الزواج المدني هو عبارةٌ عن إسقاط كلّ الفوارق الدينيّة والمذهبيّة بين رجلٍ وامرأةٍ يريدان الإرتباط ببعضهما والعيش سويةً تحت سقفٍ واحدٍ، وبناءً عليه فلا مانع من زواج الكاثوليكي بالأرثوذكسية وكذلك العكس، ولا مانع من زواج المسلمة بالمسيحي وكذا العكس.
ومنشأ هذا الزواج ومبرّره هو التعقيدات التي كانت تضعها الكنائس المسيحيّة على اختلاف عقائدها حيث كانت تمنع زواج أبناء مذهبٍ من أبناء مذهبٍ آخرٍ إلاّ إذا وافق أحد الطّرفين على تبديل مذهبه، ومن هنا جاءت التسمية بـ"الزواج المدني" حيث تكون تشريعات الدولة لا الكنيسة هي التي تمنح الإرتباط الزوجي لكلٍّ من الرجل والمرأة.
إلاّ أنّ السبب الأهم والأعمق لبروز ظاهرة "الزواج المدني" هو الصراع العنيف الذي عاشته أوروبا بين الكنيسة والتيّار العلمي وأدّى إلى إزهاق أرواح الآلاف من العلماء والمُبدعين بتهم الزّندقة وطرح الأفكار المُعادية والمُخالفة لآراء الكنيسة ومعتقداتها.
وعليه فيمكن اعتبار ظاهرة "الزواج المدني" هو ردّ الفعل من جانب العلمانيين الذين انتصروا في معركتهم ضدّ الكنيسة وهيمنتها على سياسات الدول، وبدءوا بسنّ التشريعات التي جعلت دور الكنيسة محصوراً في مسألة الوعظ الدينيّ لا غير.
إلاّ أنّ الزواج المدنيّ لم يكن أحدٌ يتصوّر أنّه سيتطوّر لاحقاً إلى ما وصل إليه اليوم من حيث تنوّع العلاقات التي يبيحها هذا الزواج، فانتقل من كونه ردّ فعلٍ من جانب العلمانيين لتمكين أبناء المذاهب المسيحية المختلفة من الإرتباط ببعضهم البعض برابط الزوجيّة من دون الحاجة إلى تغيير مذاهبهم، إلى إباحة الزواج بين رجلٍ ورجل، أو بين امرأةٍ وامرأة، مع أنّ هذا النوع من العلاقات مُحرّم بنظر كلّ أهل الأديان السماويّة لوضوح مُخالفته لناموس الطبيعة وقانونها الذي يفرض الإنجذاب التكوينيّ إلى الجنس الآخر لا الجنس المُماثل.