كان عمُر موسى بن جعفر 55 عاماً، قضى منها 20 عاماً في حياة والده جعفر الصادق و35 بعد
وفاته. وقد عاش تلك الفترة في زمن أبيه وارتاد مدرسته العلمية الكبرى التي أنشأها في الكوفة،
والتي خرّجت الآلاف من العلماء والفلاسفة والفقهاء والمحدثين، حتى قال الحسن الوشّاء عند مروره
بمسجد الكوفة:
«أدركت في هذا المسجد 900 شيخ كلهم يقول: "حدثني جعفر بن محمد"»،
وأما منزل أبيه الصادق فكان أيضاً مدرسة علمية يرتادها كبار العلماء والفقهاء،
قال محمد صادق نشأت:
«كان بيت جعفر الصادق كالجامعة يزدان على الدوام بالعلماءالكبار في الحديث والتفسير
والحكمة والكلام، فكان يحضر مجلس درسه في أغلب الأوقات ألفان، وفي بعض الأحيان أربعة آلاف
من العلماء المشهورين . وقد ألّف تلاميذه من جميع الأحاديث والدروس التي كانوا يتلقّونها في مجلسه
مجموعة من الكتب تعدّ بمثابة دائرة علميّة وتربى الكاظم في هذا الجوّ العلمي المشحون بالمناظرات والنقاشات.
وكانت الفترة التي عاشها في أواخر حياة والده الامام الصادق ع وبعد وفاته هي فترة علمية حساسة جداً في
تاريخ المسلمين حيث سيطرت فيها الفلسفة اليونانية على الفكر العام،
وكثرت فيها الاتجاهات الفكرية وتنوّعت،
وامتد ذلك إلى صلب العقيدة والدين، فمن حركات تدعو إلى الإلحاد
ومن حركات فلسفية تشكك في بعض العقائد الدينية،
فكان على الكاظم أن يتحمل مسؤوليته من الناحية العلمية.
ثم واصل منهج أبيه الصادق في رئاسة المدرسة التي أسسها هو وأبوه الباقر. وكانت مدرسته في
داره في المدينة وفي المسجد كما كان آباؤه، فحضرها كثير من أعلام المسلمين، وتخرج من هذه المدرسة
نخبة من الفقهاء ورواة الحديث، قدّر عددهم بـ (319) عالماً وفقيهاً.
وممن أخذ عن الكاظم وروى عنه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وأبو المظفر السمعاني في الرسالة
القوامية، وأبو صالح المؤذن في الأربعين، وأبو عبد الله ابن بطة العكبري في الإبانة، وأبو إسحاق
الثعلبي في الكشف والبيان.
وكان أحمد بن حنبل إذا روى عنه قال: «حدثني موسى بن جعفر، قال:
حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد ابن علي، قال: حدثني أبي علي بن الحسين،
قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال:حدثني أبي علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله. ثم قال
أحمد: وهذا إسناد لو قرئ على المجنون لأفاق».
وحتى بعد أن سُجن الكاظم في عهد هارون الرشيد، فإنه لم ينقطع عن العمل العلمي فكانت الأسئلة
تأتيه إلى السجن ويجيب عليها بصورة تحريرية.
وخصوصاً تلك المسائل الفقهية حول الحلال والحرام،
ولذا يرى بعض الباحثين أن موسى بن جعفر هو الرائد الأول في كتابة الفقه، يقول محمد
يوسف موسى: «ونستطيع أن نذكر أن أول من كتب في الفقه هو الإمام موسى الكاظم الذي مات سجيناً
عام 183 هـ ، وكان ما كتبه إجابة عن مسائل وجّهت إليه تحت اسم (الحلال والحرام).