أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

تفسير ابن كثير

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة : 7]
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين :
( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ) أي : محبة بعد البغضة ، ومودة بعد النفرة ، وألفة بعد الفرقة .
( والله قدير ) أي : على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة ، والمتباينة ، والمختلفة ، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة ، فتصبح مجتمعة متفقة ، كما قال تعالى ممتنا على الأنصار :
( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) الآية [ آل عمران : 103 ] .
وكذا قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ " .
وقال الله تعالى :
( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) [ الأنفال : 62 ، 63 ] .
وفي الحديث: " أحبب حبيبك هونا ما ، فعسى أن يكون بغيضك يوما ما . وأبغض بغيضك هونا ما ، فعسى أن يكون حبيبك يوما ما " .

وقال الشاعر

وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن ألا تلاقيا

وقوله تعالى :
( والله غفور رحيم ) أي : يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له ، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه ، من أي ذنب كان .

وقد قال مقاتل بن حيان :
إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه .

وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر ;
فإن رسول الله تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف .
وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث قال :
قرئ على محمد بن عزيز :
حدثني سلامة ، حدثني عقيل ، حدثني ابن شهاب ;
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا ، فقاتله ، فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين .
قال ابن شهاب :
وهو ممن أنزل الله فيه :
( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ) .

وفي صحيح مسلم ، عن ابن عباس :
أن أبا سفيان قال :
يا رسول الله ، ثلاث أعطنيهن .
قال : " نعم " .
قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين .
قال : " نعم " .
قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك .
قال : " نعم " .
قال : وعندي أحسن العرب وأجمله ، أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . . . الحديث .
وقد تقدم الكلام عليه .
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@

( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة : 8]
وقوله تعالى :
( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ، كالنساء والضعفة منهم.
( أن تبروهم ) أي : تحسنوا إليهم.
( وتقسطوا إليهم ) أي : تعدلوا.
( إن الله يحب المقسطين ) .

قال الإمام أحمد :
حدثنا أبو معاوية ، حدثنا هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء - هي بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما - قالت :
قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها ؟
قال : " نعم ، صلي أمك " أخرجاه .

وقال الإمام أحمد :
حدثنا عارم ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا مصعب بن ثابت ، حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه قال :
قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا : صناب ، وأقط ، وسمن ، وهي مشركة ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها ، وأن تدخلها بيتها ، فسألت عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله ، عز وجل :
( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ) إلى آخر الآية ، فأمرها أن تقبل هديتها ، وأن تدخلها بيتها .

وهكذا رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من حديث مصعب بن ثابت به .
وفي رواية لأحمد ، وابن جرير :
" قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد من بني مالك بن حسل . وزاد ابن أبي حاتم : " في المدة التي كانت بين قريش ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .

وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار :
حدثنا عبد الله بن شبيب ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو قتادة العدوي ، عن ابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة وأسماء أنهما قالتا :
قدمت علينا أمنا المدينة وهي مشركة ، في الهدنة التي كانت بين قريش وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : يا رسول الله ، إن أمنا قدمت علينا المدينة راغبة ، أفنصلها ؟
قال : " نعم ، فصلاها " .

ثم قال : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة إلا من هذا الوجه .

قلت : وهو منكر بهذا السياق ; لأن أم عائشة هي أم رومان ، وكانت مسلمة مهاجرة ، وأم أسماء غيرها ، كما هو مصرح باسمها في هذه الأحاديث المتقدمة والله أعلم .

وقوله :
( إن الله يحب المقسطين ) تقدم تفسير ذلك في سورة " الحجرات " ، وأورد الحديث الصحيح :
" المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش ، الذين يعدلون في حكمهم ، وأهاليهم ، وما ولوا " .
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة : 9]
وقوله : ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ) أي : إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم العداوة ، فقاتلوكم وأخرجوكم ، وعاونوا على إخراجكم ، ينهاكم الله عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم .
ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال : ( ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون )
كقوله: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) [ المائدة : 51 ] .
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الممتحنة : 10]
تقدم في سورة " الفتح " ذكر صلح الحديبية الذي وقع بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين كفار قريش فكان فيه :
" على ألا يأتيك منا رجل - وإن كان على دينك - إلا رددته إلينا " .
وفي رواية : " على أنه لا يأتيك منا أحد - وإن كان على دينك - إلا رددته إلينا " .
وهذا قول عروة ، والضحاك ، وعبد الرحمن بن زيد ، والزهري ، ومقاتل ، والسدي .
فعلى هذه الرواية تكون هذه الآية مخصصة للسنة ، وهذا من أحسن أمثلة ذلك ، وعلى طريقة بعض السلف ناسخة ، فإن الله ، عز وجل ، أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن ، فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن .

وقد ذكرنا في ترجمة عبد الله بن أبي أحمد بن جحش ، من المسند الكبير ، من طريق أبي بكر بن أبي عاصم ، عن محمد بن يحيى الذهلي ، عن يعقوب بن محمد ، عن عبد العزيز بن عمران ، عن مجمع بن يعقوب ، عن حسين بن أبي لبانة ، عن عبد الله بن أبي أحمد قال :
هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهجرة ، فخرج أخواها عمارة ، والوليد حتى قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلماه فيها أن يردها إليهما ، فنقض الله العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة ، ومنعهن أن يرددن إلى المشركين ، وأنزل الله آية الامتحان .

قال ابن جرير :
حدثنا أبو كريب ، حدثنا يونس بن بكير ، عن قيس بن الربيع ، عن الأغر بن الصباح ، عن خليفة ، عن حصين ، عن أبي نصر الأسدي قال :
سئل ابن عباس : كيف كان امتحان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء ؟
قال : كان يمتحنهن : بالله ما خرجت من بغض زوج ؟
وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ؟
وبالله ما خرجت التماس دنيا ؟
وبالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله ؟ .

ثم رواه من وجه آخر ، عن الأغر بن الصباح به .
وكذا رواه البزار من طريقه ، وذكر فيه أن الذي كان يحلفهن عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له عمر بن الخطاب .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله :
( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبد الله ورسوله .

وقال مجاهد :
( فامتحنوهن ) فاسألوهن : عما جاء بهن ؟
فإن كان بهن غضب على أزواجهن أو سخطة أو غيره ، ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن .

وقال عكرمة : يقال لها : ما جاء بك إلا حب الله ورسوله ؟
وما جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرار من زوجك ؟
فذلك قوله : ( فامتحنوهن )

وقال قتادة : كانت محنتهن أن يستحلفن بالله : ما أخرجكن النشوز ؟
وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله وحرص عليه ؟
فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن .

وقوله : ( فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ) فيه دلالة على أن الإيمان يمكن الاطلاع عليه يقينا .

وقوله : ( لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين ، وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ; ولهذا كان أبو العاص بن الربيع زوج ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب رضي الله عنها ، وقد كانت مسلمة وهو على دين قومه ، فلما وقع في الأسارى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لها رقة شديدة ، وقال للمسلمين :
" إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا " .
ففعلوا ، فأطلقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يبعث ابنته إليه ، فوفى له بذلك وصدقه فيما وعده ، وبعثها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع زيد بن حارثة ، رضي الله عنه ، فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها العاص بن الربيع سنة ثمان فردها عليه بالنكاح الأول ، ولم يحدث لها صداقا ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن إسحاق ، حدثنا داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع وكانت هجرتها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ، ولم يحدث شهادة ولا صداقا .

ورواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه . ومنهم من يقول : " بعد سنتين " ، وهو صحيح ; لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين .
وقال الترمذي : " ليس بإسناده بأس ، ولا نعرف وجه هذا الحديث ، ولعله جاء من حفظ داود بن الحصين .
وسمعت عبد بن حميد يقول : سمعت يزيد بن هارون يذكر عن ابن إسحاق هذا الحديث ، وحديث ابن الحجاج - يعني ابن أرطاة - عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد . فقال يزيد : حديث ابن عباس أجود إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب " .

قلت : وقد روى حديث الحجاج بن أرطاة ، عن عمرو بن شعيب الإمام أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وضعفه الإمام أحمد ، وغير واحد ، والله أعلم .

وأجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأن ذلك كان قضية عين يحتمل أنه لم تنقض عدتها منه ; لأن الذي عليه الأكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم انفسخ نكاحها منه .

وقال آخرون :
بل إذا انقضت العدة هي بالخيار ، إن شاءت أقامت على النكاح واستمرت ، وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوجت ، وحملوا عليه حديث ابن عباس ، والله أعلم .

وقوله : ( وآتوهم ما أنفقوا ) يعني : أزواج المهاجرات من المشركين ، ادفعوا إليهم الذي غرموه عليهن من الأصدقة . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والزهري ، وغير واحد .

وقوله : ( ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ) يعني : إذا أعطيتموهن أصدقتهن فانكحوهن ، أي : تزوجوهن بشرطه من انقضاء العدة ، والولي ، وغير ذلك .

وقوله : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) تحريم من الله ، عز وجل ، على عباده المؤمنين نكاح المشركات ، والاستمرار معهن .

وفي الصحيح ، عن الزهري ، عن عروة ، عن المسور ، ومروان بن الحكم :
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاء نساء من المؤمنات ، فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) إلى قوله : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين ، تزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان ، والأخرى صفوان بن أمية .

وقال ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري : أنزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بأسفل الحديبية حين صالحهم على أنه من أتاه منهم رده إليهم ، فلما جاءه النساء نزلت هذه الآية ، وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن ، وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى زوجها ، وقال :
( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وقال :
وإنما حكم الله بينهم بذلك ، لأجل ما كان بينهم وبينهم من العهد .

وقال محمد بن إسحاق ، عن الزهري :
طلق عمر يومئذ قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة ، فتزوجها معاوية ، وأم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية ، وهي أم عبيد الله ، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم ، رجل من قومه ، وهما على شركهما ، وطلق طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، فتزوجها بعده خالد بن سعيد بن العاص .

وقوله : ( واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ) أي : وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللاتي يذهبن إلى الكفار ، إن ذهبن ، وليطالبوا بما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين .

وقوله : ( ذلكم حكم الله يحكم بينكم ) أي : في الصلح واستثناء النساء منه ، والأمر بهذا كله هو حكم الله يحكم به بين خلقه : ( والله عليم حكيم ) أي عليم بما يصلح عباده ، حكيم في ذلك .
 
إنضم
15 سبتمبر 2023
المشاركات
0
مستوى التفاعل
3
النقاط
3
تفسير ابن كثير
@@@@@@@


( لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس : 37]
وقوله ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) أي هو في شغل شاغل عن غيره.

قال ابن أبي حاتم:
حدثنا محمد بن عمار بن الحارث حدثنا الوليد بن صالح حدثنا ثابت أبو زيد العباداني عن هلال بن خباب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" تحشرون حفاة عراة مشاة غرلا "
قال فقالت زوجته:
يا رسول الله ، أويرى بعضنا عورة بعض؟!
قال : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) أو قال ما أشغله عن النظر.

وقد رواه النسائي منفردا به عن أبي داود عن عارم عن ثابت بن يزيد وهو أبو زيد الأحول البصري أحد الثقات عن هلال بن خباب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
وقد رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن محمد بن الفضل عن ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
تحشرون حفاة عراة غرلا.
فقالت امرأة :
أيبصر أو يرى بعضنا عورة بعض؟!
قال:
يا فلانة ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .
ثم قال الترمذي وهذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن ابن عباس رضي الله عنه .

وقال النسائي:
أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا الزبيدي أخبرني الزهري عن عروة عن عائشة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال:
يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا.
فقالت عائشة:
يا رسول الله فكيف بالعورات؟!
فقال : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .

انفرد به النسائي من هذا الوجه.

ثم قال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي ، حدثنا أزهر بن حاتم حدثنا الفضل بن موسى عن عائد بن شريح عن أنس بن مالك قال:
سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني سائلتك عن حديث فتخبرني أنت به.
فقال:
إن كان عندي منه علم.
قالت:
يا نبي الله كيف يحشر الرجال.
قال: حفاة عراة. ثم انتظرت ساعة فقالت: يا نبي الله كيف يحشر النساء؟
قال: كذلك حفاة عراة.
قالت: واسوأتاه من يوم القيامة.
قال: وعن أي ذلك تسألين إنه قد نزل علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أو لا يكون.
قالت: أية آية هي يا نبي الله؟
قال : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .

وقال البغوي:
في تفسيره :
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني الحسين بن عبد الله حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن عبد العزيز حدثنا ابن أبي أويس حدثنا أبي ، عن محمد بن أبي عياش عن عطاء بن يسار عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:

قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان.
فقلت: يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟!
فقال: قد شغل الناس ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .

هذا حديث غريب من هذا الوجه جدا.
وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عمار الحسين بن حريث المروزي عن الفضل بن موسى به .
ولكن قال أبو حاتم الرازي:
عائذ بن شريح ضعيف في حديثه ضعف .
جزاك الله خيرا 🌹
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ) [الممتحنة : 11]
ثم قال :
( وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ) قال مجاهد ، وقتادة :
هذا في الكفار الذين ليس لهم عهد ، إذا فرت إليهم امرأة ولم يدفعوا إلى زوجها شيئا ، فإذا جاءت منهم امرأة لا يدفع إلى زوجها شيء ، حتى يدفع إلى زوج الذاهبة إليهم مثل نفقته عليها .

وقال ابن جرير :
حدثنا يونس حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن الزهري قال :
أقر المؤمنون بحكم الله ، فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم ، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين ، فقال الله للمؤمنين به :
( وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )
فلو أنها ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين ، رد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرن ، ثم ردوا إلى المشركين فضلا إن كان بقي لهم .
والعقب : ما كان بأيدي المؤمنين من صداق نساء الكفار حين آمن وهاجرن .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية :
يعني إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار ، أمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق .

وهكذا قال مجاهد : ( فعاقبتم ) أصبتم غنيمة من قريش أو غيرهم ( فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا )
يعني : مهر مثلها .
وهكذا قال مسروق ، وإبراهيم ، وقتادة ، ومقاتل ، والضحاك ، وسفيان بن حسين ، والزهري أيضا .

وهذا لا ينافي الأول ; لأنه إن أمكن الأول فهو أولى ، وإلا فمن الغنائم اللاتي تؤخذ من أيدي الكفار .
وهذا أوسع ، وهو اختيار ابن جرير ، ولله الحمد والمنة .
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة : 12]

قال البخاري :
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي ابن شهاب ، عن عمه قال : أخبرني عروة أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية :
( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ) إلى قوله : ( غفور رحيم )
قال عروة : قالت عائشة : فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات ، قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قد بايعتك " ، كلاما ، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ، ما يبايعهن إلا بقوله : " قد بايعتك على ذلك " هذا لفظ البخاري .

وقال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن أميمة بنت رقيقة قالت :
أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نساء لنبايعه ، فأخذ علينا ما في القرآن : ( أن لا يشركن بالله شيئا ) الآية ، وقال : " فيما استطعتن وأطقتن ".
قلنا : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ، قلنا : يا رسول الله ، ألا تصافحنا ؟
قال " إني لا أصافح النساء ، إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة " .
هذا إسناد صحيح ، وقد رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث سفيان بن عيينة ، - والنسائي أيضا من حديث الثوري ، - ومالك بن أنس كلهم ، عن محمد بن المنكدر به . .
وقال الترمذي : حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن المنكدر .

وقد رواه أحمد أيضا من حديث محمد بن إسحاق ، عن محمد بن المنكدر ، عن أميمة به . وزاد : " ولم يصافح منا امرأة " . وكذا رواه ابن جرير من طريق موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر به . . ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر الرازي ، عن محمد بن المنكدر : حدثتني أميمة بنت رقيقة - وكانت أخت خديجة خالة فاطمة ، من فيها إلى في ، فذكره .

وقال الإمام أحمد :
حدثنا يعقوب حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني سليط بن أيوب بن الحكم بن سليم ، عن أمه سلمى بنت قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صلت معه القبلتين ، وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار - قالت :
جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبايعه في نسوة من الأنصار ، فلما شرط علينا : ألا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف - قال : " ولا تغششن أزواجكن " .
قالت : فبايعناه ، ثم انصرفنا ، فقلت لامرأة منهن : ارجعي فسلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
ما غش أزواجنا ؟
قال : فسألته فقال : " تأخذ ماله ، فتحابي به غيره " .

وقال الإمام أحمد :
حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب ، حدثني أبي ، عن أمه عائشة بنت قدامة - يعني : ابن مظعون - قالت : أنا مع أمي رائطة بنت سفيان الخزاعية ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع النسوة ويقول :
" أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ، ولا تسرقن ، ولا تزنين ، ولا تقتلن أولادكن ، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ، ولا تعصينني في معروف " .
قالت : فأطرقن .
فقال لهن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلن : نعم فيما استطعتن " . فكن يقلن وأقول معهن ، وأمي تلقني : قولي أي بنية ، نعم فيما استطعت . فكنت أقول كما يقلن

وقال البخاري :
حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية قالت :
بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ علينا : ( أن لا يشركن بالله شيئا ) ونهانا عن النياحة ، فقبضت امرأة يدها ، قالت : أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها .
فما قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فانطلقت ورجعت فبايعها .
ورواه مسلم . وفي رواية : " فما وفى منهن امرأة غيرها ، وغير أم سليم ابنة ملحان " .

وللبخاري عن أم عطية قالت :
أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند البيعة ألا ننوح ، فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة :
أم سليم ، وأم العلاء ، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ ، وامرأتان - أو : ابنة أبي سبرة ، وامرأة معاذ ، وامرأة أخرى .

وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعاهد النساء بهذه البيعة يوم العيد ، كما قال البخاري :
حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني ابن جريج : أن الحسن بن مسلم أخبره ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال :
شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد ، فنزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال :
( ياأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ) حتى فرغ من الآية كلها . ثم قال حين فرغ : " أنتن على ذلك ؟ " .
فقالت امرأة واحدة ، ولم يجبه غيرها : نعم يا رسول الله - لا يدري الحسن من هي - قال : " فتصدقن " ، قال : وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال .

وقال الإمام أحمد :
حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا ابن عياش ، عن سليمان بن سليم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال :
جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبايعه على الإسلام ، فقال :
" أبايعك على ألا تشركي بالله شيئا ، ولا تسرقي ، ولا تزني ، ولا تقتلي ولدك ، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ، ولا تنوحي ، ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى "

وقال الإمام أحمد :
حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبادة بن الصامت قال :
كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس فقال : " تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم - قرأ الآية التي أخذت على النساء ( إذا جاءك المؤمنات ) فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به ، فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه ، فهو إلى الله ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه " . أخرجاه في الصحيحين .

وقال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت قال :
كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيعة النساء ، وذلك قبل أن يفرض الحرب ، على ألا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ، وقال : " فإن وفيتم فلكم الجنة " رواه ابن أبي حاتم .

وقد روى ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس :
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر بن الخطاب فقال :
" قل لهن : إن رسول الله يبايعكن على ألا تشركن بالله شيئا " - وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة منكرة في النساء - فقالت :
" إني إن أتكلم يعرفني ، وإن عرفني قتلني " . وإنما تنكرت فرقا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسكت النسوة اللاتي مع هند ، وأبين أن يتكلمن .
فقالت هند وهي منكرة :
كيف تقبل من النساء شيئا لم تقبله من الرجال ؟ ففطن إليها رسول الله وقال لعمر :
" قل لهن : ولا تسرقن " .
قالت هند : والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنات ، ما أدري أيحلهن لي أم لا ؟
قال أبو سفيان : ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي ، فهو لك حلال . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفها ، فدعاها فأخذت بيده ، فعاذت به ، فقال : " أنت هند ؟ " .
قالت : عفا الله عما سلف . فصرف عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ولا يزنين ".
فقالت : يا رسول الله ، وهل تزني الحرة ؟
قال : " لا والله ما تزني الحرة " .
فقال : " ولا يقتلن أولادهن " .
قالت هند : أنت قتلتهم يوم بدر ، فأنت وهم أبصر .
قال : ( ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ) قال ( ولا يعصينك في معروف ) قال : منعهن أن ينحن ، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ، ويقطعن الشعور ، ويدعون بالثبور . والثبور : الويل .
وهذا أثر غريب ، وفي بعضه نكارة ، والله أعلم ; فإن أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيفهما ، بل أظهر الصفاء والود له ، وكذلك كان الأمر من جانبه ، عليه السلام ، لهما .

وقال مقاتل بن حيان :
أنزلت هذه الآية يوم الفتح ، فبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجال على الصفا ، وعمر يبايع النساء تحتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر بقيته كما تقدم وزاد : فلما قال :
( ولا يقتلن أولادهن )
قالت هند : ربيناهم صغارا فقتلتموهم كبارا .
فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى . رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا نصر بن علي ، حدثتني غبطة بنت سليمان ، حدثتني عمتي ، عن جدتها ، عن عائشة قالت :
جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتبايعه ، فنظر إلى يدها فقال :
" اذهبي فغيري يدك " .
فذهبت فغيرتها بحناء ، ثم جاءت فقال : " أبايعك على ألا تشركي بالله شيئا " ، فبايعها وفي يدها سواران من ذهب ، فقالت : ما تقول في هذين السوارين ؟
فقال : " جمرتان من جمر جهنم " .

فقوله :
( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ) أي : من جاءك منهن يبايع على هذه الشروط فبايعها ، ( على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ) أي : أموال الناس الأجانب ، فأما إذا كان الزوج مقصرا في نفقتها ، فلها أن تأكل من ماله بالمعروف ، ما جرت به عادة أمثالها ، وإن كان بغير علمه ، عملا بحديث هند بنت عتبة أنها قالت :
يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ، فهل علي جناح إن أخذت من ماله بغير علمه ؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك " . أخرجاه في الصحيحين .

وقوله : ( ولا يزنين ) كقوله ( ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) [ الإسراء : 32 ] .
وفي حديث سمرة ذكر عقوبة الزناة بالعذاب الأليم في نار الجحيم .

وقال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت :
جاءت فاطمة بنت عتبة تبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ عليها : ( أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ) الآية ، قالت : فوضعت يدها على رأسها حياء ، فأعجبه ما رأى منها ، فقالت عائشة : أقري أيتها المرأة ، فوالله ما بايعنا إلا على هذا . قالت : فنعم إذا . فبايعها بالآية .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن فضيل ، عن حصين ، عن عامر - هو الشعبي - قال :
بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء ، وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه ، ثم قال : " ولا تقتلن أولادكن " . فقالت امرأة : تقتل آباءهم وتوصينا بأولادهم ؟
قال : وكان بعد ذلك إذا جاءت النساء يبايعنه ، جمعهن فعرض عليهن ، فإذا أقررن رجعن .

وقوله ( ولا يقتلن أولادهن ) وهذا يشمل قتله بعد وجوده ، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق ، ويعم قتله وهو جنين ، كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء ، تطرح نفسها لئلا تحبل إما لغرض فاسد ، أو ما أشبهه .

وقوله : ( ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ) قال ابن عباس : يعني لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم . وكذا قال مقاتل . ويؤيد هذا الحديث الذي رواه أبو داود :

حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو - يعني : ابن الحارث ، - عن ابن الهاد ، عن عبد الله بن يونس ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين نزلت آية الملاعنة :
" أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ، فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ، احتجب الله منه ، وفضحه على رءوس الأولين والآخرين " .

وقوله : ( ولا يعصينك في معروف ) يعني : فيما أمرتهن به من معروف ، ونهيتهن عنه من منكر .

قال البخاري :
حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي قال :
سمعت الزبير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا يعصينك في معروف ) قال : إنما هو شرط شرطه الله للنساء .

وقال ميمون بن مهران : لم يجعل الله لنبيه طاعة إلا لمعروف ، والمعروف : طاعة .

وقال ابن زيد : أمر الله بطاعة رسوله ، وهو خيرة الله من خلقه في المعروف .
وقد قال غيره عن ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وسالم بن أبي الجعد ، وأبي صالح ، وغير واحد :
نهاهن يومئذ عن النوح . وقد تقدم حديث أم عطية في ذلك أيضا .

وقال ابن جرير :
حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في هذه الآية :
ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ عليهن النياحة ، ولا تحدثن الرجال إلا رجلا منكن محرما .
فقال عبد الرحمن بن عوف : يا نبي الله ، إن لنا أضيافا ، وإنا نغيب عن نسائنا .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس أولئك عنيت ، ليس أولئك عنيت " .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء ، أخبرنا ابن أبي زائدة ، حدثني مبارك ، عن الحسن قال : كان فيما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" ألا تحدثن الرجال إلا أن تكون ذات محرم ، فإن الرجل لا يزال يحدث المرأة حتى يمذي بين فخذيه " .

وقال ابن جرير :
حدثنا ابن حميد ، حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن ابن سيرين ، عن أم عطية الأنصارية قالت :
كان فيما اشترط علينا من المعروف حين بايعنا ألا ننوح ، فقالت امرأة من بني فلان : إن بني فلان أسعدوني ، فلا حتى أجزيهم ، فانطلقت ، فأسعدتهم ، ثم جاءت فبايعت ، قالت : فما وفى منهن غيرها ، وغير أم سليم ابنة ملحان أم أنس بن مالك .

وقد روى البخاري هذا الحديث من طريق حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها وقد روي نحوه من وجه آخر أيضا .

وقال ابن جرير :
حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عمر بن فروخ القتات ، حدثني مصعب بن نوح الأنصاري قال :
أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قالت : فأتيته لأبايعه ، فأخذ علينا فيما أخذ ألا تنحن . فقالت عجوز : يا رسول الله ، إن ناسا قد كانوا أسعدوني على مصائب أصابتني ، وأنهم قد أصابتهم مصيبة ، فأنا أريد أسعدهم .
قال : " فانطلقي فكافئيهم " . فانطلقت فكافأتهم ، ثم إنها أتته فبايعته ، وقال : هو المعروف الذي قال الله عز وجل : ( ولا يعصينك في معروف ) .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا القعنبي ، حدثنا الحجاج بن صفوان ، عن أسيد بن أبي أسيد البراد ، عن امرأة من المبايعات قالت :
كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن لا نعصيه في معروف : أن لا نخمش وجوها ، ولا ننشر شعرا ، ولا نشق جيبا ، ولا ندعو ويلا .

وقال ابن جرير :
حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن يزيد مولى الصهباء ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله :
( ولا يعصينك في معروف ) قال : " النوح " .

ورواه الترمذي في التفسير ، عن عبد بن حميد ، عن أبي نعيم ، وابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع - كلاهما عن يزيد بن عبد الله الشيباني مولى الصهباء به . ، وقال الترمذي : حسن غريب .

وقال ابن جرير :
حدثنا محمد بن سنان القزاز ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا إسحاق بن عثمان أبو يعقوب ، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ، عن جدته أم عطية قالت :
لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع نساء الأنصار في بيت ، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقام على الباب وسلم علينا ، فرددن - أو : فرددنا - عليه السلام ، ثم قال : " أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكن " . قالت : فقلنا : مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله . فقال : " تبايعن على ألا تشركن بالله شيئا ، ولا تسرقن ، ولا تزنين ؟ "
قالت : فقلنا : نعم .
قالت : فمد يده من خارج الباب - أو : البيت - ومددنا أيدينا من داخل البيت ، ثم قال : " اللهم اشهد " .
قالت : وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحيض ، والعواتق ، ولا جمعة علينا ، ونهانا عن اتباع الجنائز . قال إسماعيل : فسألت جدتي عن قوله : ( ولا يعصينك في معروف ) قالت : النياحة .

وفي الصحيحين من طريق الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " .

وفي الصحيحين أيضا عن أبي موسى : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برئ من الصالقة ، والحالقة ، والشاقة .

وقال الحافظ أبو يعلى :
حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا أبان بن يزيد ، حدثنا يحيى بن أبي كثير : أن زيدا حدثه :
أن أبا سلام حدثه : أن أبا مالك الأشعري حدثه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة .
وقال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب " .

ورواه مسلم في صحيحه منفردا به ، من حديث أبان بن يزيد العطار به . .

وعن أبي سعيد :
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن النائحة والمستمعة . رواه أبو داود
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) [الممتحنة : 13]
ينهى تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين في آخر " هذه السورة " كما نهى عنها في أولها فقال :
( يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ) يعني : اليهود والنصارى وسائر الكفار ، ممن غضب الله عليه ولعنه واستحق من الله الطرد والإبعاد ، فكيف توالونهم وتتخذونهم أصدقاء وأخلاء وقد يئسوا من الآخرة ، أي : من ثواب الآخرة ونعيمها في حكم الله عز وجل .
وقوله :
( كما يئس الكفار من أصحاب القبور )
فيه قولان ، أحدهما :
كما يئس الكفار الأحياء من قراباتهم الذين في القبور أن يجتمعوا بهم بعد ذلك ; لأنهم لا يعتقدون بعثا ولا نشورا ، فقد انقطع رجاؤهم منهم فيما يعتقدونه .

قال العوفي ، عن ابن عباس :
( يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ) إلى آخر السورة ، يعني من مات من الذين كفروا فقد يئس الأحياء من الذين كفروا أن يرجعوا إليهم أو يبعثهم الله عز وجل .

وقال الحسن البصري :
( كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) قال : الكفار الأحياء قد يئسوا من الأموات .

وقال قتادة :
كما يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا . وكذا قال الضحاك . رواهن ابن جرير .

والقول الثاني :
معناه : كما يئس الكفار الذين هم في القبور من كل خير .

قال الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن ابن مسعود :
( كما يئس الكفار من أصحاب القبور )
قال : كما يئس هذا الكافر إذا مات وعاين ثوابه واطلع عليه .
وهذا قول مجاهد ، وعكرمة ، ومقاتل ، وابن زيد ، والكلبي ، ومنصور . وهو اختيار ابن جرير .

آخر تفسير سورة الممتحنة ولله الحمد والمنة.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@@

( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر : 1]

تفسير سورة الحشر

وكان ابن عباس يقول : سورة بني النضير . وهي مدنية .

قال سعيد بن منصور :
حدثنا هشيم عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة الحشر ؟
قال : أنزلت في بني النضير .
ورواه البخاري ومسلم من وجه آخر ، عن هشيم به .
ورواه البخاري من حديث أبي عوانة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة الحشر ؟
قال : قل : سورة النضير .

يخبر تعالى أن جميع ما في السماوات وما في الأرض من شيء يسبح له ويمجده ويقدسه ، ويصلي له ويوحده كقوله :
( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) [ الإسراء : 44 ] .
وقوله :
( وهو العزيز ) أي : منيع الجناب.
( الحكيم ) في قدره وشرعه.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر : 2]
وقوله : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب ) يعني : يهود بني النضير .
قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والزهري ، وغير واحد :
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهدا وذمة ، على ألا يقاتلهم ولا يقاتلوه ، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه ، فأحل الله بهم بأسه الذي لا مرد له ، وأنزل عليهم قضاءه الذي لا يصد ، فأجلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون ، وظنوا هم أنها مانعتهم من بأس الله ، فما أغنى عنهم من الله شيئا ، وجاءهم ما لم يكن ببالهم ، وسيرهم رسول الله وأجلاهم من المدينة فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أعالي الشام وهي أرض المحشر والمنشر ، ومنهم طائفة ذهبوا إلى خيبر .
وكان قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم ، فكانوا يخربون ما في بيوتهم من المنقولات التي يمكن أن تحمل معهم ; ولهذا قال :
( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) أي : تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله ، وكذب كتابه ، كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا ، مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم .

قال أبو داود :
حدثنا محمد بن داود ، وسفيان ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي ، ومن كان معه يعبد معه الأوثان من الأوس ، والخزرج ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر :
إنكم آويتم صاحبنا ، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه ، أو لتخرجنه ، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا ، حتى نقتل مقاتلتكم ، ونستبيح نساءكم.
فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان ، اجتمعوا لقتال النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيهم ، فقال :
" لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريد أن تكيدوا به أنفسكم ، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم ؟ ".
فلما سمعوا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا ، فبلغ ذلك كفار قريش ، فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود :
إنكم أهل الحلقة والحصون ، وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء - وهي الخلاخيل - فلما بلغ كتابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمعت بنو النضير بالغدر ، فأرسلوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - :
اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك ليخرج منا ثلاثون حبرا ، حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك ، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك ، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتائب فحصرهم ، قال لهم :
" إنكم والله لا تأمنوا عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه " .
فأبوا أن يعطوه عهدا ، فقاتلهم يومهم ذلك ، ثم غدا الغد على بني قريظة بالكتائب ، وترك بني النضير ، ودعاهم إلى أن يعاهدوه ، فعاهدوه ، فانصرف عنهم .
وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم ، حتى نزلوا على الجلاء . فجلت بنو النضير ، واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها ، وكان نخل بني النضير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، أعطاه الله أياها وخصه بها ، فقال :
( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) يقول : بغير قتال ، فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثرها للمهاجرين ، قسمها بينهم ، وقسم منها لرجلين من الأنصار وكانا ذوي حاجة ، ولم يقسم من الأنصار غيرهما ، وبقي منها صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي في أيدي بني فاطمة .

ولنذكر ملخص غزوة بني النضير على وجه الاختصار ، وبالله المستعان .

وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي والسير :
أنه لما قتل أصحاب بئر معونة ، من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا سبعين ، وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري ، فلما كان في أثناء الطريق راجعا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر ، وكان معهما عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمان لم يعلم به عمرو فلما رجع أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" لقد قتلت رجلين ، لأدينهما "
وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك الرجلين ، وكان منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها .

قال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه السيرة :
ثم خرج رسول الله إلى بني النضير ، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري ; للجوار الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقد لهما ، فيما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير ، وبني عامر عقد وحلف . فلما أتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، نعينك على ما أحببت ، مما استعنت بنا عليه . ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا :
إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنب جدار من بيوتهم - فمن رجل يعلو على هذا البيت ، فيلقي عليه صخرة ، فيريحنا منه ؟
فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم ، فقال : أنا لذلك ، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه ، فيهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي رضي الله عنهم .
فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من السماء بما أراد القوم ، فقام وخرج راجعا إلى المدينة فلما استلبث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه ، فقال : رأيته داخلا المدينة .
فأقبل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهوا إليه ، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به ، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم . ثم سار حتى نزل بهم فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع النخل والتحريق فيها . فنادوه : أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه ، فما بال قطع النخل وتحريقها ؟

وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ، منهم عبد الله بن أبي بن سلول ، ووديعة ، ومالك بن أبي قوقل ، وسويد ، وداعس ، قد بعثوا إلى بني النضير :
أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ، فتربصوا ذلك من نصرهم ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ، ففعل ، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل ، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه ، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به . فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام وخلوا الأموال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت لرسول الله خاصة يضعها حيث شاء ، فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار . إلا أن سهل بن حنيف ، وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا ، فأعطاهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قال : ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان : يامين بن عمير بن كعب بن عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها .

قال : ابن إسحاق : قد حدثني بعض آل يامين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ليامين :
" ألم تر ما لقيت من ابن عمك ، وما هم به من شأني " .
فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل عمرو بن جحاش فقتله فيما يزعمون .

قال ابن إسحاق : ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها .

وهكذا روى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، بنحو ما تقدم .

فقوله : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب ) يعني : بني النضير ( من ديارهم لأول الحشر ) .

قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن أبي سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال :
من شك في أن أرض المحشر ها هنا - يعني الشام فليتل هذه الآية :
( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ).
قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اخرجوا " .
قالوا : إلى أين ؟
قال : " إلى أرض المحشر " .

وحدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن عوف ، عن الحسن قال : لما أجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني النضير قال : " هذا أول الحشر ، وأنا على الأثر " .

ورواه ابن جرير ، عن بندار عن ابن أبي عدي ، عن عوف عن الحسن به .
وقوله : ( ما ظننتم أن يخرجوا ) أي : في مدة حصاركم لهم وقصرها ، وكانت ستة أيام ، مع شدة حصونهم ومنعتها ; ولهذا قال :
( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) أي : جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ، كما قال في الآية الأخرى :
( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) [ النحل : 26 ] .

وقوله : ( وقذف في قلوبهم الرعب ) أي : الخوف والهلع والجزع ، وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي نصر بالرعب مسيرة شهر ، صلوات الله وسلامه عليه .

وقوله : ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) قد تقدم تفسير ابن إسحاق لذلك ، وهو نقض ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم ، وتحملها على الإبل ، وكذا قال عروة بن الزبير ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد .

وقال مقاتل بن حيان :
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقاتلهم ، فإذا ظهر على درب أو دار ، هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال .
♡♕ وكان اليهود إذا علوا مكانا أو غلبوا على درب أو دار ، نقبوا من أدبارها ثم حصنوها ودربوها ، يقول الله تعالى : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) .
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )