فنجان قهوة، نكهة غامضة تتسرب بين أنامل أصابعك، تعصف بك الذكريات، تهب نسمة من أرض بعيدة، فتسقط على جفونك كغمامة حلم ضاع بين الأمس واليوم. الزهرة في حضن الريح، تهمس لك بأسرارٍ لا تقوى على حفظها، بينما عطارد، ذو الحواف الحادة، يشتعل في السماء، يلهب الأجواء بتساؤلاتٍ لا جواب لها. هل هذه السماء هي نفسها التي أحاطت بك منذ ولدت؟ أم أنها انفصلت عنك في مكانٍ آخر، حيث تلتقي الذكريات وتتشابك معها، وتستمر رحلة الأفق بلا نهاية؟
تمر الزهرة، رقيقة، متلألئة في المساء، وتندفع موجات من الألوان الزائلة لتغمر قلبك في وهجٍ جديد، لكن الأرض، تلك الأرض التي لا تتخلى عنك، تطبق عليك، تدور حولك، تلتصق بقدميك كما لو كانت روحك محتبسة في ثناياها. وعندما يمر المريخ، ينتزعك الحلم إلى أقصى الحدود، إلى فضاءٍ بعيد حيث يتحرر الزمن ويغدو كأثر من رمادٍ متطاير، هل عُدت لتكون جزءًا من هذا الحلم أم أنه جزء منك؟
ثم يأتي زحل، يمر بهدوءٍ قاتل، حلقاته التي تلتف حولك كقيودٍ لا ترى، تتركك في حالة من التردد بين الماضي والحاضر، حيث يتماهى الصمت مع الفكرة، ويغدو كل شيء غارقًا في البحر الهادئ الذي لا يُبحر فيه أحد. أورانوس، بذراته العاصفة، يفتح لك أبوابًا جديدة حيث لا تنتمي، فتسقط في متاهةٍ أخرى، متمزقًا بين فضاءاتٍ تتباعد وتنشد الانصهار.
لكن نبتون يأتي بهدوء، يغمر كل شيء بمياهه، حاملاً معه أمواجًا عميقة، تمزج بين السكون والفوضى، وتغرقك في لحظةٍ لا تعرف إن كانت بداية أم نهاية. لا شيء ثابت، فقط الزمان يمر بسرعة البرق، كما لو أنَّك عالق بين ذكرياتٍ قديمة وعواصفٍ لا تهدأ. أخيرًا، بلوتو، بعيدٌ عن الأنظار، يتسلل إلى عوالمك الخفية، حيث تلتقي الأحلام بالتفاصيل المفقودة، حيث الزمن يطوي نفسه في لحظاتٍ غير قابلة للفهم، لتغدو أنت جزءًا من الكون كما لو أنك لم تغادره أبدًا، تكمل المسير بين فنجان قهوة، تنهدة، ونسمة من أرضٍ بعيدة.
