكاتب الذي يريد الأداء -أي العبد الذي يريد أن يحرر رقبته ببذل مقدار من المال يكاتب عليه سيده- والغازي في سبيل الله".
إلى الفهرس
النظر إلى المخطوبة
ويشرع للمسلم إذا عزم على الزواج، واتجهت نيته لخطبة امرأة معينة أن ينظر إليها قبل البدء في خطوات الزواج، ليقدم عليه على بصيرة وبينة. ولا يمضي في الطريق معصوب العينين، حتى يكون بمنجاة من الوقوع في الخطأ والتورط فيما يكره.
هذا إلى أن العين رسول القلب، وقد يكون التقاء العين بالعين سبيلا لالتقاء القلوب، وائتلاف الأرواح.
روى مسلم عن أبي هريرة قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟ فقال: لا. قال: فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا".
وروى المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها؛ فإنه أحرى امرأة من الأنصار أن يؤدم بينكما" فإتى أبويها، فأخبرهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنهما كرها ذلك.. فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر… قال المغيرة: فنظرت إليها فتزوجتها".
ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة ولا للرجل الآخر المقدار الذي تباح لهما رؤيته من المخطوبة. وقال بعض العلماء: هو الوجه والكفان. ولكن الوجه والكفين تجوز رؤيتها -بدون شهوة- في غير الخطبة، وما دام ظرف الخطبة مستثنى فلا بد أن يجوز له أن يرى منها أكثر مما يجوز في الظروف المعتادة الأخرى. وقد جاء في الحديث: "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن ينظر منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل".
وقد تطرف بعض العلماء في الترخيص بالقدر الذي يرى، وتطرف آخرون في التشديد والتضييق، والخير في التوسط والاعتدال. وقد حدده بعض الباحثين بأن للخاطب في عصرنا الحالي أن يراها في الملابس التي تظهر بها لأبيها وأخيها ومحارمها بلا حرج، قال: بل له -في نطاق الحديث الشريف- أن يصحبها مع أبيها أو أحد محارمها -وهي بزيها الشرعي- إلى ما اعتادت أن تذهب إليه من الزيارات والأماكن المباحة لينظر عقلها وذوقها وملامح شخصيتها، فإنه داخل في مفهوم البعضية التي تضمنها قوله عليه السلام "فقدر أن ينظر منها بعض ما يدعوه إلى زواجها".
وله أن ينظر إليها بعلمها وعلم أهلها، كما أن ينظر إليها دون أن تعلم هي أو يعلم أحد من أهلها ما دام ذلك بنية الخطبة. وقد قال جابر بن عبد الله عن امرأته: كنت أتخبأ لها تحت شجرة لأراها.
ومن حديث المغيرة الذي ذكرناه نعلم أنه لا يباح للأب المسلم أن يمنع ابنته أن يراها من يريد خطبتها صادقا، باسم التقاليد، فإن الواجب أن تخضع التقاليد للشريعة، لا أن تخضع شريعة الله لتقاليد الناس.
كما لا يحل للأب ولا للخاطب ولا للمخطوبة أن يتوسعوا في الرخصة فيلقوا الحبل على الغارب للفتى والفتاة -باسم الخطبة- يذهبان إلى الملاهي والمتنزهات والأسواق بغير حضور أحد من المحارم، كما يفعل اليوم عشاق الحضارة الغربية والتقاليد الغربية.
إن التطرف إلى اليمين أو اليسار أمر تأباه طبيعة الإسلام.
إلى الفهرس
الخطبة المحرمة
ولا يحل للمسلم أن يتقدم لخطبة امرأة مطلقة أو متوفى عنها زوجها في عدتها؛ لأن وقت العدة حرم للزوجية السابقة، فلا يجوز الاعتداء عليه. وله أن يفهم المرأة المتوفى عنها زوجها -وهي في العدة- رغبته في زواجها بالتعريض والتلميح لا بالإظهار والتصريح قال تعالى: (ولا جناح فيما عرضتم به من خطبة النساء) سورة البقرة:235.
ويحرم عليه أن يخطب على خطبة أخيه، إذا كان قد وصل إلى اتفاق مع الطرف الآخر. ذلك أن الخاطب قبله قد اكتسب حقا يجب أن يصان، رعاية للعلاقة وحسن المودة بين الناس، وبعدا بالمسلم عن سلوك ينافي المروءة، ويشبه الاختطاف والعدوان. فإذا صرف الخاطب الأول نظره عن الخطبة، أو أذن بنفسه للخاطب الثاني فلا حرج حينئذ عليه.
روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه". وروى البخاري عنه أنه قال: "لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له".
ملف الزواج
إلى الفهرس
البكر تستأذن ولا تجبر
والفتاة هي صاحبة الشأن الأول في زواجها، فلا يجوز لأبيها أو وليها أن يهمل رأيها أو يغفل رضاها. قال عليه الصلاة والسلام: "الثيب أحق بنفسها من وليها. والبكر تستأذن في نفسها. وإذنها صماتها". وجاءت فتاة إلى النبيصلى الله عليه وسلم فأخبرته أن أباها زوجها من ابن أخيه وهي له كارهة فجعل النبيصلى الله عليه وسلم الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء. ولا يحل للأب أن يؤخر زواج ابنته إذا خطبها كفء ذو دين وخلق قالصلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يؤخرن؛ الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفءا". وقال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
إلى الفهرس
المحرمات من النساء
ويحرم على المسلم أن يتزوج واحدة من النساء الآتي ذكرهن:
زوجة الأب -سواء طلقها أو مات عنها- وكان هذا الزواج جائزا في الجاهلية فأبطله الإسلام. لأن زوجة الأب لها منزلة الأم بعد زواجها بأبيه، فكان من الحكمة تحريمها عليه رعاية لحرمة الأب. ثم إن تحريمها عليه على التأبيد يقطع طمعه فيها وطعمها فيه فتستقر العلائق بينهما على أساس من الاحترام والهيبة.
الأم، ومثلها الجدة وإن علت من قبل الأب أو الأم.
البنت، ومثلها بنت ابنه أو ابنته مهما امتدت الفروع.
الأخت: شقيقة كانت أو لأب أو لأم.
العمة: أخت الأب شقيقة أو لأب أو لأم.
الخالة: أخت الأم شقيقة أو لأب أو لأم.
بنات الأخ.
بنات الأخت.
وهؤلاء النسوة القريبات هن اللاتي يطلق عليهن في الإسلام اسم (المحارم) لأنهن محرمات على المسلم حرمة أبدية لا تحل في وقت من الأوقات، ولا بحال من الأحوال كما يسمى الرجل (محرما) بالنسبة إليهن أيضا. والحكمة في تحريم زواج هؤلاء القريبات ظاهرة.
(أ) فالإنسان الراقي تنبو فطرته عن الاشتهاء الجنسي لمثل أمه أو أخته أو بنته، بل إن من الحيوانات من يأبى ذلك، وشعور المرء نحو خالته وعمته كشعوره نحو أمه، والعم والخال كذلك بمنزلة الوالد.
(ب) إن الشريعة لو لم تجئ بقطع الطمع فيهن لكان الخطر متوقعا على العلاقة بين الرجل وبينهن، لوجود الخلوة وشدة الاختلاط.
(ج) إن بين الرجل وبين هؤلاء القريبات عاطفة قائمة مستقرة تتمثل في الاحترام والتكريم أو الحنان والعطف. فكان الأولى أن يتوجه بعاطفة حبه إلى الأجنبيات عنه عن طريق المصاهرة، فتحدث صلات جديدة، وتتسع دائرة المحبة والمودة بين الناس (وجعل بينكم مودة ورحمة) سورة الروم:21.
(د) إن هذه العاطفة الفطرية بين الرجل وقريباته اللاتي ذكرنا، والقائمة على الحنان أو التوقير، يجب إبقاؤها حارة قوية، لتكون ركيزة العلاقة الدائمة بينهم، وأساس الرعاية والمحبة والولاء. وتعريض مثل هذه العاطفة أو الصلة للزواج وما يحدث فيه من شجار وخلاف قد يؤدي إلى البينونة والانفصال، مما يتنافى وما يراد لتلك العواطف من استقرار ولتلك الصلات من ثبات ودوام.
(هـ) إن النسل من هؤلاء القريبات يغلب أن يكون ضاويا ضعيفا، وإذا كان في فصيلة الشخص عيوب جسمية أو عقلية فمن شأنه أن يركزها في النسل.
(و) إن المرأة في حاجة إلى من يخاصم عنها، ويحمي مصالحها عند زوجها، وخاصة إذا اضطربت العلائق بينهما فكيف إذا كان حاميها هو خصمها؟
إلى الفهرس
المحرمات بالرضاعة
ويحرم على المسلم أن يتزوج المرأة التي أرضعته في صغره، فقد صارت بإرضاعها إياه في حكم الأم، وقد أسهم لبنها في إنبات لحمه وتكوين عظمه، وأحدث هذا الرضاع عاطفة بنوة وأمومة بينه وبينها، وقد تختفي هذه العاطفة ولكنها تكمن في العقل الباطن (اللاشعور) لتظهر فيما بعد عند المقتضى.
وقد اشترط لتأثير هذا الرضاع أن يكون في الصغر أي: قبل تمام سنتين للرضيع، وهو الزمن الذي يكون اللبن فيه الغذاء الأول.
وأن لا يقل عدد الرضعات عن خمس مشبعات، والرضعة المشبعة هي التي يدع الطفل فيها الثدي من تلقاء نفسه لشعوره بالشبع.
وتحديد الرضعات بخمس هو أرجح وأوسط ما جاءت به الروايات.
الأخوات من الرضاعة: كما أن المرأة صارت بالرضاع أما للرضيع فكذلك بناتها صرن له أخوات من الرضاعة، وكذلك أخواتها صرن له خالات من الرضاعة وهكذا سائر أقاربها. وفي الحديث النبوي: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب". فكما يحرم من النسب العمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت، فكذلك يحرم هؤلاء من الرضاع.
إلى الفهرس
المحرمات بالمصاهرة
ومن المحرمات: أم الزوجة. وهذه يحرمها الإسلام بمجرد العقد على ابنتها ولو لم يدخل بها، لأنها تصبح للرجل لمنزلة أمه.
الربيبة: وهي بنت الزوجة التي دخل بها، فإن لم يكن دخل بالأم، فلا جناح عليه أن يتزوج البنت.
حليلة الابن: ومعنى الابن: هو الابن من الصلب لا الابن المتبنى. فقد أبطل الإسلام شرعية نظام التبني وما يترتب عليه لما فيه من مخالفة للحقيقة والواقع، مما يؤدي إلى تحريم الحلال، وتحليل الحرام. قال تعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم؛ ذلكم قولكم بأفواهكم) سورة الأحزاب:4. أي هو مجرد قول باللسان، لا يغير الواقع، ولا يجعل الغريب قريبا.
وحرمة هؤلاء الثلاث إنما جاءت لعلة طارئة هي المصاهرة، وما ترتب عليها من صلات وثيقة بين المتصاهرين اقتضت هذا التحريم.
إلى الفهرس
الجمع بين الأختين
ومما حرمه الإسلام على المسلم -وكان مشروعا في الجاهلية- الجمع بين الأختين؛ فإن رابطة الحب الأخوي الذي يحرص الإسلام على دوامه بينهما ينافيها أن تكون إحداهما ضرة للأخرى.
وقد صرح القرآن بتحريم الجمع بين الأختين وأضاف الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك قوله: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" كما في (الصحيحين) وغيرهما. قال: "إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" والإسلام يؤكد صلة الأرحام فكيف يشرع ما يؤدي لتقطيعها؟!
إلى الفهرس
المتزوجات
والمرأة المتزوجة ما دامت في عصمة زوجها لا يحل لها الزواج بآخر. ولكي تحل لزوج آخر لا بد من شرطين:
(أ) أن تزول يد الزوج عنها بموت أو طلاق.
(ب) أن تستوفي العدة التي أمر الله بها، وجعلها وفاء للزوجية السابقة وسياجا لها. ومدة هذه العدة للحامل أن تضع حملها قصر الزمن أو طال.
وللمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر ليال.
وللمطلقة ثلاث حيضات. وإنما جعلت ثلاثا، للتأكد من ضمان براءة الرحم، خشية أن يكون قد علق به حمل من ماء الزوج السابق. فلا بد من هذا الاحتياط منعا لاختلاط الأنساب. وهذا لغير الصغيرة أو كبيرة السن التي انقطع عنها الحيض. أما هما فعدتهما ثلاثة أشهر.
قال تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء, ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) سورة البقرة:228. وقال (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) سورة الطلاق:4. وقال: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) سورة البقرة:234.
وهذه الأصناف الخمسة عشر من محرمات النساء ذكرها القرآن الكريم في آيات ثلاث من سورة قال عز وجل: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا. حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم، وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم، وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف، إن الله كان غفورا رحيما. والمحصنات من النساء..) سورة النساء:22-24. وأما تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها فقد جاءت به السنة الشريفة.
إلى الفهرس
المشركات
ومن المحرمات: المشركة، وهي التي تعبد الأوثان كمشركات العرب ومن شابههن.
قال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم. أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) سورة البقرة:221.
بينت الآية أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج مشركة، كما لا يجوز للمسلمة أن تتزوج مشركا للاختلاف الشاسع بين الدينين فهؤلاء يدعون إلى الجنة وأولئك يدعون إلى النار. هؤلاء مؤمنون بالله وبالنبوة وبالآخرة، وأولئك مشركون بالله منكرون للنبوة جاحدون بالآخرة.
والزواج سكينة ومودة فكيف يلتقي هذان الطرفان المتباعدان؟
إلى الفهرس
زواج الكتابيات
أما الكتابيات من اليهود والنصارى، فقد أجاز القرآن الزواج منهن، تبعا لنظرته لأهل الكتاب، ومعاملته الخاصة لهم، واعتبارهم أهل دين سماوي وإن حرفوا فيه وبدلوا. فكما أباح مؤاكلتهم أباح مصاهرتهم بزواج المسلم من نسائهم. قال تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) سورة المائدة:5.
وهذا لون من التسامح الإسلامي الذي قل أن يوجد له نظير في الأديان والملل الأخرى، فرغم رميه لأهل الكتاب بالكفر والضلال أباح للمسلم أن تكون الكتابية -وهي على دينها- زوجته وربة بيته، وسكن نفسه، وموضع سره، وأم أولاده. ومع أنه يقول في شأن الزوجية وأسرارها: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) سورة الروم:21.
وهنا تنبيه لا بد أن نتوجه إليه: إن المسلمة المتدينة الحريصة على دينها أفضل للمسلم من مجرد مسلمة ورثت الإسلام عن أبويها، والرسول صلوات الله عليه يعلمنا ذلك فيقول: "اظفر بذات الدين تربت يداك" فإذا علمنا ذلك تبين لنا أن المسلمة -أيا كانت- أفضل للمسلم من أي امرأة كتابية.
ثم إذا كان المسلم يخشى من مثل هذه الزوجة على عقيدة أولاده أو توجيههم فالواجب أن يستبرىء لدينه ويجتنب هذا الخطر.
وإذا كان عدد المسلمين قليلا في بلد -كجالية من الجاليات مثلا- فالراجح هنا أن يحرم على رجالهم زواجهم بغير المسلمات، لأن زواجهم بغيرهن في هذا الحال، مع حرمة زواج المسلمات من الآخرين، قضاء على بنات المسلمين أو على فئة غير قليلة منهن بالكساد والبوار، وفي هذا ضرر محقق على المجتمع المسلم. وهو ضرر يمكن أن يزال بتقييد هذا المباح وتعليقه إلى حين.
إلى الفهرس
زواج المسلمة من غير المسلم
ويحرم على المسلمة أن تتزوج غير مسلم، كتابيا أو غير كتابي، ولا يحل لها ذلك بحال وقد ذكرنا قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) سورة البقرة:221. وقال في شأن المؤمنات المهاجرات: (فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعونهن إلى الكفار؛ لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) سورة الممتحنة:10. ولم يرد نص باستثناء أهل الكتاب من هذا الحكم، فالحرمة مجمع عليها بين المسلمين.
وإنما أجاز الإسلام للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية ولم يجز للمسلمة أن تتزوج بأحدهما؛ لأن الرجل هو رب البيت والقوام على المرأة والمسؤول عنها. والإسلام قد ضمن للزوجة الكتابية -في ظل الزوج المسلم- حرية عقيدتها، وصان لها -بتشريعاته وإرشاداته- حقوقها وحرمتها. ولكن دينا آخر -كالنصرانية أو اليهودية- لم يضمن للزوجة المخالفة في الدين أي حرية، ولم يصن لها حقها.. فكيف يغامر الإسلام بمستقبل بناته، ويرمي بهن في أيدي من لا يرقبون في دينهن إلا ولا ذمة؟!
وأساس هذا أن الزوج لا بد أن يحترم عقيدة زوجته ضمانا لحسن العشرة بينهما، والمسلم يؤمن بأصل اليهودية والنصرانية دينين سماويين -بغض النظر عما حرف منهما- ويؤمن بالتوراة والإنجيل كتابين من عند الله، ويؤمن بموسى وعيسى رسولين من عند الله من أولي العزم من الرسل. فالمرأة الكتابية تعيش في كنف رجل يحترم أصل دينها وكتابها ونبيها، بل لا يتحقق إيمانه إلا بذلك. أما اليهودي أو النصراني فلا يعترف أدنى اعتراف بالإسلام، ولا بكتاب الإسلام، ولا برسول الإسلام. فكيف يمكن أن تعيش في ظله امرأة مسلمة يطالبها دينها بشعائر وعبادات، وفروض وواجبات، ويشرع لها أشياء ويحرم عليها أشياء؟.
ألا إنه من المستحيل أن تبقى للمسلمة حرمة عقيدتها، وتتمكن من رعاية دينها، والرجل القوام عليها يجحده كل الجحود!!.
ومن هنا كان الإسلام منطقيا مع نفسه حين حرم على الرجل المسلم أن يتزوج وثنية مشركة؛ لأن الإسلام ينكر الشرك والوثنية كل الإنكار فكيف يتحقق بينهما السكون والمودة والرحمة؟
إن الجمع بينهما يشبه ما قاله الشاعر العربي قديما:
عمرك الله، كيف يلتقيان؟
أيها المنكح الثريا سهيلا
وسهيل إذا استقل يماني!!
هي شامية إذا ما استقلت
يتبع
وقف الإسلام دون إرخاء العنان لغريزة الجنس لتنطلق بغير حدود ولا قيود. ولذلك حرم الزنى وما يفضي إليه وما يلحق به.
ولكنه إلى جانب ذلك قاوم النزعة المضادة لذلكذلك دعا إلى الزواج، ونهى عن التبتل.. نزعة مصادمة الغريزة وكبتها، ومن أجل والخصاء.
فلا يحل للمسلم أن يعرض عن الزواج مع القدرة عليه بدعوى التبتل لله، أو التفرغ للعبادة والترهب والانقطاع عن الدنيا.
وقد لمح النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أصحابه شيئا من النزوع إلى هذه الوجهة الرهبانية، فأعلن أن هذا انحراف عن نهج الإسلام، وإعراض عن سنته عليه الصلاة والسلام، وبذلك طارد تلك الأفكار النصرانية من البيئة الإسلامية. فعن أبي قلابة قال: أراد أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا ويتركوا النساء ويترهبوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقالة، ثم قال: "إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد؛ وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الأديار والصوامع، فاعبدوا الله ولا تشركوا به، وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم بكم".قال ونزلت فيهم الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) سورة المائدة:87.
وعن مجاهد قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فنزلت الآية السابقة والتي بعدها.
وروى البخاري وغيره أن رهطا من الصحابة ذهبوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون أزواجه عن عبادته، فلما أخبروه بها كأنهم تقالوها -أي: اعتبروها قليلة- ثم قالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر فلا أفطر، وقال الثاني: وأنا أقوم الليل فلا أنام، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين لهم خطأهم وعوج طريقهم وقال لهم: "إنما أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقال سعد بن أبي وقاص: "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا".
ووجه عليه السلام نداءه إلى الشباب عامة فقال: "يا معشر الشباب!من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج".
ومن هنا قال بعض العلماء: إن الزواج فريضة على المسلم لا يحل له تركه ما دام قادرا عليه. وقيده غيرهم بمن كان تائقا إليه، خائفا على نفسه.
ولا يليق بالمسلم أن يصد نفسه عن الزواج خشية ضيق الرزق عليه أو ثقل المسئولية على عاتقه وعليه أن يحاول ويسعى وينتظر فضل الله ومعونته التي وعد بها المتزوجين الذين يرغبون في العفاف والإحصان. قال تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) سورة النور:32. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح الذي يريد العفاف. والمكاتب الذي يريد الأداء -أي العبد الذي يريد أن يحرر رقبته ببذل مقدار من المال يكاتب عليه سيده- والغازي في سبيل الله".
إلى الفهرس
النظر إلى المخطوبة
ويشرع للمسلم إذا عزم على الزواج، واتجهت نيته لخطبة امرأة معينة أن ينظر إليها قبل البدء في خطوات الزواج، ليقدم عليه على بصيرة وبينة. ولا يمضي في الطريق معصوب العينين، حتى يكون بمنجاة من الوقوع في الخطأ والتورط فيما يكره.
هذا إلى أن العين رسول القلب، وقد يكون التقاء العين بالعين سبيلا لالتقاء القلوب، وائتلاف الأرواح.
روى مسلم عن أبي هريرة قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟ فقال: لا. قال: فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا".
وروى المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها؛ فإنه أحرى امرأة من الأنصار أن يؤدم بينكما" فإتى أبويها، فأخبرهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنهما كرها ذلك.. فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر… قال المغيرة: فنظرت إليها فتزوجتها".
ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة ولا للرجل الآخر المقدار الذي تباح لهما رؤيته من المخطوبة. وقال بعض العلماء: هو الوجه والكفان. ولكن الوجه والكفين تجوز رؤيتها -بدون شهوة- في غير الخطبة، وما دام ظرف الخطبة مستثنى فلا بد أن يجوز له أن يرى منها أكثر مما يجوز في الظروف المعتادة الأخرى. وقد جاء في الحديث: "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن ينظر منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل".
وقد تطرف بعض العلماء في الترخيص بالقدر الذي يرى، وتطرف آخرون في التشديد والتضييق، والخير في التوسط والاعتدال. وقد حدده بعض الباحثين بأن للخاطب في عصرنا الحالي أن يراها في الملابس التي تظهر بها لأبيها وأخيها ومحارمها بلا حرج، قال: بل له -في نطاق الحديث الشريف- أن يصحبها مع أبيها أو أحد محارمها -وهي بزيها الشرعي- إلى ما اعتادت أن تذهب إليه من الزيارات والأماكن المباحة لينظر عقلها وذوقها وملامح شخصيتها، فإنه داخل في مفهوم البعضية التي تضمنها قوله عليه السلام "فقدر أن ينظر منها بعض ما يدعوه إلى زواجها".
وله أن ينظر إليها بعلمها وعلم أهلها، كما أن ينظر إليها دون أن تعلم هي أو يعلم أحد من أهلها ما دام ذلك بنية الخطبة. وقد قال جابر بن عبد الله عن امرأته: كنت أتخبأ لها تحت شجرة لأراها.
ومن حديث المغيرة الذي ذكرناه نعلم أنه لا يباح للأب المسلم أن يمنع ابنته أن يراها من يريد خطبتها صادقا، باسم التقاليد، فإن الواجب أن تخضع التقاليد للشريعة، لا أن تخضع شريعة الله لتقاليد الناس.
كما لا يحل للأب ولا للخاطب ولا للمخطوبة أن يتوسعوا في الرخصة فيلقوا الحبل على الغارب للفتى والفتاة -باسم الخطبة- يذهبان إلى الملاهي والمتنزهات والأسواق بغير حضور أحد من المحارم، كما يفعل اليوم عشاق الحضارة الغربية والتقاليد الغربية.
إن التطرف إلى اليمين أو اليسار أمر تأباه طبيعة الإسلام.
إلى الفهرس
الخطبة المحرمة
ولا يحل للمسلم أن يتقدم لخطبة امرأة مطلقة أو متوفى عنها زوجها في عدتها؛ لأن وقت العدة حرم للزوجية السابقة، فلا يجوز الاعتداء عليه. وله أن يفهم المرأة المتوفى عنها زوجها -وهي في العدة- رغبته في زواجها بالتعريض والتلميح لا بالإظهار والتصريح قال تعالى: (ولا جناح فيما عرضتم به من خطبة النساء) سورة البقرة:235.
ويحرم عليه أن يخطب على خطبة أخيه، إذا كان قد وصل إلى اتفاق مع الطرف الآخر. ذلك أن الخاطب قبله قد اكتسب حقا يجب أن يصان، رعاية للعلاقة وحسن المودة بين الناس، وبعدا بالمسلم عن سلوك ينافي المروءة، ويشبه الاختطاف والعدوان. فإذا صرف الخاطب الأول نظره عن الخطبة، أو أذن بنفسه للخاطب الثاني فلا حرج حينئذ عليه.
روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه". وروى البخاري عنه أنه قال: "لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له".
ملف الزواج
إلى الفهرس
البكر تستأذن ولا تجبر
والفتاة هي صاحبة الشأن الأول في زواجها، فلا يجوز لأبيها أو وليها أن يهمل رأيها أو يغفل رضاها. قال عليه الصلاة والسلام: "الثيب أحق بنفسها من وليها. والبكر تستأذن في نفسها. وإذنها صماتها". وجاءت فتاة إلى النبيصلى الله عليه وسلم فأخبرته أن أباها زوجها من ابن أخيه وهي له كارهة فجعل النبيصلى الله عليه وسلم الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء. ولا يحل للأب أن يؤخر زواج ابنته إذا خطبها كفء ذو دين وخلق قالصلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يؤخرن؛ الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفءا". وقال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
إلى الفهرس
المحرمات من النساء
ويحرم على المسلم أن يتزوج واحدة من النساء الآتي ذكرهن:
زوجة الأب -سواء طلقها أو مات عنها- وكان هذا الزواج جائزا في الجاهلية فأبطله الإسلام. لأن زوجة الأب لها منزلة الأم بعد زواجها بأبيه، فكان من الحكمة تحريمها عليه رعاية لحرمة الأب. ثم إن تحريمها عليه على التأبيد يقطع طمعه فيها وطعمها فيه فتستقر العلائق بينهما على أساس من الاحترام والهيبة.
الأم، ومثلها الجدة وإن علت من قبل الأب أو الأم.
البنت، ومثلها بنت ابنه أو ابنته مهما امتدت الفروع.
الأخت: شقيقة كانت أو لأب أو لأم.
العمة: أخت الأب شقيقة أو لأب أو لأم.
الخالة: أخت الأم شقيقة أو لأب أو لأم.
بنات الأخ.
بنات الأخت.
وهؤلاء النسوة القريبات هن اللاتي يطلق عليهن في الإسلام اسم (المحارم) لأنهن محرمات على المسلم حرمة أبدية لا تحل في وقت من الأوقات، ولا بحال من الأحوال كما يسمى الرجل (محرما) بالنسبة إليهن أيضا. والحكمة في تحريم زواج هؤلاء القريبات ظاهرة.
(أ) فالإنسان الراقي تنبو فطرته عن الاشتهاء الجنسي لمثل أمه أو أخته أو بنته، بل إن من الحيوانات من يأبى ذلك، وشعور المرء نحو خالته وعمته كشعوره نحو أمه، والعم والخال كذلك بمنزلة الوالد.
(ب) إن الشريعة لو لم تجئ بقطع الطمع فيهن لكان الخطر متوقعا على العلاقة بين الرجل وبينهن، لوجود الخلوة وشدة الاختلاط.
(ج) إن بين الرجل وبين هؤلاء القريبات عاطفة قائمة مستقرة تتمثل في الاحترام والتكريم أو الحنان والعطف. فكان الأولى أن يتوجه بعاطفة حبه إلى الأجنبيات عنه عن طريق المصاهرة، فتحدث صلات جديدة، وتتسع دائرة المحبة والمودة بين الناس (وجعل بينكم مودة ورحمة) سورة الروم:21.
(د) إن هذه العاطفة الفطرية بين الرجل وقريباته اللاتي ذكرنا، والقائمة على الحنان أو التوقير، يجب إبقاؤها حارة قوية، لتكون ركيزة العلاقة الدائمة بينهم، وأساس الرعاية والمحبة والولاء. وتعريض مثل هذه العاطفة أو الصلة للزواج وما يحدث فيه من شجار وخلاف قد يؤدي إلى البينونة والانفصال، مما يتنافى وما يراد لتلك العواطف من استقرار ولتلك الصلات من ثبات ودوام.
(هـ) إن النسل من هؤلاء القريبات يغلب أن يكون ضاويا ضعيفا، وإذا كان في فصيلة الشخص عيوب جسمية أو عقلية فمن شأنه أن يركزها في النسل.
(و) إن المرأة في حاجة إلى من يخاصم عنها، ويحمي مصالحها عند زوجها، وخاصة إذا اضطربت العلائق بينهما فكيف إذا كان حاميها هو خصمها؟
إلى الفهرس
المحرمات بالرضاعة
ويحرم على المسلم أن يتزوج المرأة التي أرضعته في صغره، فقد صارت بإرضاعها إياه في حكم الأم، وقد أسهم لبنها في إنبات لحمه وتكوين عظمه، وأحدث هذا الرضاع عاطفة بنوة وأمومة بينه وبينها، وقد تختفي هذه العاطفة ولكنها تكمن في العقل الباطن (اللاشعور) لتظهر فيما بعد عند المقتضى.
وقد اشترط لتأثير هذا الرضاع أن يكون في الصغر أي: قبل تمام سنتين للرضيع، وهو الزمن الذي يكون اللبن فيه الغذاء الأول.
وأن لا يقل عدد الرضعات عن خمس مشبعات، والرضعة المشبعة هي التي يدع الطفل فيها الثدي من تلقاء نفسه لشعوره بالشبع.
وتحديد الرضعات بخمس هو أرجح وأوسط ما جاءت به الروايات.
الأخوات من الرضاعة: كما أن المرأة صارت بالرضاع أما للرضيع فكذلك بناتها صرن له أخوات من الرضاعة، وكذلك أخواتها صرن له خالات من الرضاعة وهكذا سائر أقاربها. وفي الحديث النبوي: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب". فكما يحرم من النسب العمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت، فكذلك يحرم هؤلاء من الرضاع.
إلى الفهرس
المحرمات بالمصاهرة
ومن المحرمات: أم الزوجة. وهذه يحرمها الإسلام بمجرد العقد على ابنتها ولو لم يدخل بها، لأنها تصبح للرجل لمنزلة أمه.
الربيبة: وهي بنت الزوجة التي دخل بها، فإن لم يكن دخل بالأم، فلا جناح عليه أن يتزوج البنت.
حليلة الابن: ومعنى الابن: هو الابن من الصلب لا الابن المتبنى. فقد أبطل الإسلام شرعية نظام التبني وما يترتب عليه لما فيه من مخالفة للحقيقة والواقع، مما يؤدي إلى تحريم الحلال، وتحليل الحرام. قال تعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم؛ ذلكم قولكم بأفواهكم) سورة الأحزاب:4. أي هو مجرد قول باللسان، لا يغير الواقع، ولا يجعل الغريب قريبا.
وحرمة هؤلاء الثلاث إنما جاءت لعلة طارئة هي المصاهرة، وما ترتب عليها من صلات وثيقة بين المتصاهرين اقتضت هذا التحريم.
إلى الفهرس
الجمع بين الأختين
ومما حرمه الإسلام على المسلم -وكان مشروعا في الجاهلية- الجمع بين الأختين؛ فإن رابطة الحب الأخوي الذي يحرص الإسلام على دوامه بينهما ينافيها أن تكون إحداهما ضرة للأخرى.
وقد صرح القرآن بتحريم الجمع بين الأختين وأضاف الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك قوله: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" كما في (الصحيحين) وغيرهما. قال: "إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" والإسلام يؤكد صلة الأرحام فكيف يشرع ما يؤدي لتقطيعها؟!
إلى الفهرس
المتزوجات
والمرأة المتزوجة ما دامت في عصمة زوجها لا يحل لها الزواج بآخر. ولكي تحل لزوج آخر لا بد من شرطين:
(أ) أن تزول يد الزوج عنها بموت أو طلاق.
(ب) أن تستوفي العدة التي أمر الله بها، وجعلها وفاء للزوجية السابقة وسياجا لها. ومدة هذه العدة للحامل أن تضع حملها قصر الزمن أو طال.
وللمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر ليال.
وللمطلقة ثلاث حيضات. وإنما جعلت ثلاثا، للتأكد من ضمان براءة الرحم، خشية أن يكون قد علق به حمل من ماء الزوج السابق. فلا بد من هذا الاحتياط منعا لاختلاط الأنساب. وهذا لغير الصغيرة أو كبيرة السن التي انقطع عنها الحيض. أما هما فعدتهما ثلاثة أشهر.
قال تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء, ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) سورة البقرة:228. وقال (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) سورة الطلاق:4. وقال: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) سورة البقرة:234.
وهذه الأصناف الخمسة عشر من محرمات النساء ذكرها القرآن الكريم في آيات ثلاث من سورة قال عز وجل: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا. حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم، وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم، وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف، إن الله كان غفورا رحيما. والمحصنات من النساء..) سورة النساء:22-24. وأما تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها فقد جاءت به السنة الشريفة.
إلى الفهرس
المشركات
ومن المحرمات: المشركة، وهي التي تعبد الأوثان كمشركات العرب ومن شابههن.
قال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم. أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) سورة البقرة:221.
بينت الآية أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج مشركة، كما لا يجوز للمسلمة أن تتزوج مشركا للاختلاف الشاسع بين الدينين فهؤلاء يدعون إلى الجنة وأولئك يدعون إلى النار. هؤلاء مؤمنون بالله وبالنبوة وبالآخرة، وأولئك مشركون بالله منكرون للنبوة جاحدون بالآخرة.
والزواج سكينة ومودة فكيف يلتقي هذان الطرفان المتباعدان؟
إلى الفهرس
زواج الكتابيات
أما الكتابيات من اليهود والنصارى، فقد أجاز القرآن الزواج منهن، تبعا لنظرته لأهل الكتاب، ومعاملته الخاصة لهم، واعتبارهم أهل دين سماوي وإن حرفوا فيه وبدلوا. فكما أباح مؤاكلتهم أباح مصاهرتهم بزواج المسلم من نسائهم. قال تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) سورة المائدة:5.
وهذا لون من التسامح الإسلامي الذي قل أن يوجد له نظير في الأديان والملل الأخرى، فرغم رميه لأهل الكتاب بالكفر والضلال أباح للمسلم أن تكون الكتابية -وهي على دينها- زوجته وربة بيته، وسكن نفسه، وموضع سره، وأم أولاده. ومع أنه يقول في شأن الزوجية وأسرارها: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) سورة الروم:21.
وهنا تنبيه لا بد أن نتوجه إليه: إن المسلمة المتدينة الحريصة على دينها أفضل للمسلم من مجرد مسلمة ورثت الإسلام عن أبويها، والرسول صلوات الله عليه يعلمنا ذلك فيقول: "اظفر بذات الدين تربت يداك" فإذا علمنا ذلك تبين لنا أن المسلمة -أيا كانت- أفضل للمسلم من أي امرأة كتابية.
ثم إذا كان المسلم يخشى من مثل هذه الزوجة على عقيدة أولاده أو توجيههم فالواجب أن يستبرىء لدينه ويجتنب هذا الخطر.
وإذا كان عدد المسلمين قليلا في بلد -كجالية من الجاليات مثلا- فالراجح هنا أن يحرم على رجالهم زواجهم بغير المسلمات، لأن زواجهم بغيرهن في هذا الحال، مع حرمة زواج المسلمات من الآخرين، قضاء على بنات المسلمين أو على فئة غير قليلة منهن بالكساد والبوار، وفي هذا ضرر محقق على المجتمع المسلم. وهو ضرر يمكن أن يزال بتقييد هذا المباح وتعليقه إلى حين.
إلى الفهرس
زواج المسلمة من غير المسلم
ويحرم على المسلمة أن تتزوج غير مسلم، كتابيا أو غير كتابي، ولا يحل لها ذلك بحال وقد ذكرنا قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) سورة البقرة:221. وقال في شأن المؤمنات المهاجرات: (فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعونهن إلى الكفار؛ لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) سورة الممتحنة:10. ولم يرد نص باستثناء أهل الكتاب من هذا الحكم، فالحرمة مجمع عليها بين المسلمين.
وإنما أجاز الإسلام للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية ولم يجز للمسلمة أن تتزوج بأحدهما؛ لأن الرجل هو رب البيت والقوام على المرأة والمسؤول عنها. والإسلام قد ضمن للزوجة الكتابية -في ظل الزوج المسلم- حرية عقيدتها، وصان لها -بتشريعاته وإرشاداته- حقوقها وحرمتها. ولكن دينا آخر -كالنصرانية أو اليهودية- لم يضمن للزوجة المخالفة في الدين أي حرية، ولم يصن لها حقها.. فكيف يغامر الإسلام بمستقبل بناته، ويرمي بهن في أيدي من لا يرقبون في دينهن إلا ولا ذمة؟!
وأساس هذا أن الزوج لا بد أن يحترم عقيدة زوجته ضمانا لحسن العشرة بينهما، والمسلم يؤمن بأصل اليهودية والنصرانية دينين سماويين -بغض النظر عما حرف منهما- ويؤمن بالتوراة والإنجيل كتابين من عند الله، ويؤمن بموسى وعيسى رسولين من عند الله من أولي العزم من الرسل. فالمرأة الكتابية تعيش في كنف رجل يحترم أصل دينها وكتابها ونبيها، بل لا يتحقق إيمانه إلا بذلك. أما اليهودي أو النصراني فلا يعترف أدنى اعتراف بالإسلام، ولا بكتاب الإسلام، ولا برسول الإسلام. فكيف يمكن أن تعيش في ظله امرأة مسلمة يطالبها دينها بشعائر وعبادات، وفروض وواجبات، ويشرع لها أشياء ويحرم عليها أشياء؟.
ألا إنه من المستحيل أن تبقى للمسلمة حرمة عقيدتها، وتتمكن من رعاية دينها، والرجل القوام عليها يجحده كل الجحود!!.
ومن هنا كان الإسلام منطقيا مع نفسه حين حرم على الرجل المسلم أن يتزوج وثنية مشركة؛ لأن الإسلام ينكر الشرك والوثنية كل الإنكار فكيف يتحقق بينهما السكون والمودة والرحمة؟
إن الجمع بينهما يشبه ما قاله الشاعر العربي قديما:
عمرك الله، كيف يلتقيان؟
أيها المنكح الثريا سهيلا
وسهيل إذا استقل يماني!!
هي شامية إذا ما استقلت
يتبع