فَراغٌ يُقيدني . وقَيدٌ يُفرغ سطوته على معصمي ! صبرٌ خارَ جسدهُ ولفّهُ الحِداد فــ لم يعُد يقوى على الحِراك سِوى أن تمتدّ أصابعهُ لــ صمتٍ استطال به الأمد فــ امتد حتى فقأ عين الأنين ! لم أعُد آلفُ الصوت ودفء الحياة ! لم يعُد يُغريني مايُخبّئهُ لي مُنعطف الصُدف الجميلة وفصول الحُب الملوّنة لم يعُد الضوء يُعانق الشروق . ولم تعُد العصافير تشدو بــ غناء الحُب ولم يعُد الربيع يُهدينا سِلال العطر ! كُل ضوءٍ اغتاله الظلام وكُل طفولةٍ وأدها اليُتم ومَشاهِد الأسى ترسم قصصها على غنائم القَهر ! كُل ملامح العابرين اعتصرتها الغُربة فــ تكبّدت تقاسيم الغموض ! وخُطواتٍ تجمعها بُؤرة الضياع ! هذا الفراغ يُحدِّق بي ,.. يُهديني هرم الأيام حتى ابيضّت منه عين الحياة ... وبات هذا الصمت عارياً إلاّ من فَقد المساء ! لم أكُن أعلم أني انزلقت من شاهق الحلم إلى اخر خُطوات ما قبل الهاوية ..! ذاك الطريق الذي لايصل إلى شيء ويسحق أمامه كُل شيء ! " فــ يا أيُّها الغيم لاتُخبر المطر عن عطشي . فــ لم يعُد ماء الحياة . " يُغريني " !
إلى شطري الأخر الذي أمتهنت لــ أجله كتابة الرسائل ، تلك الرسائل التي لا أحتاج إلى تغليفها بــ شكل أنيق لــ تُلقى في صندوق بريد، أو حتى لــ تحملها يد ساعي حنين بــ أتجاه من حملوا كثيرنا وغابوا.. رسائلي ياشطري الأخر مسوَدّات لا تحمل عناوين ثابته ، مسوَدّات هاربة من أدراجنا القديمة التي كُسرت أقفالها بــ يد حنين لــ أيامٍ ماضيات، مسوَدّات لا تُلقى على رف لا مبالاة وإن حملت بين طياتها جميع وعود الخذلان الكاذبة ، و فجور الأماني الذي لا يسترها واقع ضرير ، مسوَدّات لــ حرف لم ألقمه يوماً جرعة فرح كاملة تستحق أن تُقرأ .. أو أن تُخلد بين طيات كتاب حزين ..لــ أُهديك أياه.!!
البارحة تمنيتُ أن يخبرني الغياب عنك يا شطريّ ، وأن تتسع وشايته لما بعد فراغين ورواية غير منقوصة لا يطول مكوثها في الذاكرة لــ أكثر من حنين ، وأن يشي بعدها بــ شجن الإبتعاد ،والرغبات المكتنزة ، وأن يُحدثني عن هزو الأبجديات في أخر سطر شطبناه معاً ، وعن الضيق المُفرط للسعة التي كانت تتسم بها وعودُنا ، وعن أفتعال النسيان الذي لا يأت بــ الخير الكثير ، لــ يكون لي الحق بعدها في الأعتراف بــ أن الابجديات يا رفيقي ما عادت تتماهى مع رغبتنا في أمساك عشر أُمنيات وإطلاق سراح واحدة ، لذا أتت إستفاقات الحنين متأخرة جداً، متأخرة لــ درجة أن أعمارنا لا تكفي لــ منحنا شرعيّة معاودة المحاولة ولو لــ مرةٌ واحدة فقط ، و أن جميع وعودُنا التي كانت تأتي بــ محض رغبة تلك الصُدف التي كُنا نصنعها عمداً لــ تجمع أحلامنا في أحد كفيها .. وتسلبها حق أن تكون بــ الكف الأُخرى .. بقت مُجرد أشباه حقائق مُفلسات انتزع الزمن إيماننا بها واحدةٌ تلو الأُخرى .. أنت فقط ... "أوفى ما أهدتني إياه أيامي الماضيات "...!
حفنة ضوء في كفّيك .. وفراشة تجثم على نظرات علقتها أنت على مشجب المدى .. ولا يخطر لــ من يخبز الضجيج الطازج على ناصية الليل أنك تسكنني بــ منأى عن فوضاهم .. أشتاقك كــ العائدة من دروب سجنت خطواتي في أزقّة الظلام .. خائفة .. ولا أعتمر سوى تمتمات للسكينة تكاد أن تكون كظيمة .. ولا تلقي بــ ضوئك على دربي .. بل تطلق عنان أجنحتي أنا المتهدجة بــ ترتيل الغضب .. نتوقف قليلا في حلول النبض الذي مر بي وبك .. فــ أمست خفقاتنا مزيج للحياة .. ولا نتجادل .. نصمت ونشيح بــ غضبنا هنيهة وقد يعود الحزن ليلقي علينا بــ اخر لعناته .. كل الخيال الذي قطفته من حقل الأنتظار لــ يليق بــ مكثك .. هاهو يلوذ بــ جُمجمتي مُجدداً .. ويأبى مُجاراة قهرك .. كــ ذنب هام على وجهه في إثر الطيش وعاد بــ حفنة من الندم .. والفراشة لم تكُ لــ تدنو .. وتحترق .. فقد تذكرت أن نسيت أجنحتها عند أطراف أصابعك .. واستحمّت في لجة ظلام .. فــ لا تنال الضوء .. ولا تقدر على التحرر ..