أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

علل النحو. للوراق ( متجدد )

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
علل النحو. للوراق ( ١ )
ــــــــــــــــــــــــــ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

وَ صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد و عَلى آله وَ صَحبه وَ سلم تَسْلِيمًا.

قَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الله الْوراق، رَحمَه الله، وَ غفر لَهُ:

♥ إِن قَالَ قَائِل: من أَيْن علمْتُم أَن الْكَلَام يَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام؟
قيل: لِأَن الْمعَانِي الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا الْكَلَام ثَلَاثَة، وَ ذَلِكَ أَن من الْكَلَام مَا يكون خَبرا و يخبر عَنهُ، فَسمى النحويون هَذَا النَّوْع اسْما.
وَ من الْكَلَام مَا لَا يكون خَبرا وَ لَا يخبر عَنهُ، فَسمى النحويون هَذَا النَّوْع فعلا.
♥ وَ من الْكَلَام مَا لَا يكون خَبرا وَ لَا يخبر عَنهُ، فَسمى النحويون هَذَا النَّوْع حرفا.
وَ لَيْسَ هَاهُنَا معنى يتَوَهَّم سوى هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة، فَلهَذَا لَا إِشْكَال فِيمَا عدا هَذِه الْأَقْسَام، إِذْ لَا معنى يتَوَهَّم سواهَا.
وَوجه آخر:
أَن الْمعَانِي قد أحطنا بِعلم جَمِيعهَا، و الألفاظ يحْتَاج إِلَيْهَا من أجل الْمعَانِي، فَإِذا كَانَ كل معنى لَا يُمكن أَن يعبر عَنهُ إِلَّا بِأحد هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة، دلّ ذَلِك على أَن جَمِيع الْأَقْسَام ثَلَاثَة.
♥ فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم خصصتم الْقسم الأول بتلقيبه بِالِاسْمِ، وَ الثَّانِي بِالْفِعْلِ، وَ الثَّالِث بالحرف؟
❤ فَالْجَوَاب فِي ذَلِك من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن غَرَض النَّحْوِيين بِهَذَا التلقيب الْفَصْل بَين هَذِه الْأَقْسَام، إِذْ كَانَت مَعَانِيهَا مُخْتَلفَة، فَإِذا كَانَ الْقَصْد باللقب إِلَى الْفَصْل، فَلَيْسَ لأحد أَن يَقُول: لم لقبتم هَذَا الْقسم بِهَذَا اللقب دون غَيره؟
إِذْ لَا لقب يلقب بِهِ إِلَّا وَيُمكن أَن يعْتَرض بِهَذَا السُّؤَال، وَ قد وَجب بِحَالَة أَن يخص بلقب، فَإِذا وَجب الشَّيْء لم يجب الإعتراض عَلَيْهِ.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه يُمكن أَن يَجْعَل لكل لقب معنى من أَجله لقب بِهِ.
وَالْوَجْه فِي تلقيب مَا صَحَّ أَن يكون خَبرا و يخبر عَنهُ ب (الِاسْم) ، لِأَن الِاسْم مُشْتَقّ من سما يسمو، أَي: ارْتَفع، فَلَمَّا كَانَ هَذَا لَهُ مزية على النَّوْعَيْنِ الآخرين، من أجل أَنه شَارك النَّوْع الَّذِي يكون خَبرا فِي هَذَا الْمَعْنى، و يفضله فِي أَن الْخَبَر يَصح عَنهُ، وَجب أَن يلقب بِمَا يُنبئ عَن هَذِه المزية، فلقب بِالِاسْمِ، ليدل بذلك على علوه و ارتفاعه على النَّوْعَيْنِ الآخرين.
❤ وَأما النَّوْع الثَّانِي فلقب ب (الْفِعْل) ، وَذَلِكَ أَن قَوْلك: ضرب، يدل على الضَّرْب وَالزَّمَان، وَالضَّرْب هُوَ فعل فِي الْحَقِيقَة، فَلَمَّا كَانَ (ضرب) يدل عَلَيْهِ لقب بِمَا دلّ عَلَيْهِ.
فَإِن قيل: فَلم صَار تلقيبه بِالْفِعْلِ الدَّال عَلَيْهِ دون الزَّمَان، وَ هُوَ أَيْضا دَال عَلَيْهِ؟
قيل: لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من لفظ الْمصدر، وَلَيْسَ مشتقا من لفظ الزَّمَان، فَلَمَّا اجْتمع فِيهِ الدّلَالَة على الْمصدر و اشتقاق اللَّفْظ كَانَ أخص بِهِ من الزَّمَان، لوُجُود لَفظه فِيهِ.
♥ فَإِن قيل: فَلم اشتق الْفِعْل من الْمصدر دون الزَّمَان؟
❤ قيل: لِأَن الزَّمَان دَائِم الْوُجُود، و المصادر أَفعَال تَنْقَضِي، وَإِنَّمَا الْغَرَض فِي اشتقاق الْفِعْل من أَحدهمَا ليدل عَلَيْهِمَا، فَلَمَّا كَانَت الْأَفْعَال منقضية، وَالزَّمَان مَوْجُودا، وَجب أَن يَقع الِاشْتِقَاق من المصادر، ليدل لفظ الْفِعْل عَلَيْهِمَا من غير تذكار، وَلم يحْتَج فِي الزَّمَان إِلَى ذَلِك لوُجُوده، فَلهَذَا وَجب الِاشْتِقَاق من الْمصدر دون الزَّمَان.
♥ وَوجه آخر: أَن أَسمَاء الْأَزْمِنَة قَليلَة، وَأَسْمَاء الْأَنْفس كَثِيرَة، فَلَو اشتق من الزَّمَان لفظ الْفِعْل ضَاقَ الْكَلَام، وَلم يكن فِيهِ مَعَ ذَلِك دلَالَة على الْمصدر، فاشتق من لفظ الْأَفْعَال الْمصدر، لِأَنَّهَا لَا تُفَارِقهُ، وَإِن لم يكن لَهَا اسْم يحصرها.
وَأما تَسْمِيَة النَّوْع الثَّالِث بالحرف فِي اللُّغَة، فموضوع لطرف الشَّيْء، وَكَانَ هَذَا النَّوْع إِنَّمَا يَقع طرفا للاسم وَالْفِعْل مَعًا، خص بِهَذَا اللقب، لِقَوْلِك: أَزِيد ترى فِي الدَّار؟
فالألف إِنَّمَا دخلت للاستفهام عَن كَون زيد، وَلم تدخل هِيَ لِمَعْنى يختصها، وَهِي فِي اللَّفْظ طرف مَعَ ذَلِك، فاعرفه.
❤ وَاعْلَم أَن للاسم حدا و خواص، فحده: كل مَا دلّ على معنى مُفْرد تَحْتَهُ، غير مقترن بِزَمَان مُحَصل فَهُوَ اسْم، كَقَوْلِه: رجل، وَفرس، وَمَا أشبه ذَلِك، أَلا ترى أَن هَذِه اللَّفْظَة دَالَّة على شخص مُجَرّد من شَيْء سواهُ!
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو. للوراق ( ظ£ )
$$$﷼$$$$$$$﷼﷼

قيل: لِأَن أصل الْإِعْرَاب إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَسْمَاء دون الْأَفْعَال، وَ الدّلَالَة على ذَلِك أَن الْأَسْمَاء لَو لم تعرب لأشكل مَعْنَاهَا، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت:
مَا أحسن زيد.
لَكُنْت ذاما لَهُ. وَلَو قلت:
مَا احسن زيد؟
لَكُنْت مستفهما عَن أَبْعَاضه أَيهَا أحسن.
وَلَو قلت: مَا أحسن زيدا!
لَكُنْت مُتَعَجِّبا.
فَلَو أسقط الْإِعْرَاب فِي هَذِه الْوُجُوه، لاختلطت هَذِه الْمعَانِي، فَوَجَبَ أَن تعرب الْأَسْمَاء ليزول الْإِشْكَال.
وَأما الْأَفْعَال فَإِنَّهَا لَو لم تعرب لم يشكل مَعْنَاهَا، لِأَنَّهَا بنيت لأزمنة مَخْصُوصَة، فإعرابها أَو تَركهَا لَا يخل بمعناها، وَالْإِعْرَاب زِيَادَة، وَمن شَرط الْحَكِيم أَلا يزِيد لغير فَائِدَة، فَكَانَ حق الْأَفْعَال كلهَا أَن تكون سواكن، إِلَّا أَن الْفِعْل الَّذِي فِي أَوله الزَّوَائِد الْأَرْبَع أشبه الِاسْم من أَربع جِهَات:
أَحدهَا: أَن يكون صفة كَمَا يكون الِاسْم، كَقَوْلِك: مَرَرْت بِرَجُل يضْرب، كَمَا تَقول: مَرَرْت بِرَجُل ضَارب.
وَالثَّانِي: أَنه يصلح لزمانين، أَحدهمَا الْحَال، وَالْآخر الِاسْتِقْبَال، ثمَّ تدخل (السِّين وسوف) فتبينه إِلَى الِاسْتِقْبَال، كَمَا أَن قَوْلك: ضَارب، لَا يدل على شخص بِعَيْنِه، كَمَا اخْتصَّ الْفِعْل بِزَمَان بِعَيْنِه.
â‌¤ وَالثَّالِث: أَن اللَّام الَّتِي تدخل فِي خبر (إِن) تدخل على الِاسْم، و عَلى هَذَا الْفِعْل، كَقَوْلِك: إِن زيدا لقائم، وَإِن زيدا ليقوم، و يقبح دُخُولهَا على
الْمَاضِي، نَحْو: إِن زيدا لقام. فَلَمَّا شرك الْفِعْل الْمُضَارع الِاسْم فِي حسن دُخُول اللَّام عَلَيْهِ، علمنَا أَن بَينهمَا مشابهة.
وَإِنَّمَا قبح دُخُول اللَّام على الْمَاضِي، لِأَن هَذِه اللَّام أصل دُخُولهَا على المبتدإ، و نقلت عَن موضعهَا لدُخُول (إِن) عَلَيْهَا، وَحقّ خبر الْمُبْتَدَأ أَن يكون هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى، فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل الْمُضَارع مشبها للاسم حسن دُخُول اللَّام عَلَيْهِ، وَلما بعد الْمَاضِي من شبه الِاسْم، قبح دُخُولهَا عَلَيْهِ.
♥ وَالرَّابِع: أَن قَوْلك: ضَارب، يصلح لزمانين، وَكَذَلِكَ: يضْرب، يصلح لزمانين. وَإِنَّمَا صَارَت هَذِه المشابهة لَهَا تَأْثِير، لِأَن الِاسْم الْوَاحِد قد يَقع لمسميات كَثِيرَة، فَلَمَّا وَقع الْمُضَارع لزمانين، صَار كالاسم الْوَاقِع لمسميين، فَلذَلِك صَار هَذَا الْوَجْه معتدا بِهِ فِي شبهه للاسم، وَلم يجز أَن يعْتد بِكَوْن (ضرب) دَالا على الزَّمَان الْمَاضِي، فَيجْعَل الْمَاضِي مشبها لَهُ فِي هَذِه الْوُجُوه، لِأَن دلَالَة الْفِعْل على معنى وَاحِد لَا يُوجب شبها بالأسماء، لِأَن الاتساع إِنَّمَا وَقع فِي الْأَسْمَاء، لكَون الِاسْم الْوَاحِد لمسميات، لضيق الْأَسْمَاء، وَكَثْرَة المسمين بهَا، فَمَا أشبههَا من هَذَا الْوَجْه يجْرِي مجْراهَا، وَمَا دلّ على معنى وَاحِد فَهُوَ على أَصله، فَلَمَّا أشبه الْفِعْل الْمُضَارع الِاسْم من هَذِه الْجِهَات، وَجب أَن يحمل على الِاسْم فِيمَا يسْتَحقّهُ الِاسْم، وَهُوَ الْإِعْرَاب.
وَإِنَّمَا حمل على الِاسْم فِي الْإِعْرَاب دون مَا يسْتَحقّهُ الِاسْم من الْجمع
والتصغير، وَغير ذَلِك مِمَّا يخْتَص بالأسماء دون الْأَفْعَال، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يُغير معنى الْفِعْل بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، وَصَارَ مَا ذكرته يُوجب تَغْيِير معنى الْفِعْل وإخراجه إِلَى أَن يكون اسْما، إِذْ كَانَت الْمعَانِي الَّتِي اخْتصَّ بهَا الِاسْم مِمَّا لَا يَصح دُخُولهَا على الْفِعْل، وَإِنَّمَا اخْتصَّ بهَا من حَيْثُ كَانَ اسْما، فَلذَلِك وَجب أَن يحمل الْفِعْل على الِاسْم من أجل مَا أشبهه فِي حكم لَا يُغير مَعْنَاهُ، ويلحقه بِمَعْنى الْأَسْمَاء، وَهُوَ الْإِعْرَاب، إِلَّا أَن الْجَزْم لم يجز دُخُوله على الِاسْم، لِأَنَّهُ لَو دخل عَلَيْهِ لأوجب حذف شَيْئَيْنِ، وهما: التَّنْوِين وَالْحَرَكَة، وَالِاسْم فِي نِهَايَة الخفة، فَكَانَ ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى الإجحاف بِهِ، فَسقط الْجَزْم من الْأَسْمَاء، وَأدْخل فِي الْأَفْعَال، إِذْ كَانَ الْفِعْل ثقيلا يحْتَمل الْحَذف وَالتَّخْفِيف، فاستقر الْجَزْم للْفِعْل لما ذكرنَا.
وَبَقِي من الْإِعْرَاب ثَلَاثَة أضْرب، وَهُوَ: الرّفْع وَالنّصب والجر، فالجر امْتنع من الْفِعْل، لِأَن الْجَرّ إِنَّمَا يكون بِالْإِضَافَة، وَالْفضل بِالْإِضَافَة تَخْصِيص الْمُضَاف، وَالْفِعْل لَو أضفت إِلَيْهِ لم تخص مَا قبله، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: هَذَا غُلَام، لَكِن مُبْهما، فَإِذا قلت: غُلَام زيد، اخْتصَّ بِملك زيد، فَلَو قلت: جَاءَنِي غُلَام يقوم، لم يخْتَص الْغُلَام بإضافته إِلَى (يقوم) لِأَن الْقيام يكون من زيد، وَمن عَمْرو، وَسَائِر النَّاس، فَلهَذَا أسقط الْجَرّ من الْفِعْل.
وَوجه آخر: وَهُوَ أَن الْمَجْرُور يقوم مقَام التَّنْوِين، وَالْفِعْل لَا يَخْلُو من
فَاعل، فَكَانَ يُؤَدِّي إِلَى أَن يقوم مقَام التَّنْوِين - وَهُوَ وَجه وَاحِد ضَعِيف - شَيْئَانِ قويان، وهما الْفِعْل وَالْفَاعِل، فَسقط الْجَرّ من الْفِعْل، وَجعل فِي الِاسْم، إِذْ كَانَ محلا للإعراب.
â‌¤ وَبَقِي من الْإِعْرَاب الرّفْع وَالنّصب، وَلم يعرض فِيهَا مَا يُوجب اختصاصهما أَو أَحدهمَا بِالْفِعْلِ وَالِاسْم، فَوَجَبَ أَن يدخلا عَلَيْهِمَا.
وَجَازَت إِضَافَة أَسمَاء الزَّمَان إِلَى الْأَفْعَال لِأَنَّهَا تُضَاف إِلَى المصادر، وَالْفِعْل يدل على مصدره، كَقَوْلِك: (من كذب كَانَ شرا لَهُ) ، أَي: كَانَ الْكَذِب شرا لَهُ، فَلَمَّا جَازَ أَن نقُول: أعجبني يَوْم خُرُوجك. جَازَ أَن تَقول: أعجبني يَوْم تخرج.
♥ وَوجه آخر: أَن الْفِعْل يدل على مصدر وزمان، وَالزَّمَان جُزْء من الْفِعْل، فَلَمَّا جَازَت إِضَافَة الْبَعْض إِلَى الْكل جَازَت إِضَافَة الزَّمَان إِلَى الْفِعْل، كَمَا يجوز أَن تَقول: (ثوب خَز) .
ْ
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو. للوراق ( ٣ )
$$$﷼$$$$$$$﷼﷼

قيل: لِأَن أصل الْإِعْرَاب إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَسْمَاء دون الْأَفْعَال، وَ الدّلَالَة على ذَلِك أَن الْأَسْمَاء لَو لم تعرب لأشكل مَعْنَاهَا، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت:
مَا أحسن زيد.
لَكُنْت ذاما لَهُ. وَلَو قلت:
مَا احسن زيد؟
لَكُنْت مستفهما عَن أَبْعَاضه أَيهَا أحسن.
وَلَو قلت: مَا أحسن زيدا!
لَكُنْت مُتَعَجِّبا.
فَلَو أسقط الْإِعْرَاب فِي هَذِه الْوُجُوه، لاختلطت هَذِه الْمعَانِي، فَوَجَبَ أَن تعرب الْأَسْمَاء ليزول الْإِشْكَال.
وَأما الْأَفْعَال فَإِنَّهَا لَو لم تعرب لم يشكل مَعْنَاهَا، لِأَنَّهَا بنيت لأزمنة مَخْصُوصَة، فإعرابها أَو تَركهَا لَا يخل بمعناها، وَالْإِعْرَاب زِيَادَة، وَمن شَرط الْحَكِيم أَلا يزِيد لغير فَائِدَة، فَكَانَ حق الْأَفْعَال كلهَا أَن تكون سواكن، إِلَّا أَن الْفِعْل الَّذِي فِي أَوله الزَّوَائِد الْأَرْبَع أشبه الِاسْم من أَربع جِهَات:
أَحدهَا: أَن يكون صفة كَمَا يكون الِاسْم، كَقَوْلِك: مَرَرْت بِرَجُل يضْرب، كَمَا تَقول: مَرَرْت بِرَجُل ضَارب.
وَالثَّانِي: أَنه يصلح لزمانين، أَحدهمَا الْحَال، وَالْآخر الِاسْتِقْبَال، ثمَّ تدخل (السِّين وسوف) فتبينه إِلَى الِاسْتِقْبَال، كَمَا أَن قَوْلك: ضَارب، لَا يدل على شخص بِعَيْنِه، كَمَا اخْتصَّ الْفِعْل بِزَمَان بِعَيْنِه.
❤ وَالثَّالِث: أَن اللَّام الَّتِي تدخل فِي خبر (إِن) تدخل على الِاسْم، و عَلى هَذَا الْفِعْل، كَقَوْلِك: إِن زيدا لقائم، وَإِن زيدا ليقوم، و يقبح دُخُولهَا على
الْمَاضِي، نَحْو: إِن زيدا لقام. فَلَمَّا شرك الْفِعْل الْمُضَارع الِاسْم فِي حسن دُخُول اللَّام عَلَيْهِ، علمنَا أَن بَينهمَا مشابهة.
وَإِنَّمَا قبح دُخُول اللَّام على الْمَاضِي، لِأَن هَذِه اللَّام أصل دُخُولهَا على المبتدإ، و نقلت عَن موضعهَا لدُخُول (إِن) عَلَيْهَا، وَحقّ خبر الْمُبْتَدَأ أَن يكون هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى، فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل الْمُضَارع مشبها للاسم حسن دُخُول اللَّام عَلَيْهِ، وَلما بعد الْمَاضِي من شبه الِاسْم، قبح دُخُولهَا عَلَيْهِ.
♥ وَالرَّابِع: أَن قَوْلك: ضَارب، يصلح لزمانين، وَكَذَلِكَ: يضْرب، يصلح لزمانين. وَإِنَّمَا صَارَت هَذِه المشابهة لَهَا تَأْثِير، لِأَن الِاسْم الْوَاحِد قد يَقع لمسميات كَثِيرَة، فَلَمَّا وَقع الْمُضَارع لزمانين، صَار كالاسم الْوَاقِع لمسميين، فَلذَلِك صَار هَذَا الْوَجْه معتدا بِهِ فِي شبهه للاسم، وَلم يجز أَن يعْتد بِكَوْن (ضرب) دَالا على الزَّمَان الْمَاضِي، فَيجْعَل الْمَاضِي مشبها لَهُ فِي هَذِه الْوُجُوه، لِأَن دلَالَة الْفِعْل على معنى وَاحِد لَا يُوجب شبها بالأسماء، لِأَن الاتساع إِنَّمَا وَقع فِي الْأَسْمَاء، لكَون الِاسْم الْوَاحِد لمسميات، لضيق الْأَسْمَاء، وَكَثْرَة المسمين بهَا، فَمَا أشبههَا من هَذَا الْوَجْه يجْرِي مجْراهَا، وَمَا دلّ على معنى وَاحِد فَهُوَ على أَصله، فَلَمَّا أشبه الْفِعْل الْمُضَارع الِاسْم من هَذِه الْجِهَات، وَجب أَن يحمل على الِاسْم فِيمَا يسْتَحقّهُ الِاسْم، وَهُوَ الْإِعْرَاب.
وَإِنَّمَا حمل على الِاسْم فِي الْإِعْرَاب دون مَا يسْتَحقّهُ الِاسْم من الْجمع
والتصغير، وَغير ذَلِك مِمَّا يخْتَص بالأسماء دون الْأَفْعَال، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يُغير معنى الْفِعْل بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، وَصَارَ مَا ذكرته يُوجب تَغْيِير معنى الْفِعْل وإخراجه إِلَى أَن يكون اسْما، إِذْ كَانَت الْمعَانِي الَّتِي اخْتصَّ بهَا الِاسْم مِمَّا لَا يَصح دُخُولهَا على الْفِعْل، وَإِنَّمَا اخْتصَّ بهَا من حَيْثُ كَانَ اسْما، فَلذَلِك وَجب أَن يحمل الْفِعْل على الِاسْم من أجل مَا أشبهه فِي حكم لَا يُغير مَعْنَاهُ، ويلحقه بِمَعْنى الْأَسْمَاء، وَهُوَ الْإِعْرَاب، إِلَّا أَن الْجَزْم لم يجز دُخُوله على الِاسْم، لِأَنَّهُ لَو دخل عَلَيْهِ لأوجب حذف شَيْئَيْنِ، وهما: التَّنْوِين وَالْحَرَكَة، وَالِاسْم فِي نِهَايَة الخفة، فَكَانَ ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى الإجحاف بِهِ، فَسقط الْجَزْم من الْأَسْمَاء، وَأدْخل فِي الْأَفْعَال، إِذْ كَانَ الْفِعْل ثقيلا يحْتَمل الْحَذف وَالتَّخْفِيف، فاستقر الْجَزْم للْفِعْل لما ذكرنَا.
وَبَقِي من الْإِعْرَاب ثَلَاثَة أضْرب، وَهُوَ: الرّفْع وَالنّصب والجر، فالجر امْتنع من الْفِعْل، لِأَن الْجَرّ إِنَّمَا يكون بِالْإِضَافَة، وَالْفضل بِالْإِضَافَة تَخْصِيص الْمُضَاف، وَالْفِعْل لَو أضفت إِلَيْهِ لم تخص مَا قبله، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: هَذَا غُلَام، لَكِن مُبْهما، فَإِذا قلت: غُلَام زيد، اخْتصَّ بِملك زيد، فَلَو قلت: جَاءَنِي غُلَام يقوم، لم يخْتَص الْغُلَام بإضافته إِلَى (يقوم) لِأَن الْقيام يكون من زيد، وَمن عَمْرو، وَسَائِر النَّاس، فَلهَذَا أسقط الْجَرّ من الْفِعْل.
وَوجه آخر: وَهُوَ أَن الْمَجْرُور يقوم مقَام التَّنْوِين، وَالْفِعْل لَا يَخْلُو من
فَاعل، فَكَانَ يُؤَدِّي إِلَى أَن يقوم مقَام التَّنْوِين - وَهُوَ وَجه وَاحِد ضَعِيف - شَيْئَانِ قويان، وهما الْفِعْل وَالْفَاعِل، فَسقط الْجَرّ من الْفِعْل، وَجعل فِي الِاسْم، إِذْ كَانَ محلا للإعراب.
❤ وَبَقِي من الْإِعْرَاب الرّفْع وَالنّصب، وَلم يعرض فِيهَا مَا يُوجب اختصاصهما أَو أَحدهمَا بِالْفِعْلِ وَالِاسْم، فَوَجَبَ أَن يدخلا عَلَيْهِمَا.
وَجَازَت إِضَافَة أَسمَاء الزَّمَان إِلَى الْأَفْعَال لِأَنَّهَا تُضَاف إِلَى المصادر، وَالْفِعْل يدل على مصدره، كَقَوْلِك: (من كذب كَانَ شرا لَهُ) ، أَي: كَانَ الْكَذِب شرا لَهُ، فَلَمَّا جَازَ أَن نقُول: أعجبني يَوْم خُرُوجك. جَازَ أَن تَقول: أعجبني يَوْم تخرج.
♥ وَوجه آخر: أَن الْفِعْل يدل على مصدر وزمان، وَالزَّمَان جُزْء من الْفِعْل، فَلَمَّا جَازَت إِضَافَة الْبَعْض إِلَى الْكل جَازَت إِضَافَة الزَّمَان إِلَى الْفِعْل، كَمَا يجوز أَن تَقول: (ثوب خَز) .
ْ
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو. للوراق ( 4 )
######â„–#####

وَقَالَ الْأَخْفَش فِي ذَلِك:
إِن جَمِيع ظروف الزَّمَان يتَعَدَّى الْفِعْل إِلَيْهَا بِغَيْر توَسط حرف الْجَرّ.
وظروف الْمَكَان إِنَّمَا يتَعَدَّى الْفِعْل إِلَى الْمُبْهم مِنْهَا بِغَيْر توَسط حرف الْجَرّ، فَجعلت إِضَافَة ظروف الزَّمَان إِلَى الْفِعْل عوضا من ذَلِك.
فَأَما (حَيْثُ) من ظروف الْمَكَان فَيجوز إضافتها إِلَى الْفِعْل، تَشْبِيها ب (حِين) ، لِأَنَّهَا مُبْهمَة فِي الْمَكَان كإبهام (حِين) فِي الزَّمَان، فَلذَلِك جَازَ إضافتها إِلَى الْفِعْل.
فاستقر بِمَا ذكرنَا أَن الْجَرّ للأسماء، والجزم للأفعال، وَبَقِي الرّفْع وَالنّصب مشتركين للأسماء وَالْأَفْعَال.
فَإِن قَالَ قَائِل: قد قُلْتُمْ إِن أصل الْأَفْعَال السّكُون، ثمَّ بينتم وجوب الْإِعْرَاب للمضارع، فَمن أَيْن اخْتلف فعل الْأَمر وَالْفِعْل الْمَاضِي، فبنيتم الْمَاضِي على الْفَتْح، وَالْأَمر على السّكُون؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْفِعْل الْمَاضِي قد حصلت لَهُ مشابهة بِالِاسْمِ من وَجه، وَذَلِكَ فِي الصّفة، نَحْو قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل قَامَ، كَمَا تَقول: مَرَرْت بِرَجُل قَائِم، وَيَقَع موقع الْمُضَارع فِي الشَّرْط، كَقَوْلِك: إِن ضربت ضربت، فَهُوَ بِمَنْزِلَة: إِن تضرب أضْرب. وَفعل الْأَمر لَا يَقع هَذَا الْموقع، فَجعل للماضي مزية على فعل الْأَمر، وَلم تبلغ هَذِه المزية أَن توجب لَهُ الْإِعْرَاب، فَوَجَبَ أَن يَجْعَل الْمَاضِي حكمه بَين حكم الْمُضَارع وَبَين فعل الْأَمر، فَمنع الْإِعْرَاب، لنقصه عَن الْمُضَارع، وَفضل بحركة لمزيته على فعل الْأَمر.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم جعلت تِلْكَ الْحَرَكَة الفتحة؟
قيل: لِأَن الْغَرَض بتحريكه أَن تحصل لَهُ مزية على فعل الْأَمر، و بالفتح نصل إِلَى غرضنا، كَمَا نصل بِالضَّمِّ وَالْكَسْر، إِلَّا ان الْفَتْح أخف الحركات، فَوَجَبَ اسْتِعْمَاله لخفته.
وَوجه آخر: وَهُوَ أَن الْجَرّ لما منع الْفِعْل، وَهُوَ كسر عَارض، وَالْكَسْر اللَّازِم أولى أَن يمْنَع الْفِعْل، فَلهَذَا لم يجز أَن يبْنى على الْكسر، وَلم يجز أَن يبْنى على الضَّم، لِأَن بعض الْعَرَب تجتزئ بالضمة عَن الْوَاو، فَتَقول فِي قَامُوا: قَامَ، قَالَ الشَّاعِر:
(فَلَو أَن الأطبا كَانَ حَولي ... وَكَانَ مَعَ الْأَطِبَّاء الأساة)

فَلَو بني على الضَّم لالتبس بِالْجمعِ فِي بعض اللُّغَات، فأسقط للالتباس، وَأسْقط الْكسر لما ذَكرْنَاهُ، فَلم يبْق إِلَّا الْفَتْح فَبنِي عَلَيْهِ.
فَإِن قَالَ قَائِل: مَا تنكرون أَن يكون الْأَمر مَجْزُومًا بلام محذوفة، لِأَن الأَصْل فِي قُم: لتقم، وَالدّلَالَة فِي ذَلِك قِرَاءَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
" فبذلك فلتفرحوا "
فحذفت اللَّام وَالتَّاء، وَبَقِي الْفِعْل مَجْزُومًا كَمَا كَانَ؟
قيل لَهُ: هَذَا يُفَسر من وُجُوه:
â‌¤ أَحدهَا: أَن حُرُوف الْجَزْم أَضْعَف من حُرُوف الْجَرّ، لِأَن الْفِعْل أَضْعَف من الِاسْم، والجر على هَذَا يجوز أَن يكون أقوى من الْجَزْم، وعوامل الْجَرّ يجوز حذفهَا، وَمَا هُوَ أَضْعَف مِنْهَا أولى أَلا يحذف.
وَوجه آخر: وَهُوَ أَن هَذِه الزَّوَائِد أوجبت للْفِعْل المضارعة للاسم، فَوَجَبَ أَن يَزُول الْإِعْرَاب الَّذِي وَجب من أجلهَا.
وَوجه آخر: وَهُوَ أَن شَرط المعرب أَن تعتقب فِي آخِره الحركات باخْتلَاف العوامل، وَشرط الْمَبْنِيّ أَن يلْزم طَريقَة وَاحِدَة. فَلَمَّا وجدنَا فعل الْأَمر لَا يَزُول عَن السّكُون وَجب أَن يلْحق بِحكم المبنيات دون المعرب، وَلَيْسَ معني دُخُول (اللَّام) معنى الْأَمر. والأسماء لَا يَصح دُخُول الْجَزْم عَلَيْهَا، نَحْو:
صه و مه، وَمَا أشبه ذَلِك، فقد بَان بِمَا ذكرنَا أَن فعل الْأَمر يُوجب أَن يكون مَبْنِيا على السّكُون.
♥ فَإِن قَالَ قَائِل: لم صَارَت هَذِه الْأَسْمَاء السِّتَّة تخْتَلف أواخرها، نَحْو قَوْلك: جَاءَنِي أَخُوك، وَرَأَيْت أَخَاك، ومررت بأخيك، وَغَيرهَا من الْأَسْمَاء إِنَّمَا تخْتَلف أواخرها بالحركات؟
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو. للوراق ( 5 )
$$$$$﷼﷼﷼$$$$

فَالْجَوَاب فِي ذَلِك من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن يكون جعلُوا هَذِه الْأَسْمَاء مُخْتَلفَة الْأَوَاخِر، تَوْطِئَة لما يَأْتِي من التَّثْنِيَة وَالْجمع، وَصَارَت هَذِه الْأَسْمَاء أولى بالتوطئة من غَيرهَا، لِأَنَّهَا أَسمَاء لَا تنفك من إِضَافَة الْمَعْنى، وَالْإِضَافَة فرع على الأَصْل، كَمَا أَن التَّثْنِيَة وَالْجمع فرع على الْوَاحِد، فَلَمَّا شابهت هَذِه الْأَسْمَاء التَّثْنِيَة وَالْجمع فِي هَذَا الحكم، كَانَت أولى من غَيرهَا الَّتِي لَا مُشَاركَة بَينهَا وَبَين التَّثْنِيَة وَالْجمع فِي هَذَا الحكم.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن هَذِه الْأَسْمَاء تفرد فِي اللَّفْظ، فَيصير إعرابها بالحركات، نَحْو قَوْلك: هَذَا أَب، وَرَأَيْت أَبَا، ومررت بأب. فقد لَزِمت أوساطها الحركات، فَلَمَّا ردوهَا إِلَى أَصْلهَا فِي الْإِضَافَة، وَقد كَانَت أوساطها تدْخلهَا حركات الْإِعْرَاب، أَرَادوا أَن يبقوا هَذَا الحكم فِيهَا، ليدل بذلك على أَنَّهَا مِمَّا يَصح أَن يعرب بالحركات فِي حَال الِانْفِرَاد، فَوَجَبَ أَن يضموا أوساطها فِي الرّفْع، فَلَمَّا ضمُّوا وَسطهَا انْقَلب آخرهَا واوا، لِأَن أَصْلهَا (فعل) ، فَحق أواخرها أَن تقلب ألفا، لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، وَالْألف مَتى انْضَمَّ مَا قبلهَا صَارَت واوا، وَكَذَلِكَ إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا صَارَت ياءا، فَلهَذَا وَجب أَن تخْتَلف أَوَاخِر هَذِه الْأَسْمَاء بالحروف.
وَاعْلَم أَن الْإِعْرَاب فِي الْحَقِيقَة مُقَدّر فِي هَذِه الْحُرُوف، إِذْ شَرط الْإِعْرَاب أَن يكون زِيَادَة على بِنَاء الِاسْم، وَلَا يجوز أَن يكون مَا تفْتَقر إِلَيْهِ الْكَلِمَة من بنائها إعرابا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك، فالإعراب مُقَدّر كَمَا يقدر فِي الْأَسْمَاء الْمَقْصُورَة و سنبين لم وَجب تَقْدِيره، وَلم يسْتَحق اللَّفْظ، فِي مَوْضِعه.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم وَجب أَن يكون الْإِعْرَاب فِي آخر الْكَلِمَة دون أَولهَا ووسطها؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْأَوَائِل لَا يَصح أَن تكون مَوَاضِع الْإِعْرَاب لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن بعض الْإِعْرَاب سُكُون، فَلَو أعربت الْأَوَائِل لَأَدَّى ذَلِك أَن يبتدأ بالساكن، وَهَذَا محَال، لِأَن الِابْتِدَاء مهيج للنطق، فَلَا يجوز أَن يثير تهيجه حَرَكَة مَعَ الْحَرْف، وَلَو جَازَ الِابْتِدَاء بالساكن، لَكَانَ ذَلِك شَائِعا فِي أَكثر الْحُرُوف، لِأَن الْحَرَكَة غير الْحُرُوف، فَإِذا جَازَ أَن يجرد بعض الْحُرُوف من الْحَرَكَة، جَازَ ذَلِك فِي سَائِر الْحُرُوف، فَلَمَّا امْتنع هَذَا الحكم عِنْد من يُخَالف فِي هَذَا الْموضع - إِلَّا فِي حرف أَو حرفين يقدر أَنَّهَا سَاكِنة، وَإِنَّمَا هُوَ اختلاس الْحَرَكَة - صَحَّ مَا ذَكرْنَاهُ، لِأَن الِابْتِدَاء بالساكن مُمْتَنع.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن الِابْتِدَاء لَا بُد لَهُ من حَرَكَة تختصه، لما ذَكرْنَاهُ، فَلَو أعرب الأول لم تعرف حَرَكَة الْإِعْرَاب من حَرَكَة الْبناء، فَلهَذَا لم يجز أَن تدخل فِي الأول، وَلم يجز أَن تدخل فِي الْأَوْسَط لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن الْوسط بِهِ يعرف وزن الْكَلِمَة، هَل هُوَ على (فعل) أَو (فعل) أَو (فعِل) فَلَو أعرب الْوسط اخْتلطت أَيْضا حَرَكَة الْإِعْرَاب بحركة الْبناء.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن من الْأَسْمَاء مَا لَا وسط لَهُ، وَهُوَ مَا كَانَ عدده زوجا، نَحْو مَا كَانَ على حرفين، ك ( يَد، وَ دم ) ، وَمَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف، نَحْو: جَعْفَر، وَمَا كَانَ على سِتَّة أحرف، نَحْو: عضرفوط، فَلَو أعرب الْوسط لَأَدَّى ذَلِك إِلَى أَن يخْتَلف مَوضِع الْإِعْرَاب، إِذا كَانَ مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَسْمَاء لَا وسط لَهُ، فَسقط أَن تعرب الأوساط، فَلم يبْق إِلَّا الْأَوَاخِر، فَلهَذَا صَارَت محلا للإعراب.
وَوجه آخر فِي الأَصْل: وَهُوَ أَن الْإِعْرَاب قد بَينا أَنه دخل لإِفَادَة الْمَعْنى، وَهُوَ زِيَادَة على الِاسْم، وَإِنَّمَا يعرف الشَّخْص عِنْد الْفَرَاغ من ذكر اسْمه، فَيجب أَن يكون إِذا فهم معنى الشَّخْص أَن يزْدَاد عَلَيْهِ معنى الْإِعْرَاب، فَإِذا كَانَت مَعْرفَته إِنَّمَا تقع عِنْد الْفَرَاغ من الِاسْم، فَلَا سَبِيل أَن يكون الْإِعْرَاب فهم الشَّخْص وَمَعْنَاهُ، وَلَو كَانَ على غير هَذَا لأشكل مَعْنَاهُ.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم خصوا التَّنْوِين من بَين سَائِر الْحُرُوف فجعلوه عَلامَة للانصراف؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن أولى مَا يُزَاد من الْحُرُوف للعلامة حُرُوف الْمَدّ أَو اللين، وَإِنَّمَا صَارَت أولى لِكَثْرَة دورها فِي الْكَلَام، إِذْ لَا كلمة تَخْلُو مِنْهَا أَو من بَعْضهَا، فكرهوا أَن يزِيدُوا حرفا مِنْهَا عَلامَة للانصراف، إِذْ كَانَت هَذِه الْحُرُوف تدل على التَّثْنِيَة وَالْجمع، فَكَانَت زيادتها تُؤدِّي إِلَى أحد أَمريْن:
إِمَّا اللّبْس بالتثنية وَالْجمع، أَو يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى ثقل اللَّفْظ، فَسَقَطت زيادتها، وَلم يكن للحروف شَيْء أقرب إِلَيْهَا من التَّنْوِين، لِأَن التَّنْوِين نون خَفِيفَة، وَإِنَّمَا لقب بِهَذَا اللقب ليفصل بَين النُّون الَّتِي يُوقف عَلَيْهَا وَبَين هَذِه النُّون - أَعنِي التَّنْوِين الَّذِي لَا يُوقف عَلَيْهِ - وشبهت بحروف الْمَدّ واللين أَنَّهَا غنة فِي الخيشوم، فَلَيْسَ على الْمُتَكَلّم فِيهِ كلفة، إِذْ لَا يعْتَمد لَهُ فِي الْفَم فَجرى مجْرى الْألف فِي الخفة، إِذْ كَانَت هَوَاء فِي الْحلق، فَلهَذَا وَجب أَن يزْدَاد التَّنْوِين عَلامَة للانصراف.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا الَّذِي أحْوج إِلَى إِدْخَال التَّنْوِين إِلَى الْفَصْل الَّذِي ذكرتموه؟
قيل لَهُ: لِأَن الْأَسْمَاء كلهَا نوع وَاحِد، ثمَّ دخل على بَعْضهَا مَا أوجب لَهُ الشّبَه بالحروف، فَهَذَا الْقسم يبْنى على حَرَكَة أَو سُكُون، لِأَنَّهُ أشبه الْمَبْنِيّ، وَهُوَ الْحَرْف، وَذَلِكَ نَحْو: أَيْن، وَكَيف، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَوجه شبهه بالحروف أَنه نَاب عَنْهَا، وَذَلِكَ قَول الْقَائِل: أَيْن زيد؟
يَنُوب عَنهُ قَوْله: أَفِي الدَّار زيد؟
وَمَا أشبه ذَلِك من الْأَمَاكِن، نَحْو: السُّوق وَغَيره، فَلَمَّا نَاب عَن حرف الِاسْتِفْهَام وَجب أَن يبْنى لبنائه.
وَمن الْأَسْمَاء مَا دخلت عَلَيْهِ أوجبت لَهُ الشّبَه بِالْفِعْلِ، فَهَذَا الْقسم يعرب، إِلَّا أَنه لَا يدْخلهُ الْجَرّ و التنوين، كَمَا لَا يدْخل الْفِعْل الَّذِي أشبهه.
وَمن الْأَسْمَاء لم تعرض لَهُ عِلّة تخرجه عَن أَصله، وَهُوَ الْإِعْرَاب، فَلَو لم يدْخل التَّنْوِين عَلَيْهِ لالتبس بالمعرب الَّذِي يشبه الْفِعْل، فَلم يكن بُد من عَلامَة تفصل بَينهمَا، فَهَذَا الَّذِي أوجب أَن يفصل بِالتَّنْوِينِ بَين المنصرف وَغَيره.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم أسقطتم التَّنْوِين فِي الْوَقْف؟
قيل لَهُ: لِأَن التَّنْوِين تَابع للإعراب، أَلا ترى أَنه يدْخل فِي الْمَرْفُوع والمنصوب وَالْمَجْرُور، فَلَمَّا كَانَ تَابعا لَهُ، وَالْإِعْرَاب لَا يُوقف عَلَيْهِ، وَجب أَن يسْقط فِي اللَّفْظ، إِذْ كَانَ تبعه من جِهَة اللَّفْظ، أَلا ترى أَن التَّنْوِين لَا يُوجد إِلَّا بعد حَرَكَة، فَإِذا وَجب إِسْقَاط حَرَكَة مَا قبلهَا تبعه فِي السُّقُوط.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو. للوراق ( 6 )
@@@@@@@@@@@@

وَوجه آخر قد ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ _ أَي التَّنْوِين _ قد بَينا أَنه زِيَادَة على الْكَلِمَة، وَحكم الزَّائِد أنقص من حكم الْأَصْلِيّ، فأسقطوه فِي الْوَقْف ليدلوا بذلك على نَقصه.
فَإِن قيل لَك: هلا أسقط فِي الدرج، وَأثبت فِي الْوَقْف؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن السُّؤَال يرجع على السَّائِل لَو صرنا إِلَى مَا قَالَ، فَلَمَّا لم يفدنا إِلَّا مَا نَحن عَلَيْهِ من الْفرق، لم يكن لأحد أَن يعْتَرض بِهَذَا الِاعْتِرَاض، إِذْ لَو فعلوا مَا سَأَلنَا السَّائِل لَكَانَ جَائِزا.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن مَا فَعَلُوهُ أولى مِمَّا سألناه، وَذَلِكَ أَن الْإِعْرَاب قد اسْتَقر أَن ثَبت حكمه فِي درج الْكَلَام، وَهُوَ زِيَادَة على الِاسْم، وَيسْقط فِي الْوَقْف، فَحمل التَّنْوِين عَلَيْهِ، لاشْتِرَاكهمَا فِي أَنَّهُمَا علامتان زائدتان على الِاسْم، فَلَمَّا وَجب فِي الْإِعْرَاب كَانَ مَا ذَكرْنَاهُ، لِأَنَّهُ عِنْد الْفَرَاغ من الْكَلِمَة يجب أَن تقع رَاحَة الْمُتَكَلّم، إِذْ كَانَ آخر نشاطه آخر كَلَامه، فأرادوا أَن يكون لَفظه فِي هَذِه الْحَال أخف من لَفظه فِي حَال النشاط، فَجعل حَال الدرج بالحركة والتنوين، لِأَنَّهُ مَوضِع لاستراحته.
فَإِن قيل لكم: فَلم أبدلتم من التَّنْوِين ألفا فِي الْوَقْف، وَهَذَا قد أدّى إِلَى التَّسْوِيَة بَين الزَّائِد والأصلي على مَا عللتم لِأَنَّهُ قد ثَبت فِي الْوَقْف والوصل؟
قيل : لِأَن الْقَصْد فِي الْفَصْل بَين الزَّائِد والأصلي أَن يحصل للزِّيَادَة حَال نقص فِي حَال الْوَقْف والدرج، وَلَا يثبت فِي حَال وَاحِدَة، كثبات الْأَصْلِيّ، وَالْألف الَّتِي هِيَ بدل من التَّنْوِين تسْقط فِي الدرج، كَمَا يسْقط التَّنْوِين فِي الْوَقْف، فقد فَارق حكم الْحَرْف الْأَصْلِيّ، وَإِنَّمَا أبدلوا من التَّنْوِين ألفا لِأَن الْألف خَفِيفَة،
وَأَن الْإِشَارَة إِلَى الْفَتْح متعذرة لخفائه، فَكَانَ الْبَدَل من التَّنْوِين ألفا يجْتَمع فِيهِ أَمْرَانِ:
أَحدهمَا: بَيَان الْإِعْرَاب فِيمَا قبله.
وَالْآخر: أَن تكون هَذِه الْعَلامَة لَهَا حَال تثبت فِي الْوَصْل وَالْوَقْف حَتَّى لَا يسْقط حكمهَا فِي الْوَقْف بِحَال. وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى ذَلِك لِأَن شَرط الْعَلامَة أَن تثبت فِي كل حَال.
فَلَمَّا عرض فِي ثباتها فِي جَمِيع الْأَحْوَال اللّبْس بالحرف الْأَصْلِيّ، والتسوية بَينهَا وَبَينه، أسقط التَّنْوِين فِيمَا ذَكرْنَاهُ، وَأثبت هَا هُنَا لِئَلَّا يخل بِحكمِهِ.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم يجب الْوَقْف على السّكُون وعَلى الْإِشَارَة إِلَى الضَّم وَالْكَسْر؟
قيل لَهُ: قد بَينا أَن الأَصْل إِنَّمَا يجب أَن يكون بِالسُّكُونِ، وَالَّذِي يُشِير إِلَى الضَّم وَالْكَسْر فَإِنَّمَا غَرَضه أَن يبين أَن لهَذَا الْحَرْف حَال حَرَكَة فِي الدرج، وَبَعْضهمْ يروم الْحَرَكَة. والفصل بَين الرّوم والإشمام أَن الإشمام إِنَّمَا يفهمهُ الْبَصِير دون الضَّرِير، لِأَنَّهُ عمل بالشفة بعد الْفَرَاغ من الْحَرْف. فَأَما الرّوم فَهُوَ الاختلاس للحركة، وَهُوَ مِمَّا يُدْرِكهُ الْبَصِير والضرير.
وَهَذِه الثَّلَاثَة الْوُجُوه تجوز فِي كل اسْم قبل آخِره سَاكن، فَإِن كَانَ قبل آخِره متحرك جَازَت الْوُجُوه الثَّلَاثَة فِيهِ.
وَجَاز وَجه رَابِع: وَهُوَ تَشْدِيد آخِره، كَقَوْلِهِم فِي عمر عمر. وَفِي خَالِد: خَالِد. وَإِنَّمَا شَدَّدُوا لِأَن الْحَرْف المدغم لَا يكون إِلَّا سَاكِنا، وَقد علمُوا أَن الْجمع بَين ساكنين لَا يجوز فِي درج الْكَلَام، فَإِذا شَدَّدُوا علم بِالتَّشْدِيدِ أَن الْحَرْف الآخر لَا بُد أَن يَتَحَرَّك فِي الْوَصْل، لسكون مَا قبله، وَهُوَ التَّشْدِيد، وَالتَّشْدِيد أبين من روم الْحَرَكَة، فَإِذا وصلت سقط التَّشْدِيد، وَهُوَ إِنَّمَا يجوز فِي الْمَرْفُوع، وَيجوز أَيْضا فِي الْمَجْرُور، إِلَّا الإشمام فَأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل فِي الْمَجْرُور، لِأَن ذَلِك لَا يُؤَدِّي إِلَى التَّسْوِيَة فِي الصُّورَة، فَلهَذَا رفض. وَأما الْمَنْصُوب فَإِنَّهُ لَا يسْتَعْمل فِي شَيْء من هَذَا، لِأَنَّهُ يُبدل فِيهِ من التَّنْوِين ألف، فتظهر حَرَكَة الْإِعْرَاب فِي الْوَقْف، وَيصير هَذَا المعني عوضا مِمَّا تدخله الْألف من التَّنْوِين، وَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي الْمَنْصُوب ألف وَلَام، أَو كَانَ لَا ينْصَرف.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم وَقع الْجَزْم فِي الْأَفْعَال على ضَرْبَيْنِ: مرّة بِحَذْف حرف، وَمرَّة بِحَذْف حَرَكَة؟
قيل لَهُ: أصل الْجَزْم الْقطع، وَلَا بُد للمجزوم أَن يحذف من آخِره عَلامَة الرّفْع. وَإِذا كَانَ الْفِعْل مُعْتَلًّا سكن آخِره عَلامَة للرفع، وَلَا بُد أَن يكون للجزم عَلامَة وتأثير، فَلَمَّا لم يُصَادف فِي آخر الْفِعْل إِلَّا حرفا سَاكِنا حذفه، ليَكُون بَينه وَبَين الْمَرْفُوع فصل، وَجَاز حذف الْحَرْف لضَعْفه، إِذْ كَانَ سَاكِنا، فَجرى مجْرى الْحَرَكَة فِي جَوَاز الْحَذف عَلَيْهِ.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم وَجب حذف الْوَاو من قَوْلك: لم يقم، دون حذف الْمِيم، وَلم وَجب الْحَذف فِي الْجُمْلَة؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَنه لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب الْجمع بَين ساكنين فِي الْوَصْل، لِأَن الْجمع بَينهمَا فِي الْوَصْل محَال، وَلكنه لَيْسَ بموجود، فَلم يكن بُد من حذف أحد الساكنين، أَو تحريكه، ليخرج إِلَى كَلَامهم.
وَقد يُمكن تَعْلِيل امْتنَاع الْجمع بَين ساكنين، بِأَن يُقَال: إِن الْحَرْف السَّاكِن إِذا تكلم بِهِ، أَن الْمُتَكَلّم فِي حكم الْوَاقِف عَلَيْهِ والمبتدئ بِمَا بعده، وَقد بَينا أَن الِابْتِدَاء بالساكن محَال، فَكَانَ الْجمع بَينهمَا يشبه الِابْتِدَاء بالساكن، فَلهَذَا امْتَنعُوا، وَإِنَّمَا وَجب الْحَذف فِي الْوَاو دون الْمِيم لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن الْمِيم لَو حذفت وَبقيت الْوَاو لجَاز أَن يلقاها سَاكن، وَلَا بُد من حذف الْوَاو أَو تحريكها، فَلَو حذفت أدّى ذَلِك إِلَى الإجحاف بِالْفِعْلِ، وَلَو حركتها لَأَدَّى إِلَى الاستثقال، إِذْ كَانَت الحركات على حُرُوف مستثقلة، فَوَجَبَ أَن تحذف الْوَاو، وَتبقى الْمِيم الَّتِي لَا يستثقل عَلَيْهَا الْحَرَكَة، وَلَا يجب حذفهَا.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن حُرُوف الْمَدّ أَضْعَف من غَيرهَا، فَلَمَّا وَجب حذف أحد الحرفين، وَجب حذف الأضعف، وَهُوَ الْوَاو.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم لم يحركوا أَحدهمَا؟
قيل: لَو حركنا الآخر، وَجب تحريكه بِالْفَتْح أَو الضَّم، إِذْ الْكسر مَمْنُوع من الْفِعْل، وَأَن الأَصْل فِي التحريك لالتقاء الساكنين الْكسر، وَلَو حركنا الآخر بِالضَّمِّ أَو بِالْفَتْح لم تعلم عَلامَة الْجَزْم، لِأَنَّهُ أدّى اللَّفْظ إِلَى لفظ النصب وَالرَّفْع. وَلَو حركنا الأول لَأَدَّى إِلَى الاستثقال، إِذْ الحركات فِي هَذِه الْحُرُوف مستثقلة.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو. للوراق ( 7 )
"""""""""""""""""""""""""""""""""
فَإِن قَالَ: أَلَيْسَ قد حركتم إِذا لقيها سَاكن من كلمة أُخْرَى بِالْكَسْرِ، لسكونها وَسُكُون الْوَاو؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَنَّهَا لَو حركت بِالْكَسْرِ من أجل الْوَاو الَّتِي قبلهَا، لصار الْكسر لَازِما لَهَا، إِذْ كَانَت الْوَاو لَازِمَة، فَلَمَّا صَار الْكسر لَازِما، والجر عَارض لَا يدْخل الْفِعْل، كَانَ الْكسر اللَّازِم أولى بِالْمَنْعِ.
وَأما الْكسر لأجل السَّاكِن من كلمة أُخْرَى، فَجَاز لأجل أَن الْكسر لَا يلْزم الْحَرْف، لِأَن الْكَلِمَة الثَّانِيَة لَا تلْزم الْفِعْل، فَلَمَّا كَانَ الْكسر عارضا استعملوه، لِأَنَّهُ الأَصْل، وَلَيْسَ مِمَّا يلْزم وَأما اللَّازِم فتجنبوه، فَهَذَا الْفَصْل بَينهمَا.
وَوجه آخر فِي أصل الْمَسْأَلَة: وَهُوَ أَن تَقول: إِن أصل الساكنين إِذا التقيا أَن يحذف أَحدهمَا، إِلَّا أَن يكون الْحَذف يُوجب لبسا أَو إجحافا بِالْكَلِمَةِ، فَحِينَئِذٍ تحركه.
فَأَما إِذا خلا من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ، فالحذف أولى بِهِ، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْجمع بَينهمَا مُمْتَنعا، وَلَيْسَ فِي حذف أَحدهمَا ضَرَر، كَانَ الْحَذف أولى من زِيَادَة حَرَكَة مُسْتَغْنى عَنْهَا.
فَإِن قَالَ قَائِل: قد قلت: إِن الْوَاو لَا ترجع عِنْد تحرّك الْمِيم، إِذا قلت: لم يقم الْقَاسِم. لِأَن حَرَكَة الْمِيم عارضة. فَلم رجعت فِي قَوْلك: لم يقوما. والتثنية عارضة؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْجَزْم إِنَّمَا هُوَ دَاخل على الرّفْع، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالتثنية إِنَّمَا يجب أَن تعْتَبر حَالهَا فِي الرّفْع قبل الْجَزْم، فَلَمَّا وَجب أَن تَقول: فَلَمَّا يقومان، فتظهر الْوَاو، لِأَنَّهُ لَا شَيْء يُوجب إِسْقَاطهَا، وَدخل الْجَزْم، حذفت النُّون، وَبَقِي الْفِعْل على صورته فِي حَال الرّفْع.
وَأما قَوْلهم: لم يقم الْقَاسِم، فالواو قد وَجب إِسْقَاطهَا قبل مَجِيء مَا يُوجب تحرّك الْمِيم، لِأَن مَا يدْخل على أول الْكَلِمَة أسبق مِمَّا يَجِيء بعد الْفَرَاغ مِنْهَا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك صَارَت حَرَكَة الْمِيم عارضة، إِذْ دخلت على مَا اسْتَقر لَهُ السّكُون والحذف، وَلَيْسَ حكم التَّثْنِيَة كَذَلِك لما ذَكرْنَاهُ.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم اخْتلفت التَّثْنِيَة وَالْجمع هَذَا الِاخْتِلَاف؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَنه لضَرُورَة أدَّت إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَن الِاسْم الْمَرْفُوع كَانَ حَقه أَن يثنى بِالْوَاو، لِأَن الضَّمِير بِالْوَاو، فَيُقَال: جَاءَنِي الزيدون، بِفَتْح مَا قبل الْوَاو، وَفِي الْجمع: الزيدون، بِضَم مَا قبل الْوَاو، وَكَانَ يجب فِي الْجَرّ أَن يُقَال مَرَرْت بالزيدين، بِفَتْح مَا قبل الْيَاء فِي التَّثْنِيَة، وبكسره فِي الْجمع، فَيَقَع الْفَصْل بَين تَثْنِيَة الْمَرْفُوع وَجمعه، وَبَين تَثْنِيَة الْمَجْرُور وَجمعه، باخْتلَاف الحركات. فَإِذا بنينَا الْمَنْصُوب على هَذَا الْقيَاس لزم أَن نقُول: رَأَيْت الزيدان، لِأَن الفتحة من الْألف، وَلَو فعلنَا هَذَا وأردنا الْجمع، لزم أَن ترجع الْألف فِي الْجمع، كَمَا رجعت الْوَاو وَالْيَاء فِي جمع الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور، وَلَو فعلنَا هَذَا لم يَقع فصل بَين تَثْنِيَة الْمَنْصُوب وَجمعه، لِأَن الْألف لَا يكون مَا قبلهَا إِلَّا مَفْتُوحًا، فَلَمَّا كَانَ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى اللّبْس بَين التَّثْنِيَة وَالْجمع أسقطت عَلامَة الْمَنْصُوب، وَلم يكن بُد من حمله - إِذا ثني أَو جمع - على الْمَرْفُوع أَو الْمَجْرُور، فَكَانَ حمله على الْمَجْرُور أولى من أَربع جِهَات:
أَحدهَا: أَن الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور قد يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَعْنى، كَقَوْلِك: مَرَرْت بزيد، مَعْنَاهُ: جزت زيدا، فلاشتراكهما فِي الْمَعْنى حمل النصب على الْجَرّ.
والجهة الثَّانِيَة: أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْكِنَايَة، نَحْو قَوْلك: مَرَرْت بك، ورأيتك.
والجهة الثَّالِثَة: أَن الْجَرّ ألزم للأسماء من الرّفْع، لِأَن الرّفْع ينْتَقل إِلَى الْفِعْل، فَكَانَ حمل النصب على الألزم أولى من حمله على الْمُنْتَقل.
والجهة الرَّابِعَة: أَن الْجَرّ أخف من الرّفْع، فَلَمَّا أردنَا حمل الْمَنْصُوب، وَهُوَ خَفِيف، كَانَ حمله على المخفوض أولى.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم أدخلتم فِي تَثْنِيَة الْمَرْفُوع الْألف، وَلم تبقوه على أَصله؟
قيل لَهُ: لأَنهم أَرَادوا أَن يستعملوا الْحُرُوف الثَّلَاثَة فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع، كَمَا استعملوا حركاتها فِي الْوَاحِد، فَلَمَّا وَجب إِسْقَاط الْألف من الْمَنْصُوب، لما ذَكرْنَاهُ، لم يبْق مَوضِع يدْخل عَلَيْهِ سوى الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور، فأدخلوها فِي تَثْنِيَة الْمَرْفُوع، لما ذَكرْنَاهُ.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَلا أدخلوها فِي تَثْنِيَة الْمَجْرُور؟
قيل لَهُ: إدخالها فِي تَثْنِيَة الْمَرْفُوع أولى، لِأَن الْوَاو أثقل من الْيَاء، فَلَمَّا كَانَ لَا بُد من إِسْقَاط الْوَاو وَالْيَاء، وَجب إِسْقَاط الأثقل.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم وَجب فتح وَاو التَّثْنِيَة، وياء التَّثْنِيَة فِي الأَصْل؟
قيل لَهُ: لِأَن الْألف لَا يكون مَا قبلهَا إِلَّا مَفْتُوحًا، والتثنية قبل الْجمع، فقد اسْتحقَّت التَّثْنِيَة الْفَتْح فِي النصب لأصل الْألف، وحملت الْيَاء وَالْوَاو على الْألف وَضم مَا قبل الْوَاو فِي الْجمع وَكسر مَا قبل الْيَاء لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن الْكسر من الْيَاء، وَالضَّم من الْوَاو، فَكَانَ أولى مَا يجر بِهِ مَا هُوَ من جِنْسهَا.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن الْفَتْح قد فَاتَ بِاسْتِحْقَاق التَّثْنِيَة لَهُ، فَلم يبْق إِلَّا الضَّم، وَكَذَلِكَ لَو ضم مَا قبل يَاء الْجمع انقلبت واوا، فَكَانَ يخْتَلط الْجَرّ بِالرَّفْع، وَالرَّفْع بِالْجَرِّ وَلم يبْق إِلَّا الْكسر.
 

قيصر الحب

::اصدقاء المنتدى و اعلى المشاركين ::
إنضم
2 أغسطس 2016
المشاركات
369,314
مستوى التفاعل
3,187
النقاط
113
رد : علل النحو. للوراق ( متجدد )

دائما متميز في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

قيصرنا الغالي
لك التحية و التقدير
سرني تواجدك و دعمك
حفظك الله
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( ظ¨ )
ـــــــــــــــــ
(باب)

و اعلم أن الألف في التثنية، و الواو في الجمع، و الياء في [التثنية] و الجمع من حروف الإعراب عند سيبويه بمنزلة الدال في زيد، و الإعراب فيها مقدر، كما يقدر في أواخر المقصور، نحو:
عصا و رحى.
و إنما وجب أن تكون هذه الحروف حروف إعراب، لأن معنى الكلمة إنما يكمل بها، و صارت آخر حرف في الاسم، و قد بينا أن حكم الإعراب، إنما يكون زيادة على بناء الاسم، فلهذا وجب أن تكون حروف الإعراب، و إنما امتنع من الإعراب استثقالا للحركات، فحذف استخفافا، و قدر في النية.
فإن قال قائل: فهلا لزمت التثنية و الجمع لقبا واحدا و لم تتغير هذا التغيير، كما أن المقصور لما قدر في آخره لزم وجها واحدا فلم يتغير؟
فالجواب في ذلك: أن التغيير إنما لزم في التثنية و الجمع، و لم يلزم في المقصور، و إن استويا فيما ذكره السائل، لأن المقصور يستدل على إعرابه بنظيره من الصحيح و بنعته، فصار ما في النعت و النظير من علامة الإعراب يغني عن تغير آخر المقصور، ألا ترى أنك إذا قلت:
هذه عصا معوجة، بان الرفع في (معوجة) و كذلك لو وضعت في مكانها اسما غير معتل، لبان الإعراب فيه، نحو: هذا جمل.
و أما التثنية و الجمع فلا نعت لهما إلا بتثنية أو جمع، و لا نظير لهما إلا كذلك، فلو لزمت وجها واحدا، لم يكن على إعرابها دليل، فجعل بغيرها عوضا من عدم النظير.
فإن قال قائل: فلم دخلت النون في التثنية و الجمع؟
قيل له: عوضا من الحركة و التنوين.
فإن قال قائل: فلم وجب أن يعوض من الحركة و التنوين؟
قيل له: لأن من شرط التثنية، و هذا الجمع أن يكون له علامة مزيدة على لفظ الواحد، فكان يجب أن تلحقه الحركة و التنوين، فلما وجب أن يدخل التنوين و الحركة التثنية و الجمع، و عوض ما يمتنع من دخولهما، وجب أن يعوض منهما، لئلا يخل بما يوجبه ترتيب اللفظ، و قد بينا أن الحركة إنما سقطت استثقالا.
و أما التنوين فوجب إسقاطه لأنه ساكن، و هذه الحروف سواكن، فلم يكن يخلو من أحد أمرين:
أما إسقاط هذه الحروف لسكونها و سكون التنوين، فتزول علامة التثنية و الجمع، فيؤول إلى الاستثقال، أو تحرك التنوين، فيصير نونا لازمة، و تخرج عن حكم العلامة التي وضع لها، فلم يبق غير حذفها، فلهذا وجب إسقاط التنوين، فلما دخلت النون - عوضا لما ذكرناه - دخلت ساكنة لأن الحرف إنما تحرك لزيادة الحركة عليه، و هي غيره، فإذا زدناه مجردا من الحركة بقي ساكنا، و قبله علامة التثنية و الجمع، و هي ساكنة، فالتقى ساكنان، فحركت النون لالتقاء الساكنين.
فإن قال قائل: فلم كسرت في التثنية، و فتحت في الجمع؟
ففي ذلك وجوه:
أحدها: أن التثنية قبل الجمع، و حق الساكن إذا حرك حرك بالكسر، فقد استحقت نون التثنية الكسر على الأصل، لأنها سابقة للجمع، و جازت نون الجمع، و قد فات كسرها، ففتحت لئلا تلتبس بنون التثنية، فلم يبق لها من الحركات إلا الضم و الفتح، و الضم مستثقل، فسقط و بقي الفتح.
و وجه ثان: و هو أن الجمع يقع قبل النون فيه واو قبلها ضمة، أو ياء قبلها كسرة، فكرهوا كسرة النون، لئلا يثقل بتوالي الكسرات، أو يخرجوا من ضم إلى كسر، فسقط الكسر، و هو بالإسقاط أولى، فلم يبق إلا الفتح، فجعل الكسر للأخف، و الفتح للأثقل ليعتدلا.
فإن قال قائل: فما الذي أحوج إلى الفصل بين نون التثنية و نون الجمع، و صيغة التثنية مباينة لصيغة الجمع، و إن سقطت النون، فما الحاجة إلى الفصل؟
قيل: قد يشكل جمع المقصور في النصب و الجر بتثنية الصحيح، كقولك:
رأيت المصطفين، فيقع ما قبل ياء الجمع مفتوحا، كما تقول في تثنية زيد: رأيت الزيدين، و مررت بالزيدين، فلو لم يكسروا نون التثنية، و يفتحوا نون الجمع، لالتبس جمع المقصور بتثنية الصحيح، فلما وجب الفصل بين هذين أجروا كل تثنية و كل جمع على هذا، لئلا تختلف طريقتهما.
فإن قال قائل: لم كانت النون بالزيادة أولى من سائر الحروف؟
قيل له: لم يمكن زيادة بعض حروف المد في التثنية و الجمع استثقالا لاجتماعهما، و مع هذا فكان يجب إذا وقع حرف المد بعد ألف التثنية أن يهمز و لأن كل حرف مد وقع طرفا قبله ألف زائدة، فلا بد من همزه، فكان ذلك يؤدي إلى تغيير الحرف عن أصله، فوجب أن تزاد النون من بين سائر الحروف، لما ذكرناه في الجمع من مذهب سيبويه، و هو الصحيح عندنا، و أما أبو الحسن الأخفش و أبو العباس المبرد، و من تابعهما، فيقولون: هذه الحروف دلائل على الإعراب، و ليست بإعراب، و لا حروف إعراب، و هذا القول فاسد، لأنه يقال لقائله:
خبرنا عن قولك: إن هذه الحروف دلائل إعراب، و ليست بإعراب، و لا حروف إعراب، هل يدل على إعراب في الكلمة، أو في غيرها؟
فإن قال قائل: تدل على إعراب في الكلمة، فلا بد له من أن يقدر الإعراب فيها، إذ كانت هي أواخر الكلم، فيرجع قوله إلى سيبويه، و تسقط هذه العبارة. أو يقول: تدل على إعراب في غير الكلمة.
فيقال له: فإذا الإعراب لا في الكلمة، و ما عدم إعرابه فهو مبني.
و من مذهبه أن التثنية و الجمع معربان، فيناقض قوله، و لو لم يعترف بإعراب التثنية و الجمع، لكان لقوله مساغ، و هو مذهب أبي إسحاق الزجاج.
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 2 ( الاعضاء: 0, الزوار: 2 )