أداة تخصيص استايل المنتدى
إعادة التخصيصات التي تمت بهذا الستايل

- الاعلانات تختفي تماما عند تسجيلك
- عضــو و لديـك مشكلـة فـي الدخول ؟ يــرجى تسجيل عضويه جديده و مراسلـة المديــر
او كتابــة مــوضـــوع فــي قســم الشكـاوي او مـراسلــة صفحتنـا على الفيس بــوك

علل النحو. للوراق ( متجدد )

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 19 )
ـــــــــــــــــــــ
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم لم يلزموا الْفِعْل عَلامَة للتثنية و َالْجمع، كَمَا ألزموا الْفِعْل عَلامَة التَّأْنِيث؟
قيل لَهُ: الْفَصْل بَينهمَا أَن التَّثْنِيَة لَيست بلازمة فِي جَمِيع الْأَحْوَال، فَلم تلْزم علامتها كَمَا تلْزم هِيَ فِي نَفسهَا. فَأَما التَّأْنِيث فلازم فِي الِاسْم لَا يُفَارِقهُ، فَلهَذَا لَزِمت عَلامَة التَّأْنِيث الْفِعْل.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم زعمتم أَن الْفِعْل لَا يثنى وَ لَا يجمع؟
قيل لَهُ: فِي ذَلِك وُجُوه:
أَحدهَا: أَنه لَو جَازَت تثنيته مَعَ الاسمين لجَاز تثنيته مَعَ الْوَاحِد، لِأَن الْوَاحِد يفعل من الْجِنْس الْوَاحِد من الْأَفْعَال مَا يَفْعَله الِاثْنَان وَ الثَّلَاثَة، وَلَو كَانَ ذَلِك شَائِعا لوجد فِي كَلَامهم جمع الْفِعْل مَعَ الِاسْم الْوَاحِد، فَكَانَ يُقَال:
زيد قَامُوا، فَلَمَّا خلا ذَلِك من كَلَامهم، علمنَا [أَنه] لَا يثنى وَ لَا يجمع، وَمَا لحقه من عَلامَة التَّثْنِيَة وَ الْجمع إِنَّمَا هُوَ على مَا شرحناه.
وَوجه آخر:
أَن الْفِعْل يدل على مصدر، وَ لَيْسَ هُوَ فِي نَفسه بِذَات يقْصد إِلَيْهَا حَتَّى يضم إِلَيْهَا مثلهَا، كَمَا يجب ذَلِك فِي الْأَسْمَاء، فَلذَلِك لم يثن وَلَا يجمع.
وَ وجه ثَالِث: وَ هُوَ أَن الْفِعْل على مصدره، و لا المصدر لَا يثنى و لا يجمع، لِأَنَّهُ اسْم للْجِنْس يَقع على الْوَاحِد فَمَا فَوْقه، كَقَوْلِك: ضرب وَأكل وَشرب، إِلَّا أَن يخْتَلف، فَحِينَئِذٍ يجوز جمعه، كَقَوْلِك: ضربت ضروبا، إِذا كَانَ ضربا مُخْتَلفا، فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل إِنَّمَا دلّ على مصدر وَاحِد، وَالْوَاحد من المصادر جنس وَاحِد، بَينا أَنه لَا يثنى على هَذَا الْوَجْه، فَكَذَلِك لَا يثنى مَا يدل عَلَيْهِ.
وَوجه آخر: وَهُوَ أَن الْفِعْل لما كَانَ دَالا على الزَّمَان و المصدر، علم فِي الْمَعْنى أَنه اثْنَان، فاستغني عَن تثنيته.
وَاعْلَم أَن الْفِعْل لجَماعَة الْمُؤَنَّث تلْحقهُ النُّون على وَجْهَيْن، كَمَا لحقت الْوَاو الْمُذكر على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن يكون اسْما مضمرا يرجع إِلَى مَا قبله، كَقَوْلِك: الهندات يضربن.
وَالثَّانِي: أَن يكون عَلامَة الْجمع، فَيكون على هَذَا الْوَجْه حرفا، كَقَوْلِك: يضربن الهندات.
وَاعْلَم أَن هَذِه النُّون إِذا دخلت على الْفِعْل أوجبت بناءه على السّكُون، وَإِنَّمَا وَجب ذَلِك لِأَنَّهُ اسْم، وَ من شَرط الْأَسْمَاء الْمُضْمرَات أَن تبنى على حَرَكَة، لِأَنَّهَا على حرف وَاحِد، و كرهوا أَن يبنوها على السّكُون فَيكون إجحافا بهَا، فَإِذا أدخلناها على الْفِعْل الْمَاضِي، نَحْو قَوْلك: الهندات ضربن، وَجب إسكان حرف من الْفِعْل؛ كَرَاهِيَة أَن يجْتَمع فِي كلمة وَاحِدَة أَربع متحركات مُتَوَالِيَات لَوَازِم، لِأَن الْفِعْل وَ الْفَاعِل كالشيء الْوَاحِد، إِذْ كَانَ لَا يَسْتَغْنِي أَحدهمَا عَن الآخر، وَلَيْسَ فِي كَلَامهم نَظِير هَذَا، وَقد بَيناهُ قبل هَذَا، فَلم يكن بُد من إسكان حرف من جملَة هَذِه الْكَلِمَة.
وَإِنَّمَا كَانَت الْبَاء بِالسُّكُونِ أولى من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن الأول لَا يجوز إسكانه، لِأَنَّهُ لَا يبتدأ بساكن، وَلَا يجوز إسكان.
الثَّانِي، لِأَنَّهُ بِهِ يعرف اخْتِلَاف الْأَبْنِيَة، وَلَا يجوز إسكان النُّون لما ذَكرْنَاهُ من الإجحاف، فَلم يبْق غير الْبَاء، فَوَجَبَ إسكانها.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن أصل الْفِعْل السّكُون، فَلَمَّا احتجنا إِلَى تسكين حرف، كَانَ مَا أَصله السّكُون أولى، لِأَن ذَلِك رد إِلَى أَصله، فَلهَذَا وَجب إسكان الْبَاء.
وَأما (تضربن) : فَحمل على (ضربن) ، وَإِن لم تكن فِيهِ عِلّة (ضربن) إِلَّا من وَجه النِّسْبَة أَن (يضربن) من جنس (ضربن) ، وَالْبَاء الَّتِي سكنت فِي (يضربن) هِيَ الْبَاء الَّتِي سكنت فِي (ضربن) ، فحملوا الْمُسْتَقْبل على الْمَاضِي من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ، لِئَلَّا يخْتَلف طَرِيق الْفِعْل، فَإِذا ثَبت أَن الْفِعْل الْمُضَارع إِذا لحقته نون جمَاعَة النِّسَاء بني على السّكُون، وَجب أَن يلْزم طَريقَة وَاحِدَة فِي حَال الرّفْع وَالنّصب والجزم، لِأَن ذَلِك شَرط المبنيات، وَمَا ذكرنَا فِي الشَّرْح من أَن النُّون لَو حذفت لالتبس بِفعل الْمُذكر، وَأَيْضًا فَإِن حذف النُّون لَا يجوز بِحَال، فَإِنَّهَا اسْم مُضْمر، وَلَا يجوز حذف الِاسْم للجزم، كَمَا لَا يجوز حذف الْيَاء من قَوْلك: (لم تضربي) ، إِذا خاطبت مؤنثا، لِأَنَّهَا اسْم وعلامة تَأْنِيث.
وَاعْلَم أَن الْفِعْل المعتل إِنَّمَا خَالف مَا آخِره وَاو أَو يَاء لما آخِره الْألف، لِأَن الْألف قد بَينا فِي عِلّة الْمَقْصُور أَنَّهَا لَا تحرّك فِي حَال الْإِعْرَاب، فَذَاك يُغني عَن الاعتلال هَا هُنَا، لِأَن حكمهَا سَوَاء.
فَإِن قَالَ قَائِل: للاسم أَن يخْفض اسْما مثله، وَمن شَرط الْعَامِل أَلا يكون من نوع الْمَعْمُول فِيهِ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ من نَوعه لم أجدهما بِأَن يعْمل فِي الآخر أولى من الآخر أَن يعْمل فِيهِ.
قيل لَهُ: أصل الْجَرّ إِنَّمَا هُوَ بالحروف دون الْأَسْمَاء، وَالْإِضَافَة فِي الْأَسْمَاء على مَعْنيين:
أَحدهمَا: بِمَعْنى اللَّام.
وَالْآخر: بِمَعْنى (من) .
فَإِذا قَالَ الْقَائِل: (جَاءَنِي غُلَام زيد) ، فَالْأَصْل: غُلَام لزيد، فزيد جر بِاللَّامِ، وَإِذا حذفت اللَّام قَامَ الْغُلَام مقَامهَا، فَيبقى جر زيد على مَا كَانَ عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ قد قَامَ مقَام مَا يخفضه شَيْء، وَهُوَ الْغُلَام.
وَكَذَلِكَ إِذا قلت: (ثوب خَز) ، فَالْأَصْل: ثوب من خَز، فَلَمَّا حذفت (من) قَامَ الثَّوْب مقَامهَا.
فَإِن قَالَ قَائِل: مَا الْفَائِدَة فِي حذف اللَّام و (من) ؟
قيل لَهُ: الْفَائِدَة فِي ذَلِك أَنَّك إِذا قلت: جَاءَنِي غُلَام لزيد، فَإِنَّمَا تخبر أَن وَاحِدًا من غلْمَان زيد جَاءَك، وَلَيْسَ مَعْرُوفا بِعَيْنِه، فَإِذا أَرَادوا غُلَاما بِعَيْنِه حذفوا اللَّام، ووصلوا بَين الْغُلَام وَزيد، وَجعلُوا هَذَا الِاتِّصَال من جِهَة اللَّفْظ دلَالَة على اخْتِصَاصه من سَائِر غلمانه، فَإِذا قلت: جَاءَنِي غُلَام زيد، فَمَعْنَاه: جَاءَنِي الْغُلَام الْمَعْرُوف لزيد.
وَأما قَوْلهم: (ثوب خَز) فَإِنَّمَا حذفت (من) تَخْفِيفًا.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 20 )
ــــــــــــــــــــــــــــ
بَاب حُرُوف الْخَفْض

فَإِن قَالَ قَائِل: لم صَارَت هَذِه ( اللَّام وَ من ) وَ سَائِر مَا يجر من الْحُرُوف يعْمل الْجَرّ دون النصب وَ الرَّفْع؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن حُرُوف الْجَرّ تكون موصلة للأفعال إِلَى مَا بعْدهَا، فَتدخل مرّة على الْفَاعِل، وَ مرَّة على الْمَفْعُول بِهِ، كَقَوْلِك فِي الْفَاعِل:
مَا جَاءَنِي من أحد، وَ الْأَصْل: مَا جَاءَنِي أحد، وَ تدْخل على الْمَفْعُول، كَقَوْلِك:
مَا رَأَيْت من أحد، وَ مَعْنَاهُ: مَا رَأَيْت أحدا، فَلَمَّا كَانَت هَذِه الْحُرُوف تدخل على الْفَاعِل وَ الْمَفْعُول، جعل حركتها بَين حَرَكَة الْفَاعِل وَ الْمَفْعُول متوسطا، وَ هُوَ الْكسر، لِأَنَّهُ وسط اللِّسَان، وَ الضَّم من الشّفة، وَ الْفَتْح من أقْصَى الْحلق، فَلهَذَا خص بِالْجَرِّ.
وَ اعْلَم أَن ( عَن ) تكون اسْما و حرفا، إِذا كَانَت اسْما دخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ وَ صَارَت بِمَنْزِلَة النَّاحِيَة، كَقَوْلِك:
زيد من عَن يَمِين عَمْرو، قَالَ الشَّاعِر:
فَقلت: اجعلي ضوء الفراقد كلهَا
يَمِينا و مهوى النَّجْم من عَن شمالك
وَ إِذا كَانَت حرفا لم يحسن دُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهَا، كَقَوْلِك:
رميت عَن الْقوس، وَ مَا أشبه ذَلِك.
وَ أما (على) فَتكون اسْما و حرفا و فعلا.
فالفعل نَحْو قَوْلك:
علا يَعْلُو، وَ الِاسْم نَحْو قَوْلك:
جَاءَ النّظر من عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
أَتَت من عَلَيْهِ تنفض الطل بعد مَا
رَأَتْ حَاجِب الشَّمْس اسْتَوَى و ترفعا
( من عَلَيْهِ ) : أَي: من فَوْقه.
وَ إِذا كَانَت حرفا لم يحسن شَيْئا مِمَّا ذَكرْنَاهُ فِيهَا، نَحْو قَوْلك:
على زيد مَال.
وَ أما ( حاشى ) فَلَا تكون إِلَّا حرفا عِنْد سِيبَوَيْهٍ، وَ تَكون حرفا و فعلا عِنْد الْمبرد، و سنستقصي الْحجَج فِي ذَلِك إِذا انتهينا إِلَيْهِ إِن شَاءَ الله.
وَ أما ( خلا ) فَتكون حرفا و فعلا بِلَا اخْتِلَاف، وَ إِذا قدرتها حرفا خفضت بعْدهَا، وَ إِذا قدرتها فعلا نصبت بعْدهَا.
وَ أما ( الْكَاف ) الَّتِي للتشبيه فَتكون حرفا و اسما، فَإِذا كَانَت اسْما قدرتها تَقْدِير ( مثل ) ، وَ جَاز أَن يدْخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ، كَقَوْل الشَّاعِر:
و صاليات ككما يؤثفين
فالكاف الأولى حرف الْجَرّ، وَ الثَّانيَِة اسْم. وَ اعْلَم أَن كل حرف من حُرُوف الْجَرّ لَهُ معنى.
فَأَما ( من ) فَتَقَع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع:
أَحدهَا: أَن تكون لابتداء الْغَايَة، كَقَوْلِك: مَرَرْت من الْكُوفَة إِلَى الْبَصْرَة، أَي: ابْتِدَاء سيري كَانَ من الْكُوفَة.
وَ الثَّانِي: أَن تكون للتبيين، كَقَوْلِه عز وَ جل:
{فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} لِأَن سَائِر الأرجاس يجب أَن يجْتَنب، فَدخلت ( من ) لتبين الْمَقْصُود بالاجتناب من الأرجاس.
وَ الثَّالِث: أَن تدخل مَعَ النكرات لنفي الْجِنْس، كَقَوْلِك:
مَا جَاءَنِي من رجل، نفيت جَمِيع جنسه. فَإِذا قلت: مَا جَاءَنِي من أحد، ف (من) أَيْضا مفيدة، وَ إِن كَانَ (أحد) لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي النَّفْي، فَإِنَّهُ قد اسْتعْمل فِي بعض الْمَوَاضِع بِمَنْزِلَة ( الْوَاحِد ) ، فَلَو قلت:
مَا جَاءَنِي أحد، جَازَ أَن يتَوَهَّم: مَا جَاءَنِي وَاحِد، فَإِذا قلت: من أحد، جَازَ هَذَا التَّوَهُّم.
وَ الْوَجْه الرَّابِع من وُجُوه ( من ) : أَن تكون للتَّبْعِيض، كَقَوْلِك:
أخذت درهما من مَال زيد.
وَ بَعض النَّاس يعْتَقد فِي الْوَجْه الثَّالِث أَن ( من ) فِيهِ زَائِدَة، فِي نَحْو قَوْلك:
مَا جَاءَنِي من أحد، وَ قد بَينا أَن لَهُ فَائِدَة.
وَ اعْلَم أَن ( من ) مَعَ هَذِه الْأَوْجه الْأَرْبَعَة يجوز أَن تجْعَل كلهَا للتَّبْعِيض، وَإِن شِئْت جَعلتهَا لابتداء الْغَايَة إِلَّا الْموضع الَّذِي تدخل فِيهِ الْأَجْنَاس، وَ لأَجل تقديرها زَائِدَة لم يثبت حكمهَا كالأوجه الثَّلَاثَة، فاعرفه.
وَ أما ( إِلَى ) : فَمَعْنَاه الْغَايَة، كَقَوْلِك:
سرت إِلَى الْبَصْرَة / أَي انْتَهَيْت إِلَيْهَا.
وَأما (اللَّام) : فمعناها الْملك و الاستحقاق، كَقَوْلِك:
المَال لزيد. أَي: هُوَ يملكهُ و يستحقه.
وَ أما (الْبَاء) : فَمَعْنَاه للإلصاق، وَ قد تكون باستعانة وَ غير استعانة، كَقَوْلِك:
مَرَرْت بزيد. أَي: ألصقت مروري بِهِ و الاستعانة:
كتبت بالقلم. أَي: ألصقت كتابي بِهِ وَ فِيه استعانة مَعَ ذَلِك.
وَ أما ( الْكَاف ) : فَتكون للتشبيه، نَحْو قَوْلك:
زيد كعمرو. أَي: شبهه.
وَ أما ( عَن ) : فَلَمَّا عدا الشَّيْء، كَقَوْلِك:
أخذت عَنهُ حَدِيثا. أَي: عدا إِلَيّ مِنْهُ حَدِيثا.
وَ أما ( على ) : فمعناها الاستعلاء، كَقَوْلِك:
زيد على الْجَبَل. أَي: قد علا، وَ كَذَلِكَ:
على زيد دين. أَي: قد علاهُ، وَ هَذَا التَّمْثِيل بِالْأولِ.
وَ أما ( حاشى و خلا ) فنفسرهما فِي بَاب ( الِاسْتِثْنَاء ) إِن شَاءَ الله.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 21 )
ـــــــــــــــــــ
بَاب حُرُوف الْقسم

إِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ: لم زعمتم أَن أصل حُرُوف الْقسم (الْبَاء) ؟
قيل لَهُ: فِي ذَلِك جوابان:
أَحدهمَا: أَن الْمقسم بِهِ مُعَلّق بِفعل مَحْذُوف، وَ ذَلِكَ أَن قَوْلك:
بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ، مَعْنَاهُ: أَحْلف بِاللَّه، وَ هَذَا الْفِعْل إِذا ظهر لَا يجوز أَن يسْتَعْمل مَعَه إِلَّا الْبَاء، فَدلَّ ذَلِك على أَن الأَصْل الْبَاء.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم لَا يجوز: أَحْلف وَ الله؟
قيل لَهُ: لِأَنَّهُ يلتبس، أَنَّك قد حَلَفت بيمينين، وَ ذَلِكَ أَن الْقَائِل قد يَكْتَفِي بقوله: أَحْلف، وَ يجْرِي مجري الْقسم، فَيَقُول: أَحْلف لَأَفْعَلَنَّ، فَلَو قَالَ: أَحْلف وَ الله، لجَاز أَن يتَوَهَّم أَنه يمينان، فَلذَلِك لم يسْتَعْمل، وَ أما إِذا قلت: أَحْلف بِاللَّه، لم يتَوَهَّم فِي ذَلِك إِلَّا يَمِين وَاحِدَة، لِأَن من شَأْن الْبَاء أَن يلصق مَا بعْدهَا بِحكم مَا قبلهَا، وَ لَا يَصح الِابْتِدَاء بهَا.
فَإِن قيل: أَيْضا قَالُوا: وَ لَا يبتدأ بهَا؟
قيل لَهُ: لَو كَانَت الْوَاو غير مبدلة من الْبَاء، لَصَارَتْ فِي الْقسم قَائِمَة بِنَفسِهَا، لِأَنَّهَا لَيست من الْحُرُوف الَّتِي تكون موصلة الْأَفْعَال إِلَى مَا بعْدهَا، كحروف الْجَرّ، فَلهَذَا وَجب أَن يَقع اللّبْس بِالْوَاو، وَ لَا يَقع مثله فِي الْبَاء. وَ هَذَا الْفَصْل الَّذِي ذَكرْنَاهُ يجوز أَن يَجْعَل دلَالَة على أَن الْبَاء هِيَ الأَصْل للواو.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم لَا يجوز: أَحْلف وَ الله، إِذا ثَبت أَن الْوَاو بدل من الْبَاء. وَ قد علم أَنَّهَا إِذا اتَّصَلت بِالْفِعْلِ الَّذِي قبلهَا أَنَّهَا لَيست بمبتدأة؟
قيل: إِنَّمَا ذكرنَا ذَلِك على الْوَجْه الَّذِي قدرناها فِيهِ أَنَّهَا أصل فِي نَفسهَا، فَأَما الَّذِي منع من اسْتِعْمَالهَا مَعَ الْفِعْل على هَذَا الْوَجْه أَيْضا فلأجل أَنَّهَا فرع، فكرهوا أَن يستعملوها مَعَ إِظْهَار الْفِعْل، فَيصير بِمَنْزِلَة الأَصْل، وَ لَا يكون على إبدالها دَلِيل، فأسقطوها مَعَ إِظْهَار الْفِعْل، ليدلوا على أَنَّهَا فرع.
فَإِن قيل: فَلم صَار إبدالها مَعَ حذف الْفِعْل أولى من إبدالها مَعَ إظهارها؟
قيل لَهُ: يجوز أَن يَكُونُوا خصوا الْبَدَل عِنْد إِضْمَار الْفِعْل، لِأَن حُرُوف الْجَرّ لَا يبْدَأ بهَا، وَ قد تقع الْوَاو فِي الِابْتِدَاء فِي بعض الْمَوَاضِع، كَقَوْلِك: ضربت زيدا وَ أَبوهُ قَائِم، فَهَذِهِ الْوَاو تسمى وَاو الْحَال، وَ مَا بعْدهَا مُبْتَدأ، فَلَمَّا كَانَت الْوَاو تقع للمبتدإ حسن إبدالها عِنْد حذف الْفِعْل لما ذَكرْنَاهُ.
وَ دلَالَة أُخْرَى فِي أصل الْمَسْأَلَة، وَ هُوَ مَأْخُوذ من اسْتِبْرَاء كَلَام الْعَرَب، وَ هُوَ أَنا وجدنَا الْعَرَب تسْتَعْمل الِاسْم الْمُضمر و المظهر بعد الْبَاء، كَقَوْلِك: بِاللَّه، وَ بِه، وَ لَا يسْتَعْمل الْمُضمر بعد الْوَاو، فلولا أَن الْوَاو فرع لما منعت مَا يسْتَعْمل فِي غَيرهَا، فَلَمَّا منعت ذَلِك دلّ على أَنَّهَا فرع.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَمن أَي وَجه جَازَ أَن تبدل الْوَاو من الْبَاء دون غَيرهَا؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْوَاو من مخرج الْبَاء، وَ هِي مَعَ ذَلِك كَثِيرَة الدّور فِي الْكَلَام، و تزاد فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، فلقربها من الْبَاء، وَ مَا فِيهَا مِمَّا ذَكرنَاهَا، كَانَت أولى من غَيرهَا.
فَإِن قَالَ: أَلَيْسَ عنْدكُمْ أَنه لَا يجوز حذف الْفِعْل إِذا كَانَ يتَعَدَّى بِحرف جر، فَكيف جَازَ فِي الْقسم أَن تَقول: بِاللَّه، وَ أَنت تقدر فعلا يتَعَدَّى بِالْبَاء، وَلَا يجوز أَن تَقول: بزيد، وَأَنت تُرِيدُ: مَرَرْت بزيد؟
قيل لَهُ: إِنَّمَا سَاغَ ذَلِك فِي الْقسم لِأَنَّهُ كثير الدّور فِي كَلَامهم، وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى جَوَاب، فَصَارَ افتقاره إِلَى الْجَواب كالعوض من حذف الْفِعْل مَعَ كَثْرَة الِاسْتِعْمَال.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَل الْوَاو الَّتِي هِيَ بدل من الْبَاء فِي الْقسم تجْرِي مجْرى الْوَاو الَّتِي هِيَ عوض من (رب) ، هِيَ وَاو الْعَطف، فالخفض بعْدهَا بإضمار (رب) ؟
قيل لَهُ أما الْوَاو فِي الْقسم فَهِيَ بدل من الْبَاء، و الخفض يَقع بِالْوَاو دون الْبَاء، وَ الدَّلِيل على ذَلِك أَنه يحسن أَن تدخل على وَاو الْعَطف، كم تدخل على الْبَاء، فَتَقول: وَ وَاللَّه لَأَفْعَلَنَّ، كَمَا تَقول: وَ بِاللَّهِ، فَدلَّ على أَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْبَاء.
فَأَما الْوَاو الَّتِي هِيَ عوض من (رب) فَلَا يصلح دُخُول وَاو الْعَطف عَلَيْهَا، فَدلَّ ذَلِك على أَنَّهَا وَاو الْعَطف، وَ إِنَّمَا عوض وَلَيْسَت بِبَدَل.
وَأما (التَّاء) فَهِيَ بدل من الْوَاو، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْحَرْف لَا يجوز أَن يُبدل من الْحُرُوف، إِلَّا أَن تكون بَينهمَا مُنَاسبَة، وَ لَا مُنَاسبَة بَينهَا وَ بَين الْبَاء، لِأَنَّهَا لَيست من مخرحها، وَلَا قريبَة مِنْهَا، فَلَا يَشْتَرِكَانِ فِي شَيْء، فَلم تجْعَل بَدَلا مِنْهَا.
وَ أما الْوَاو فَهِيَ تشابه التَّاء، لِأَنَّهَا من حُرُوف الزَّوَائِد وَ الْبدل، وَ التَّاء أقرب حُرُوف الْبَدَل إِلَى الْوَاو، فَلهَذَا كَانَت بَدَلا من الْوَاو دون الْبَاء، وَ كَانَت أولى من سَائِر الْحُرُوف أَيْضا، وَ الَّذِي يدل على أَنَّهَا لَيست بِأَصْل مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْوَاو، وَ إِنَّمَا خصت باسم وَاحِد، لِأَنَّهَا لَو اسْتعْملت فِي اسْمَيْنِ لم يكن بَينهمَا وَ بَين مَا عداهما حرف، فَوَجَبَ أَن يلْزم اسْما وَاحِدًا، ليدل بذلك على أَنَّهَا بدل من بدل، وَ أَنَّهَا أَضْعَف حكما من الْوَاو، وَ مَعَ هَذَا فالتاء أنقص حكما مِنْهَا، لِأَنَّهَا تدخل على اسْم الله تَعَالَى فَقَط، فَدلَّ على أَنَّهَا لَيست بِأَصْل، وَ قد بَينا فِي الشَّرْح لم صَار اختصاصها باسم الله تَعَالَى أولى من سَائِر الْأَسْمَاء، وَلم منعت الدُّخُول على غَيره، بِمَا يُغني عَن إِعَادَته.
وَأما (أَيمن الله) فاشتقاقها من أحد أَمريْن:
إِمَّا أَن يكون من الْيمن، لِأَن الْعَرَب قد تخْتَلف بِلَفْظ الْيَمين، فَتَقول: يَمِين الله لَأَفْعَلَنَّ، ثمَّ غير إِلَى لفظ (ايمن) وَ قد بَينا حكمه أَيْضا.
فَإِن قيل: فَكيف جَازَ أَن يُقَال: ايم الله لَأَفْعَلَنَّ، فَتدخل ألف الْوَصْل على الْمِيم وَ هِي متحركة؟
قيل: فِي ذَلِك جوابان:
أَحدهمَا: أَن الأَصْل فِي الْكَلِمَة (ايمن الله) فالألف دَاخِلَة على الْيَاء وَ هِي سَاكِنة، فَلَمَّا حذفت وَ لم يكن حذفهَا لَازِما بَقِي حكمهَا، وَ لم تحذف ألف الْوَصْل لتحرك مَا بعْدهَا، إِذْ لم يكن لَازِما.
وَ الْوَجْه الثَّانِي: أَن حَرَكَة الْمِيم حَرَكَة الْعرض، تسْقط فِي الأَصْل، فَلم تصر الْحَرَكَة لَازِمَة، فَلذَلِك بقيت ألف الْوَصْل، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْعَرَب تَقول فِي (الْأَحْمَر) إِذا حذفوا همزَة أَحْمَر: (الاحمر) ، فَلَا يحذفون الْألف، لِأَن حَرَكَة اللَّام لَيست بلازمة، وَ بَعْضهمْ يَقُول (لحمر) فيحذف ألف الْوَصْل لتحرك مَا قبلهَا، وَلم يجز ذَلِك فِي (ايمن الله) عوضا مِمَّا حذف.
وَأما قَوْلهم: (هَا) ، فِي قَوْلك: (لَاها الله) ، فَهِيَ بدل من الْبَاء، وَلَيْسَ طَرِيق بدلهَا من الْبَاء كطريق بدل الْوَاو مِنْهَا، وَلَكِن (هَا) الَّتِي للتّنْبِيه تضارع الْبَاء من جِهَة أَن (هَا) يتَوَصَّل بهَا فِي التَّنْبِيه إِلَى المنبه، وَالْبَاء موصلة أَيْضا بالإلصاق، فَلَمَّا تضارعا من هَذَا الْوَجْه أبدلت مِنْهَا، فاعرفه.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 22 )
##########
بَاب الْحُرُوف الَّتِي ترفع الْأَسْمَاء و النعوت وَالْأَخْبَار

اعْلَم أَنا ذكرنَا تَفْسِير هَذَا الْبَاب فِي الشَّرْح، و تسامح الْجرْمِي فِيهِ، و لكننا نذْكر هَاهُنَا مَا فَاتَ مِنْهَا وَ عذر أبي عمر الْجرْمِي، فَأَما جَوَاز إِطْلَاقه على مَا ذكر فِي الْبَاب من تَسْمِيَة ذَلِك بالحروف، فَلِأَن الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَاب مَبْنِيَّة لمضارعتها الْحُرُوف، فَجَاز أَن يسميها باسم مَا ضارعته.
وَ أما جَوَاز قَوْله: لِأَنَّهَا ترفع، فَإِنَّهُ لما رأى أَن الْأَسْمَاء أَكثر مَا تسْتَعْمل مُبتَدأَة بعد هَذِه الْحُرُوف نسب الرّفْع إِلَيْهَا للمجاورة، فَهَذَا تَخْرِيج قَوْله، فاعرفه.
وَاعْلَم أَن الْحُرُوف تَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام:
قسم يخْتَص بِالِاسْمِ.
وَقسم يخْتَص بِالْفِعْلِ.
وَقسم يدْخل عَلَيْهِمَا.

فَأَما مَا يخْتَص بِالِاسْمِ وَ لَا يكون كجزء مِنْهُ، وَلَا بُد أَيْضا من عمله أَن يعْمل فِيهِ، فنحو:
إِن وَأَخَوَاتهَا، و حروف الْجَرّ، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَ أما مَا يخْتَص بِالْفِعْلِ وَلَا يكون كجزء مِنْهُ، وَلَا بُد أَيْضا من عمله فِيهِ، فنحو:
( أَن وَ لنْ ) وَ مَا أشبه ذَلِك.
وَأما مَا يدْخل عَلَيْهِمَا وَلَا يعْمل شَيْئا، فنحو:
حُرُوف الِاسْتِفْهَام،
و حروف الْعَطف وَمَا أشبههَا.
فَإِن قَالَ قَائِل: فالألف وَ اللَّام يخْتَص بِالِاسْمِ وَلَا يعْمل فِيهِ، وَكَذَلِكَ ( السِّين و سوف ) قد يخْتَص بِالْفِعْلِ وَلَا يعْمل فِيهِ؟
قيل لَهُ: قد أخبرنَا فِي الأَصْل بِأَن قُلْنَا: إِن الْعَامِل من الْحُرُوف مَا لزم الِاسْم وَ الْفِعْل، وَلم يكن كجزء مِنْهُ، أَلا ترى أَنَّهَا تحدث فِي الِاسْم النكرَة تعريفا، و التعريف قد يَصح فِي النكرات لمواطآت المخاطبين، فَدلَّ أَنه لَيْسَ لَهَا زِيَادَة حكم الِاسْم، لِأَنَّهَا إِنَّمَا تدخل لتعيينه، وَ كَذَلِكَ ( السِّين و سوف ) تعين الْأَفْعَال الَّتِي كَانَ مِنْهَا تحْتَمل الْحَال و الاستقبال، وَإِنَّمَا عينت بهما ذَات الْفِعْل الَّذِي كَانَ يَصح أَن يفهم تَخْصِيصه بِغَيْرِهِمَا.
وَ كَذَلِكَ (قد) إِنَّمَا هِيَ لتوقع ذَات الْفِعْل، فَلم تدل على أَكثر مَا تحتمله نفس الْفِعْل، فجرت مجْرى بعض حُرُوفه، فَلهَذَا لم تعْمل شَيْئا، وَ فَارَقت سَائِر العوامل.
وَ إِنَّمَا وَجب أَن يكون مَا دخل على الِاسْم مرّة، و عَلى الْفِعْل مرّة لَا يعْمل شَيْئا، لِأَن الْأَفْعَال نوع مُخَالف لنَوْع الْأَسْمَاء، فَيجب أَن يكون عاملها مُخْتَلفا، فَإِذا اتّفق دُخُول الْحَرْف عَلَيْهَا، وَلم يخْتَص أَحدهمَا دون الآخر لم يجز أَن يعْمل فِيهَا، لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي أَن يصير مَا يعْمل فِيهَا شَيْئا وَاحِدًا، وَ قد بَينا أَن اخْتِلَاف نوعيهما يُوجب اخْتِلَاف عواملهما، فَلهَذَا لم يعْمل هَذَا النَّوْع من الْحُرُوف.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم شَرط فِي ( هَل ) أَن يكون بعْدهَا اسمان؟
قيل لَهُ: لِأَن اصل حُرُوف الِاسْتِفْهَام أَن يَليهَا الْفِعْل، و قبيح أَن تَلِيهَا الْأَسْمَاء إِذا كَانَ بعْدهَا سوى ألف الِاسْتِفْهَام نَحْو قَوْلك:
زيد قَائِم، فَلهَذَا شرطنا مَا ذَكرْنَاهُ.
و سنفسر أَحْكَام الِاسْتِفْهَام فِي بَابه إِن شَاءَ الله.
فَإِن قَالَ قَائِل: لم صَارَت ( لَيْت ) إِذا دَخَلتهَا ( مَا ) أَكثر فِي الْعَمَل من أخواتها؟
قيل لَهُ: إِن ( لَيْت ) استعملتها بعض الْعَرَب بِمَنْزِلَة وددت، فعداها إِلَى مفعولين، و أجراها مجْرى الْأَفْعَال كَقَوْلِك:
ليتما زيدا شاخصا، فبدخول هَذَا الْمَعْنى فِيهَا صَارَت أقوى من أخواتها.
وَاعْلَم أَن سِيبَوَيْهٍ لم يجز فِي ( إِن وَلَكِن ) الْعَمَل إِذا دخلتهما ( مَا ) ، وَأَجَازَ ذَلِك أَبُو بكر بن السراج فِي (كتاب الْأُصُول) و أظن ذَلِك.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 23 )
#############

وَاعْلَم أَن المبنيات على قسمَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن يبْنى الِاسْم على حَرَكَة.
وَ الْآخر: أَن يبْنى على السّكُون.

فَالَّذِي يسْتَحق أَن يبْنى على حَرَكَة:
كل اسْم كَانَ معربا قبل اسْتِحْقَاق الْبناء، نَحْو: قبل وَبعد، أَلا ترى أَنَّهُمَا كَانَا ينصبان و يخفضان قبل حَال الْبناء، نَحْو:
جِئْت قبلك و بعدك.
وَالَّذِي يسْتَحق أَن يبْنى على السّكُون:
كل اسْم لم تكن لَهُ حَال إِعْرَاب، وَلم يَقع إِلَّا مُسْتَحقّا للْبِنَاء، وَإِنَّمَا وَجب ذَلِك، لِأَن مَا كَانَ لَهُ حَال تمكن أقوى فِي اللَّفْظ مِمَّا لَا تمكن لَهُ، و التمكين يسْتَحق الْإِعْرَاب، فَيجب أَن يكون مَا قرب ( الِاسْم ) مِنْهُ أقوى فِي اللَّفْظ مِمَّا بعد مِنْهُ، وَ الْحَرَكَة أقوى من السّكُون، فَلهَذَا وَجب مَا ذَكرْنَاهُ.
وَ أما ( مَا ) : فبنيت على السّكُون لِأَنَّهَا لم تقع متضمنة [ لِمَعْنى ] الْحَرْف الَّذِي يُوجب لَهُ الْبناء، فَلهَذَا لم يزدْ على السّكُون.
وَأما ( أَيْن ) : فسؤال عَن الْمَكَان، بِمَنْزِلَة ( مَتى ) فِي السُّؤَال عَن الزَّمَان، وَهِي متضمنة لحرف الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء على مَا شرحنا فِي ( مَتى ) ، فاستحقت الْبناء لِأَنَّهَا لم تقع إِلَّا متضمنة [ لِمَعْنى ] الْحَرْف، وَجب أَن تبنى على السّكُون، إِلَّا أَنه التقى فِي آخرهَا ساكنان، وَهِي الْيَاء وَالنُّون، وَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا، فحركت النُّون بِالْفَتْح، فَكَانَ الْفَتْح أولى، وَإِن كَانَ الْكسر الأَصْل، لِأَن الْكسر بعد الْيَاء مستثقل، فَسقط لاستثقاله، وَالضَّم أثقل مِنْهُ، فَلم يبْق إِلَّا الْفَتْح، وَهُوَ مَعَ ذَلِك أخف الحركات، وَلم يجز تَحْرِيك الْيَاء، لِأَنَّهَا لَو حركت انقلبت ألفا لتحركها و انفتاح مَا قبلهَا، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْجمع بَين ساكنين، لِأَن الْألف
لَا تكون إِلَّا سَاكِنة، فَلَمَّا كَانَ تَحْرِيك الْيَاء لَا يسلم لَهَا سقط حكمه، وَوَجَب تَحْرِيك مَا ذَكرْنَاهُ.
وَ أما ( كَيفَ) : فسؤال عَن حَال، وَهُوَ يَنُوب عَن حرف الِاسْتِفْهَام، و يتضمن معنى حرف الشَّرْط، وَإِن لم تجزم ك ( مَتى وَ أَيْنَ) لعِلَّة سنذكرها.
فَلَمَّا تضمن معنى الْحَرْف، وَجب أَن يبْنى على السّكُون ك ( أَيْن ) ، وَعلة تحريكه كعلة ( أَيْن ) .
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم صَارَت ( مَتى وَأَيْنَ) تدخل عَلَيْهِمَا حُرُوف الْجَرّ وَلَا تدخل على ( كَيفَ) ، وَقد تشاركت فِيمَا ذكرْتُمْ؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن ( كَيفَ) هِيَ الِاسْم الَّذِي بعْدهَا، وَذَلِكَ أَن قَول الْقَائِل: كَيفَ زيد؟
مَعْنَاهُ: أصحيح زيد؟
مَعْنَاهُ: أصحيح زيد أم سقيم؟
وَالصَّحِيح و السقيم هُوَ زيد، فَلَمَّا كَانَ دُخُول حرف الْجَرّ على مَا نابت عَنهُ ( كَيفَ) لَا يجوز، فَكَذَلِك لَا يجوز دُخُول حرف الْجَرّ على ( كَيفَ) . أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول:
أَمن صَحِيح زيد، وَ كَذَلِكَ لَا تَقول:
من كَيفَ زيد.
فَأَما ( أَيْن وَ مَتى ) : فَإِنَّهُمَا نائبان عَن قَوْلك: أَفِي الدَّار زيد؟
وَ فِي أَي وَقت يخرج زيد؟
فَلَمَّا نابتا عَمَّا يدْخل عَلَيْهِ حرف الْجَرّ، دخل عَلَيْهِمَا.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم صَار قَوْلك: من صَحِيح زيد، لَا يجوز، وَ جَاز فِيمَا نابت عَنهُ ( أَيْن وَمَتى) ؟
قيل لَهُ: لِأَن ( كَيفَ) هِيَ الِاسْم الَّذِي بعْدهَا على مَا ذَكرْنَاهُ. وَ كَانَ خبر المبتدإ - إِذا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدَأ - لَا يحْتَاج إِلَى وَاصل يصل بَينه وَ بَين المبتدإ، لم يحْتَج إِلَى حرف.
وَأما ( أَيْن وَ مَتى) : فهما غير الِاسْم الَّذِي بعدهمَا، وَلَا بُد لخَبر المبتدإ - إِذا كَانَ غير المبتدإ - من واصلة توصل بَينه وَ بَين المبتدإ، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت:
زيد عَمْرو قَائِم، فعمرو قَائِم غير زيد، وَلَيْسَ بَينه وَبَين الْجُمْلَة علقَة، فَلم يحسن الْكَلَام حَتَّى تَقول: من أَجله، أَو: فِي دَاره، فَتعلق الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ غير زيد بِمَا ذَكرْنَاهُ من الضَّمِير، لِأَنَّهَا غير الأول. وَ كَذَلِكَ لما كَانَتَا ( مَتى وَأَيْنَ) غير الِاسْم الَّذِي بعدهمَا احتاجا إِلَى حرف، فاعلمه.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ جَازَ الْجَزْم ب ( مَتى وَأَيْنَ) وَلم يجز الْجَزْم ب ( كَيفَ) ، كَقَوْلِك: أَيْن تكن أكن، وَ مَتى تقم أقِم، وَلم يجز: كَيفَ تكن أكن؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك من وُجُوه:
أَحدهَا: أَن قَول الْقَائِل: كَيفَ تكن أكن، إِنَّمَا شَرط لَهُ، مَتى كَانَ فِي بعض الْبِقَاع أَن يكون هُوَ أَيْضا فِي تِلْكَ الْبقْعَة، وَ كَذَلِكَ شَرط فِي (مَتى) فِي أَي زمَان قَامَ أَن يقوم هُوَ فِيهِ، وَهَذَا غير مُتَعَذر.
فَأَما ( كَيفَ) : فَهِيَ سُؤال عَن حَال، فَظَاهر الشَّرْط لَو شَرط بهَا يَقْتَضِي فِي أَي حَال كَانَ الْمُخَاطب أَن يكون السَّائِل هُوَ المستفهم فِيهَا، وَ هَذَا لَا يجوز، لِأَنَّهُ قد يكون الْمُخَاطب المسؤول عَن أَحْوَال كَثِيرَة، يتَعَذَّر أَن يتَّفق للمجازي أَن يكون عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ متعذرا ذَلِك عَلَيْهِ سقط الْجَزَاء ب ( كَيفَ) ، وَ جَاز فِي ( مَتى وَأَيْنَ) .
فَإِن قَالَ قَائِل: أَلَيْسَ قد أجزتم: كَيفَ تكون أكون، فَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي مَا منعتموه، إِذْ جزتموه؟
فَقيل: الْفرق بَينهمَا أَنا إِذا رفعنَا الْفِعْل بعد ( كَيفَ) ، فَإنَّا نقدر أَن هَذَا الْكَلَام قد خرج عَن حَال عرفهَا الْمجَازِي فَانْصَرف اللَّفْظ إِلَيْهَا، فَلهَذَا صَحَّ الْكَلَام.
فَإِن قيل: فَهَلا كَانَ أَيْضا التَّقْدِير فِي الْجَزْم هَذَا التَّقْدِير، حَتَّى يخرج عَن حَاله؟
قيل لَهُ: الأَصْل فِي الْجَزَاء ب ( إِن ) ، وَأَنت إِذا قلت: إِن تأتني آتِك، فوقت الْإِتْيَان غير مَعْلُوم، فَلَمَّا كَانَ أصل الْجَزَاء أَن يَقع مُبْهما، وَ كَذَلِكَ ( مَتى وَأَيْنَ) ، قَدرنَا (كَيفَ) أَنَّهَا وَاقعَة على حَال مَعْلُومَة عِنْد الْمجَازِي، خرجت من الْإِبْهَام، و باينت حُرُوف الْجَزَاء، فَلهَذَا لم يجز الْجَزْم بهَا على تَقْدِير حَال مَعْلُومَة.
وَ وجه ثَان فِي أصل الْمَسْأَلَة: أَن الْجَزَاء أَصله يَقع بالحروف إِلَّا أَن يضْطَر إِلَى الْأَسْمَاء، لما ذَكرْنَاهُ من الْفَائِدَة، فَإِذا لم يضْطَر إِلَى اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء، لم يجز أَن يجازى بالأسماء.
وَوجدنَا ( أيا ) تنوب عَن معنى ( كَيفَ) ، فاستغني بهَا عَن ( كَيفَ) . أَلا ترى أَن الْقَائِل إِذا قَالَ: فِي أَي حَال تكن أكن، فَهُوَ فِي معنى: كَيفَ تكن أكن، فَلَمَّا كَانَت (أَي) تَتَضَمَّن الْأَحْوَال وَ غَيرهَا، استغني بهَا عَن (كَيفَ) .
وَ وجه ثَالِث: أَن الْجَزَاء إِنَّمَا هُوَ ب ( إِن ) ، و سنبين ذَلِك فِي بَابه، و ( إِن ) لم يخْتَص بالمعرفة دون النكرَة، أَلا ترى أَنَّك تَقول: إِن يقم زيد أقِم، وَإِن يقم رجل من النَّاس أقِم. وَكَانَت ( مَتى وَأَيْنَ) يَصح أَن يَقع جوابهما معرفَة و نكرة، كَقَوْلِك: أَيْن زيد؟ فَيَقُول: فِي الدَّار، وَإِن شِئْت قلت: فِي دَار، فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا، وَ كَذَلِكَ حكم ( مَتى ) فِي الْأَوْقَات.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 24 )
#############

وَاعْلَم أَن المبنيات على قسمَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن يبْنى الِاسْم على حَرَكَة.
وَ الْآخر: أَن يبْنى على السّكُون.

فَالَّذِي يسْتَحق أَن يبْنى على حَرَكَة:
كل اسْم كَانَ معربا قبل اسْتِحْقَاق الْبناء، نَحْو: قبل وَبعد، أَلا ترى أَنَّهُمَا كَانَا ينصبان و يخفضان قبل حَال الْبناء، نَحْو:
جِئْت قبلك و بعدك.
وَالَّذِي يسْتَحق أَن يبْنى على السّكُون:
كل اسْم لم تكن لَهُ حَال إِعْرَاب، وَلم يَقع إِلَّا مُسْتَحقّا للْبِنَاء، وَإِنَّمَا وَجب ذَلِك، لِأَن مَا كَانَ لَهُ حَال تمكن أقوى فِي اللَّفْظ مِمَّا لَا تمكن لَهُ، و التمكين يسْتَحق الْإِعْرَاب، فَيجب أَن يكون مَا قرب ( الِاسْم ) مِنْهُ أقوى فِي اللَّفْظ مِمَّا بعد مِنْهُ، وَ الْحَرَكَة أقوى من السّكُون، فَلهَذَا وَجب مَا ذَكرْنَاهُ.
وَ أما ( مَا ) : فبنيت على السّكُون لِأَنَّهَا لم تقع متضمنة [ لِمَعْنى ] الْحَرْف الَّذِي يُوجب لَهُ الْبناء، فَلهَذَا لم يزدْ على السّكُون.
وَأما ( أَيْن ) : فسؤال عَن الْمَكَان، بِمَنْزِلَة ( مَتى ) فِي السُّؤَال عَن الزَّمَان، وَهِي متضمنة لحرف الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء على مَا شرحنا فِي ( مَتى ) ، فاستحقت الْبناء لِأَنَّهَا لم تقع إِلَّا متضمنة [ لِمَعْنى ] الْحَرْف، وَجب أَن تبنى على السّكُون، إِلَّا أَنه التقى فِي آخرهَا ساكنان، وَهِي الْيَاء وَالنُّون، وَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا، فحركت النُّون بِالْفَتْح، فَكَانَ الْفَتْح أولى، وَإِن كَانَ الْكسر الأَصْل، لِأَن الْكسر بعد الْيَاء مستثقل، فَسقط لاستثقاله، وَالضَّم أثقل مِنْهُ، فَلم يبْق إِلَّا الْفَتْح، وَهُوَ مَعَ ذَلِك أخف الحركات، وَلم يجز تَحْرِيك الْيَاء، لِأَنَّهَا لَو حركت انقلبت ألفا لتحركها و انفتاح مَا قبلهَا، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْجمع بَين ساكنين، لِأَن الْألف
لَا تكون إِلَّا سَاكِنة، فَلَمَّا كَانَ تَحْرِيك الْيَاء لَا يسلم لَهَا سقط حكمه، وَوَجَب تَحْرِيك مَا ذَكرْنَاهُ.
وَ أما ( كَيفَ) : فسؤال عَن حَال، وَهُوَ يَنُوب عَن حرف الِاسْتِفْهَام، و يتضمن معنى حرف الشَّرْط، وَإِن لم تجزم ك ( مَتى وَ أَيْنَ) لعِلَّة سنذكرها.
فَلَمَّا تضمن معنى الْحَرْف، وَجب أَن يبْنى على السّكُون ك ( أَيْن ) ، وَعلة تحريكه كعلة ( أَيْن ) .
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم صَارَت ( مَتى وَأَيْنَ) تدخل عَلَيْهِمَا حُرُوف الْجَرّ وَلَا تدخل على ( كَيفَ) ، وَقد تشاركت فِيمَا ذكرْتُمْ؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن ( كَيفَ) هِيَ الِاسْم الَّذِي بعْدهَا، وَذَلِكَ أَن قَول الْقَائِل: كَيفَ زيد؟
مَعْنَاهُ: أصحيح زيد؟
مَعْنَاهُ: أصحيح زيد أم سقيم؟
وَالصَّحِيح و السقيم هُوَ زيد، فَلَمَّا كَانَ دُخُول حرف الْجَرّ على مَا نابت عَنهُ ( كَيفَ) لَا يجوز، فَكَذَلِك لَا يجوز دُخُول حرف الْجَرّ على ( كَيفَ) . أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول:
أَمن صَحِيح زيد، وَ كَذَلِكَ لَا تَقول:
من كَيفَ زيد.
فَأَما ( أَيْن وَ مَتى ) : فَإِنَّهُمَا نائبان عَن قَوْلك: أَفِي الدَّار زيد؟
وَ فِي أَي وَقت يخرج زيد؟
فَلَمَّا نابتا عَمَّا يدْخل عَلَيْهِ حرف الْجَرّ، دخل عَلَيْهِمَا.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم صَار قَوْلك: من صَحِيح زيد، لَا يجوز، وَ جَاز فِيمَا نابت عَنهُ ( أَيْن وَمَتى) ؟
قيل لَهُ: لِأَن ( كَيفَ) هِيَ الِاسْم الَّذِي بعْدهَا على مَا ذَكرْنَاهُ. وَ كَانَ خبر المبتدإ - إِذا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدَأ - لَا يحْتَاج إِلَى وَاصل يصل بَينه وَ بَين المبتدإ، لم يحْتَج إِلَى حرف.
وَأما ( أَيْن وَ مَتى) : فهما غير الِاسْم الَّذِي بعدهمَا، وَلَا بُد لخَبر المبتدإ - إِذا كَانَ غير المبتدإ - من واصلة توصل بَينه وَ بَين المبتدإ، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت:
زيد عَمْرو قَائِم، فعمرو قَائِم غير زيد، وَلَيْسَ بَينه وَبَين الْجُمْلَة علقَة، فَلم يحسن الْكَلَام حَتَّى تَقول: من أَجله، أَو: فِي دَاره، فَتعلق الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ غير زيد بِمَا ذَكرْنَاهُ من الضَّمِير، لِأَنَّهَا غير الأول. وَ كَذَلِكَ لما كَانَتَا ( مَتى وَأَيْنَ) غير الِاسْم الَّذِي بعدهمَا احتاجا إِلَى حرف، فاعلمه.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ جَازَ الْجَزْم ب ( مَتى وَأَيْنَ) وَلم يجز الْجَزْم ب ( كَيفَ) ، كَقَوْلِك: أَيْن تكن أكن، وَ مَتى تقم أقِم، وَلم يجز: كَيفَ تكن أكن؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك من وُجُوه:
أَحدهَا: أَن قَول الْقَائِل: كَيفَ تكن أكن، إِنَّمَا شَرط لَهُ، مَتى كَانَ فِي بعض الْبِقَاع أَن يكون هُوَ أَيْضا فِي تِلْكَ الْبقْعَة، وَ كَذَلِكَ شَرط فِي (مَتى) فِي أَي زمَان قَامَ أَن يقوم هُوَ فِيهِ، وَهَذَا غير مُتَعَذر.
فَأَما ( كَيفَ) : فَهِيَ سُؤال عَن حَال، فَظَاهر الشَّرْط لَو شَرط بهَا يَقْتَضِي فِي أَي حَال كَانَ الْمُخَاطب أَن يكون السَّائِل هُوَ المستفهم فِيهَا، وَ هَذَا لَا يجوز، لِأَنَّهُ قد يكون الْمُخَاطب المسؤول عَن أَحْوَال كَثِيرَة، يتَعَذَّر أَن يتَّفق للمجازي أَن يكون عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ متعذرا ذَلِك عَلَيْهِ سقط الْجَزَاء ب ( كَيفَ) ، وَ جَاز فِي ( مَتى وَأَيْنَ) .
فَإِن قَالَ قَائِل: أَلَيْسَ قد أجزتم: كَيفَ تكون أكون، فَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي مَا منعتموه، إِذْ جزتموه؟
فَقيل: الْفرق بَينهمَا أَنا إِذا رفعنَا الْفِعْل بعد ( كَيفَ) ، فَإنَّا نقدر أَن هَذَا الْكَلَام قد خرج عَن حَال عرفهَا الْمجَازِي فَانْصَرف اللَّفْظ إِلَيْهَا، فَلهَذَا صَحَّ الْكَلَام.
فَإِن قيل: فَهَلا كَانَ أَيْضا التَّقْدِير فِي الْجَزْم هَذَا التَّقْدِير، حَتَّى يخرج عَن حَاله؟
قيل لَهُ: الأَصْل فِي الْجَزَاء ب ( إِن ) ، وَأَنت إِذا قلت: إِن تأتني آتِك، فوقت الْإِتْيَان غير مَعْلُوم، فَلَمَّا كَانَ أصل الْجَزَاء أَن يَقع مُبْهما، وَ كَذَلِكَ ( مَتى وَأَيْنَ) ، قَدرنَا (كَيفَ) أَنَّهَا وَاقعَة على حَال مَعْلُومَة عِنْد الْمجَازِي، خرجت من الْإِبْهَام، و باينت حُرُوف الْجَزَاء، فَلهَذَا لم يجز الْجَزْم بهَا على تَقْدِير حَال مَعْلُومَة.
وَ وجه ثَان فِي أصل الْمَسْأَلَة: أَن الْجَزَاء أَصله يَقع بالحروف إِلَّا أَن يضْطَر إِلَى الْأَسْمَاء، لما ذَكرْنَاهُ من الْفَائِدَة، فَإِذا لم يضْطَر إِلَى اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء، لم يجز أَن يجازى بالأسماء.
وَوجدنَا ( أيا ) تنوب عَن معنى ( كَيفَ) ، فاستغني بهَا عَن ( كَيفَ) . أَلا ترى أَن الْقَائِل إِذا قَالَ: فِي أَي حَال تكن أكن، فَهُوَ فِي معنى: كَيفَ تكن أكن، فَلَمَّا كَانَت (أَي) تَتَضَمَّن الْأَحْوَال وَ غَيرهَا، استغني بهَا عَن (كَيفَ) .
وَ وجه ثَالِث: أَن الْجَزَاء إِنَّمَا هُوَ ب ( إِن ) ، و سنبين ذَلِك فِي بَابه، و ( إِن ) لم يخْتَص بالمعرفة دون النكرَة، أَلا ترى أَنَّك تَقول: إِن يقم زيد أقِم، وَإِن يقم رجل من النَّاس أقِم. وَكَانَت ( مَتى وَأَيْنَ) يَصح أَن يَقع جوابهما معرفَة و نكرة، كَقَوْلِك: أَيْن زيد؟ فَيَقُول: فِي الدَّار، وَإِن شِئْت قلت: فِي دَار، فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا، وَ كَذَلِكَ حكم ( مَتى ) فِي الْأَوْقَات.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 25 )
###########

وَ أما (كَيفَ) : فَلَا يَقع جوابها إِلَّا نكرَة، فخالفت حُرُوف الْجَزَاء.
وَأما (حَيْثُ) : فَالَّذِي أوجب لَهَا الْبناء أَنَّهَا مُبْهمَة لَا تخْتَص بمَكَان دون مَكَان، فَوَجَبَ أَن تحْتَاج إِلَى مَا يوضحها، كَمَا أَن (الَّذِي) اسْم مُبْهَم يحْتَاج إِلَى مَا يُوضحهُ، فَمن حَيْثُ وَجب أَن يبْنى (الَّذِي) وَجب أَن يَبْنِي (حَيْثُ) وَالَّذِي أوجب ل (الَّذِي) أَن يبْنى أَنه اسْم لَا يتم إِلَّا بِمَا يُوضحهُ، فجري مَا بعده مجْرى بعض اسْم مَبْنِيّ، فَوَجَبَ أَن يبْنى (الَّذِي وَحَيْثُ) لما فيهمَا من الشّبَه لبَعض الْأَسْمَاء.
وَ كَذَلِكَ حكم (إِذْ) لِأَنَّهَا للزمان كُله، بِوَقْت دون وَقت، فَاحْتَاجَ إِلَى إِيضَاح.
فَأَما (إِذا) : فَفِيهَا من الْإِبْهَام مَا فِي (إِذْ) ، لِأَنَّهَا للزمان الْمُسْتَقْبل كُله، و فيهَا مَعَ ذَلِك شبه ب (إِن)) الَّتِي للجزاء من جِهَة الْمَعْنى، أَلا ترى أَن (إِذا) تحْتَاج إِلَى الْجَواب كاحتياج (إِن) إِلَى ذَلِك، فَوَجَبَ لما ذَكرْنَاهُ أَن يبْنى.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَلا أضفتم (حَيْثُ) إِلَى اسْم مُفْرد، نَحْو زيد وَعَمْرو، فقلتم: زيد حَيْثُ عَمْرو، كَمَا تضيفون أَسمَاء الْأَمَاكِن إِلَى اسْم مُفْرد، نَحْو: خلف عَمْرو؟
قيل: قد بَينا أَن (حَيْثُ) مُبْهمَة لَا تخْتَص بِجِهَة دون جِهَة، كاختصاص غَيرهَا من أَسمَاء الْأَمَاكِن، و الأسماء الدَّالَّة على الشَّخْص لَا تخص الْجِهَات، وَإِنَّمَا يعرف بِمَا يُضَاف إِلَيْهَا، فَإِذا قُلْتُمْ: زيد خلف عَمْرو، عرفت هَذِه الْجِهَة
الْمَخْصُوصَة بِعَمْرو، فاختصت بِهِ دون سَائِر الْأَشْخَاص، فَإِذا قلت: زيد حَيْثُ عَمْرو، تخبر عَنهُ أَنه فِي مَكَان عَمْرو، وَ مَكَان عَمْرو مُبْهَم، يجوز أَن يكون خَلفه و قدامه، وَ فِي جَمِيع أقطاره، فَلم يخرج بِهَذِهِ الْإِضَافَة إِلَى أَن يخْتَص جِهَة دون جِهَة، فَوَجَبَ بِهَذَا الْمَعْنى أَن يُضَاف إِلَى جملَة، لِأَن الْجمل تَتَضَمَّن معنى الْفِعْل، فَتَصِير (حَيْثُ) مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ فتتعين، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: رَأَيْتُك حَيْثُ قَامَ زيد، اخْتصّت (حَيْثُ) مَوضِع الْقيام، فَلَمَّا صَارَت الْجُمْلَة تفِيد فِيهَا تَخْصِيصًا أضيف إِلَيْهَا، وَ لم تضف إِلَى اسْم مُفْرد، إِذْ كَانَ لَا يخْتَص.
وَإِن شِئْت قلت: إِن (حَيْثُ) لما كَانَت مُبْهمَة فِي الْمَكَان كإبهام (إِذْ) فِي الزَّمَان، فَمن حَيْثُ جَازَ إِضَافَة (إِذْ) إِلَى الْجُمْلَة، جَازَ إِضَافَة (حَيْثُ) إِلَيْهَا، لاشْتِرَاكهمَا فِي الْإِبْهَام.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم جَازَ الضَّم فِي (حَيْثُ) ، وخالفت (أَيْن وَكَيف) ، وَقبل آخر كل حرف مِنْهَا يَاء؟
قيل لَهُ: إِن (حَيْثُ) قد أشبهت (قبل وَبعد) من جِهَة، وَهُوَ مَا بَيناهُ، وَهُوَ أَن أصل (حَيْثُ) أَن تُضَاف إِلَى اسْم مُفْرد كإضافة أخواتها من الظروف، فَلَمَّا منعت مَا تستحقه من الْإِضَافَة، وأضيفت إِلَى الْجمل أشبهت (قبل وَبعد) من حَيْثُ حذف مِنْهُمَا الْمُضَاف إِلَيْهِ، فَمن هَذَا الْوَجْه حرك آخر (حَيْثُ) بِالضَّمِّ، وَإِن كَانَ الضَّم فِي (حَيْثُ) لالتقاء الساكنين، وَفِي (قبل وَبعد) لاسْتِحْقَاق ذَلِك. وَمن كسر فِي (حَيْثُ) فعلى أصل مَا يجب من التقاء الساكنين، وَلم يَجْعَل بِالْيَاءِ.
فَإِن قَالَ قَائِل: مِمَّن حَيْثُ اسْتحقَّت (قبل وَبعد) الْبناء؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن (قبل وَبعد) يضافان إِلَى الْأَسْمَاء، و المضاف و المضاف إِلَيْهِ كالشيء الْوَاحِد، فَلَمَّا حذف مَا أضيف إِلَيْهِ و دلا عَلَيْهِ جرى مجْرى بعض الِاسْم، وَبَعض الِاسْم مَبْنِيّ، فَلهَذَا وَجب أَن يبْنى.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم استحقا أَن يبنيا على حَرَكَة، وَلم يبنيا على السّكُون ك (أَيْن وَكَيف) ؟
(فَالْجَوَاب فِي ذَلِك) : لما بَينا أَن مَا بني من الْأَسْمَاء، وَله حَال تمكن يجب أَن يبْنى على حَرَكَة، وَجب أَن يبنيا على حَرَكَة.
فَإِذا قيل: لم كَانَت الْحَرَكَة الضَّم دون الْفَتْح وَالْكَسْر؟
فَفِي ذَلِك جوابان:
أَحدهمَا: أَن (قبل وَبعد) يدخلهما فِي حَال الْإِعْرَاب النصب و الجر، فَلَو بنيا على الْفَتْح وَالْكَسْر، لجَاز أَن يتَوَهَّم أَن حركتهما حَرَكَة إِعْرَاب، فعدلا إِلَى الضَّم بهما، ليزول هَذَا اللّبْس.
وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن الضَّم أقوى الحركات، فَلَمَّا كَانَت (قبل وَبعد) قد حذف مِنْهُمَا الْمُضَاف، حركا بأقوى الحركات، ليَكُون ذَلِك عوضا من الْمَحْذُوف.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 26 )
#############

أما ( من وَ مَا وَالَّذِي ) : فَإِنَّمَا وَجب بناؤها، لِأَن ( الَّذِي ) لَا يتم إِلَّا بصلَة، فَصَارَت كبعض اسْم.
وَ من وَمَا: إِذا كَانَا استفهاما أَو جَزَاء فبناؤهما أَيْضا وَاجِب، لتضمنهما معنى حرف الِاسْتِفْهَام وَ معنى حرف الْجَزَاء، و بنيا على السّكُون لِأَنَّهُمَا لم يكن لَهما وَلَا ل ( الَّذِي ) حَال تمكن.
فَأَما (أَي) : فَهِيَ معربة فِي جَمِيع الْوُجُوه، إِلَّا فِي مَوضِع سنبينه، وَ إِنَّمَا اسْتحقَّت الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا متضمنة للإضافة، وَ هِي مَعَ هَذَا متمكنة مستعملة فِي مَوضِع الرّفْع وَ النّصب و الجر، فلتمكنها فِي الْإِخْبَار عَنْهَا، و تضمنها للإضافة اسْتحقَّت الْإِعْرَاب، لِأَن الْإِضَافَة تقوم مقَام التَّنْوِين، وَمَا تلْحقهُ على هَذَا السَّبِيل الْإِضَافَة، فَلَا بُد من أَن يكون معربا، فَلهَذَا خَالَفت ( من وَ مَا وَالَّذِي ) .
وَأما الْموضع الَّذِي تبنى فِيهِ (أَي) : فَهُوَ أَن تجريها مجْرى (الَّذِي) و تصلها باسم مُفْرد، كَقَوْلِك: لَأَضرِبَن أَيهمْ قَائِم، وَ كَانَ الأَصْل: لَأَضرِبَن أَيهمْ هُوَ قَائِم، فَيكون ( هُوَ) الْمُبْتَدَأ، و ( قَائِم ) الْخَبَر، وَالْجُمْلَة صلَة (أَي) ، كَمَا تكون صلَة ( الَّذِي ) ، وَحذف ( هُوَ) وَهُوَ قَبِيح، وَإِنَّمَا قبح لِأَنَّهُ يجوز أَن يَقع موقعه أَخُوهُ وَأَبوهُ، وَمَا أشبه ذَلِك، فَيَقَع لبس فِي الْكَلَام، وَمَعَ هَذَا فَإِن الْمُبْتَدَأ لَا بُد مِنْهُ، وَإِنَّمَا يجب الْحَذف للفضلات لما لَا بُد مِنْهُ، إِلَّا أَن الْعَرَب قَلما تسْتَعْمل حذف المبتدإ مَعَ (الَّذِي) ، وَقد استعملوا حذفه مَعَ (أَي) .
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: لما جَاءَت (أَي) فِي هَذَا الْموضع الَّذِي ذَكرْنَاهُ مُخَالفَة لما تَجِيء عَلَيْهِ أخواتها بنيت على الضَّم لمخالفتها أخواتها - أَعنِي:
( الَّذِي وَمن وَمَا ) .
وَقَالَ الْخَلِيل، رَحمَه الله: هِيَ معربة فِي هَذَا الْموضع، وَإِنَّمَا رفعت على الْمَعْنى للحكاية، وَالتَّقْدِير عِنْده: لَأَضرِبَن الَّذِي يُقَال لَهُ: أَيهمْ قَائِم.
وَقَالَ يُونُس: الْفِعْل ملغى، وَشبهه بِأَفْعَال الْقُلُوب الَّتِي يجوز إلغاؤها.
وَ قَول يُونُس ضَعِيف جدا، لن ( ضربت ) فعل مُؤثر، و محال أَن يلغى مَا لَهُ تَأْثِير.
وَقَول الْخَلِيل أقرب، وَإِن كَانَ فِيهِ بعض الْبعد؛ لِأَن تَقْدِير الْحِكَايَة إِنَّمَا يسوغ فِيمَا جرى لَهُ ذكر، وَنحن نبتدئ الْكَلَام بِالْمَسْأَلَة الَّتِي ذَكرنَاهَا، وَلم يبْق مَا يعْمل عَلَيْهِ إِلَّا قَول يُونُس، وَ قد طعن عَلَيْهِ أَبُو بكر بن السراج، فَإِن قَالَ: وجدت الْمُفْرد مِمَّا يسْتَحق الْبناء فَإِذا أضيف أعرب، نَحْو: (قبل وَبعد) فَصَارَت الْإِضَافَة توجب إِعْرَاب الِاسْم، وَ وجدنَا (أيا) إِذا أفردت أعربت، وَ هَذَا نقض الْأُصُول، وَ هَذَا الَّذِي حكيناه معنى قَوْله.
قَالَ أَبُو الْحسن: وَالَّذِي قدره أَبُو بكر لَيْسَ بِصَحِيح، وَ ذَلِكَ أَن الْإِضَافَة ترد الِاسْم إِلَى حَال الْإِعْرَاب، إِذا اسْتحق الْبناء فِي حَال الْإِفْرَاد، فَإِذا كَانَ الْمُوجب للْبِنَاء فِي حَال الْإِضَافَة ذَلِك الشَّيْء، كَانَ حَال الِاسْم مُفردا أَشد افتقارا إِلَى الْبناء، أَلا ترى أَن ( لدن ) مَبْنِيَّة، وَ هِي مَعَ هَذَا مُضَافَة؛ لِأَنَّهَا اسْتحقَّت الْبناء فِي حَال إضافتها،
وَ إِذا كَانَ ذَلِك على مَا ذَكرْنَاهُ سقط مَا اعْتمد عَلَيْهِ أَبُو بكر، وَ صَحَّ مَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ. وَ إِنَّمَا وَجب أَن تعرب (أَي) فِي حَال الْإِفْرَاد؛ لِأَن الْإِضَافَة تعاقب التَّنْوِين وَهِي متضمنة للإضافة، فَلَمَّا زَالَ لفظ الْإِضَافَة رَجَعَ التَّنْوِين، وَ مَتى حصل التَّنْوِين الَّذِي هُوَ عَلامَة الِانْصِرَاف فِي الِاسْم، وَجب أَن يعرب.
فَإِن قَالَ قَائِل: أَلَيْسَ الْإِضَافَة تقوم مقَام التَّنْوِين فقد اسْتَويَا، فَلم صَار فِي حَال الْإِضَافَة أولى من حَال الْإِفْرَاد؟
قيل لَهُ: لِأَنَّهَا إِذا بنيت فِي حَال الْإِضَافَة، فَإِنَّمَا دَخلهَا نقص وَاحِد بِالْبِنَاءِ، فَيحمل بناؤها فِي هَذِه الْإِضَافَة لخفة حكمه، فَإِذا أفردت كَرهُوا ان يجمعوا عَلَيْهَا حذف الْمُضَاف وَالْبناء، فَإِذا تمت بصلتها فَلَا بُد من إعرابها، وَهَذَا يُقَوي مَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ، لِأَن معنى الْحِكَايَة لَا يتَغَيَّر بِإِظْهَار المبتدإ بعد (أَي) ، فَلَمَّا جدنا الْعَرَب تنصب (أيا) إِذا تمت بصلتها، و تضمها إِذا حذفت مِنْهَا الْمُبْتَدَأ، علمنَا أَن الضَّم بناؤها دون مَا سواهُ، و تمامها أَن تَقول: لَأَضرِبَن أَيهمْ هُوَ قَائِم. وَ بَعض الْعَرَب يعربها، وَإِن حذفت مِنْهَا الْمُبْتَدَأ، وَ هِي لُغَة جَيِّدَة، و وجهها: أَن (أيا) قد بَينا تمكنها و استحقاقها للإعراب، وَسبب الْحَذف بعْدهَا للاستخفاف، وَ لَا يَنْبَغِي أَن يكون مَا حذف للاستخفاف يُؤثر فِي إِزَالَة تمكن الِاسْم.
فَإِن قيل: فَلم قبح اسْتِعْمَال (الَّذِي) إِذا حذف من صلته الْمُبْتَدَأ، وَلم يقبح ذَلِك مَعَ (أَي) ؟
قيل: يجوز أَن يكون ذَلِك؛ لِأَن (أيا) لَا تنفك من الْإِضَافَة، فَيصير
الْمُضَاف إِلَيْهِ كالعوض من حذف المبتدإ، فَلهَذَا كثر فِي (أَي) الْحَذف من بَين سَائِر أخواتها.
فَإِن قَالَ قَائِل: قد ذكرت فِي الْبَاب أَن (إِذا) لَا بُد أَن يذكر بعْدهَا فعل، وَقد وجدنَا الْعَرَب تَقول: خرجت فَإِذا زيد قَائِم، وَقَائِمًا؟
قيل لَهُ: إِن (إِذا) تسْتَعْمل على ضَرْبَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن تكون للزمان الْمُسْتَقْبل، وَيدخل فِيهَا معنى الشَّرْط وَالْجَزَاء، فَهَذِهِ الَّتِي لَا بُد أَن يذكر بعْدهَا الْفِعْل.
وَ الضَّرْب الثَّانِي: أَن تكون (إِذا) بِمَعْنى المفاجأة، و ظاهرها أَن تكون ظرفا من الْمَكَان، فَهَذِهِ لَا تحْتَاج إِلَى الْفِعْل، إِذْ لَيْسَ فِيهَا معنى الشَّرْط وَالْجَزَاء، فَإِذا قلت: خرجت فَإِذا زيد قَائِم، فزيد: رفع بِالِابْتِدَاءِ، وَإِذا: فِي مَوضِع خَبره، و نصبت (قَائِما) على الْحَال، وَ الْعَامِل فِي الْحَال فعل تَقْدِيره: خرجت فحضرني زيد فِي حَال قِيَامه، أَو فاجأني زيد، فَتكون ( إِذا ) فِي مَوضِع نصب بِهَذَا الْفِعْل.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم لَا تكون ظروف الزَّمَان خَبرا عَن الجثث؟
قيل لَهُ: لِأَن المُرَاد بالْخبر فَائِدَة الْمُخَاطب و إعلامه مَا يجوز أَن يجهله، فَإِذا قيل: الْقِتَال الْيَوْم، فقد يجوز أَن يَخْلُو الْيَوْم من الْقِتَال، فَإِذا أخْبرت الْمُخَاطب بِوُقُوعِهِ فِي الْيَوْم، فقد أخْبرته مَا كَانَ يجوز أَن يجهله، وَإِذا قلت: زيد الْيَوْم، فَالْمَعْنى: أَن زيدا فِي الْيَوْم، وَ نحن نعلم و المخاطب أَن زيدا لَا يَخْلُو من الْيَوْم حَيا كَانَ أَو مَيتا، وَكَذَلِكَ سَائِر النَّاس، فَلم يصر فِي الْخَبَر فَائِدَة، وَمَا لَا فَائِدَة فِيهِ لَا يجوز اسْتِعْمَال الْكَلَام بِهِ، فَلهَذَا لم يجز أَن تكون ظروف الزَّمَان خَبرا للجثث.
فَإِن قَالَ قَائِل: فقد يُقَال: الْهلَال اللَّيْلَة، و الهلال جثة، وَ اللَّيْلَة ظرف من ظروف الزَّمَان فقد جَازَ ذَلِك؟
قيل: إِنَّمَا يَقع هَذَا الْكَلَام عِنْد توقع حُدُوث الْهلَال، فالتقدير: اللَّيْلَة حُدُوث الْهلَال، و الحدوث مصدر، فَحذف و أقيم الْهلَال مقَامه توقيعا و اختصارا، وَ كَذَلِكَ يجوز أَن تَقول: الْيَوْم زيد، إِذا كنت تتَوَقَّع قدومه، أَي: الْيَوْم قدوم زيد، وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد مَا ذَكرْنَاهُ أَنه لَا يجوز أَن تَقول: اللَّيْلَة الْقَمَر، وَلَا: الْيَوْم الشَّمْس، لِأَنَّهُمَا لَا يتوقعان، وَ لَا بُد من طلوعهما.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا الَّذِي أحْوج أَن تجْعَل الْعَرَب فِي الْأَسْمَاء أَسمَاء نواقص؟
قيل لَهُ: يجوز أَن يكون الَّذِي أحْوج إِلَى ذَلِك الْأَسْمَاء النكرات تنْعَت بالجمل، فجاؤوا باسم يحْتَاج أَن يُوصل بالجمل، وَ هُوَ فِي نَفسه معرفَة بِالْألف وَاللَّام، أَي (الَّذِي) وَالْجُمْلَة توضحه فتوصلها بِالَّذِي إِلَى أَن صَارَت الْجُمْلَة فِي الْمَعْنى كالنعت للمعرفة، فَهَذَا الَّذِي أحْوج إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ، و حملت (من وَمَا وَأي) على (الَّذِي) وَلم يَصح الْوَصْف بهَا؛ لِأَنَّهَا لَا معنى لَهَا فِي نَفسهَا وَلَا فِيهَا مَا يدل على الْعَهْد كالألف وَ اللَّام فِي (الَّذِي) ، فجرت مجْرى الْأَسْمَاء الْأَعْلَام، و سنبين أَحْكَام النعوت فِي بَابهَا، و انه لَا يَنْبَغِي أَن ينعَت إِلَّا بِفعل أَو باسم فِيهِ معنى الْفِعْل، و الأسماء الْأَعْلَام خَالِيَة من ذَلِك، فَلهَذَا لم ينعَت بهَا وَ لَا بِمَا جرى مجْراهَا.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 27 )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَاب الْحُرُوف الَّتِي تنصب الْأَسْمَاء و النعوت و ترفع الْأَخْبَار

فَإِن قَالَ قَائِل: لم وَجب أَن تنصب هَذِه الْحُرُوف الِاسْم و ترفع الْخَبَر، هلا رفعت الِاسْم و نصبت الْخَبَر؟
وَبِالْجُمْلَةِ لم وَجب أَن تعْمل؟
فَالْجَوَاب فِي وجوب عَملهَا:
أَنَّهَا حُرُوف تخْتَص بِالِاسْمِ، وَ لَا تدخل على الْفِعْل، وَبَعضهَا يحدث معنى فِي الِاسْم، و أواخرها كأواخر الْفِعْل الْمَاضِي، فَلَمَّا شاركت الْفِعْل فِي لَفظهَا و لزومها الِاسْم، وَجب أَن تعْمل عمله، وَ الَّذِي أوجب لَهَا أَن تعْمل عملين: الرّفْع وَالنّصب، انها عبارَة عَن الْجمل، وَلَيْسَ لَهَا معنى فِي الْعبارَة عَن الِاسْم الْمُفْرد، فَلَمَّا اقْتَضَت اسْمَيْنِ، وَجب أَن تعْمل - لما ذَكرْنَاهُ - فيهمَا، وَ لَا يَخْلُو عَملهَا فيهمَا من أحد ثَلَاثَة أَشْيَاء:
إِمَّا أَن ترفعهما جَمِيعًا.
أَو تنصبهما جَمِيعًا.
أَو ترفع أَحدهمَا و تنصب الآخر.
فَم يجز رفعهما جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا قد جرت مجْرى الْفِعْل فِي الْعَمَل، وَ الْفِعْل لَا يجوز أَن يرفع فاعلين بِغَيْر اشْتِرَاك وَ لَا تَثْنِيَة، فَلَو رفعت الاسمين لخالفت مَا شبهته بِهِ، وَهُوَ الْفِعْل، وَلم يجز أَن تنصبهما جَمِيعًا؛ لِأَن الْفِعْل الَّذِي شبهت بِهِ لَا يجوز أَن ينصب بِغَيْر فَاعل يكون مَعَه، فَلَو نصبنا بهَا الاسمين لَصَارَتْ بِمَنْزِلَة فعل نصب مَفْعُوله بِغَيْر فَاعل، وَهَذَا لَا يُوجد فِي الأَصْل وَالْفرع، وَأولى أَلا يُوجد فِيهِ، فَلم يبْق من الْأَقْسَام إِلَّا أَن تعْمل فِي أَحدهمَا رفعا، وَ فِي الآخر نصبا، ليَكُون الْمَرْفُوع كالفاعل وَيكون الْمَنْصُوب كالمفعول، وَإِنَّمَا وَجب أَن يكون الْمَرْفُوع مُؤَخرا و المنصوب مقدما، وَإِن كَانَ الأَصْل فِي الْفِعْل أَن يكون فَاعله قبل مَفْعُوله لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَنا لَو رفعنَا الأول و نصبنا الْخَبَر، لجرى الْمَفْعُول مجْرى الْفَاعِل فَكَانَ يجوز إضماره، وَلَو أضمرناه لم يخل من أَن يكون الْمُضمر غَائِبا أَو متكلما أَو مُخَاطبا، و إضمار الْغَائِب مستتر فِيمَا عمل فِيهِ، كَقَوْلِك: قَامَ زيد، فَلَو قيل لَك: أضمر زيدا، لَقلت: قَامَ، فَلَو جَازَ أَن ترفع ( إِن وَأَخَوَاتهَا ) الِاسْم الَّذِي يَليهَا لوَجَبَ أَن يسْتَتر ضَمِيره فِيهَا، إِذا كَانَ غَائِبا، وَيظْهر تَاء الْمُتَكَلّم، نَحْو قَوْلك: إنت، لَو تكلم بِهِ، فلكان ذَلِك يُؤدى إِلَى اللّبْس ب (أَنْت) وَ إِلَى إِضْمَار فِي الْحُرُوف، و الحروف لَا يجوز الْإِضْمَار فِيهَا؛ لِأَنَّهَا جوامد لَا تتصرف، وَإِنَّمَا جَازَ الْإِضْمَار فِي الْأَفْعَال، لِأَن فِي أوائلها حروفا تدل على الضَّمِير، وَ حمل مَا لَا دلَالَة فِيهِ على مَا فِيهِ الدّلَالَة، لاشتراكها فِي الفعلية. فَهَذَا الَّذِي يجوز فِي الْأَفْعَال دون الْحُرُوف و الأسماء.
فَإِن قَالَ قَائِل: أليست قد شبهت بِالْفِعْلِ وَ هِي حرف، وَمَعَ هَذَا فقد رفعت الِاسْم و نصبت الْخَبَر، فَلم يجب من حَيْثُ رفعت أَن تضمر فِيهَا مَرْفُوعا، فَهَلا عملت ( إِن ) الرّفْع فِيمَا يَليهَا؟
قيل: لم يكن على كَونهَا حرفا دلَالَة، إِذْ كَانَ لَفظهَا لفظ الْفِعْل، و عملها عمله، وَ ترك التَّصَرُّف فِي الشَّيْء لَا يدل على أَنه حرف؛ لِأَن من الْأَفْعَال مَا لَا تتصرف، نَحْو: نعم وَبئسَ، فَلَو رفعت (إِن) الِاسْم لم يعلم أَنا حرف، فَجعل عَملهَا فِيهَا بعْدهَا مُخَالفا لعمل الْفِعْل، ليدل بذلك على أَنَّهَا حرف، وَ لَوْلَا مَا ذَكرْنَاهُ لَكَانَ حَقّهَا أَن ترفع الِاسْم و تنصب الْخَبَر، لتجري مجْرى الْفِعْل الَّذِي شبهت بِهِ.
وَأما (مَا) فَلم تشبه الْفِعْل من جِهَة اللَّفْظ، وَإِنَّمَا أشبهته من جِهَة الْمَعْنى،
فَأعْطيت عمله، لِأَن اللّبْس يرْتَفع، فَأَما مَا ذَكرْنَاهُ فِي (إِن) من الْإِضْمَار فَلَيْسَ يعرض فِي (مَا) ، لِأَن الضَّمِير إِذا اتَّصل بِهِ لَا يُوجب لبسا فِي اللَّفْظ، كَمَا يُوجِبهُ فِي (إِن) ، وَإِنَّمَا لم يلْزم فِي (مَا) وَلزِمَ فِي (إِن) من الْإِضْمَار فِيهَا لِأَن (إِن) تعْمل فِي جَمِيع اللُّغَات عمل الْفِعْل، فَكَانَ يجب أَن يَقع الْإِضْمَار فِيهَا كوقوعه فِي الْفِعْل، وَلم يجز أَن يسْتَتر الضَّمِير فِي (مَا) ، وَلَا يتَّصل بهَا وَإِن عملت الرّفْع، لِأَنَّهُ قد يبطل عَملهَا فِي جَمِيع اللُّغَات، إِذا تقدم خَبَرهَا، فَلم يعْتد بهَا وَ جَرت مجْرى مَا لَا يعْمل من الْحُرُوف، فَلهَذَا لم يجب فِيهَا من الحكم مَا وَجب فِي (إِن وَأَخَوَاتهَا) وَقد دخل فِي هَذَا الْفِعْل من عِلّة مُخَالفَة عَملهَا لعمل الْفِعْل فِي نصبها لما يَليهَا و رفعها للْخَبَر.
فَإِن قَالَ قَائِل: أَلَيْسَ إِذا نصبت الِاسْم وَ رفعت الْخَبَر فقد عملت فِي الْخَبَر، وَقد قلت: إِن مَا تعْمل فِي الِاسْم رفعا يجب أَن يسْتَتر فِيهَا ضَمِيره، وَ هَذَا الشَّرْط غير مَوْجُود فِيهَا وَإِن رفعت؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الَّذِي منع من استتار ضمير مَا رفعته إِذا كَانَ مُؤَخرا، أَنه لَا يجوز تَقْدِيمه إِذا كَانَ مظْهرا، فَلَمَّا كَانَ الظَّاهِر لم يجز تَقْدِيمه إِذا كَانَ مظْهرا، لم يجز أَيْضا تَقْدِيم ضَمِيره، فَلهَذَا لم يجز أَن يسْتَتر ضمير مَا رفعته إِذا كَانَ مُؤَخرا، وَيجب استتاره لَو وَقع مقدما، إِذْ لَا مَانع يمْنَع من ذَلِك.
فَإِن قيل: فَهَلا كَانَ الْمَانِع مِمَّا رفعته (إِن) لَو وَقع مُتَقَدما هُوَ أَنَّهَا حُرُوف لَا يَصح الْإِضْمَار فِيهَا؟
قيل لَهُ: إِنَّمَا يجب مَا ذكرته لَو كَانَ لَا طَرِيق إِلَى إعمالها إِلَّا على هَذَا الْوَجْه، فَأَما إِذا جَازَ أَن تعْمل عمل الْفِعْل على طَرِيق يشبه عمل الْفِعْل، كَانَ أولى من أَن تعْمل عمله، وَلَا تجْرِي مجْرَاه.
 

جاروط

Well-Known Member
إنضم
2 مارس 2016
المشاركات
2,213
مستوى التفاعل
591
النقاط
113
رد: علل النحو. للوراق ( متجدد )

علل النحو ( 28 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِن قيل: فَمَا الَّذِي منع من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير؟
قيل لَهُ: ضعفها فِي أَنْفسهَا إِذْ كَانَت حروفا لَا تتصرف فِي أَنْفسهَا، فَإِنَّمَا عملت بالتشبيه بِهِ فألزمت وَجها وَاحِدًا.
فَإِن قَالَ: فَلم خصت الظروف و حروف الْجَرّ بِالْفَصْلِ بَينهَا وَبَين مَا تعْمل فِيهِ؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الظروف و حروف الْجَرّ لَيست مِمَّا تعْمل فِيهَا (إِن) وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت: إِن زيدا عنْدك، فعندك: مَنْصُوب بإضمار فعل تَقْدِيره اسْتَقر عنْدك، فاستقر فِي التَّحْقِيق هُوَ مَوضِع الْخَبَر، و الظروف مفعولة فِيهَا، فَإِذا قدمت فَلم نقدم شَيْئا قد عملت فِيهِ (إِن) ، وَإِنَّمَا لم يجز تَقْدِيم مَا عملت فِيهِ (إِن) لِضعْفِهَا فَأَما تَقْدِيم مَا عمل فِيهِ غَيرهَا فَلَيْسَ بمنكر، إِذا كَانَ ذَلِك الْعَامِل فعلا، وَالْفِعْل يعْمل فِي مَفْعُوله مقدما و مؤخرا.
فَإِن قَالَ قَائِل: أَلَيْسَ عنْدكُمْ أَنه لَا يجوز: كَانَت زيدا الْحمى تَأْخُذ، لِأَن (زيدا) مَنْصُوب ب (تَأْخُذ) ، وَتَأْخُذ: الْخَبَر، كَمَا أَن الظّرْف مَنْصُوب ب (اسْتَقر) ، وَاسْتقر: هُوَ الْخَبَر، فمنعتم من وُقُوع (زيد) بَين (كَانَ) وَاسْمهَا، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ، فَلم يجز الْفَصْل بَين (كَانَ) وَاسْمهَا، إِذا كَانَ الْفِعْل وَالْفَاعِل كالشيء الْوَاحِد، فَهَلا منعتم من جَوَاز الْفَصْل بَين (إِن) وَاسْمهَا بالظرف، إِذْ قد صَار كَالْأَجْنَبِيِّ، وَحكم اسْم (إِن) كَحكم اسْم (كَانَ) ، وَإِن كَانَ أَحدهمَا مَنْصُوبًا وَالْآخر مَرْفُوعا، لاشْتِرَاكهمَا فِي أَنَّهُمَا كَانَا مبتدأين دخلت عَلَيْهِمَا (إِن وَكَانَ) ؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن (كَانَ وَإِن) حكمهمَا وَاحِد فِيمَا سَأَلت عَنهُ، وَنَظِير مَسْأَلَتنَا أَنه يفصل بَين (كَانَ) وَاسْمهَا بظرف قد عمل فِيهِ الْخَبَر، كَمَا جَوَّزنَا الْفَصْل بَين (إِن) وَاسْمهَا بظرف قد عمل فِيهِ خَبَرهَا، فَلَو قلت: كَانَ خَلفك زيد قَائِما، لجَاز، وَلَو قلت: إِن زيدا عمرا ضَارب، لم يجز فِي (كَانَ) .
فَإِن قَالَ قَائِل: من أَيْن خَالَفت الظروف لسَائِر الْأَسْمَاء حَتَّى جَازَ الْفَصْل بهَا؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن الظروف قد تقوم مقَام الْأَخْبَار، نَحْو قَوْلك: إِن زيدا خَلفك، فَلَمَّا كفت عَن الْخَبَر وَ قَامَت مقَامه لم يصر كَالْأَجْنَبِيِّ من الِاسْم، وَإِن كَانَت فِي تَقْدِير مفعول الْخَبَر، فَجَاز الْفَصْل بهَا، لِأَنَّهَا قد صَارَت كالخبر، فَأَما غَيرهَا من الْأَسْمَاء فَلَا تقوم مقَام الْخَبَر فَصَارَ أَجْنَبِيّا مَحْضا، فَلم يجز أَن تتخلل بَين شَيْئَيْنِ، أَحدهمَا مَعَ الآخر كالشيء الْوَاحِد.
وَ الْوَجْه الثَّانِي: أَن الظروف فِيهَا اشْتِمَال على الْجُمْلَة الَّتِي تتَعَلَّق بهَا، فَقدمت الظروف و أخرت، فقد صَارَت بِهَذَا الاشتمال على الْجُمْلَة و التعلق بهَا و الاحتواء عَلَيْهَا بِمَنْزِلَة بعض الْجُمْلَة، وَ مَا لَيْسَ بأجنبي من الِاسْم وَالْخَبَر، فَجَاز لَك أَن تفصل بِهِ، فَجَاز الْفَصْل بهَا، وَلم يجز بغَيْرهَا تَقْدِير هَذَا الْمَعْنى و الفصل بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ هَذَا الْمَعْنى الَّذِي فِي الظروف.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا الَّذِي أحْوج إِلَى تَقْدِير فعل مَعَ الظروف غير الِاسْم الْمُتَقَدّم، نَحْو قَوْلك: إِن زيدا خَلفك، وَالْخلف غير زيد، وَ هُوَ فِي مَوضِع خَبره؟
قيل لَهُ: لَا يجوز أَن يكون ضمير فَاعله، وَذَلِكَ الضَّمِير يرجع إِلَى الْمخبر عَنهُ، فَبَان بِمَا ذكرنَا أَن الْخَبَر فِي الْحَقِيقَة (اسْتَقر) ، وَأَنه لابد من تَقْدِيره لما ذَكرْنَاهُ.
فَأَما الْفِعْل الْمَاضِي و المستقبل إِذا وَقعا فِي خبر (إِن) لم يتغيرا عَن حَالهمَا؛ لِأَن (إِن) قد بَينا أَنَّهَا من عوامل الْأَسْمَاء، و عوامل الْأَسْمَاء لَا تعْمل فِي الْأَفْعَال، فَسلمت الْأَفْعَال من عَامل فِيهَا، فَبَقيَ الْمَاضِي على فَتحه، و ارتفع الْمُسْتَقْبل لوُقُوعه موقع الِاسْم.
فَإِن قَالَ قَائِل: إِذا كَانَت (إِن) لَا يجوز أَن تعْمل فِي الْمَاضِي و المستقبل، كَمَا لم تعْمل فِي الظروف، وَ قد جوزتم تَقْدِيم الظروف، فَهَلا جوزتم تَقْدِيم الْفِعْل؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْفِعْل - وَإِن لم تعْمل فِيهِ (إِن) - فقد عملت فِي مَوْضِعه رفعا، وَيصير فِي الْمَعْنى كأنا قدمنَا مَا عملت فِيهِ.
وَأما الظروف فقد بَينا أَن الْعَامِل فِيهَا (اسْتَقر) وَلَيْسَ ل (إِن) عمل فِيهَا، وَلَا فِي موضعهَا، فَلذَلِك جَازَ تَقْدِيمهَا. وَكَذَلِكَ حكم الْجُمْلَة إِذا حلت مَحل الْخَبَر لَا يجوز تَقْدِيمهَا. فَهَذِهِ هِيَ الْعلَّة فِي الْمَنْع من تَقْدِيم الْفِعْل.
وَ وجه آخر: وَ هُوَ أَن (إِن) مشبهة بِالْفِعْلِ، فَكَمَا لَا يجوز أَن يَلِي فعل فعلا، فَكَذَلِك لَا يجوز أَن يَلِي مَا شبه بِهِ.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم جَازَ الْعَطف على مَوضِع (إِن وَلَكِن) وَلم يجز الْعَطف على مَوضِع بَاقِي الْحُرُوف - أَعنِي أخواتها؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن (إِن وَلَكِن) لَا يغيران معنى الِابْتِدَاء، و (كَأَن وليت وَلَعَلَّ) تحدث مَعَاني من التَّشْبِيه وَالتَّمَنِّي والترجي، فيزول معنى الِابْتِدَاء.
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن 1 ( الاعضاء: 0, الزوار: 1 )