" الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق " قال العوفي عن ابن عباس أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق يعني محمدا وأصحابه " إلا أن يقولوا ربنا الله " أي ما كان لهم إلى قومهم إساءة ولا كان لهم ذنب إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له وهذا استثناء منقطع بالنسبة إلى ما في نفس الأمر وأما عند المشركين فإنه أكبر الذنوب ثم قال تعالى " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض " أي لولا أنه يدفع بقوم عن قوم ويكف شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب لفسدت الأرض ولأهلك القوي الضعيف " لهدمت صوامع " وهي المعابد الصغار للرهبان " وبيع " وهي أوسع منها وأكثر عابدين فيها وهي للنصارى أيضا قاله أبو العالية وحكى ابن جبير عن مجاهد وغيره أنها كنائس اليهود وحكى السدي عمن حدثه عن ابن عباس أنها كنائس اليهود ومجاهد إنما قال هي الكنائس والله أعلم وقوله " وصلوات " عن ابن عباس الصلوات الكنائس
حدثني أحمد بن عثمان حدثنا شريح بن مسلمة قال حدثني إبراهيم بن يوسف
قال حدثني أبي عن أبي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يحدث قال
لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر
فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة
وهو ينقل من التراب يقول
( الله لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
قال ثم يمد صوته بآخرها )
(صحيح البخاري)
هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة
وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت
وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر ولا يصح حمل هذه على غير توبة لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا
فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن
لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل
" والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون "
ونزل "
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله "
حدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن جعفر الجزري عن يزيد بن الأصم
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم )
(أخرجه مسلم)
(" الظلم ثلاثة فظلم لا يغفره الله وظلم يغفره الله وظلم لا يترك الله منه شيئا :
فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك وقال " إن الشرك لظلم عظيم "
وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم
وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدين لبعضهم من بعض " ).
" قال الإمام أحمد . حدثنا عبد الصمد حدثنا أبي حدثنا حسين بن بريدة أن يحيى بن يعمر
حدثه أن أبا الأسود الديلي حدثه أن أبا ذر حدثه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
( ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة "
قلت : وإن زنى وإن سرق قال " وإن زنى وإن سرق " قلت وإن زنى وإن سرق قال
" وإن زنى وإن سرق " ثلاثا . ثم قال في الرابعة " على رغم أنف أبي ذر )
قال فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول :
وإن رغم أنف أبي ذر وكان أبو ذر يحدث بهذا بعد
و يقول : وإن رغم أنف أبي ذر .
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم
عن أبي إسحق عن عمرو بن ميمون عن معاذ بن جبل قال
كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير قال فقال
( يا معاذ تدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله قال قلت الله ورسوله أعلم
قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا
وحق العباد على الله عز وجل أن لايعذب من لا يشرك به شيئا
قال قلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا )
فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا
صحيح مسلم
هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله و سلامه عليه بأنه سيجعل أمته
خلفاء الأرض أي أئمة الناس و الولاة عليهم و بهم تصلح البلاد و تخضع لهم العباد
و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا و حكما فيهم و قد فعله تبارك و تعالى و له الحمد و المنة :
فإنه صلى الله عليه و سلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة و خيبر و البحرين
و سائر جزيرة العرب و أرض اليمن بكمالها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين وفد عليه
( أتعرف الحيرة ؟ )
قال : لم أعرفها و لكن قد سمعت بها
قال :
( فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة
حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد و لتفتحن كنوز كسرى بن هرمز )
قلت : كسرى بن هرمز ؟
قال :
( نعم كسرى بن هرمز و ليبذلن المال حتى لا يقبله أحد ) .
قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد
و لقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز و الذي نفسي بيده لتكونن الثالثة
لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قالها .
حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس عن خباب بن الأرت قال
شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو متوسد بردة له في ظل الكعبة
قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا
فقال عليه الصلاة و السلام
( كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار
فيوضع على رأسه فيشق باثنتين و ما يصده ذلك عن دينه
و يمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب و ما يصده ذلك عن دينه
و الله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت
لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه و لكنكم تستعجلون )
عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : أخبر الله عباده بعفوه وحلمه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته
فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا
" ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما "
ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال
وقوله ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه الآية
كقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى الآية
يعني أنه لا يغني أحد عن أحد وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها غيرها
ولهذا قال تعالى وكان الله عليما حكيما أي من علمه وحكمته وعدله ورحمته كان ذلك .
ثم قال ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا الآية يعني كما اتهم بنو أبيرق
بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح وقد كان بريئا وهم الظلمة الخونة
كما أطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ