يعني الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم
من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له،
قال ابن عباس: أي يخرج من أصلابهم من يعمل بطاعة الله فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة.
سئل الحسن البصري عن هذه الآية، فقال: والله لا شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولداً،
أو ولد ولد أو أخا أو حميما مطيعا لله عز وجل
، وقال ابن عباس أئمة يقتدى بنا في الخير،
قال غيره أجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير
"اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" ) كلمة اليوم يمكن ان تقال علي كل ازمنة الحياة, حتي الي غروب العمر ان أردت , لان التوبة لا تطلب بحسب كمية الزمن بل بحسب ميل القلب ,أهل نينوي لم يحتاجوا الي أيام كثيرة ليرفعوا خطيتهم ,بل في يوم واحد فقط نالوا محو أثامهم ,اللص لم يستغرق وقتآ حتي يدخل الفردوس , نطق كلمة فأغتسل من جميع خطاياه التي أرتكبها طيله حياته ,ونال المكافأة قبل الرسل.
5- قد مكر الذين من قبلهم : المكر خلق ذمه الله ولم يمدحه فيما يخصه إلا في حالة واحدة حينما جعله جزاء من جنس العمل، ولذلك البشر يمكرون ويكيدون يحسبون أن الله لا يعلم سرهم ونجواهم، قال تعالى :
{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)} النحل
تأملت في لفظة القواعد فحاولت اربط بينها وبين الشعوب التي يزايدون عليها، ويعتمدون عليها في تثبيتهم في كراسيهم ، وكذلك لفظة السقف، وهو الذي يلجأ الإنسان له ليقيه من الحر والبرد والرصاص ومكر الأعداء، فكيف الحال حينما تهتز به قواعد ملكه ، فيخر عليهم السقف الذي كانوا يظنون انه يحميهم، وذلك هو من مكر الله بالظالمين جزاء سوء على عملهم.
وقال تعالى :
نزلت الآيات في بني النضير من اليهود الذين حاربوا الله ورسوله، فانزل الله عليهم عذابه وسخطه وجعل فيهم عبرة
والمعنى الآخر هو أن الرعب جندي من جنود الله لا يحركه إلا الله ، إذا استطاع المؤمنون الاستفادة منه ، فانه يغنيهم عن إي سلاح ، وبأقل الخسائر ،ومهما تعب الناس في استجلاب هذا السلاح الفتاك ، فليسوا بخاسرين.
والمعنى الثالث، إن الذين يشاقون الله ورسوله ويعاندون ما جاء في كتابه وسنة رسوله فان هذا مصيرهم مهما تضخموا وتمترسوا وجمعوا مالا ورجالا فان الله سيصيبهم بذنوبهم ويسلمهم بكل سهوله (لعباده المؤمنين ) الذين سماهم الله في الآيات السابقة (أولي الابصار).
قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)} الحج صدق الله العظيم، هذا الوصف للكون الذي هو مملوك لله والذي يكون من الطبيعي أن الناس لا يخرجون عن تلك الطبيعة، ففي حين استجابت السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب بالإجماع ، لم يجمع كل الناس على ضرورة الخضوع لله استجابة لأمر الله، فاستجاب كثير من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وكثير حق عليهم غضب الله ، ومن بعض صور الغضب وقوع الإهانة والإذلال من الله ، فإذا نزل هذا النوع من العذاب لا يستطيع من في الأرض، أصدقاء وأحباب وأقارب وحتى القوى الخارجية من الدول الصديقة والشقيقة، كلهم لا يملكون لهم من الله شيئا، لان أصل المشكلة نزول غضب الله تعالى، هذا الغضب كان من بعض آثاره أن جعل أصدقاء الأمس، أول من يتخلون عنهم، وذلك من قسوة العذاب ومكر الله بهم، بلغ مكر الله بهم من الشدة، ان جعل أولئك الأصدقاء سببا في تنفيذ عقوبة الإهانة والإذلال من الله تعالى.
فسبحان الله ، ونعوذ به من زوال نعمته وتحول عافيته وفجأءة نقمته وجميع سخطه
وبعد هذه الآيات نعلم أن سنة الله تعالى قد قضت أنه لا يمكن أن يدوم الباطل كثيرا، بل لا يدوم الحق كثيرا، لحكمة بالغة يعلمها الله تعالى، ولذلك يجب على المؤمن أن لا ييأس من روح الله ولو أظلمت عليه الأرض بما رحبت بظلم الظلمة وفساد المفسدين، فان الله سيبعث عليهم من يسومهم سوء العذاب حتى تكون العاقبة للمتقين والغلبة لعباد الله الصالحين.