أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

وردة قايين ....بقلمي

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,860
مستوى التفاعل
119,945
النقاط
2,508
وردة قايين...

حياتنا ليست كما نراها بأفلام الكارتون، بدايات متعثرة، وبطلة مظلومة، ونهايات سعيدة، والحشو زائف. نحن نحيا ما لا يُرى بالأفلام، لسنا مجرد قصص في كتاب أطفال ترويه الجدات ليَتعظ الصغار. نحن أعمق من أن نُسجن بين دفّتي كتاب وبضع أوراق...

أرتجف دون أن أقصد.
لا، بل أقصد، لكنني لا أختار. والفرق بين القصد والاختيار رقيق كحدود الصبر حين يداهمه ضجيج العيون. هذه هبة للأسف نُزعت عني. قد أكون خطيئة أحد الأجداد الذين وروا التراب، أو خطيئة إحدى الجدّات المتشحات بالسواد بعد رحيل السند لهن. وقد أكون أبعد من هذا وذاك… قد أكون وردة قايين. نعم، أحب أن أرى نفسي هكذا، على الأقل، رغم الخطيئة، أبقى وردة، ورغم ما بي، أرى الاهتزاز مجرد رياح تعصف بي، ولكن لا أتناثر.

أذكر في طفولتي ذلك العش الصغير لطير لم أعد أذكر اسمه. أذكر ابن الجيران حين تسلّق الشجرة وأمسك بطفل العصفور. كان بلا ريش، مجرّدًا من الملابس، مجرد قطعة لحم، لكن ذلك لم يشفع له. بدأ بسكب الماء عليه، وبدأ العصفور بمحاولات فاشلة للحركة، كان فزعًا، أحسست به، كان مثلي. هو بالماء، وأنا بالموقف. هو يرتجف، وأنا أهتز.
صرخت به ليبتعد عن الصغير، لكن خانني صوتي، ويداي، وعيناي. نعم، خانتني معًا. لم أستطع أن أنقذ الصغير، كان يلفظ أنفاسه تحت الماء، وابن الجيران يضحك، وينعتني بالملبوسة.
نعم، كان يوئد صغيرًا، ويئد محاولتي.

يدي تُصفّق وحدها أحيانًا، تطرق الطاولة، ترمش بعين واحدة، ترفع حاجبها بتعجرف لا يشبهني. وأقف أمام المرآة لأتفاوض مع جسدي، فأجده قد حسم رأيه منذ سنوات: لن يخضع. لا للعرف، لا للسكوت، لا للرغبة في التماهي مع سائر النساء اللاتي يتقنّ فن الظهور بلا أثر. لم أعد أناظر المرايا، فهي أعطتني حكمًا سابقًا لا مجال لتغييره. أسدلت الستائر على المرايا، ولم أعد أذكر فحوى ملامحي...

أعيش داخل جسد يُقاطعني. كلما قررت أن أكون واضحة، يصرخ لساني بكلمات لا أؤمن بها. ينطق باسم الرب في توقيت خاطئ، يلعن حين أريد أن أبتسم، يتهكم حين أبكي. أبدو، في عيونهم، مهرّجة مسكونة، لكني في داخلي… سجينة تحلم بأن تُشرح أمام فلاسفة بدل أطباء.

أتحدث إلى نفسي بصيغة الغائب: "هي لا تريد أن تكون هكذا."
ثم أعود وأكذب: "بل تريد، لكنها خائفة من أن تُفهَم."

إنني أرتجف، نعم، لكن ارتجافي ليس خللاً في النظام العصبي، بل احتجاج لغوي. جسدي يؤمن أن العالم لا يُصغي إلا لمن يطرق الطاولة. فأطرقها بلا وعي، ثم أكتب في الليل، في دفاتر خفية، أنني أؤمن بالهدوء، وأنني كنت أحب الصمت، قبل أن يُجبرني عقلي أن أُعبّر عنه بصوت عالٍ.

حين كنت صغيرة، كانت أمي تقول: "لا تحاولي أن تشرحي لهم، الناس لا يفهمون." فتعلمت أن أتحكم في حزني، وأُطلق سراح يدي. تعلمت أنني مختلفة قبل أن أفهم معنى الاختلاف. أقلمت نفسي وهاجرت إلى القطب، حيث لا أرى، حيث لا أحد مثلي إلا ذلك الشفق، تمازجه، حركته، انفعالاته، اضطراباته، شامخ دون مبرر...

هناك ما يشبهني في الزلازل الصغيرة.
تلك التي لا تُسجّلها الأجهزة، لكنها تُفزع العصافير من الأشجار.

أنا تلك الزلزلة.
لا تُدمّر، لا تُرى، لكنها تغيّر شكل الغصن.
 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,860
مستوى التفاعل
119,945
النقاط
2,508
الفصل الثاني: "عينٌ واحدة لا تكفي للرؤية"



في منتصف الرف الثالث، حيث تُخفي كتب الفلسفة خيبتها بطبقة من الغبار، ارتجفت يدي.

لم تكن نوبة.

فقط ذلك الرجفان الدقيق، كاهتزاز جناح فراشة قبل عاصفة، أو كأن الجسد يلمّح لانفجارٍ لا يريد الاعتراف به.


من بعيد، راقبتني فتاة لم تتجاوز العشرين. لم تكن تائهة بين نيتشه وهايدغر كما ظننت، بل كانت تتابع أصابعي كما يتابع المرء كأساً على وشك السقوط. شيء في عينيها يشتهي الكسر.


ثم ظهر. شاب، صوته عالٍ، سلوكه فجّ، ضحكته تُشبه صفعة.

"آنسة، أين كتب الجن والعفاريت؟تبدو هذه المكتبة مسكونة!"

ضحكت الفتاة.

أنا رمشت… بعنف.

رمشة تحمل ألف شتيمة، وواحدة خرجت فعلاً. لم تكن لي. أعرف ذلك.



صمتٌ.

ثم شيء ثقيل سقط بيننا. ليس كتاباً، بل وعيهم العاجز.

هم لا يعرفون.

ولا يريدون أن يعرفوا.



لاحقًا، اقتربت المديرة، همست لي بودٍّ مُعلّب:



– "راعي الصورة العامة... لو في ملابس تقلل الانتباه، تغطي الانفعالات"


في اليوم التالي، اشتريت نقاباً.

لم يكن عباءة، ولا قناعة دينية.

كان قناع نجاة.

غطاءً لا للوجه، بل للعطب الظاهر.

ارتديته كمن يحتمي بنومٍ تحت طاولة في زمن الحرب.

فهموا خطأ.

قالوا إنني "اهتديت".

والحقيقة؟

أنا فقط كنت أهرب من أن أُفسّر.

مع الأيام، أصبح الوجوه ألطف، الابتسامات أسرّ، والعبارات أكثر ترحيباً… وكأن الوجه الذي اختفى كان المشكلة، لا الارتجاف.

لكني عرفت:

النقاب غطى وجهي، نعم.

لكنه لم يُغلق الباب.

داخلي، شيء ما ظل ينبض – يسخر من سعادتي الطارئة، يهمس: "هذه القشرة لن تصمد."

تمنيت أن أكون بيضة غير ملقحة، فارغة، بلا ما يُفقس، بلا مفاجآت.


أو بيضة فصح – ملوّنة، جميلة، بلا داخل.

لكن الحقيقة، دائماً، تُلقّحنا.

تنجب شيئاً لا نريده.

تكسر القشرة رغمنا.

وبيوض الفصح يحملها أرنب.

أي مفارقة هذه؟

أرنب لا يبيض، يحمل رمز الخصب.

وأنا، امرأة لا تُغطي إيمانها،بل تغطي جسدها خوفاً من أن تُفهم،بل أن تفهم خطأً

نعم، عينٌ واحدة لا تكفي للرؤية.

ولا نقابٌ واحد يكفي للاختباء.


 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,860
مستوى التفاعل
119,945
النقاط
2,508
الفصل الثالث: "شفافية غير مرئية"



رف الزيت والسكر.



السيدة التي أمامي تعبث في حقيبتها عن فكة ضائعة، وطفل يجهش بالبكاء من أجل لوح شوكولا لا يملكه.

صاحب البقالية يلعن الأسعار بصوتٍ عالٍ، كأن التضخم مؤامرة كونية موجهة ضده وحده.

وأنا... أقف هناك.

يدي المرتجفة تنكمش خلف عباءة سوداء، ونقاب يغلف وجهي كهدنة غير معلنة بيني وبين هذا العالم المزدحم بأعين لا تعرف سوى الحكم.

ثم تبدأ النوبة.

ليست صاخبة كما كانت.

مجرد دغدغة في اللسان، انزلاق غير مرئي للعقل، كأنني أخطو إلى فراغ صغير لا يراه أحد.


إصبعي يختلج، شفتاي تتمتم بكلمات لا يسمعها غيري.

عقلي يغيب، لا تمامًا… فقط بما يكفي لأشعر أني على الهامش.

لكن لا أحد يلاحظ.

النقاب يحجب ملامحي، والعباءة تطوّق الرجفة.

لا أحد يضحك.

لا أحد يهمس.

لا أحد ينظر إلي ككائن غريب يستحق الشفقة أو الطرد.



نوبة تمرّ كما تمرّ زوبعة تحت جلدٍ معتم، لا تترك أثراً.


وشيء داخلي... يبتسم.

لا ابتسامة فخر، ولا انتصار، بل تلك النشوة الصامتة حين تُفلت من نظرة لم تُلقَ، من سؤال لم يُسأل، من تفسير لم يُطلب.



للمرة الأولى، لا أحتاج أن أشرح.

لا أحتاج أن أبرر.

لا أحتاج أن أقول: "أنا هكذا... لكنني لست هذا فقط."



فرحتي خافتة.

تشبه دمعة لم تجد توقيتاً مناسباً للسقوط، فتراجعت، وجفّت في الطريق.



أدفع ثمن الزيت والسكر، أشكر البائع بصوت خفيض، وأخرج.



كأنني لم أرتعش للتو.

كأن كل ما حدث لم يكن لي.



وفي زجاج البقالة، لم أرَني.

رأيت عباءة تمشي.

وهذا، كان كافيًا.



الحرية أحيانًا، ليست أن تُرى كما أنت...

بل ألا تُرى أبداً.

 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,860
مستوى التفاعل
119,945
النقاط
2,508
الفصل الثالث....

إحتراق الحقيقة.....

كان صباحًا يشبه سابقيه. نفس الخطى المتوجسة في حيّ تعلّمت فيه كيف تُخفي الاهتزاز خلف عباءة، وكيف يُختصر الصمت بنقاب.

لكنه لم يكن يومًا عاديًا.الزقاق اليوم كان مختلفا،ليس بألوانه أو أصواته بل بفحواه...



صرخات. دخان. لهب يتصاعد من أحد البيوت.

ثلاثة أطفال على الشرفة، يصيحون دون صوت. الجيران يتجمهرون… يراقبون.



ركضت.

لم أفكر، لم أتشاور مع ارتجاف يدي، لم أطلب إذن جسدي.

اندفعت نحو الباب المشتعل.

النار تخدش الهواء. الدخان يمزق الرؤية.

وجدتهم في الداخل، متكوّمين كالعصافير،كانوا كذلك العصفور من طفولتي الذي لفظ انفاسه بين اصابعي المرتجفة واعيني الباكية،

أمسكت بالأصغر، ثم الأكبر، وضعتهم عند الباب وانا أقول اهربوا الى الشارع، وعدت بعد أن قال أحدهم أختي أختي بالداخل، لم انتظر، او أتوقف ،عبرت النيران ،لأجد الطفلة تحت السرير تبكي ،والنار تتحلق بها ،عبرت اليها وأمسكتها وبدأت أشق طريق الخروج لكن دخان الحريق ملأني فهويت ولم أع لنفسي إلا وأنا بالخارج بلا نقاب أو عباءة فقط بطانية تلف جسدي



رأوني........



رأوا الوجه المرتبك، الجبهة المتصببة، العين التي ترتجف قبل أن تنظر.



ثم بدأت النوبة.

كل جحيم العالم صب دفعة واحدة يدي وجهي عيني وصوتي ...



اهتزّت يدي أمامهم ككفّ تصفع الحقيقة.

فمي لفظ كلمات لم أنتخبها، وحاجبي ارتفع كأنه يسخر من الموقف.

صرخت… لا لأني خائفة، بل لأنني حقيقية.



تجمّد التصفيق.

انسحبت النظرات إلى الوراء.

أحدهم همس: "ممسوسة…"

آخر تمتم: مسكينة ؟"



لم تشفع لي الحروق على ذراعي.

ولا الطفل الذي تشبث بي.

ولا الدخان الذي استقر في رئتي.



كل ما رأوه، هو أنني لست مثلهم

 

الجور ي

الjo هسيس بين يقظة وغيم
طاقم الإدارة
وسام المحاور فذ
إنضم
26 يونيو 2023
المشاركات
118,860
مستوى التفاعل
119,945
النقاط
2,508
الفصل الأخير .....

"صوت لا يعتذر"



بعد الحادثة، تغيّر كل شيء.



جلستُ شهورًا أقرأ نفسي من جديد. لا من كتب، بل من الأعراض.

صرت أرى في رعشتي لغة، وفي صوتي الخاطئ محاولة للتعبير، وفي جسدي كتابًا يُخالف القواعد، لكنه جدير بالقراءة.



ثم جاءتني الفرصة…

مقدمة برنامج تلفزيوني، عنوانه: "صوت زائد."



اقترحتُ الاسم بنفسي.

أردته أن يُربك، أن يُعلن، أن لا يطلب إذنًا من أحد.



وقفتُ أمام الكاميرا لأول مرة، بملامحي الحقيقية، بلا نقاب، بلا اعتذارات.

بثوبٍ أسود بسيط، بلا زينة، لكن بعينين ترى جيدًا. عينين تُدركان الفرق بين الصمت والإلغاء.



تكلمت.



وفي كل حلقة، كان صوتي يرتجف أحيانًا، يقفز، ينفلت، يُطلق كلمة غير مقصودة.

ثم أكمل.



ولم أعتذر.



قلت في مقدمة الحلقة الأولى:



دون إرتجاف...مرحبا أنا أعيش مع متلازمة توريت......

نعم، هذا صوتي، وهذه يدي، وهذه وجهي، وهذه حياتي.

نحن لا نطلب الشفقة.

نحن نعلّمكم كيف تصبرون على العالم كما صبرنا على أنفسنا."



كل كلمة خرجت، كانت تُشبه الانفجار القديم...

لكن هذه المرة، كنت أتحكم به،كنت أرى نفسي تلك الطفلة ،دون الإرتجاف، أقبض على يد الصبي وأنقذ العصفور.....



صرتُ مثالًا. لا لأنني شُفيت، بل لأنني لم أعد أهرب.



صرت أُحرّك أصابعي كما أريد، وأرفع حاجبي كما أحب، وأترك صوتي يُقاطِع كلامي إذا شاء.



الناس كانوا يشاهدونني، بعضهم يسخر، بعضهم يبكي، وبعضهم يرى نفسه فيي.



لكني كنت أراها...



الفتاة القديمة.



تلك التي وقفت ذات يوم في مكتبة، تهز يدها خوفًا من نظرة، وتصرخ داخليًا "أنا لست هكذا".

اليوم تقول، بصوتٍ مسموع:



"أنا هكذا.

ولم أعد أريد أن أكون غيري."


النهاية ..
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )