(السُنن شواهد ورؤوس السلاطين خلوّ من الإعتبار)
قالَ له أخوه:
تَنَحَّ عن بيعة يزيد و عن الناس واسلُك بَوادي رمال الحجاز كي تنجو بنفسك.
فاختار أن يصدح برفضه ليزيد
واختار رمال العراق كي يرويها بدمه
فاخضرت اُمماً من الثوار
وصارت كل حبة رملٍ موقفاً
وكل حصاة كلمة.
عرف الحسين أن رمال الحجاز خرساء
وان لرمل العراق حديثاً يبلغ الآفاق صداه.
هدم الرشيد قبره
فهدم الله عرشه
وجعل بأس بعض أبناءه على بعض
فقتل إبنه المأمون أخاه
وأعاد بناء القبر رغماً عن أنف أبيه.
ولم يكُف أهل العراق عن عشق حطام قبره حتى بُني ثانية.
(السُنن شواهد ورؤوس السلاطين خلوّ من الإعتبار).
سلط المتوكل معاول الهدم على القبر المقاوم
واصدر مرسوماً:
زيارةّ بقطع كف.
دفع العراقيون أكفهم ثمناً لشم ثراه
مرسومٌ آخر:
زيارة بمائة دينار من الذهب
باع الناس دورهم وضياعهم كي يقصدوه
مرسوم جديد:
من كُل عشرة زوار يُقتل واحد
تدافعوا للثم حد السيف كما يلثم الرضيع ثدي أمه
من كل عشرة يُقتل خمسة
يتهافتون
من كل عشرة يُقتل تسعة
فيمضي الناجي إلى القبر زائراً
ويرتقي التسعة للقاء المعشوق حياً
مرسومّ آخر:
يقضي بتجريف الحي كُله وإغراق القبر بالسيل فتقهقرت ثيران الحرث ممتنعة
و حار السيل راكعاً حول الضريح كأنه قبلة الأمواه.
جف حبر المراسيم وما هي إلا ثلاث ليالٍ
لقي (المتوكل) حتفه مُقطعاً إرباً إرباً بسيف ابنه (المنتصر)
فأعاد قاتل أبيه هذا بناء القبر حتى صار ضريحا رغم أنف أبيه أيضاً.
عرف الملوك شأن القبر الخالد فأسهم في تعظيمه وتجديد عمرانه ملوك طبرستان و الديلم وأمراء البطائح والبويهيين والمغول الجلائريين و الصفويين.
(السُنن شواهد ورؤوس السلاطين خلوّ من الإعتبار).
يغير (عبد العزيز بن محمد ال سعود) على كربلاء بجيش لايميز بين الزواحف واللدائن.
ليس في المدينة سوى النساء و الأطفال و الشيوخ، أما الرجال فكانوا على موعد لتجديد العهد بعلي في النجف.
إستباحوا كربلاء بطفٍ ثانية
و أجروا نهر دم في صحن الضريح
وتلال رؤوسٍ بريئة رُدمت بها الازقة.
نهبوا النفائس وهدايا الملوك في المتحف.
فسلط الله على آل سعود (ابراهيم ابن محمد علي باشا) يسومهم سوء العذاب في مقتلة عظيمة.
إستوعب العراقيون الصدمة وتقبلوا القربان وتحملوا جراح العشق.
(السُنن شواهد ورؤوس السلاطين خلوّ من الإعتبار).
منع (صدام) المراثي وقطع طرق المشي إلى القبر فركبت قوافل النُساك صهوة الليل
وافترشوا السواقي الضحلة تحت أزيز الرصاص
واهتدوا بدلالات النجم سراً بلا راياتٍ ولا مشاعل.
يُمسَكون فيُقتَلون، أو يُسجنوا فتعلوا ترانيم تهجدهم في أقبية السلخ وأخاديد الدفن الجماعي بنشيد العشق الأبدي:
(أبد والله يا زهراء ما ننسى حسينا)
ثاروا كراماً فانتفض العالم بوجوههم:
قُصِفت مُدُنهم، قُتِّل شُبّانهم
(حسين كامل) صهر (صدام) يُرغي ويُزبد مُتوعداً:
(أنت حسين و أنا حسين)
يُسلط مدافعه على القباب على الأزقة تحت مرأى عالمٍ يطفح بدُعاةِ الفضيلة.
حربٌ إثر حرب توقدها حسابات البترودولار الخليجية وتُدفع أثمانَها بدم أبناء العراق
حروبٌ.. مجاعات.. تجهيل.. نفي.. وحصار
كُل شيء مات سريرياً إلا طريق العشق
لا يمكن إعلان موت العراق رسمياً إلا بقطع شريان الطريق الواصل بالقبر
(السُنن شواهد ورؤوس السلاطين خلوّ من الإعتبار).
كُثبان نجد والحجاز تتمخض من جديد
زحف بالمفخخات على العتبات… في الأسواق … في الطرقات
مواكب وهمية توزع السموم على المشاة
خطف وذبح وقنص
رايات سود تسد وجه الله
تزحف بالموت
شعارها:
(لاشيعة بعد اليوم … لا قِباب)
(البغدادي) بعد (الزرقاوي) يقتفيان خطى (ابن عبد الوهاب)
تلعفر … جسر الائمة … سبايكر … الصقلاوية
خميس دامي … جمعة دامية … اسبوع دامي
والقوافل تسير في خط موت احمر
(لبيك يا حسين)
لن تقطعوا وريد العراق
رمل العراق صار حشداً
كل صخرة تصيح:
يا عراقي ،،، يربض خلفي داعشي فاقتله
(السُنن شواهد ورؤوس السلاطين خلوّ من الإعتبار).
في بقعة من الأرض كتلك
إختار الحسين موضع معجزته
ليقول:
إن بذرة الحُب والحق يمكنها النمو في أشد الوهاد وعورة وأكثرها جدباً وعطشاً.
فمرحى بحجيج الحسين من كُل فجٍ عميق قد وردوا
مرحى بكاميرات العالم المذهول بذوبان الإنسان في الإنسان
مرحى بالعيون الدامعة عجباً من كرم العراقيين.
فالحسين معجزة محمد
وشعب العراق معجزة الحسين
-زهير مهدي