أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

تفسير ابن كثير

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) [الرحمن : 5]
وقوله : ( الشمس والقمر بحسبان ) أي : يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب ، ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 40 ].
وقال تعالى : ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ الأنعام : 96 ] .

وعن عكرمة أنه قال : لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد ، ثم كشف حجابا واحدا من سبعين حجابا دون الشمس ، لما استطاع أن ينظر إليها .
ونور الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي ، ونور الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش ، ونور العرش جزء من سبعين جزءا من نور الستر .
فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا . رواه ابن أبي حاتم .

( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) [الرحمن : 6]
وقوله : ( والنجم والشجر يسجدان )
قال ابن جرير : اختلف المفسرون في معنى قوله : ( والنجم ) بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق ، فروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : النجم ما انبسط على وجه الأرض - يعني من النبات .
وكذا قال سعيد بن جبير ، والسدي ، وسفيان الثوري . وقد اختاره ابن جرير رحمه الله .

وقال مجاهد : النجم الذي في السماء .
وكذا قال الحسن وقتادة .
وهذا القول هو الأظهر والله أعلم ; لقوله تعالى :
( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ) الآية [ الحج : 18 ] .
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) [الرحمن : 10]
وقوله :
( والأرض وضعها للأنام ) أي : كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها ، وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات ، لتستقر لما على وجهها من الأنام ، وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم ، في سائر أقطارها وأرجائها .
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد : الأنام : الخلق .

( فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ) [الرحمن : 11]
( فيها فاكهة ) أي : مختلفة الألوان والطعوم والروائح.
( والنخل ذات الأكمام ) أفرده بالذكر لشرفه ونفعه ، رطبا ويابسا .
والأكمام - قال ابن جريج عن ابن عباس : هي أوعية الطلع .
وهكذا قال غير واحد من المفسرين ، وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود ، فيكون بسرا ثم رطبا ، ثم ينضج ويتناهى ينعه واستواؤه .

قال ابن أبي حاتم ذكر عن عمرو بن علي الصيرفي :
حدثنا أبو قتيبة ، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي ، عن الشعبي قال :
كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب :
أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك ، فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير ، تخرج مثل آذان الحمير ، ثم تشقق مثل اللؤلؤ ، ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر ، ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر ، ثم تينع وتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل ، ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزادا للمسافر ، فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة .
فكتب إليه عمر بن الخطاب :
من عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم ، إن رسلك قد صدقوك ، هذه الشجرة عندنا ، وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها ، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلها من دون الله ، فإن ( مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) [ آل عمران : 59 ، 60 ] .

وقيل :
الأكمام رفاتها ، وهو : الليف الذي على عنق النخلة .
وهو قول الحسن وقتادة .
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) [الرحمن : 12]
( والحب ذو العصف والريحان )
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :
( والحب ذو العصف ) يعني : التبن .

وقال العوفي ، عن ابن عباس :
( العصف ) ورق الزرع الأخضر الذي قطع رءوسه ، فهو يسمى العصف إذا يبس .
وكذا قال قتادة ، والضحاك ، وأبو مالك : عصفه : تبنه .

وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : ( والريحان ) يعني : الورق .

وقال الحسن : هو ريحانكم هذا .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( والريحان ) خضر الزرع .

ومعنى هذا - والله أعلم - أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف ، وهو : ما على السنبلة ، وريحان ، وهو : الورق الملتف على ساقها .

وقيل : العصف : الورق أول ما ينبت الزرع بقلا .
والريحان : الورق ، يعني : إذا أدجن وانعقد فيه الحب . كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة .

وقولا له :
من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا ؟ ويخرج منه حبه في رءوسه ؟

ففي ذاك آيات لمن كان واعيا.

( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن : 13]
وقوله : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) أي : فبأي الآلاء - يا معشر الثقلين ، من الإنس والجن - تكذبان ؟
قاله مجاهد ، وغير واحد .
ويدل عليه السياق بعده ، أي : النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها ، لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها ، فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون :
" اللهم ، ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد " .
وكان ابن عباس يقول :
" لا بأيها يا رب " . أي : لا نكذب بشيء منها .

قال الإمام أحمد :
حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر ، والمشركون يستمعون ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) [الرحمن : 14]
يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار.

( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) [الرحمن : 15]
( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن : 16]
وخلقه الجان من مارج من نار ، وهو : طرف لهبها .
قاله الضحاك ، عن ابن عباس . وبه يقول عكرمة ، ومجاهد ، والحسن ، وابن زيد .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( من مارج من نار ) من لهب النار ، من أحسنها .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( من مارج من نار ) من خالص النار .
وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك وغيرهم .

وقال الإمام أحمد :
حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " .
ورواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، وعبد بن حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق ، به .
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [الرحمن : 17]

( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن : 18]

( رب المشرقين ورب المغربين ) يعني مشرقي الصيف والشتاء ، ومغربي الصيف والشتاء .
وقال في الآية الأخرى : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) [ المعارج : 40 ] ، وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم ، وبروزها منه إلى الناس .
وقال في الآية الأخرى : ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] .
وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب ، ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس.

( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) [الرحمن : 19]
وقوله : ( مرج البحرين يلتقيان ) قال ابن عباس : أي أرسلهما .

وقوله : ( يلتقيان ) قال ابن زيد : أي : منعهما أن يلتقيا ، بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما .

والمراد بقوله : ( البحرين ) الملح والحلو ، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس .
وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة " الفرقان " عند قوله تعالى : ( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ) [ الفرقان : 53 ] .
وقد اختار ابن جرير هاهنا أن المراد بالبحرين : بحر السماء وبحر الأرض ، وهو مروي عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطية وابن أبزى .

قال ابن جرير :
لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء ، وأصداف بحر الأرض . وهذا وإن كان هكذا ، ليس المراد [ بذلك ] ما ذهب إليه ، فإنه لا يساعده اللفظ

( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ) [الرحمن : 20]
فإنه تعالى قد قال : ( بينهما برزخ لا يبغيان ) أي : وجعل بينهما برزخا ، وهو الحاجز من الأرض ، لئلا يبغي هذا على هذا ، وهذا على هذا ، فيفسد كل واحد منهما الآخر ، ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه . وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخا وحجرا محجورا .

( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن : 21]
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@

( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) [الرحمن : 22]
( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن : 23]
وقوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) أي : من مجموعهما ، فإذا وجد ذلك لأحدهما كفى ، كما قال تعالى :
( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) [ الأنعام : 130 ] والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن ، وقد صح هذا الإطلاق .
واللؤلؤ معروف ، وأما المرجان فقيل : هو صغار اللؤلؤ . قاله مجاهد ، وقتادة ، وأبو رزين ، والضحاك . وروي عن علي .

وقيل : كباره وجيده . حكاه ابن جرير عن بعض السلف .
ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس ، وحكاه عن السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس .
وروي مثله عن علي ، ومجاهد أيضا ، ومرة الهمداني .

وقيل : هو نوع من الجواهر أحمر اللون .
قال السدي ، عن أبي مالك ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : المرجان : الخرز الأحمر .
قال السدي وهو البسذ بالفارسية .

وأما قوله :
( ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ) [ فاطر : 12 ] ، فاللحم من كل من الأجاج والعذب.
والحلية ، إنما هي من الملح دون العذب .

قال ابن عباس : ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر ، فوقعت في صدفة إلا صار منها لؤلؤة .
وكذا قال عكرمة ، وزاد : فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة .
وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :
إذا أمطرت السماء ، فتحت الأصداف في البحر أفواهها ، فما وقع فيها - يعني : من قطر - فهو اللؤلؤ .
إسناده صحيح ، ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض ، امتن بها عليهم فقال : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .

( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ) [الرحمن : 24]
( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن : 25]
وقوله : ( وله الجوار المنشآت ) يعني : السفن التي تجري في البحر.
قال مجاهد : ما رفع قلعه من السفن فهي منشأة ، وما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة.
وقال قتادة : ( المنشآت ) يعني المخلوقات .
وقال غيره : المنشآت - بكسر الشين - يعني البادئات .

( كالأعلام ) أي : كالجبال في كبرها ، وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر ، وإقليم إلى إقليم ، مما فيه من صلاح للناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع; ولهذا قال [ تعالى ] ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا العرار بن سويد ، عن عميرة بن سعد قال :
كنت مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على شاطئ الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها ، فبسط على يديه ثم قال : يقول الله عز وجل : ( وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام ) . والذي أنشأها تجري في [ بحر من ] بحوره ما قتلت عثمان ، ولا مالأت على قتله .
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) [الرحمن : 26]
( وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن : 27]
( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)؛[الرحمن : 28]
يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون ، وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله ، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم ; فإن الرب - تعالى وتقدس - لا يموت ، بل هو الحي الذي لا يموت أبدا .

قال قتادة : أنبأ بما خلق ، ثم أنبأ أن ذلك كله كان .

وفي الدعاء المأثور : يا حي ، يا قيوم ، يا بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، لا إله إلا أنت ، برحمتك نستغيث ، أصلح لنا شأننا كله ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، ولا إلى أحد من خلقك .

وقال الشعبي : إذا قرأت ( كل من عليها فان ) ، فلا تسكت حتى تقرأ : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) .

وهذه الآية كقوله تعالى :
( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ].
وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية الكريمة بأنه: ( ذو الجلال والإكرام ) أي : هو أهل أن يجل فلا يعصى ، وأن يطاع فلا يخالف ، كقوله :
( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) [ الكهف : 28 ].
وكقوله إخبارا عن المتصدقين :
( إنما نطعمكم لوجه الله ) [ الإنسان : 9 ]

قال ابن عباس :
( ذو الجلال والإكرام ) ذو العظمة والكبرياء .

ولما أخبر عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة ، وأنهم سيصيرون إلى الدار الآخرة ، فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل.
فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن : 29]
وقوله : ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن )
وهذا إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات ، وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم ، وأنه كل يوم هو في شأن .

قال الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير :
( كل يوم هو في شأن ) ، قال : من شأنه أن يجيب داعيا ، أو يعطي سائلا أو يفك عانيا ، أو يشفي سقيما .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال :
كل يوم هو يجيب داعيا ، ويكشف كربا ، ويجيب مضطرا ويغفر ذنبا .

وقال قتادة :
لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض ، يحيي حيا ، ويميت ميتا ، ويربي صغيرا ، ويفك أسيرا ، وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ، ومنتهى شكواهم .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان الحمصي ، حدثنا حريز بن عثمان ، عن سويد بن جبلة - هو الفزاري - قال :
إن ربكم كل يوم هو في شأن ، فيعتق رقابا ، ويعطي رغابا ، ويقحم عقابا .

وقال ابن جرير :
حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي ، حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، حدثني عمرو بن بكر السكسكي ، حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني ، عن أبيه ، عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي ، عن أبيه قال :
تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية :
( كل يوم هو في شأن ) ، فقلنا : يا رسول الله ، وما ذاك الشأن ؟
قال : " أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين " .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، وسليمان بن أحمد الواسطي قالا : حدثنا الوزير بن صبيح الثقفي أبو روح الدمشقي - والسياق لهشام - قال : سمعت يونس بن ميسرة بن حلبس ، يحدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" قال الله عز وجل : ( كل يوم هو في شأن ) قال : " من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين " .
وقد رواه ابن عساكر من طرق متعددة ، عن هشام بن عمار ، به . ثم ساقه من حديث أبي همام الوليد بن شجاع ، عن الوزير بن صبيح قال :
ودلنا عليه الوليد بن مسلم ، عن مطرف ، عن الشعبي ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره .
قال : والصحيح الأول . يعني إسناده الأول .

قلت : وقد روي موقوفا ، كما علقه البخاري بصيغة الجزم ، فجعله من كلام أبي الدرداء ، فالله أعلم .

وقال البزار :
حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن الحارث ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن أبيه عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
( كل يوم هو في شأن ) ، قال : " يغفر ذنبا ، ويكشف كربا " .
ثم قال ابن جرير :
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، عرضه ما بين السماء والأرض ، ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، يخلق في كل نظرة ، ويحيي ويميت ، ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء .

( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن : 30]
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113

تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ) [الرحمن : 31]
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله :
( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) ، قال :
وعيد من الله للعباد ، وليس بالله شغل وهو فارغ .
وكذا قال الضحاك : هذا وعيد .
وقال قتادة : قد دنا من الله فراغ لخلقه .
وقال ابن جريج : ( سنفرغ لكم ) أي : سنقضي لكم .

وقال البخاري : سنحاسبكم ، لا يشغله شيء عن شيء ، وهو معروف في كلام العرب ، يقال لأتفرغن لك " وما به شغل ، يقول : " لآخذنك على غرتك " .

وقوله : ( أيها الثقلان ) الثقلان : الإنس والجن ، كما جاء في الصحيح :
" يسمعها كل شيء إلا الثقلين " وفي رواية : " إلا الجن والإنس " . وفي حديث الصور : " الثقلان الإنس والجن ".

( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن : 32]
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) [الرحمن : 33]
ثم قال : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) أي : لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره ، بل هو محيط بكم ، لا تقدرون على التخلص من حكمه ، ولا النفوذ عن حكمه فيكم ، أينما ذهبتم أحيط بكم ، وهذا في مقام المحشر ، الملائكة محدقة بالخلائق ، سبع صفوف من كل جانب ، فلا يقدر أحد على الذهاب ( إلا بسلطان ) أي : إلا بأمر الله.
( يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ) [ القيامة : 10 - 12 ] .
وقال تعالى : ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ يونس : 27 ] ; ولهذا قال :

( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن : 34]
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟

( يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ) [الرحمن : 35]
( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الشواظ : هو لهب النار .

وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : الشواظ : الدخان .

وقال مجاهد : هو : اللهيب الأخضر المنقطع .
وقال أبو صالح الشواظ هو اللهيب الذي فوق النار ودون الدخان .
وقال الضحاك : ( شواظ من نار ) سيل من نار .

وقوله : ( ونحاس ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ونحاس ) دخان النار .
وروي مثله عن أبي صالح ، وسعيد بن جبير ، وأبي سنان .

قال ابن جرير :
والعرب تسمي الدخان نحاسا - بضم النون وكسرها - والقراء مجمعة على الضم ، ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة جعدة :

يضيء كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا

يعني : دخانا ، هكذا قال .

وقد روى الطبراني من طريق جويبر ، عن الضحاك:
أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال : هو اللهب الذي لا دخان معه .
فسأله شاهدا على ذلك من اللغة ، فأنشده قول أمية بن أبي الصلت في حسان :

ألا من مبلغ حسان عني مغلغلة تدب إلى عكاظ

أليس أبوك فينا كان قينا لدى القينات فسلا في الحفاظ

يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائبا لهب الشواظ

قال : صدقت ، فما النحاس ؟
قال : هو الدخان الذي لا لهب له .
قال : فهل تعرفه العرب ؟
قال : نعم ، أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول

يضيء كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا

وقال مجاهد :
النحاس : الصفر ، يذاب فيصب على رءوسهم . وكذا قال قتادة .
وقال الضحاك : ( ونحاس ) سيل من نحاس .

والمعنى على كل قول :
لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملائكة والزبانية بإرسال اللهب من النار والنحاس المذاب عليكم لترجعوا ; ولهذا قال : ( فلا تنتصران)

( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) [الرحمن : 34]
أي فبأي الآلاء يا معشر الثقلين من الإنس الجن تكذبان؟
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 2 ( الاعضاء: 0, الزوار: 2 )