يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والمبادرة إليها،
من حين ينادى لها والسعي إليها، والمراد بالسعي
هنا: المبادرة إليها والاهتمام لها، وجعلها أهم الأشغال، لا العدو الذي
قد نهي عنه عند المضي إلى الصلاة
فإن { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ } من اشتغالكم بالبيع، وتفويتكم الصلاة الفريضة،
التي هي من آكد الفروض.
{ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أن ما عند الله خير وأبقى، وأن من آثر الدنيا على الدين،
فقد خسر الخسارة الحقيقية، من حيث ظن أنه يربح، وهذا الأمر بترك البيع مؤقت مدة الصلاة.
{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ } لطلب المكاسب والتجارات ولما كان الاشتغال في التجارة، مظنة الغفلة عن ذكر الله، أمر الله بالإكثار من ذكره،
فقال: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح.
المصدر: كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"
الآية[الزمر:53].
هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة،
وإخبار بأن اللّه تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها،
وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة،
لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتبمنه،
عن ابن عباس رضي اللّه عنهما
أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا،
فأتوا محمداً صلى اللّه عليه وسلم
فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة،
فنزل: {والذين لا يدعون مع اللّه إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم اللّه إلا بالحق ولا يزنون}،
ونزل: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه}
(أخرجه البخاري ورواه مسلم وأبو داود والنسائي).
وعن ثوبان مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال،
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول:
"ما أحب أن ليالدنيا وما فيها بهذه الآية {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم}"
(أخرجه الإمام أحمد عن ثوبان رضي اللّه عنه)
إلى آخر الآية. وعن عمرو بن عنبسة رضي اللّه عنه قال:
جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال:
يا رسول اللّه إن لي غدراتوفجرات، فهل يغفر لي؟
فقال صلى اللّه عليه وسلم: "ألست تشهد أن لا إله إلا اللّه؟"
قال: بلى، وأشهد أنك رسول اللّه،
فقال صلى اللّه عليه وسلم: "قد غفر لك غدراتك وفجراتك"
(تفرد به أحمد من حديث عمرو بن عنبسة).
وروى الإمام أحمد، عن أسماء بنت يزيد رضي اللّه عنها قالت:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ: {إنه عمل غير صالح}
وسمعته صلى اللّه عليه وسلم يقول: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من
رحمة اللّه إن اللّه يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}
(أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي).
فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة،
ولا يقنطن عبد من رحمة اللّه، وإن عظمت ذنوبه وكثرت،
فإن باب الرحمة والتوبة واسع، قال اللّه تعالى: {ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده}،
وقال عزَّ وجلَّ: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسهثم يستغفر اللّه يجد اللّه غفوراً رحيماً}،
ففي الآيتين تَحَدٍّ، ولكن قدم الإنس على الجن في الأولى ، وقدم الجن على الإنس في الثانية
لأن مضمون الآية الأولى هو التحدي بالإتيان بمثل القرآن ، ولا شك أن مدار التحدي
على لغة القرآن ونُظُمِهِ وبلاغته وحسن بيانه وفصاحته،
والإنس في هذا المجال هم المقدمون ، وهم أصحاب البلاغة وأعمدة الفصاحة وأساطين البيان ،
فإتيان ذلك من قبلهم أولى ،
ولذلك كان تقديمهم أولى ليناسب ما يتلاءم مع طبيعتهم
أما الآية الثانية فإن الحديث فيها عن النفاذ من أقطار السموات والأرض ،
ولا شك أن هذا هو ميدان الجن لتنقلهم وسرعة حركتهم الطيفية وبلوغهم
أن يتخذوا مقاعد في السماء للاستماع .
( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم
ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)
الاحزاب . الاية 36 .
تفسير هذه الاية أنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمراً أن يختار من أمر نفسه ما شاء،
بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله واختاره له...
إلى أن قال: والخيرة مصدر بمعنى الاختيار.
ثم توعد سبحانه من لم يذعن لقضاء الله وقدره،
ومن يعص الله ورسوله في أمر من الأمور، ومن ذلك عدم الرضا بالقضاء
فقد ضل ضلالا مبيناً. ضل عن طريق الحق ضلالاً ظاهراً واضحاً لا يخفى.
فرض الله الصيام وبين وقته وهو شهر رمضان (الشهر التاسع من الأشهر القمرية)،
وقد ذكره الله باسمه تشريفا له، ففيه بدأ نزول القرآن الكريم،
ولم يكن صيام رمضان فرضا منذ نزوله،
بل تم ذلك في السنة الثانية للهجرة.
وبين الله تعالى أن القرآن الكريم هداية من كل ضلال،
فيه آيات واضحات تفرق بين الحق والباطل، بين النور والظلام.
ثم فسرهم فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[يونس:63]
،فأولياء الله هم أهل الإيمان والتقوى، هم الذين أخلصوا لله العبادة،
واستقاموا على دينه واتقوه-جل وعلا-, فأدوا فرائضه وتركوا محارمه
ووقفوا عند حدوده،
هؤلاء هم أولياء الله، أهل الإيمان والتقوى، أهل البصيرة، أهل الصدق،
الذين أخلصوا لله العبادة, ولم يشركوا به شيئا، ثم أدوا فرائضه،
وابتعدوا عن محارمه, ووقفوا عند حدوده،
هؤلاء هم أولياء الله، ليس عليهم خوف ولا حزن بل لهم الجنة والكرامة والسعادة،
في هذه الآية الكريمة أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[يونس:62-63]،
لا خوف عليهم في المستقبل ولا يحزنون على ما خلفوا في الدنيا،
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد أتبعه بالوعد ،
ولما ذكر في الكفار أن جهنم نزلهم ، أتبعه بذكر ما يرغب في الإيمان والعمل الصالح .
فقال : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ) .
المسألة الثانية : عطف عمل الصالحات على الإيمان ،
والمعطوف مغاير للمعطوف عليه
وذلك يدل على أن الأعمال الصالحة مغايرة للإيمان .
المسألة الثالثة : عن قتادة : الفردوس وسط الجنة وأفضلها ،
وعن كعب : ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس ،
وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، وعن مجاهد الفردوس هو البستان بالرومية ،
وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :
( الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام ،
والفردوس أعلاها درجة ، ومنها الأنهار الأربعة ، والفردوس من فوقها ،
فإذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإن فوقها عرش الرحمن ،
ومنها تتفجر أنهار الجنة ) .
المسألة الرابعة : قال بعضهم إنه تعالى جعل الجنة بكليتها نزلا للمؤمنين ،
والكريم إذا أعطى النزل أولا فلا بد أن يتبعه بالخلعة ، وليس بعد الجنة بكليتها إلا رؤية الله ،
فإن قالوا : أليس أنه تعالى جعل في الآية الأولى جملة جهنم نزلا للكافرين ،
ولم يبق بعد جملة جهنم عذاب آخر ، فكذلك ههنا جعل جملة الجنة نزلا للمؤمنين ،
مع أنه ليس له شيء آخر بعد الجنة ،
والجواب : قلنا للكافر بعد حصول جهنم مرتبة أعلى منها وهو كونه محجوبا عن رؤية الله
كما قال تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم )
[المطففين : 15 ، 16]
فجعل الصلاء بالنار متأخرا في المرتبة عن كونه محجوبا عن الله ،
ثم قال تعالى : ( لا يبغون عنها حولا ) الحول التحول ،
يقال : حال من مكانه حولا كقوله عاد في حبها عودا
يعني لا مزيد على سعادات الجنة وخيراتها ، حتى يريد أشياء غيرها ،
وهذا الوصف يدل على غاية الكمال ؛
لأن الإنسان في الدنيا إذا وصل إلى أي درجة كانت في السعادات ،
فهو طامح الطرف إلى ما هو أعلى منها .
التفسير الكبير المسمى البحر المحيط
محمد بن يوسف الأندلسي
الذين ينفقون أموالهم في اليسر والعسر, والذين يمسكون ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر, وإذا قَدَروا عَفَوا عمَّن ظلمهم. وهذا هو الإحسان الذي يحب الله أصحابه.
والذين إذا ارتكبوا ذنبًا كبيرًا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه, ذكروا وعد الله ووعيده فلجأوا إلى ربهم تائبين, يطلبون منه أن يغفر لهم ذنوبهم, وهم موقنون أنه لا يغفر الذنوب إلا الله, فهم لذلك لا يقيمون على معصية, وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم .
أولئك الموصوفون بتلك الصفات العظيمة جزاؤهم أن يستر الله ذنوبهم, ولهم جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها المياه العذبة, خالدين فيها لا يخرجون منها أبدًا. ونِعْمَ أجر العاملين المغفرة والجنة.